المأزق الأكبر لحزب الإصلاح.. لماذا يصر على بقاء الحرس القديم
بقلم/ رصين الرصين
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 13 يوماً
السبت 18 أغسطس-آب 2012 02:08 ص

يدرك عقلاء المؤتمر جيدا أن بقاء صالح فيه كفيل بالقضاء المبرم عليه، ومثله ترشيح ابنه - أو حتى أحد المحسوبين عليه - للرئاسة في الانتخابات القادمة..

كذلك يدرك تماما الإصلاح - وبشكل أكبر وأوضح -أن أسهمه بدأت تتضاءل في الساحة السياسية، وأن المخرج الوحيد من هذا المأزق - والحل لهذه المشكلة - هو في انتهاج سياسة إخوان مصر، الذين أعلنوا - بمجرد فوز مرسي - أنهم يفكرون جدياً في فصل العمل الديني والدعوي والخيري \"الجماعة\" عن العمل الحزبي والسياسي\"حزب الحرية والعدالة\"..

وهذا الفصل - الذي لا بد منه - هو \"العلمانية أو الليبرالية الإسلامية\" التي نادى بها، ودعا إليها - في العقدين الماضيين - بعض القيادات الإصلاحية السابقة، وعلى رأسها الكاتبان الصحفيان :نصر طه مصطفى ونبيل الصوفي.. حينها انتهى الأمر بطردهما من حزب الإصلاح، وهو ما تم تصويره على أنه استقالة؛ حفاظا على كرامة الرجلين - وعلى سمعة الحزب - لكي يظهر في صورة ديمقراطية متحضرة، وليس همجية لا تقبل النقد الداخلي، وتعاقب من يتجرؤ عليه بالفصل والطرد..

لقد خسر الإصلاح كثيرا بخسارة هذين القلمين الكبيرين، ولم تمض الأيام بعيداً حتى كشفت صواب وجهة نظرهما، خاصة بعد الثورة.. ولقد تركا فراغا كبيرا لم يتم سده حتى الآن؛ فلا يوجد في كوادر الإصلاح كاتب ولا محلل ومفكر سياسي بوزنهما.. وحتى التيار المستنير المنفتح في الإصلاح - الذي يدعو اليوم إلى ما يشبه دعوتهما القديمة - كشوقي القاضي وعبدالله دوبلة - ليس لهما مكانة ولا شهرة هذين الرجلين.. وهذه الأفكار المستنيرة لمصطفى والصوفي هي التي قادت بعد ذلك إلى اندماج الإصلاح فيما عرف - فيما بعد باللقاء المشترك - الذي يحوي الناصريين والاشتراكيين وحتى الشيعة الزيدية..

لقد وقع حزب الإصلاح - منذ التأسيس - في خطأ كبير، وهو الاعتماد على عنصرين رئيسيين في قياداته الكبرى كالهيئة العليا والأمانة العامة وهما:

1- تيار مشايخ القبائل، الذي كان يمثله الرئيس الراحل للإصلاح عبدالله الأحمر، ومن بعده أولاده، خاصة عضو الهيئة العليا حميد..

2- تيار مشايخ الدين وعلى رأسهم عبدالمجيد الزنداني، الذي يعترف الجميع بأنه السبب وصاحب الفضل الأكبر في زيادة عدد أعضاء الإصلاح المنظمين عاما بعد آخر؛ من خلال محاضراته ذائعة الصيت، وشعبيته الكبرى في جميع المحافظات اليمنية - خاصة في أزمة الدستور في التسعينيات - وهو يحظى بقبول كبير حتى لدى المثقفين من غير الإسلاميين..

هذان العنصران ظلا يتحكمان في مفاصل الإصلاح وسياساته ومنهجه، وعلاقاته بالدولة والأحزاب الأخرى وحتى علاقاته الخارجية، وفرضا نجاحهما في مؤتمراته السابقة جميعا، وحتى لو أجريت انتخابات، فالجميع يعلم أنها شكلية صورية لا قيمة ولا تأثير لها؛ شأنها شأن ترشح الأحمر وأولاده في الانتخابات البرلمانية، ومعروف أنه كان يتم على الدوام - دورة بعد دورة، وبالتوافق مع المؤتمر - اختياره لا انتخابه رئيسا للبرلمان..

وبقدر ما استفاد الإصلاح السياسي من هذين العنصرين - في توسيع رقعته وزيادة شعبيته - تضرر إعلاميا وحزبيا وسياسيا بشكل كبير، خاصة حين اتخذ القرار بالمشاركة في الثورة الشعبية العام الماضي.. وقد ظهر جليا خطورة هذين التيارين على العمل الحزبي والسياسي؛ بسبب علاقة التيار الديني المشبوهة بتنظيم القاعدة، وهو ما ظهر جليا في موقفه المتخاذل من الحرب ضد القاعدة، وفتاواه التي يمكن تفسيرها على أنها تعاطف.. وفي الجانب الآخر السمعة السيئة لتيار مشايخ القبائل، الذي ارتبط - منذ ما بعد ثورة سبتمبر 1962 - بالعمالة لدول الخليج، وسعيه لتخريب وتعطيل القضاء- والحول دون قيام دولة مؤسسات مدنية؛ سيؤدي بالضرورة لتكريس مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فيصبح الشيخ والمواطن العادي سواء أمام القضاء والقانون - وهذا ما لا يمكن أن تتحمله ثقافة أولئك المشايخ؛ لذلك سعوا لتكريس وترسيخ أركان النظام السابق، الذي احتضنهم وجعل لهم ولأولادهم والمحسوبين عليهم الأولوية في التوظيف والترقيات المدنية والمناصب العسكرية فضلا عن المدنية، وحتى الدبلوماسية.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لقد انكشف مؤخرا أنه كان يخصص لشراء ذممهم وولاءاتهم ميزانية ضخمة..

صحيح أن تحول الإصلاح إلى العلمانية السياسية - أسوة بإخوان مصر وحتى سلفييها - هو المخرج الوحيد من هذه الأزمة.. لكنه يظل من الصعب اتخاذ قرار بهذا؛ فقد يكون تيار شباب الإصلاح - الذي شارك في الثورة - مقتنعا بهذه الأفكار، وبضرورة تنحية رجال الدين ومشايخ القبائل عن العمل السياسي والحزبي في الإصلاح، لكن - من بين عواقب وخيمة كثيرة - فإن عدد هؤلاء لا يساوي ربع عدد أفراد القوة الناخبة لحزب الإصلاح في قواعده الشعبية غير المنظمة؛ بسبب تبعيتها الكاملة والمطلقة لأحد التيارين السابقين..

وصحيح أيضا أن الإصلاح قادر على الاستغناء عن خدمات حميد وأمواله، لكن حميد - وحده إذا انشق عن الإصلاح - سيسحب وراءه مئات آلاف الأصوات الانتخابية، ممن يدينون له بالولاء خاصة قبائل حاشد وغيرها..

وصحيح أن الإصلاح قادر على تنحية الزنداني والتيار الديني المتشدد - الرافض حتى هذه اللحظة للديمقراطية كنظام ومنهج سياسي - لكن انسحابه لن يختلف كثيرا عن انسحاب حميد.. ولأنه ليس في السياسة صديق دائم ولا عدو دائم، ففي حال انشقاق هذين التيارين عن الإصلاح، فلا شك أن التيارات الليبرالية والعلمانية - خارج المشترك - ستحاول استقطابهما - وستستفيد كثيرا من شعبية الزنداني وأموال حميد.. وهذا سيقود بالضرورة إلى تحجيم حزب الإصلاح كثيرا؛ وخسارته ليس فقط الانتخابات بل سيقل زخمه ويضعف كثيرا؛ بحيث ربما يأتي يوم لن يتجاوز فيه عدد أعضائه المنظمين عشرات الآلاف، وهذا ما سيحوله من أكبر حزب معارض، إلى حزب صغير كأندية الدرجة الثانية أو الثالثة في كرة القدم.. خاصة أن جزءا من تمويله يعتمد على الاشتراكات التي يدفعها أعضاؤه المنظمون - والتي لا تقل عن 5% من الدخل الشهري - في بلد معدل رواتب موظفيه من أقل المعدلات العالمية - حتى على مستوى الدول الفقيرة - وفي بلد يعد من أفقر دول العالم..