نود الاشارة بدءا الى ثلاث نقاط :
الأولى : إن الاديان كانت تاريخيا أسبق في الظهور من الدولة
الثانية : إن الدولة هي المنتج العبقري(بفتح التاء ) للحضارة البشرية على الاطلاق
الثالثة : إن وظيفة الدين والدولة كلاهما يستهدف تنظيم المجتمع وتهذيب الانسان
من الملاحظ عندما تغيب الدولة كتنظيم اجتماعي يظهر الدين كتنظيم بديل للابقاء على ترابطات اجتماعية بناء على وازع من الضمير والخوف من الله .. كان ذلك قديما وسيظل مستقبلا ..
فاذا انفرط عقد الدولة يحل الدين محلها للابقاء على تماسك المجتعات في الحد الادنى من التنظيم ..
وعندما تحضر دولة القانون : الدولة الديمقراطية العادلة يتراجع دور الدين الى العبادات والشعائر الفردية ويصبح مجرد طقوس وشعائر فردية ..يشغل حيزا من اهتمامات الافراد المهتمين بالجانب الروحي والغيبي ..
في ظلال الأديان - قبل ظهور الدولة - كتنظيم اجتماعي حضاري، كانت البشرية تكتفي بالتنظيم الاجتماعي المحدود وغير المنتج ، ولم تشهد حضارات عملاقة سابقة لظهور الدولة تاسست على أساس الاديان ..
الحضارات العملاقة المنتجة للعلوم والابداع والرفاهة بدات بالظهور مع الدولة التي اتخذت تاريخيا أربعة اشكال :
الشكل الاول : الدولة الدينية الخالصة مع الانبياء الملوك مثل : سليمان ، داوود ، طالوت ،يوسف ...الخ .
الشكل الثاني : الدولة المدينة في حواضر اليونان ( اثينا ، واسبارطة نموذجا ) دولة المدينة الدنييوية الديمقراطية ..
الشكل الثالث : الدولة الامبراطورية والاستعمارية ( الدولة الاستبدادية مترامية الاطراف )
الشكل الرابع : الدولة القومية التي ظهرت نظريا مع معاهدة وستفاليا عام 1648 وعمليا مع الثورة الفرنسية واستقرار أوروبا ( الدولة الحديثة المسيجة بحدود الأمة والجغرافيا )
ومع استقرارا الدولة الحديثة ودقة التنظيم والعدالة والبناء والتنمية واحترام المواطن تلاشت دور الأديان عن القيام بالدور التنظيمي للمجتمع لصالح الدولة ..
بينما يظل حضور الاديان في الدولة المتخلفة الهشة حين يصبح الدين مكملا لما عجزت عنه الدولة ..
ولما جاءت دولة القانون صارت هي المصدر الوحيد للتنظيم الاجتماعي الشامل .. وأصبحت قواعد القانون هي مصدر الأخلاق ايضا ..
فالمواطن المدني يلتزم بقواعد القانون طوعيا حتى وإن وجد فرصة لمخالفتها فإنه لايفعل..
قبل أيام نقلت وسائل الاعلام أن ماكينة قطع تذاكر القطار في أحد المدن الالمانية تعطلت ، فوضع الناس قيمة التذاكر طوعيا فوق الآلة حتى تبعثرت الأموال حولها ..
لم يفكر أحد بالتحايل على القانون ويصعد مجانا للقطار.. ولم يفكر آخرون بنهب الاموال المترامية في المكان العام ..
هذه هي اخلاقيات المواطن المدني الذي يدرك أنه يسرق نفسه حين يسطوا على المال العام ..
اعطوني مجتمعا متدينا يمكن ان يحدث فيه هذا على نطاق واسع دون انحراف أو سلوك مشين ..
تبدو العلمانية كنتاج طبيعي لتطور العلاقة بين الدين والدولة ، حتى لو لم يتم تبني العلمانية للفصل بين المؤسستين فإن ذلك يحصل بطريقة تلقائية حين تغدو مؤسسات الدولة هي المخولة بالقيام بكل الوظائف المدنية والاجتماعية لخدمة الانسان ..بما في ذلك الدين نفسه يصبح تنظيمه من مشمولات الدولة ..
وتتلاشى درو الأديان في إدارة التنظيم الاجتماعي لتنحصر في السلوك والقناعات الفردية حين تصبح الدولة هي بمثابة الإله الذي ينزل العقوبة الفورية على كل مخالف .. ويخضع كل مواطن الى جرعات تربوية في المواطنة والانسانية بحثا عن الانسان المستقيم .. (= الانسان الكامل )