|
- الرياض.. المدينة التي أنست الصحراء رمالها
- الصحافة في السعودية مؤسسية ولايوجد صحافة فردية ولاحكومية
- كتاب الرأي اليمنيين غائبين في الصحافة السعودية بسبب ضعف وسائلنا الإعلامية
- المغتربون بحاجة لتعامل جدي من قبل القنصلية لحل مشاكلهم
- الرقابة على الكتب في معرض الكتاب في الرياض تتراجع للعام الثاني على التوالي
مأرب برس- غمدان اليوسفي
مشهد ليلي ساحر تدخره العاصمة السعودية (الرياض) لعينيك وأنت تحلق في سماءها قبل الهبوط.. أنوار تشي لك بشيء مختلف، بمدينة فتحت لها الصحراء ذراعيها لتسترخي بدون ترقب.. هاهي جدائلها مستلقية في رمال نسيت ذراتها..
مدينة لاتحتفي بالفراغ كثيرا.. تهم بالزمن، لكنها لاتكترث بالطقس والغبار.
هي الرياض.. تصلح كمدينة رسمية للتناقضات، بدءا من الطقس الذي يتغير في اليوم الواحد ألوانا كثيرة، فحينا يلفها الغبار، وثانية يجمدها البرد، لكن الحرارة صارت صديقة حميمة بالنسبة لها.. غير أن تلك التناقضات لم تلغ الكثير من الهوية التي ألفها العربي الصحراوي، برغم كل مظاهر الحداثة التي تلف شوارعها الواسعة.
الرياض نموذج للمدينة العصرية، بنية تحتية مكتملة، وتخطيط حضري أتاح لها دوام التمدد في كل الاتجاهات، لتصبح أكبر المدن العربية، تنظر من عالي مبانيها في جميع الاتجاهات فلا ترى نهاية لأضواء شوارعها الزاهية.
قد لاتجد لها كنية تلائمها غير كنية "عاصمة القهوة العربية"، فالقهوة لاتغفل عنك في أي محفل.. تباغتك تحت كل سقف، بدءا من الطائرة التابعة للخطوط السعودية، وبهو الفندق وانتهاءً بأي مكان تفكر بزيارته.. حتى صالون الحلاقة.. ولا ننس التمر فهو الرفيق الدائم لكوب القهوة.
لن تضطر لأن تشرب القهوة لأي سبب، فوضع إصبعين على فوهة الكوب الصغير تكفي للدلالة على الإكتفاء، لكن وشاية النكهة تجعلك مترددا أمام حامل القهوة، تبقى صامتا عن الحركة، فإن امتلأ الكوب ثانية "كان بها" وإن لم، فغيرها تنتظرك في مكان آخر.
عاصمة للنخل، فكل الشوارع توحي بذلك، أما الورود، فإنها تنام في الأرصفة وجزر الاسفلت بلا خوف.
ربما لاتجيد الاعتراف بأن أشياء كثيرة تأسرك طوال حركتك اليومية، فالاعتراف كما الجمال يظهر نفسه بلا وسيط، على الأقل ستبدي إعجابك بأي شيء لسائق لايعرف عنك حتى اسمك، هي حقائق الأشياء التي تربك وعيك، وتبدد انتصارك على تصوراتك للأشياء والأشخاص.
أنت في بلد يسير بقانون، عليك أن تفهم هذا إذا، العشوائية هنا لاتجدي فأنت هدف لجهة تنفذ ذلك القانون.. ببساطة تصبح كل يوم فتجد يدك تذهب ببساطة لتلتقط جواز السفر، تضعه في جيبك كأمر اعتيادي لايمل، تشعر بأنك ككل الناس ملتزم وقانوني.
لتدرك أنك في مكان مختلف تنصت جيدا لصوت الشارع، لن تصدق أذنيك!! إنهم لايستعملون منبه السيارات (الهاون)، تسير المركبات بسرعة وسلاسة، كل يعرف خطه، ومن يستخدم المنبه يجد نفسه وسط نظرات تستدعي كثيرا من الحرج.
ستكون سعيدا مع شاب جامعي سعودي ينتظر مثلك أمام مكتبة (جرير) قبل أن تفتح، سيحدثك -بعد التعارف- عن محمد حمود الحارثي، وأيوب طارش وأغنية (جوال)، والسنيدار، وفيصل علوي.. هو بالمناسبة لايعرف اليمن، إنه من جنوب السعودية، لكنه يتحدث عن الكثير من أشياء تخص اليمن.
أنت لاتعرف السعودية، لذا سيتوجب عليك أن لاتأخذ كل شيئ بمحمل الحسم، فقد تجد نفسك أمام صورة عكسية لاتشبع رغبة قناعاتك المسبقة، فمثلا قد لاتتوقع أن تجد كما كبيرا من الناس داخل مكتبتي (جرير) و(العبيكان)، تشعر أن المكتبات لاتفتح إلا هذا اليوم برغم أنها وعشرات من فروعها تفتح يوميا حتى الحادية عشرة مساءا.. إنها مكتبات مشبعة بكل ماترغب من العناوين الحرة والتخصصية وبلغات كثيرة، والأهم من هذا أن أغلب العناوين رخيصة جدا مقارنة ببعض الموجود في مكتباتنا، ومعارض الكتاب التي تقام في صنعاء كل عام.
حضر الوفد الإعلامي اليمني افتتاح المعرض الدول للكتاب في الرياض بدعوة من وزير الثقافة والإعلام، المعرض ضم أكثر من 550 دار نشر.. في المعرض بإمكانك الحصول على الكتب التي كان يخيل إليك أنها لن تدخل إلى السعودية بفعل الرقابة.. يتحدث الكثيرين إن أمر الرقابة على الكتب التي تدخل معرض الكتاب أصبحت أقل حدة منذ معرض العام الماضي، وأصبح بإمكان القاريء في السعودية الحصول على أي كتاب.
وبالرغم من أن الصحافة السعودية تحدثت عن غلاء الكتاب إلا أني وكثير من الزملاء ممن اقتنوا بعض العناوين وجدنا أن الأسعار أرخص مقارنة بالأسعار هنا في معرض الكتاب الذي يقام سنويا، وكذلك من أسعار الكتب في المكتبات هنا، وذلك بأسعار تصل بعضها إلى نصف المبلغ الذي تباع به الكتب هنا.
بعيدا عن أجواء الكتاب، ربما أن الشيء الذي لاتحبذه في الرياض هي تلك الصعوبة بالتواصل بين الناس، وصمت الشوارع عن عبور المشاة.. كل شخص يقود سيارته، بصمت وقلما تجد رجلا يعبر الشارع.. هذا الأمر يجعل من الصعوبة أن تفكر بقطع الشارع إلى الجهة الأخرى، فالسرعة القانونية التي تسير بها السيارات في الشوارع لاتقل على 70 كيلومترا في الشارع.
تفاصيل من الرحلة
أربعة عشر إعلاميا حطت حقائبهم في مطار الملك خالد الدولي، انتظروا بعض الوقت ليتم إنجاز تأشيرات الدخول وكان خارج البوابة رجل في الانتظار، هو الرجل الذي كان دائم التردد على الوفد، كريم وصاحب مبادرة، ذلك هو الدكتور مقبول الرفاعي أمين عام الاتحاد الرياضي للجاليات.. هذا الرجل يتمتع بحضور وأخلاق عالية وحضي بإعجاب أعضاء الوفد، وهو الوحيد الذي لحق بالوفد الإعلامي حتى مطار الملك خالد بالرياض.
الزيارة حظيت بترتيب جيد على الأقل كونها الزيارة الأولى لوفد صحفي سيحصل على ثلاث دورات تدريبية في معهد الأمير أحمد بن سلمان الذي لازال حديث العهد، لكن مستوى اختيار المدربين ونوعية الدورات أظهر حرفية عالية.
كان حفل الافتتاح بمشاركة المسؤول التنفيذي في المعهد أحمد الطحيني، بعدها بدأت دورة مهارات التعامل مع الرأي العام الذي درب فيها مدير عام وكالة قدس برس أحمد رمضان واستمرت لثلاثة أيام نفذ خلاله الإعلاميون من اليمن ثلاثة مشاريع لاستراتيجيات التعامل مع القضايا وهي القات، والانتخابات النيابية، والانضمام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كمشاريع تنفيذية للدورة التدريبية.
كان المدرب أحمد رمضان مجيدا للتعامل مع موضوع الدورة، وحظي بإعجاب الإعلاميين اليمنيين.
كان موضوع الدورة الثانية هو (الصحافة التخصصية) وهذه الدورة حاضر فيها ثلاثة من الإعلاميين السعوديين وهم عدنان جابر متخصص في الصحافة الاقتصادية ومدير القسم الاقتصادي في مكتب صحيفة الوطن في الرياض.
وفي الصحافة الرياضية حاضر فيها كلا من مدير تحرير صحيفة الرياضة علي الشريف، وخلف ملفي رئيس القسم الرياضي في صحيفة الشرق الأوسط، بينما حاضر في الصحف والمجلات المتخصصة الأكاديمي الدكتور عبدالله الطاير.
في هذه الدورة أظهر الصحفي عدنان جابر مهارة عالية في التعامل مع القضايا الاقتصادية وحظيت محاضراته بتفاعل كبير من الصحفيين اليمنيين خصوصا فيما يتعلق بموضوع أسواق الأسهم حيث أوضح للصحفيين أهم التفاصيل في هذا الموضوع إلى جانب مهارة التعامل مع المصادر وخلقها في ذات المجال.
في الجانب الرياضي كان المدربين من صحيفتي الرياضية اليومية والشرق الأوسط، وصحيفة الرياضية تعد من أكثر الصحف انتشارا في السعودية وذلك لتخصصها الذي يحظى بجمهور واسع هناك، وكذلك الشرق الأوسط التي تمنح مساحة واسعة للرياضة إلى جانب ملحقها الأسبوعي الذي هو عبارة عن مجلة رياضية متخصصة.
حاضر المدربين عن كثير من الأشياء المتعلقة بالصحافة الرياضية والتعامل مع قضاياها وكذلك الجانب الفني من إخراج وجرافيكس ورسوم بيانية وماشابه ذلك من الفنيات المستخدمة في الصحافة الرياضية.
أما الدورة الثالثة فقد كانت متعلقة بالصحافة الاحترافية وهي الدورة التي حاضر فيه الصحفي في وكالة الصحافة الفرنسية جوزيف بدوي، حيث ركزت الدورة على مناقشة المهارات الفنية واستعراض لتجارب الزملاء الصحفيين إلى جانب استعراض تجارب أخرى من لصحفيين يعملون في وكالات الأنباء العالمية.
وفي إطار الحديث عن التدريب والتأهيل الإعلامي فإنه يتواجد عدد من أقسام الإعلام في عدد من الجامعات السعودية أبرزها قسم الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود، وغيرها، أما معهد الأمير أحمد بن سلمان فهو معهد خاص متخصص بالتدريب الإعلامي في جميع التخصصات، صحافة وإذاعة وتلفزيون، ويضم المعهد قاعات تدريبية للصحافة والإخراج الصحفي بما يتطلبه من الأجهزة والمعدات، وكذلك استديوهات إذاعية وتلفزيونية يقوم بالتدريب عليها متخصصين من الفنيين والمخرجين.
الواقع الإعلامي
من باب الصراحة يجب الاعتراف أولا قبل الحديث عن الواقع الإعلامي في السعودية أنه لايوجد مجال للمقارنة بينها وبين الصحافة اليمنية.. أولا في المجال الفني البحت، فالصحافة في السعودية قبل كل شيء مؤسسية ولايوجد صحافة فردية، وجاء هذا الأمر بقرار حكومي أنهى مسألة صحافة الأفراد وذلك في سبعينات القرن الماضي وقرر العمل بصحافة الشراكة والمؤسسات.. هذا الأمر جعل الصحافة السعودية قليلة العدد كثرة الحضور.. صحف بعدد أصابع اليد لكنها تغني عن مئات المطبوعات المكررة كما هو حاصل هنا.
تصدر الصحف مع أعدادها ملاحق يومية وأسبوعية في جميع المجالات تجعل من الصحيفة أكثر إشباعا لرغبات القراء.. وتعد الملاحق الاقتصادية أهم الملاحق التي تنشر برفقة الصحف بشكل يومي، وذلك لأن القراء أصبحوا مرتبطين كثيرا بأمر الأسهم والتداولات، إضافة إلى الحراك الاقتصادي الحاصل في كثير من القطاعات.
غالبية الصحف في السعودية تملك مطابع خاصة بها، وهذا الأمر أصبح بعيدا عن النقاش لأنه أصبح من الاعتيادي أن "وجود الصحيفة يعني وجود مطابع لها".
زار الوفد الإعلامي اليمني ثلاث صحف تقع في مبنى واحد تابع للشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تضم في إطارها سبع شركات متخصصة في الطباعة والنشر والدعاية والإعلان والتوزيع وغيرها.
طاف الوفد بأقسام صحف الاقتصادية والرياضية والشرق الأوسط وكذلك مجلة (المجلة) ومجلة (باسم) ..قاعات ضخمة للتحرير الصحفي، يعمل الصحفيين كل على جهازه الخاص ويقوم بإرسال عمله عبر نظام شبكة واحدة ويرسل عمله إلى المختص ويصل بذات السلاسة إلى المخرج الفني والمنفذ بآلية بسيطة وسلسة.
هذا النظام يتواجد في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) لكن الفارق أن النظام هنا يتم للعمل في وكالة أنباء وفيها وحدها فقط، بينما يتم هناك في كل الصحف، أو على الأقل التابعة لهذه المجموعة.
وفقا لحديث المسؤولين في تلك الصحف فإن التوزيع لايقل على 60 ألف نسخة في الأيام الاعتيادية وترتفع النسب في أيام المواسم الرياضية والاقتصادي إلى أعداد كبيرة قد تصل إلى الضعف.
تمتلك المجموعة السعودية مطابع ضخمة وهي شركة منفصلة تسمى "شركة مطابع هلا" وتعد أكبر شركة مطابع في المملكة حيث تضم عددا كبيرا من الآلات وتطبع لديها غالبية المجلات الكبيرة مثل مجلات (الرجل)،(روتانا)،(الأسرة)،(هي) وغيرها من المجلات التخصصية التي لاتوزع خارج المملكة، إضافة إلى أنها تقوم بطباعة أغلفة عدد كبير من المنتجات الغذائية والعطور والمواد الاستهلاكية الأخرى.
وفقا للحديث مع المدير التنفيذي للشركة فأن الشركة تقوم بطباعة الأعمال الكبيرة والواسعة التوزيع مؤكدا أن الشركة لاتقبل طباعة أي مجلة يقل عدد نسخها عن 8 آلاف نسخة.. وناقش الصحفيين مسألة إمكانية طباعة الكتاب المدرسي اليمني فأبدى المسؤول في الشركة اهتماما بالموضوع.
التقى الوفد الصحفي برئيس المجموعة السعودية للأبحاث والنشر عبدالله الدليقان، وقد عين قريبا كرئيس للمجموعة.. تحدث خلال مأدبة غداء أقامها للصحفيين اليمنيين عن عمله في اليمن في فترة سابقة وذلك في كهرباء المخاء، وميناء عدن وغيرها من المشاريع وذلك أثناء عمله مع الصندوق السعودي للتنمية.
تحدث الصحفيين اليمنيين مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات تلك وقد شرح رؤساء التحرير طريقة سير العمل في تلك الوسائل فنيا ومهنيا.
الحرية والانتشار
لم يظهر الحديث إلى السطح كثيرا حول مسألة حرية التناول للقضايا أو للأشخاص خلال زيارة الإعلاميين اليمنيين للسعودية، شيء من الحديث حول إن القضايا بإمكانك تناولها كيف ماتريد بدون أي خشية، لكن هناك حساسية من تناول الشخص كشخص، ولكن كمؤسسة فالأمر ليس فيه حرج.. تطرح القضايا بشكل واسع وبتواصل، وتنجح الصحافة بتوصيل كثير من الأمور، ويتم التجاوب بشكل أسرع نظرا لاحترام الجميع للقانون.
وبلغة أكثر وضوحا قال الدكتور صالح النملة وكيل وزارة الإعلام لشؤون الإعلام الخارجي حين طرح عليه سؤال مقارب من أحد أعضاء الوفد بأن هناك حرية بلاحدود في التناول الإعلامي عدا في تناول شخصية الملك "لأنه رمز الدولة" وفقا لقوله وماعداه فإنه متاح.
أجمل ماتشاهده في الرياض هو انتشار صناديق اشتراكات الصحف على بوابات العمارات السكنية والمكاتب، حيث تواجهك تلك الصناديق التي تبرز شعارات الصحف في واجهاتها وذلك في كل الأمكنة.. تجد الصحف في كل الفنادق والمؤسسات، ولاتجد تمييزا بين صحيفة وأخرى، أما في الشارع فتجد الصحف ببساطة في البقالات وليست في أكشاك كما هو حاصل هنا، وهو الأمر الذي يسهل عملية اقتنائها في أي مكان.
تعمل الصحف السعودية كثيرا على موضوع الاشتراكات وتسعى بكل الوسائل للحصول على الاشتراكات، حيث تقوم الصحف بحملات ترويجية للاشتراكات وتغري القاريء بالحصول على هدايا فورية بينها كاميرات فيديو وكاميرات فوتوغرافية وسحوبات على سيارات ومنازل وغيرها، ويمكن القول أن الاهتمام بالاشتراكات يوازي الاهتمام بالتوزيع.
في الرياض ستجد الحضور الأكبر للصحف الصادرة من الرياض، مثل (الرياض)،(الجزيرة)، وفي المقدمة بالتأكيد (الشرق الأوسط) و(الحياة)، وبالرغم من وجود الصحف الأخرى مثل (عكاظ) التي تعد الأوسع انتشارا في المملكة وفقا لتقييمات مؤسسة دولية تعنى بانتشار الصحف، إلا أن المساحة التي تحتلها في مكان صدورها أكبر وأوسع، فهي تسيطر على مدن مثل جدة، حيث تعد الأكثر حضورا فيها إلى جانب المدن القريبة منها، وصحيفة (المدينة) أيضا تسجل حضورها في المدينة المنورة، ويظهر ذلك حتى في السوق الإعلانية حيث تكثر إعلانات جدة في صحيفة عكاظ بينما إعلانات الرياض في الرياض، والجزيرة التي تعد أرخص الصحف من ناحية قيمة المساحات الإعلانية وفقا لحديث إعلاميين سعوديين.
وتجني الصحف السعودية مبالغ طائلة من وراء الإعلانات وتصل قيمة الإعلان في صفحات الصحف هناك إلى أكثر من 70 ألف ريال سعودي، وبرغم تلك المبالغ التي نعتبرها كبيرة مقارنة بنا إلا أن الإقبال متزايد على الإعلان من قبل الشركات والمؤسسات، ويعد سعر الإعلان في صفحات (الحياة) و(الشرق الأوسط) الأغلى بين الصحف السعودية وفقا للمسؤولين في المجموعة السعودية للأبحاث والنشر.
ولأنه لايوجد صحف تابعة للحكومة فإن الأمر أتاح للمؤسسات التنافس بشكل أظهر منتجا إعلاميا مقبولا ومهنية عالية حفاظا على الدقة التي من خلالها تكون الصحيفة أكثر موثوقية لدى المعلنين، وهو الهدف الأسمى لتلك الصحف على اعتبار أنها استثمار يهدف إلى الربح أيضا.
حول تواجد المرأة الصحفية في السعودية فإن عدد الصحفيات في السعودية كبير وفقا لحديث أحد المدربين، بالرغم من أن ظهورها نادر كما وجده الوفد، حيث لم يلمح أي من أعضاء الوفد أي حضور لصحفيات سعوديات.
يتواجد عدد كبير من الخبرات الصحفية غير السعودية في مفاصل المؤسسات السعودية لكن الجنسية اليمنية ربما هي الأقل تواجدا في تلك الوسائل، أو على الأقل في الوسائل الإعلامية التي زارها الإعلاميين اليمنيين، حيث يوجد الكادر اللبناني والسوداني والمصري بشكل لافت، إضافة إلى انعدام كتاب الرأي اليمنيين باستثناء عمود في مجلة المجلة لنقيب الصحفيين اليمنيين الأستاذ نصر طه وعمودين في صحيفة عكاظ للكاتبين فكري قاسم وعبد الكريم الرازحي.
وفي الحديث عن كتاب الرأي في الصحافة السعودية يحز في نفسي تكرار الحديث عن وقائع سيئة مرتبطة باليمن دائما مايكررها الكاتب المصري أنيس منصور، وهي وقائع غالبا ماترتبط بالمظهر أو الشأن الأخلاقي، وكأنه لم يجد في حياته أي شيء جيد متعلق باليمن، وفي هذا الإطار أتمنى أن أجد كاتبا يمنيا يتربع زاوية من زوايا (الشرق الأوسط) تتيح لأنيس منصور النظر بعين أكثر نقاءا.. بدلا من تناول مغازلة سفير يمني لسكرتيرته، ووزير يمني يلبس ثوب بدون سروال داخلي، ومن هذه التفاصيل المكررة في عموده.
أعتقد أن في اليمن كتابا يضاهون أكبر كتاب الرأي في الوطن العربي، لكن وسائلهم الإعلامية لم تظهرهم بشكل يليق بهم أمام تلك الصحف.. وبرأيي أن تجربة كتابة الأستاذين عبدالباري طاهر ونصر طه مصطفى، إضافة إلى الرازحي وفكري أظهرت نجاحا في الصحافة الخليجية، نتمنى استمرارها وتوسعها.
التكنولوجيا
من أكثر الأشياء التي يستمتع بها المقيم في السعودية هي الاتصالات وأسعارها، خصوصا الإنترنت الذي وصلت السرعات إلى 10 ميجا بايت في الثانية، وهي سرعة خيالية خصوصا عند مقارنتها بما توفره يمن نت.. كما إن هذه السرعات تتوفر على الهاتف السيار وبأسعار رخيصة للغاية حتى عند مقارنتها بفارق الصرف بين البلدين، ربما يعود السبب إلى أن مزودي الخدمة في السعودية لم يعد كما هو معمول به في اليمن، وهو أنه تابع للحكومة، الأمر اختلف في السعودية فلم يعد لها من ملكية الاتصالات سوى نسبة لاتذكر.
الأمر الآخر هو توفر أجهزة الكمبيوتر سواءا بصنفيه المحمول أو العادي وذلك بأسعار يستطيع الجميع شراءه بها، إضافة إلى توفر أمر التقسيط في كل شيء من الكمبيوتر إلى السيارة إلى المنزل.
أشياء كثيرة تستدعي ذكرها هنا، مثل مدينة الملك عبدالعزيز الطبية.. تصادف وجودنا في الرياض مع زيارة لرئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة رئسي التحرير علي ناجي الرعوي وذلك لإجراء عملية قلب مفتوح لابنه الذي يعاني من ثقب في القلب.. زار الوفد الاعلامي نجل الزميل الرعوي وكانت عملية الوصول إلى غرفة العناية المركزة بمثابة متاهة حيث تطول الممرات بشكل لايتخيله أحد.. مساحة وهدوء ونظافة، وعناية لاتوصف.. حديقة المدينة لوحدها تحتاج إلى قصة طويلة.
هذا المرفق لو لم يكن مع السعودية إلا هو لكفاها فخرا أمام دول المنطقة.
لقاءات
ضمن برنامج الزيارة التقى أعضاء الوفد الصحفي بوزير الثقافة والإعلام إياد مدني الذي رحب بأعضاء الوفد ونوه بالعلاقات التي تربط المملكة واليمن ودار نقاش حول وضع ومستقبل الإعلام العربي والتعاون الإعلامي بين المملكة واليمن.
كما قام الوفد بجولة على أجهزة الوزارة شملت مبنى الإذاعة حيث التقى الوفد وكيل وزارة الإعلام المساعد لشئون الإذاعة المكلف/ إبراهيم الصقعوب وعدداً من المسئولين في الإذاعة وقد أكد الصقعوب في لقائه مع الوفد على حسن سير التعاون الإذاعي مع الإذاعة اليمنية حيث يتم تبادل البرامج بشكل دوري بين الإذاعتين. وشملت الجولة إذاعة القرآن الكريم وإدارة الأخبار والمكتبة والاستوديوهات والقسم الأوروبي بما في ذلك التجهيزات الحديثة المتعلقة بالبث وحفظ البرامج على الطريقة الرقمية إضافة إلى مبنى التلفزيون شملت الاستوديوهات وإدارة الأخبار وتجهيزات البث المباشر للبرامج.
* كل هذه الملامح تبعد شيئا ما عن (البطحاء)، اسم لايوحي سوى بكل تفاصيل اليمن، فوضاها والبساطة، حركتها التي تنقل لك أجواء أسواق اليمن، لايخل المشهد من ملامح الوجوه المرهقة، وجوه هدتها الغربة، صامدة بصمت، تفتح لك أبواب التساؤلات والبحث في سجلات الماضي، كأن ملامح والدك تمثل أمامك بردائه المتعب.
من أتعب الآخر أيها الوالد، ما أخشن يديك وأرق قلبك.
كان يأكل خبزه في مطعم يمني وسط البطحاء، رجل ستيني لاتستطيع تجاوز لحظته، لايأبه للعابرين وطالبي العشاء.. أمامه كوب من الشاي الأحمر و(رشوش) وشيء يشبه الفاصوليا المقلية.. يتابع عشاءه بصمت، ويمر بعينيه على طاولتك مرور المسن الممتليء بالتفاصيل، لاتهمه الوجوه وملامح المكان الذي ألفه طويلا.
بدا الرجل كصورة غير منفصلة عن واقع الباحثين عن عيش أفضل في بلد الاغتراب، أحدهم عبر أنه صورة لليمني المكافح في غربته بعيدا عن عائلته وأرضه.
المغتربون
بالطبع ليست الصورة مكتملة، فالصور المتزاحمة لاتوحي بشيء قطعي، فاليمنيون في السعودية كغيرهم من جاليات العالم ليست أحوالهم كلها جيدة ولا كلها سيئة أيضا، فهناك من اليمنيين من يتبوأ مناصب عالية في شركات ومؤسسات رسمية وأهلية، ذلك يخلق نوع من توازن الصورة، فالتفاصيل لاتحتمل الجزم بأي شيء، ثم إن التعامل السيء أو الحسن لاتحسمه غير القرارات السياسية العليا بين قيادات البلدين، كي لايكون أحد مطالب بأكثر مما يحتمل.
قد يكون الأسوأ في وضع المغترب اليمني هناك هو الصراع على قيادة الجاليات هناك، والأسوأ من هذا أن أحد رؤساء الجاليات يضطر لخرق قانون تلك البلاد ويصبح (شيخا) في قلب السعودية، تكرر هذا الأمر حين يختلف يمنيين، فيقوم ذلك الرجل بأخذ مبالغ من الطرفين مقابل (التحكيم)، مبالغ قد تصل إلى خمسة آلاف ريال سعودي، إلى هنا لابأس، لكن من يصدق أنه يحدث أن يتم رد الاعتبار في بعض القضايا بـ (هجر) وثيران.. وبرعاية ذلك الرجل.
أصبحت منصب قيادات الجالية اليمنية مكانا للبحث عن مشيخات في بلد لها قوانين صارمة ويحترمها الجميع، ولازالت الخلافات قائمة بين أطراف عدة وبرعاية رسمية أيضا دعم أطراف ضد أخرى، ولم يحسم أمور الجاليات وانتخاباتها بعد.
هناك يمنيون يعانون بعض المشاكل وبعضهم مسجونون على خلفية قضايا قد تكون صغيرة لكن أمرهم في كثير من الأحيان بحاجة فقط لإيصال شكواهم للسفارة بالرغم من أن سفارة السعودية بصنعاء تخدم قضايا اليمنيين أفضل من سفارة اليمن في الرياض.
يتحدث كثير من اليمنيين أن إشكالات بسيطة لاتستحق الكثير من العناء من القنصلية اليمنية هناك، أعتقد أن من المهم أن يكون للقنصلية غرفة عمليات دائمة ورقم هاتفي يتم تعميمه بحيث يتمكن المغترب من التواصل مع المسؤولين اليمنيين في السفارة وبالضرورة أن يتم التعامل بجدية مع قضايا الناس، لأن بعض القضايا تحتاج للتواصل فقط فقد حدث وتواصل عدد من اليمنيين من السفارة السعودية في صنعاء وتم الإفراج عن عدد من السجناء في قضايا بسيطة وديون وغيرها بينما كانت قد وصلت إلى السفارة اليمنية في الرياض وتم تجاهلها.
السفير اليمني في الرياض يحظى بسمعة جيدة في أوساط اليمنيين لكن لازال عليه تنشيط دور القنصلية للقيام بمهامها بشكل أكثر جدية وتقبل ملفات قضايا المغتربين بصدر رحب وبصورة أكثر اهتماما تشعرهم بالانتماء أكثر لا بالبحث عن بدائل تجدي أحيانا وتورط في أحايين أخرى.
أكثر الأمور سوءا بالنسبة للمغتربين في المملكة هي أسعار تجديد الجوازات التي
مايشعرك بشيء من السرور هو أن تجد عدد من الشباب اليمنيين يعملون في مناصب تنفيذية جيدة في السعودية، فهناك من يعمل مديرا لقسم الاتصالات الداخلية في شركة موبايلي، وشقيقه من أبرز المبرمجين الذين نفذوا برامج لوزارة الداخلية وأمانة الرياض، وآخر يعمل مديرا لقسم التصوير الجنائي في أكاديمية الأمير نايف، وأحد أهم المدراء في مطابع هلا، والكثير من التجار ممن صاروا ماركة شهيرة مثل سلسلة مطاعم الناضج التي يملكها أحد اليمنيين من الجوف إضافة إلى مطاعم الرومانسية، وغيرها من الأسماء الكبيرة في الرياض.
كان أعضاء الوفد يحاولون طرح عدد من القضايا على السفارة والقنصلية، لكن لقاءا قصيرا مع السفير علي بن محمد الأحول تضمن دعوة عشاء لم يكن كافيا لطرح عدد من المواضيع، لكنه
أثنى على الرعاية التي يحظى بها المغتربون اليمنيون في المملكة من مختلف القيادات السعودية، مشددا على أهمية تنمية جسور التواصل بين وسائل الإعلام في البلدين بما يواكب ما تشهده العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين من نمو متسارع.. معتبرا الدورة الصحفية للإعلاميين اليمنيين المقامة حاليا في الرياض فاتحة لدورات صحفية أخرى ستقام ترجمة لنتائج مجلس التنسيق اليمني – السعودي.
أسوأ مايواجه المغترب اليمني في السعودية هي إشكالية المبالغة في رسوم تجديد جواز السفر أو بدل الفاقد حيث يدفع المغترب 500 ريال سعودي –قرابة 27 ألف ريال يمني- وهي عند البعض راتب شهر، والأسوأ من ذلك أن القنصلية لديها رسوم والسفارة لديها رسوم مختلفة، وفي جدة ِبسعر وفي الرياض بسعر آخر.
في الخميس 20 مارس - آذار 2008 12:39:49 ص