حسن اليعري .. القائد الاستثناء
بقلم/ حسين الصوفي
نشر منذ: 7 سنوات و 6 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 24 إبريل-نيسان 2017 04:03 ص
 

ذات مغيب سجلت ذاكرتي حكاية نوعية في موقف استثنائي من بطولة رمزين كريمين أحدهما مختطف بحجم الوطن هو القائد الملهم #محمد_قحطان والثاني شهيد بحجم الوطن أيضا، إنه حسن اليعري وهل يمكن أن يكون سوى حسن استاذ ذمار وأبيها.

كان في العام 2008م بعد ليلتين من النصف الثاني لرمضان؛ كنت أقود السيارة للأستاذ القدير محمد قحطان وكان صامتا يتأمل، حتى إذا لفلفت الشمس خيوطها وانحنت آفلة وقد تركت سحابة صفراء في سماء ذمار، توقفنا عند باب منزل #الشهيد_حسن_اليعري وكان يقف مبتسما بشوش الوجه ضاحك المحيا، يرتدي ثوبه الأنيق في ذات البقعة التي نزف دمه فيها يوم اختاره الله اليه قبل عام.

ما إن خرج الاستاذ قحطان -فك الله أسره- من سيارته حتى استقبله حسن اليعري بالاحضان، قبله في رأسه وهو يتمتم ببعض الكلمات المرمزة، ضحك قحطان وكنت خلفهما، ضحك وقال: من سيملأ مقعد الدائرة السياسية مثلك؟! ثم نظر كل منهما الى صاحبه وقحطان يؤكد: أنا مقتنع بأنك ستنقل الخطاب السياسي بفطنة وحنكة!

عندها قال له الاستاذ: نحن جنود هذا الوطن وحيثما كنا سنقوم بمسؤولياتنا دون تقصير!، قالها حسن اليعري ثم أتبعها بالترحيب الدافئ.

***

 

حسن اليعري رجل استثناء بحق، كان رجل دولة بحجم دولة وأكثر، رغم أن أمتنا لا تزال تفتقر الى الدولة وتحن اليها وتبحث عن ظلها وظليلها؛ الا أن حسن اليعري كان رجل دولة من الطراز الرفيع.

عندما يحضر حسن اليعري تتغير الموازين لصالح الدولة، لما تقتضيه اللحظة وبما يحفظ التوازن!، كان حسن اليعري يدرك حساسية كل موقف وكان خصومه يحسبون كل حديث ينطقه لسانه الحصيف.

في مهرجان الرئيس فيصل بن شملان خطب حسن اليعري خطبة عصماء، كانت مدرجات الملعب الرياضي بذمار تعج بالحماس والتحدي وصدى كلماته تجلجل في الآفاق؛ بعدها اتصل به سياسي بارز قال له بالنص: "استاذ حسن .. اليوم علي عبد الله صالح أيقن أنها معركة انتخابية حقيقية"!.

 

****

 

تلقيت منه اتصالا بعد شروق يوم الانتخابات المحلية ؛ يهنئني بالفوز وبصوته المكتظ بالتفاؤل والأمل دعا لي بخير، بعد ظهر ذلك اليوم اتصل بي مجددا وأنا في القرية وحثني على شكر كل الاطياف والاحتفاظ بعلاقة متينة مع الناس جميعا دون القياس بمعايير حزب او قبيلة، كان صوته ممزوج بضحكاته الآسرة القوية، حسن اليعري كان قويا حتى في أصعب المواقف تجده يضحك من أعماق الفؤاد، وصاني بعدها بالحضور الى المحكمة للرد على الطعن الذي تقدم به المرشح المنافس، "ما معنا الا أنت وخمسة معك وعادهم يشتوا يطعنوا؟ احضر وتابع يا حسين، الله بلانا بغرماء أغبياء" كانت نتائج الانتخابات صادمة، بعدها قال حسن اليعري " علي صالح سد علينا منافذ كل حل"!.

كان يحتفظ بعلاقات فوق الجيدة مع المسؤولين والسياسيين وقادة الأحزاب ورجال الجيش وضباط الأمن ومشائخ القبيلة وتيارات المذاهب والتجار ومنظمات المجتمع المدني وقادة الرأي.

لا تكاد تجد لحسن اليعري في ذمار خصيم.

 

***

اتصلت به ذات يوم وطلبت منه تصريح لصحيفة "الصحوة" في ذكرى تأسيس الاصلاح، قال لي سجله تسجيل فأنا أقود السيارة، وكان من القادة القلائل من تجده حاضر الذهن واثق من حديثه يدرك ما يقول ويجيد ايصال الرسائل السياسية!

لا يزال المقطع الصوتي ممتلئ بالحضور والحياة ودفء صوت حسن اليعري.

 

***

 

اتصل بي ذات نهار ورافقته من صنعاء إلى ذمار بسيارته، حدثني عن تعرضه لثلاث محاولات اغتيال، وعن بدايات انشغاله بالعمل السياسي وعن الشخصيات التي تتلون تلون الحرباء، وعن بعض أخطاء الحركات الاسلامية، وعن تجربته في الانتخابات عام 1993م يوم كان المرشح والفريق، كان يطبع صوره ثم يتنقل في قرى عنس يعر "منطقته" يلصق الصور، حدثني وهو يضحك بشدة، ثم أدخل اصابعه في شعر رأسه وهو يقول "أنا لا زلت صغير السن يا حسين ، شيبتني السياسة".

 

لا أحد يستطيع الاحتفاظ بخيوط التنوع السياسي والفكري والاجتماعي في ذمار مثلك استاذ حسن، في ثورة 2011 كان من أعجب العجائب أن مكتب المحافظ غرفة عمليات لتيار الثورة وانصار المخلوع، كان حسن اليعري لا يتوقف جواله من التواصل بمدير الأمن ومحافظ المحافظة.

 

حسن اليعري كان يدرك ما معنى الدولة، انه رجل استثناء، قائد سبق الدولة بفكره وحضوره وسلوكه، سبقها قبل ميلادها في اليمن، ورحل قبل أن نراها، وحتى حضور الدولة ستظل روح حسن اليعري نموذج فريد واستثناء مختلف، بينما سيعض القتلة أصابع الندم عندما يتيقنون أنهم أول الخاسرين في أرض لا يوجد عليها حسن اليعري.

 

السلام على روحك العاطرة أستاذ الجيل وقائدهم، السلام عليك أبا اسامة في الخالدين ..