كلمة حق في ملتقى الفضيلة
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 27 يوماً
الأحد 03 أغسطس-آب 2008 08:28 ص

يتساءل بعض القراء لماذا غدا كاتب هذه السطور مُضرِباً في الآونة الأخيرة عن المشاركة في النقاش حول بعض القضايا الجدلية المحليّة الساخنة كقضية هيئة الفضيلة- مثلاً- أو ما غدت تعرف -بعد ملتقاها الأول – يملتقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،تلك التي أخذت من الصحافة ومن يدور في فلكها على نحو أو آخر من طرف ومن الخطباء ومن يدور في فلكهم من الطرف الآخر كل مأخذ، ولا سيما على صفحات ملحق (الوسطية) التابع لصحيفة الجمهورية ؟!.

 بادي الرأي لابد من تقرير حقيقة أولية تبدو على درجة من الأهمية– في ظل الاهتمام بتصنيف المواقف وأصحابها- وهي أن كاتب هذه السطور ليس مع موقف أيّ من الطرفين بإطلاق. وبالمناسبة فإن إضرابه عن مشايعة الكتاب والمثقفين والصحافيين الذين يفترض – من حيث التصنيف الشكلي لدى بعض المصابين بحمى التصنيف هذا- أنه لا يسعه الخروج على موقفهم لا يعني أنه محلّ قبول أو رضى عند بعض المنتمين إلى فكرة ملتقى الفضيلة أو المشايعين لها، فلديهم من الأوهام والهواجس كذلك ما يدع الحليم حيران! ولعل من قرائن ذلك تجاهله من دعوة الحضور إلى ملتقى الهيئة الأول، رغم دعوة الكثيرين، مع أنه لو دعي لاعتذر لأسباب عِدّة.

 

يدرك كاتب هذه السطور –ومعه آخرون- منذ بداية الإعلان عن فكرة الهيئة وما صاحبها من جدل وتناقض من قبل الطرفين أن مسار الحديث عنها اتخذ منحى خرج بها عن النقاش المشروع إلى الكشف عن احتقان نفسي و فكري وسياسي يحمله الطرف الأول إزاء الطرف الثاني، وقد يبدو أن مما شفع له ذلك قيام نماذج مفزعة في بعض دول الجوار، تتشابه مع الفكرة، من حيث الخطوط العريضة المستوحاة من العنوان، بيد أن حقيقة الأمر وأهدافه وأبعاده وآلياته على نحو حقيقي ظلّ مجرّد ظنون واستنتاجات، ليس ثمة ما يدعمها أو يؤكّد سلامتها من أصحاب الفكرة على نحو مؤسسي ملزم !

دعونا من ذلك كله فلنتناسه، ولنفترض في الطرفين حسن النية، وسلامة القصد، ودافع الحرص على مصلحة البلاد والعباد، وأن ذلك يقف من وراء كل الذي أثير حول الفكرة وأهدافها وأبعادها، وآلياتها، لنقف على ما يقترض أن يقطع الجدل، من خلال فعاليات الملتقى الأول للهيئة الذي عقد بصنعاء (في 12رجب 1429هـ- 15\7\2008م)، وفيه تم التأكيد على لسان رئيس الهيئة المنتخب الشيخ عبد المجيد الزنداني بأن الهيئة ليست بأكثر من أداة متابعة وتوجيه لا أنها جهاز تنفيذي، مشدّدا على أن عملية التغيير باليد من اختصاص الحكومة، كما تم التبرؤ على لسان أحد الداعين الأساسيين لتأسيس الهيئة وهو الشيخ\ حمود هاشم الذارحي من أية تصرفات حدثت فشملت إغلاق مطاعم سياحية ونحوها، كما لم يفته التصريح بأن هذه الهيئة مختلفة عن النموذج القائم في بعض دول الجوار، وأن الحكمة اليمانية ستعمل على تفادي كل خطأ وقعت فيه تجارب مماثلة، مشيداً بالدور الإيجابي للصحافة في الكشف عن كثير من الأخطاء والممارسات المنكرة . وقد جاء التأكيد على كل ما تقدّم في البيان الختامي الصادر عن الملتقى، وهو ما يعدّ وثيقة أساسية يحاسب على ضوئها أصحاب الفكرة، ويعدّ أي خروج عليها تنظيراً أو ممارسة خروجاً عن العقد الأدبي والاجتماعي الذي بموجبه منح الحاضرون في الملتقى المشروعية للفكرة وكل ما يترتب عليها.  

وإذا كان ملحق (الوسطية) من أوائل من تبنى الهجوم على فكرة الهيئة منذ أول حديث تسرّب عن تأسيسها فإنه يحمد له –رغم كل مواقفه السابقة- إنصافها بعد حضور مشرفها فعاليات الملتقى الأول وكتابته- من ثمّ- تقريراً في العدد الأخير منها، عن مجمل النقاش الذي دار فيه، ليحمل عنواناً عريضاً في ( الوسطية )نصه ( ملتقى الفضيلة يعلن العدول عن فكرة تشكيل هيئة ويعتبر التغيير باليد افتئاتاً على السلطة)،ثم تأتي التفاصيل في التقرير ذاته بما حاصله أن تشكيل الهيئة من اختصاص الجهات الحكومية، ومطالبة الملتقى بتفعيل مؤسسات الدولة المعنية بإزالة المنكرات، كالنيابة العامة، وشرطة الآداب، وقسم مكافحة المخدرات ونحوها !

ودعونا كذلك من (الشكليات) هل هو عدول؟ أم أن هذه هي الفلسفة الأساس المستقرة في أذهان القائمين على الفكرة منذ البداية، وأن كل الذي قيل غير ذلك في الأيام السالفة حتى إعلان الملتقى مجرّد أوهام وهواجس منبعها بعض النماذج السيئة، والصورة المغلوطة المرتسمة في أذهان بعض الصحافيين والسياسيين عن بعض الرموز الداعية للفكرة، وغير ذلك من التفاصيل التي يعتقد الكاتب أنه لم يعد لها ما يبرّرها بعد ذلك الإعلان الصريح الذي ورد على لسان أبرز القائمين على الفكرة أو البيان الختامي للملتقى، وهو ما يفترض أن يغلق باب الجدل الذي تجاوز العقل وربما الخُلُق في الأيام القليلة الماضية، إذ يكون كل ماتقدّم بمثابة عقد التزام بل أمان على الحرّيات والحقوق الفردية وكل أشكال الفن والإبداع الجادّة الأصيلة.

أعتقد حقاً أن الملتقى بإعلانه الصريح عن فلسفته و سياساته قد ألقى في رُوع ذوي الهواجس قدراً كافياً من الاطمئنان، وأجاب عن أسئلة كثيرة كانت تلوكها الألسنة أو ربما تجول في خواطر كثير من الصحافيين، والمثقفين والسياسيين وأفئدتهم، ويبقى بعضها محلّ نقاش وتشاور – لاضير-، أما المضي غير المفهوم في الطرق على وتر عقدة المؤامرة، وفكرة الصفقات، التي لا تزال تروّج لها بعض الكتابات – وبعضها محسوب على الخط الإصلاحي مع الأسف- فإنه استمرار غير مبرّر بأي معنى، في إذكاء نار الفتنة بين طرفين فاعلين على الساحة، آن أوان وضع اليد في اليد للعمل معاً، وفق منهج الثقة بدل التشكك، والتناصح بدل التنابز، والله المستعان.