|
يعاتبني بعضُ الأحبةِ حين أكتبُ محذرا من نسخ تجربة السبعينيات الأليمةِ ولصقها بالحاضر , مؤكدين بأن ما حدثَ حينها من أخطأ وجرائمَ لن يتكررَ اليوم . فقلتُ : " بل الدلائل تؤكد أنَّ جميعَ اللاعبين والرعاة ـ بقصد أو باستغفال ـ يسيرون بجنوب اليمن نحو تكرار المشهد . وبمشابهة أحداث ما بعد 69 م بأحداث اليوم يتأكد هذا " . فتمعنوا :
1ـ ما بعد 69م , قام النظامُ بتصفيةِ العلماء وأهلِ الجاه ورجالِ الأعمالِ , وطالت يدُهم ثوارا وكوادرَ وطنيةٍ مخلصة . وذلك للتخلص من أي معارضة قوية تتصدى لما أرادوه من توجه سياسي يعتنق الاشتراكيةَ وتعاليمَها ووسائلَها .
ـ واليوم تتمُ تصفيةُ العلماءِ والدعاة , وكوادرَ أمنيةٍ وعسكريةٍ وسياسيةٍ مخلصة , وأبطالٍ من المقاومة , ومن هنا وهناك . من أجل وطن بلا منغصات تحول بينهم وبين مخططاتهم الهادفة لتحقيق مصالحهم وأطماع رعاتهم .
2ـ ما بعد 69 , قام الرفاقُ بعملية التضييق التجاري والاقتصادي على البلد , وشملَ ذلك التأميمَ لشركاتٍ عالمية ومصانعَ ومشاريعَ تجاريةٍ خاصة , مما جعل رجالَ الأعمالِ تفرُ برؤوس أموالها إلى الخارج .
ـ اليوم هاهم يبسطون على أراضٍ استثمارية ومخططات مدنية وملكيات خاصة , ويخيفون المستثمرَ من العمل في وطن لا أمان فيه . وهاهم يجعلون عدنَ مدينةَ قتلٍ ودماء , وميناءَها خرابا يبابا , يعرقلون عمليةَ التفريغ والشحن , والتخليص الجمركي , فيخسر التاجرُ وقتا ومالا فلا يعود . بينما يظلُ ميناءُ دبي حيويا فاعلا .
3ـ ما بعد 69 , تدنت الخدماتُ الضرورية , وشحت الموادُ الغذائية , وتعطلت حركةُ التجارةِ , وكسدت اليدُ العاملة . فهاجر الشعبُ فارا إلى سعة العيش والعمل , نحو الشمال أو دول الخليج , وأصبح المواطنُ مطواعا بيد حاكمه , مشغولا بقوته وما يسد رمقَه ويستر بيتَه , غير أبه بمن يحكمه , وما يقرره ويفعله بالبلاد .
ـ واليوم يسعون إلى هذا , فمن انشغالِ الناس بالكهرباء والوقود والماء , وتأخرِ الراتب , وتدهور الريال , وارتفاع الأسعار . وغيرها من أمور الترهيب كالخطف والاغتيالات , كي يصلوا بنا إلى مرحلة الصمت القهري , أو الفرار للخارج , أو اللامبالاة فيمن يحكمنا ويقرر مصيرنا , ولو كان قاتلَنا أو مستعبدَنا بالأمس .
4ـ ما بعد69 تولى حكمَ البلادِ أهلُ الجهل السياسي والعلمي والإداري , المتشبعون بنظريات مخالفة , فأطلقوا شعارَ الأممية ووجوب محاربة الرأسمالية التي أذلت الشعوب , والكهنوتية التي جعلت الشعبَ متخلفا والوطن متأخرا , وانطلقت أصواتُ الغوغائية ومظاهراتُ الفؤوس لتخرسَ أيَّ صوت يستنكر ما يجري من عبث . وهذه الجهالةُ منهم سَهَلت على الرعاة والخبيثين التحكمَ بهم وفقا لما يخططون له .
ـ واليوم هناك من هم يماثلون السابقين في الجهل وانعدام الفهم , قد تشبعوا بالكراهية والتعصب , ونبذِ المخالف وتصفيته . تحت شعارات الهوية والحرية , لا عودة لباب اليمن , لا مكان للإصلاح الذي أفتى بقتلنا , ولا للشمالي الذي نهب خيرنَا , وغيرها .. . وما يشهده الجنوبُ من تعصب وتنازع وانقسام وتخوين , هو نتاج تلك التعبئة في عقول خالية وأنفسٍ خاوية . وهو مما جعلهم مطيةً منقادة للسائس الخبيثِ .
5ـ ما بعد 69 تم تفضيلُ أبناء الحركات اليسارية والشيوعية في العالم على الشعب , ومُنِحَ اللاجئون منحا حكومية لم يحصل المواطنُ على مثلها . وأصبح للجبهة الوطنية الشمالية القرارُ المؤثرُ في المكتب السياسي الجنوبي . وتم تمكين السوفييت من السيطرة على سياسة البلاد عامة , ووصل حد التبعية إلى دعم أثيوبيا ضد الصومال المسلمة .
ـ واليوم يتم السماحُ لبقايا صالح وحرسه الجمهوري ممن حارب الجنوبَ وقتل أبناءَه بالتنعم بالعيش والحكم في عدن , بينما يتم طردُ مواطني الشمال منها , والاعتداء على النازحين إليها . ويتم قهرُ أبناء عدن بالقتل والتعسف . وأصبحت دولٌ خارجية وأنظمةٌ فاسدة تتحكم في سيادة بلادنا وخيراته وثرواته , ولها من التوابعِ عملاءُ يقومون بتنفيذ مخطط ترويع الشعب , واستئصال جماعات دعوية وخيرية مسلمة .
6ـ في 69 تم الانقلابُ على الرئيس قحطان الشعبي , في خطوة أسموها تصحيحية , وهي في حقيقتها تخريبية . وأصبح جهازُ أمن الثورة والمليشيا قوةَ بطشٍ تفعل ما تشاء , من إجبار وخطف واعتقال وقتل . ولما فرغوا من خصومِهم عادوا لتصفية بعضهم , حتى تمايزوا عام 86 م إلى فئتين ( طغمة وزمرة ) , وأصبحَ القتلُ بينهما حسب البطاقة والمحافظة , ليخسرَ الوطنُ الآلاف من خيرة أبنائه . وليعاني الشعبُ هما وألما ونواحا في كل بيت .
ـ واليوم مدعوما من الإمارات , يتمردُ المجلسُ الانتقاليُ بالسلاح على الشرعية , بحجة الانفصال , ولعله الاستئصالُ , وأصبحت النخبةُ والحزامُ قوةً ضاربة , لا تخضع للشرعية ولا لضوابط الجيش والأمن . وظهرَ تعصبٌ مناطقي ( مثلث الدوم , حكومة دثينة , الجعاربة , الصقالبة , دنابيع أبين ) . وتقفُ الشرعيةُ مدعومةً من السعودية موقفا سلبيا أمام الأحداثِ الإجراميةِ المتعددة , وكأنها تسيرُ على خطٍ تم رصفه لها مسبقا , يؤدي بالبلاد وأهلِها إلى ما لا تحمد عقباه . وغدا سيقطع الجسدُ الغالبُ جزءا من جوارحه في تصفية جديدة .
ـ اليوم ومن خلال الحدث على الواقع , بدأ عددٌ غيرُ قليلٍ من أبناء الجنوب يراجعون حساباتهم , وسقفَ مطالبهم . فقد كانت حساباتهم تطرح فكَ الارتباط , لا قطع النياط , ومطالبهم تنشد حرية أكيدة , لا تبعية جديدة .
ومع شروق شمس وغروبها يترقب الناسُ بتوجس وقلق ! هل عاد الحزنُ والخوفُ ـ مجددا ـ ليسكنَ قلوبَهم ؟ .
في الأربعاء 08 أغسطس-آب 2018 07:08:00 م