قمة عدم الإنحياز(التمهيد لولادة نظام عالمي جديد)
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 27 يوماً
الخميس 30 أغسطس-آب 2012 04:06 م

تتجه الأنظار صوب العاصمة الإيرانية طهران لمتابعة مجريات أحداث إجتماعات قمة دول عدم الإنحياز في نسختها السادسة عشر بكثير من الترقب والتفاؤل, في وقت تمر به الأمة العربية والإسلامية بمرحلة تاريخية حساسة ومفصلية من تأريخ الشعوب ومستقبل العلاقات بين الدول والجوار, بعد انطلاق موجة الربيع العربي الثائر, التي أدت الى سقوط وتهاوي الأنظمة العربية وقدوم أخرى, بما أعادت رسم الخارطة السياسية بطريقة يصعب بها التنبؤ عن مستقبل العلاقات والسياسات الوليدة, إلا أن القمة أوجدت أرضية خصبة ومناسبة للتلاقي والتباحث في محيط العلاقات الثنائية والمتبادلة بين جميع البلدان والدول المشاركة, في مفارقة تأريخية اقل مايقال عنها إنها معجزة تاريخية نادرة الحدوث, وطفرة استثنائية تجمع بين الفرقاء في قاعة واحدة يجمعهم المصير الواحد والهموم المشتركة.

 ف(مصر الثورة) وبتمثيلها الرئيس مرسي في حضور القمة, بعد كثير من الحديث والجدل عن إمكانية قبوله الدعوة و المشاركة, وعن مدى جديته في فتح الباب الموارب على مصراعيه أمام العلاقات المصرية الإيرانية, التي تعتبر زيارة لأول رئيس مصري منذ قيام الثورة الإسلامية في ايران, واكتسبت الزيارة ملامح خاصة وأبعاد بالغة الحساسية بما تعتبرها ايران ’’طفرة استثنائية’’ في العلاقات الثنائية بين البلدين, بعد القطيعة التي شابها الكثير من الركود السياسي والفتور الدبلوماسي في مستوي التمثيل المتبادل لعقود طويلة, ورغم الحملة الشديدة التي واجهتها السياسة المصرية تجاه تبنّي سياسة التصافح والتسامح و مدّ اليد وفتح الباب والذهاب شرقاً, أزعج الإدارة الأمريكية وهي ترى الحليف القوي يسقط من يدها وينسحب تدريجيا بقبوله الدعوة, إلا ان مرسي حسم الجدل القائم وأعلن نيته الحضور ولو لساعات معدودة , بما يعتبر انجازا كبيرا للمحور الإسلامي الممانع في الشرق الأوسط , الذي بدأ ينبئ بعودة مصر تدريجيا الى محيطها العربي والإسلامي , وبدأت تخطو لتستعيد مكانتها الإقليمية والدولية بكل جدارة وثقة.

فمصر الثورة بدأت تخرج من جدران العزلة التي فرضت عليها لسنوات طويلة منذ حكم الرئيس السابق, الذي اختار الإرتهان الى سياسة البيت الأبيض والإنصياع لحكم القطب الواحد, وتبنّى سياسة الإعتدال في في مواجهة قوى الممانعة والمقاومة الإسلامية, تعود أهمية الزيارة الرسمية الى طهران ليس لكونها زيارة أول رئيس مصري لإيران الثورة –فحسب- بل تحمل عدة دلالات رمزية, مما جعلها تعتبر زيارة استثنائية وخاصة بكل المقاييس , ومحط اهتمام كثير من المحللين والخبراء السياسيين, للأسباب التالية:

1-زيارة مرسي فتحت الباب الموصد أمام العلاقات المصرية الإيرانية, بما يترتب عليه لاحقا مد النسيج العربي الإسلامي الى حيز الوحدة المطلقة وتشابكه في اطر موحدة وفتيّة في مواجهة عنفوان التحالفات الإقليمية السالبة ومجابهة الأخطار والتحديات الدولية الكبرى.

2- ساهمت لعودة عقارب الساعة الى الوراء وعودة مصر مجددا لتبوء مكانتها الإقليمية والدولية الرفيعة ولعب الدور المؤثر والبارز, في خضم التحالفات الدائرة بين مختلف الأقطاب والقوى.

3- نتج عنها اتصالات دبلوماسية حثيثة ومستمرة لزيادة رفع مستوى التمثيل السياسي بين البلدين الى مستوى عال –وربما- قد يصل لدرجة سفراء في القريب العاجل.

4- على هامشها تم إبرام الإتفاقيات والعقود الإقتصادية والتبادل التجاري والبرامج والخطط الثقافية المتزاوجة بين الشرق والغرب الإسلامي -وربما لاحقا- سيتم تطويرها الى التنسيق في إجراء الإتفاقيات الأمنية ومعاهدات الدفاع المشترك, مما يؤدي الى مزيد من وضع أليات متناسقة وسياسات متناغمة ومتوازية لكليهما.

5- أثبتت فيما لايدع مجالاً للشك أن مصر الثورة ليست مصر مبارك , وأن الثورة المصرية نجحت بكل المقاييس.

وتعتبر مؤشراً واضحاً على بداية عهد جديد وانسحاب مصر تدريجيا من محور الإعتدال والإستسلام الى محور الممانعة والمقاومة في مواجهة القضايا المصيرية التي تهم الأمة العربية والإسلامية , مما يؤثر مستقبلا على رسم السياسات الممتدة على الخط الإستوائي بين أسيا وأفريقيا والجوار الحاضن لكليهما, عبر علاقات متشابكة ومترابطة تجمعها المصلحة العامة, بما يخدم شعوب ودول المنطقة بعيدا عن التدخلات الأجنبية وامتهان الدول وإذلالها, ولعل الحزمة الدسمة التي سافر بها مرسي الى القمة تحمل باقة مجموعة مقترحات جريئة ومنطقية فيما يخص الأزمة السورية, كما دعى الى تشكيل (مجموعة اتصال) تضم إيران وتركيا ومصر والسعودية, تمثل اقتراحا حكيما ذو نظرة ثاقبة لإحتواء الخلاف و تداعيات الأحداث في سوريا بما تسهم في تقويض توسع العدوان ودائرة الحرب, وسحب البساط من تحت أقدام السياسة الأمريكية وإعادة الملف السوري الى الوسط العربي المسلم للتوافق على رؤى تضع نهاية للمجازر المرتكبة وإيقاف حمام الدم الذي يعانيه الشعب السوري.

اللافت للنظر أن أكثر الدول المشاركة عبر وفود رسمية رفيعة من أمراء و رؤساء دول ووزراء أعطت إنطباعا ملحوضاً أن العالم الآن بدأ يستيقظ من سباته العميق و يعي مدى المخاطر التي ولّدتها سياسة القطب الواحد للعالم والتفرد باتخاذ القرار والمبالغة المفرطة في استخدام التهديدات والعقوبات والتحكم في مصير الشعوب والأمم, وفرض عقوبات أحادية الجانب على دول حسب النزعة السائدة في مجلس الأمن والأمم المتحدة ,عبر نظام حق الفيتو الجائر, بل وترجمت الوفود المشاركة رؤية موحدة وثابتة تجاة مستقبل العلاقات بين الدول المشاركة لوضع رؤية ومنهج مشترك في التعاون السياسي والإقتصادي ومختلف المجالات الحيوية والبنيوية والإستثمارية.

المشاركة الخليجية الفاعلة رفيعة المستوى في قمة دول عدم الإنحياز أعطت انطباعا كبيرا من الإرتياح والرضا الخليجي للنسيم العليل الهادئ القادم من الخليج شرقاً, بدا ذلك ظاهراً في مستوى تمثيل الوفود والدول من أمراء و رؤساء وزراء و وزراء خارجية دون تغيب أحد من الدول الأعضاء, يحمل عدة دلالات رمزية وهامة أهمها:

1- أن ايران قوة حقيقية لا يستهان بها و لايمكن إغفال أو إنكار دورها الرائد في المنطقة الإسلامية والعالم أجمع.

2-أن إيران ومن خلال قمة عدم الإنحياز تدعو لمجابهة العقوبات الإقتصادية بحزم وقوة, ومواجهة جميع التحديات الجائرة التي تطالها وتطال أكثر دول العالم بدون أسباب او مبررات مقنعة.

3-ومن خلال القمة تمهد لولادة نظام عالمي جديد, وتفتح الأبواب أمام دول أخرى للخروج من السيطرة والهيمنة الأمريكية.

4-الحدث الأبرز والعنوان الأهم أن منظومة إئتلاف دول عدم الإنحياز وبعد الفتور والإهمال النسبي الذي طال الحركة منذ نشأتها عام 1955 خاصة مع تفتت الإتحاد السوفيتي وعودة العالم الى مربع السلطة المركزية الأمريكية لرسم سياساته حسب مصالحها الإستراتيجية والقومية , إلا ان دور الحركة الآن بدأ ينمو بشكل فعال ومتواتر, ويوضح مدى ما سيلعبه في مستقبل العالم السياسي من اختلاف وتباين في مراكز القوى, خصوصا اذا تمخضت النتائج النهائية عن المؤتمر بنجاح و وجدت طريقها الى أرض الواقع.

5-إيران وبدعوتها لمؤتمر قمة عدم الإنحياز تفك الحصار المفروض عليها , وتخرج من العزلة الدولية التي أوجدتها أمريكا والغرب, وتكسر مفهوم فزاعة ال (إيران فوبيا) من عقلية الشعوب والأمم, وتبدي حسن النوايا الصادقة لإختزال طاقة الشعوب للمضي قدماً الى مستقبل أفضل وعالم حر مسالم متكافئ القوى والفرص والموازين العادلة, وهي بذا تعري المخططات التآمرية التي تستهدف الأمة العربية والإسلامية على حد سواء.

وما تمثله في مستقبل الأيام القادمة من تزاوج مشروع بين الإسلامية والقومية العربية في بوتقة واحدة لمواجهة التحديات الخارجية, لما تعتبر هذه الحركة المقاومة الرائدة من بنات أفكار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتي تعود الآن مجددا للحياة لتنبض من قلب مصر العروبة وتعود هذه المرة مهداة من إيران بزيها الإسلامي البديع, وتعلن الإنفتاح على جميع المحاور الشرقية والغربية بلا استثناء.

مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل في حالة جزع وهلع كبير, و تنظر بعين الرهبة والحذر الى فعاليات القمة وما ستتمخض عنه من نتائج, التي في الغالب انها ايجابية وستصب في صالح دول المنطقة بلا استثناء , وبذا سعت للتعتيم الإعلامي على مسار القمة واجتماعاتها الدائرة, وان كانت أغلب قنوات العالم تقوم بتغطية هذه الفعاليات والإجتماعات بطريقة كبيرة وعلى مدار الساعة.

أما ما يهم الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية, فهي العنوان الأكبر لنقاشات ومباحثات القمة, فتمثيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحضوره المشاركة فعاليات القمة بوفد رفيع المستوى وزيارته لإيران لأول مرة , بعدما شاب العلاقات الثنائية بين النظامين من توتر نسبي بسبب النظرة في التعامل و التفاوض مع الكيان الغاصب, ولكن زيارة عباس ايضا تحمل مدلولات نبضيّة وحسيّة قوية:

1- أن القيادة الفلسطينية بدأت تدرك جيدا ان خيار التفاوض مع اسرائيل لم يعط نتائج ايجابية ملموسة وبذا ستتوجه طوعيا الى أحضان الممانعة و خندق المقاومة للضغط على اسرائيل بتقبل نتائج المفاوضات والإلتزام بالقرارات الدولية.

2- تعتبر رسالة تهديد واضحة لإسرائيل وأمريكا انه في حال فشل المفاوضات فالخيارات البديلة مطروحة وقائمة للإتجاه الى المقاومة المسلحة والممانعة السياسية ضمن الإطار الدولي المعارض.

3-ان هناك مظاهر انفتاح وتطبيع كبير في العلاقات الإسلامية-الإسلامية , حملتها قمة عدم الإنحياز لتضعها في حيز الوجود والتنفيذ.

بغض النظر عن النتائج المتوخاه من القمة ومدى فاعليتها وجديتها, إلا انها ستعود بنتائج ايجابية مثمرة وإن كانت على المدى البعيد, وغالباً ما ستدعو الى الوحدة الإسلامية, عبر ما خلقته من أجواء مناسبة لوضع رؤى وتصورات تخدم جميع الدول خاصة فيما يدار في هوامش اجتماعات القمه من أحاديث جانبية ودّية تعكس مدى التآلف وتسعى لتقارب جميع وجهات النظر حول رؤية محددة المعالم والأهداف, بما تساهم على بلورة وتشكيل الإتفاقيات ضمن أطر مشتركة واحدة تعيد للشرق الأوسط توازنه واستقراره, وتسهم بفاعلية كبيرة في ايجاد نظام عالمي جديد, قد يختزل مقومات النجاح عبر التحالفات الإقليمية بالإتجاه شرقاً الى الصين وروسيا ودول أسيا وغرباً الى فنزويلا وكوبا ودول أمريكا اللاتينية لإيجاد و خلق قطب آخر وتوفير مناخات آمنه لإستتباب الأمن والإستقرار الدوليين, والتوزيع العادل للثروات الإقتصادية, وترسيخ مفهوم الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية والدولية, لترسم بذلك سياسات مستقبلية واعدة بالخير والنجاح.