|
تسعى السلطات اليمنية إلى الحد من انتشار السلاح في اليمن خشية أن يقع في أيدي جماعات إرهابية كـ«القاعدة» مثلا، كما حدث عندما اكتشفت أسلحة تتبع وزارة الدفاع اليمنية بحوزة إرهابيي القاعدة الذين هاجموا القنصلية الأميركية في جدة العام الماضي. لكن الحد من تجارة السلاح فى اليمن يصطدم بالكثير من العقبات، منها ان تجارة السلاح متوغلة في التقاليد والممارسات اليومية لليمنيين، وهى مرتبطة بالكثير من العادات، منها الثأر والخلافات القبلية. وتنتشر في اليمن حوالي 18 سوقا رسمية لبيع السلاح بمختلف أنواعه وأحجامه أبرزها، «جحانة» في شرق صنعاء و«الطلح» في شمال صعدة بقرب الحدود اليمنية ـ السعودية. وعلى بعد 25 كيلومترا شرق العاصمة اليمنية، صنعاء، توجد مدينة جحانة الصغيرة، المعروفة بأمرين، الأول تاريخها القديم، والثاني تجارة السلاح.
وعندما تصل إلى «جحانة» بإمكانك أن تسال أي عابر سبيل، صغيرا كان أم كبيرا، عن سوق السلاح ويتم إرشادك إليه بكل سهولة. محلات مرصوصة على جانبي شارع ترابي واسع، بعض تلك المحال كبيرة وبعضها صغيرة، وأول ما تصل يستقبلك الباعة الصغار والسماسرة كل واحد يحاول جذبك إلى المتجر الذي يتعامل معه ويتم سؤالك على الفور: «بايع أم مشتر»؟
في سوق جحانة الذي زارته «الشرق الاوسط» تعرض عشرات الأنواع من الأسلحة الخفيفة، مختلفة الماركات والصناعات، تعرض المسدسات بأنواعها وأحجامها (الربع، الثلث، النص والكامل) الرشاشات، الكلاشنيكوف، المعدل، البنادق القديمة (أبو صحن) و«الجرمل» وحتى بإمكانك هنا أن تشتري الـ«آر. بي.جي» مع العدد الذي تريد من الذخائر.
الشيخ احمد صالح العذوبي، احد تجار السلاح هناك قال لـ«الشرق الاوسط»: «نبيع في هذا السوق الأسلحة الخفيفة، ان الأسلحة أصلا موجودة لدى الشعب اليمني، إضافة الى ان الحرب الأهلية عام 1994 بين الشمال والجنوب عززتها». ويعتقد العذوبي أن هذه تجارة غير مربحة، غير انه لا يمكن التخلص منها «طالما وقد وضع فيها التجار رساميل كبيرة». وتجنب العذوبي الرد على سؤال حول التعامل مع كبار تجار السلاح في اليمن وكيفية شراء الأسلحة منهم، مؤكدا أن جميع المحال التجارية العاملة في أشهر أسواق اليمن تعمل بدون تراخيص ولا تدفع الضرائب.
ويشير إلى أن من يرغب بشراء الـ«آر.بي.جي» يمكنه اقتناؤه بمبلغ يتراوح بين 100 إلى 150 ألف ريال (سعر الدولار الأميركي يصل إلى 197 ريالا يمنيا). أما الكلاشنيكوف فسعره ما بين 50 إلى 100 ألف ريال. ويقول العذوبي إن أسعار السلاح ارتفعت مؤخرا بسبب سعي الحكومة إلى الحد من انتشار السلاح بين المواطنين والتجار من خلال شرائه، في مسعى لسحبه من أسواق السلاح اليمنية. ويؤكد أن عمليات البيع والشراء بين التجار والراغبين في البيع أو بين التجار الصغار والكبار، لا تتم بفواتير وأوراق رسمية وأنها تتم بالعملة اليمنية (الريال)، غير أن بعض الأسواق بحسب قوله «تتعامل بالريالين اليمني والسعودي وبالأخص الأسواق المحاذية للحدود مع المملكة العربية السعودية».
ويكشف العذوبي أن السلاح الصيني أصبح في الوقت الراهن أكثر انتشارا من غيره، موضحا أن السوق تشمل أيضا أسلحة روسية وأميركية وتشيكية وألمانية، فيما ينفي علمه بوجود أسلحة حكومية تباع في السوق. ويقول «نحن لا نستقبل سوى مواطنين، حتى لو كانوا عسكريين، فإنهم لا يحضرون إلى هنا إلا بصفتهم مواطنين». ويصف سوق جحانة بـ«السوق الحرة» ولا تخضع لإجراءات حكومية كما المحلات التي تبيع أي شيء في العاصمة صنعاء.
لكن قياديا سابقا في تنظيم «القاعدة» باليمن قلل من أهمية سعي السلطات إلى شراء الأسلحة من السوق اليمنية. وقال رشاد محمد سعيد، المكنى بأبي الفداء، القيادي القاعدي السابق الذي يعيش حاليا في اليمن والذي عاش لسنوات في أفغانستان، إن «هدف أميركا وحلفائها من نزع سلاح الشعب اليمني ليس أن يصل إلى الإرهابيين ولكن تجريد الشعب وإذلاله وجعله كائنا مستسلما بعدم امتلاك مصدر قوة في يده ليدافع عن نفسه».
وأشار ابو الفداء إلى أن «القاعدة» ليست مهتمة باقتناء أو حيازة الأسلحة مثل الكلاشنيكوف أو المدافع وغيرها، قائلا «هذا سلاح سيوجد في المكان الذي ستوجد فيه المعركة، الآن المجاهدون في العراق، في السابق كانت لا تمتلك جماعة أنصار الإسلام أو جماعة التوحيد حتى الكلاشنيكوف وقامت المعركة وصاروا يطورون السلاح بأنفسهم ويستغلون مهاراتهم ومواهبهم في تطوير الصواريخ وغيرها. ثم إن الحركات الجهادية لم تعد تعتمد أساسا على الأسلحة التي تعني المواجهة الفردية مثل الكلاشنيكوف وغيرها، فهي صارت تعمد إلى نوع من الأسلحة التي هي اقل وزنا وأكثر أثرا وضررا في الخصم الذي تريد استهدافه، وهذه مسألة ليست معقدة، أن ينتج مادة متفجرة ويستخدمها ويستخدم سيارة مفخخة أو حزاما ناسفا، لا تحتاج هذه إلى استيراد».
وشدد أبو الفداء في تصريحات لـ«الشرق الاوسط» على صعوبة تحقيق الحملة الحكومية لأهدافها، قائلا «كل ممنوع مرغوب ومسألة إغلاق أسواق السلاح في اليمن، لن يعالج المشكلة وإنما سيزيد في تطور هذه السلعة والاتجار بها، هناك مافيا عالمية، من الذي يصدر السلاح إلى الصومال؟ سواحل اليمن طويلة وحدودها كذلك ولدى اليمن الكثير من الخصوم. ان إغلاق الأسواق لن يحل المشكلة أبدا وإنما سيزيد من روجان الاتجار بها لأنها سلعة أصبحت ثمينة ومثمنة ومربحة».
ويعيد النائب في مجلس النواب اليمني (البرلمان) الشيخ سلطان السامعي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني ظاهرة حمل السلاح إلى «عدم قيام الدولة بمهامها في حفظ الأمن في البلد، لذلك يضطر الناس إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن حقوقهم، وإذا وجدت النية لدى الدولة وحمت الناس وأموالهم فسوف يزول حمل السلاح».
وتابع لـ«الشرق الأوسط» إن أسواق السلاح في اليمن موجودة بمباركة رسمية.. أي عاقل في هذا البلد يعرف ان هذه الأسواق فتحت برضى الدولة بل وبمشاركة بعض المسؤولين فيها، لذلك هم مستفيدون من وجود هذه التجارة».
ويؤكد السامعي أن مجلس النواب اليمني لم يقم بدور رقابي على تجارة السلاح في اليمن حتى الآن بالشكل المطلوب «المجلس طرح عليه مشروع قانون حيازة السلاح ومجمد حتى الآن لم يناقش». ويتابع «أما الحكومة فلها مصلحة في تجارة السلاح ومصلحة في عدم وصول الناس إلى مرحلة من الوعي ولها مصلحة في استمرار الفوضى واستنزاف الناس من خلال هذه التجارة، باختصار لا توجد نية لبناء دولة يسودها النظام وهذه الدولة تكون مسؤولة عن أمن الناس جميعا».
وتتحدث تقارير دولية عن تقديرات تشير إلى أن هناك ما بين 40 إلى 50 مليون قطعة سلاح في اليمن، أي بمعدل قطعتين لكل مواطن (أكثر من عشرين مليون نسمة سكان اليمن)، غير أن عز الدين الأصبحي، مدير مركز المعلومات لحقوق الإنسان، منسق الشبكة الإقليمية للحد من سوء استخدام الأسلحة الصغيرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أحدث دراسة أجريت في اليمن بالتعاون بين المركز والشبكة، كشفت وجود حوالي 9 ملايين قطعة سلاح كرقم يعتبره منطقيا. ويضيف «عند إسقاط هذا الرقم على عدد السكان في الشعب اليمني سنجد أن كل مواطن يمني بالغ من الذكور لديه ما بين 3 إلى 4 قطع من السلاح، وتشير الدراسة إلى أن الأسلحة منتشرة في مناطق جغرافية معينة في اليمن، فإننا سنجد أن كل مواطن في تلك المناطق لديه حصة كبيرة من الأسلحة».
ويعيد الأصبحي انتشار تجارة السلاح في اليمن إلى «ضعف القانون، لان القانون اليمني من حيث المبدأ يبيح الحصول على الأسلحة وانتشارها ولا يحظرها لأنه يعتبر مسألة تملك الأسلحة وحيازتها كحق ثم يعمل على تنظيمها، والقانون الحالي الذي ربما يعدل خلال الفترة المقبلة في البرلمان، يساعد بشكل كبير على انتشار السلاح لأنه يشرع بان انتشار الأسلحة خارج المدن الرئيسية لا يحتاج إلى ترخيص».
ويتابع «من نقاط ضعف مشروع التعديلات على القانون انه يقول إن لكل مواطن أن يقتني السلاح والكمية المناسبة من الذخيرة وهي عبارة فضفاضة تتيح انتشار الأسلحة بشكل كبير، وهذه مسألة خطيرة على المستوى العالمي، ونعتقد أن الحل الأول يبدأ في إعادة النظر في التشريعات». ويعتقد الأصبحي أن المشكلة الأكبر هي في تعدد المنافذ في اليمن «فهناك أكثر من 2200 كيلومتر من السواحل، إضافة إلى الجغرافيا الصعبة في ترامي المدن البعيدة وهذا يجعل انتشار السلاح وأسواقها كبيرا وسهلا إلى حد كبير».
ويعتقد المنسق لشبكة الحد من انتشار الأسلحة على مستوى الشرق الأوسط أن انتشار السلاح في اليمن يرجع إلى سببين رئيسيين الأول: أن حمل السلاح فيه نوع من الرجولة وحتى أن الشاب الذي يريد أن يثبت بلوغه الرجولة يقتني السلاح ويحمله، وهي ثقافة تقليدية ساهمت إلى حد كبير وبشكل خاطئ في اعتقاد مفاده أن السلاح شيء ايجابي وهذا أمر غير صحيح». السبب الثاني وهو «الشعور بالخوف من القوى القبلية ومن الدولة، فالكثير من اليمنيين وبالأخص في مناطق الشمال ذات النظام القبلي المتماسك إلى حد كبير، يرون بأنهم دولة داخل دولة، الأمر الذي ساهم في ضرورة اقتناء السلاح لمسألة حماية الذات والمصالح، سواء في الحروب الداخلية بين القبائل أو في مسألة الخصومة مع مؤسسات الدولة المختلفة، وهذا ساهم في أن يكون السلاح مصوغا اجتماعيا وثقافيا ومبررا إلى حد كبير لدى عامة الناس».
ويتطرق الناشط اليمني إلى نقطة ثقافية وهي انه يسود اعتقاد لدى المواطن اليمني والعربي عموما بان اقتناء السلاح «فيه ميزة ايجابية تحسبا لغزو ما سيأتي إلى هذا البلد أو ذاك، ويطرحون أمثلة حية مثل لبنان وفلسطين والعراق، بينما في حال أخضعنا المسألة بشكل جدي وعقلاني سنجد أن الأسلحة الصغيرة لم تساهم في تحرير الأراضي ولكن ساهمت في قتل كثير من الأبرياء وبالذات النساء والأطفال وعملت على خلق الكثير من الفوضى وانعدام الدولة المركزية».
واكد الدكتور عبد السلام الحكيمي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز اليمنية لـ«الشرق الاوسط» أن هناك نسبة من النساء اليمنيات يستخدمن السلاح كما الرجال. وقال إن النساء في الأرياف اليمنية يجدن استخدام السلاح بصورة متساوية مع الرجل بحكم امتلاك الأسر الريفية للسلاح، «وذلك كحماية للأسرة نفسها، زوج المرأة قبل أن يغادر القرية، يعلم زوجته أو ابنته ضرب النار».
ويشير إلى انه وفي ضوء دراسة نسبة الجريمة في المجتمع اليمني تم اكتشاف أن هناك الكثير من النساء ممن استخدمن السلاح في الجريمة، مثل القتل والقتل العمد بالتحديد. ويعيد الدكتور الحكيمي استخدام السلاح بصورة عامة وبصورة خاصة من قبل النساء إلى وجود السلاح في المنزل، كما يشير إلى استخدام بعض الأطفال تحت سن الخامسة عشرة للسلاح في تنفيذ بعض الجرائم.
ويقول الأكاديمي اليمني إن حيازة السلاح «هي ظاهرة عالمية، أما حمله علانية فهي ظاهرة يمنية، بحكم انه لا توجد دولة يحمل فيها السلاح في العيان سوى اليمن»، موضحا ان الحكومة اليمنية صرفت حوالي احد عشر مليار ريال يمني لشراء السلاح وهذا أدى إلى تقليص حجم أو عدد السلاح المتداول في السوق من خلال ارتفاع سعره بسبب زيادة الطلب عليه. ويعتقد أن ارتفاع أسعار السلاح في السوق يمكن أن يؤدي إلى القضاء على هذه التجارة «لان المواطن العادي الذي يصل دخله إلى 30 ألف ريال شهريا من الصعب عليه شراء سلاح بـ 80 أو 100 ألف ريال ، واقتصر الشراء الآن على الطبقات الغنية من اجل المباهاة والافتخار». ويسهم انتشار السلاح في اليمن بمختلف أنواعه وأحجامه وسهولة الحصول عليه في زيادة جرائم الثأر وانتشار الجريمة بصورة عامة وبالأخص داخل المدن الرئيسية، وقد اتصلت «الشرق الأوسط» باللواء محمد عبد الله القوسي، وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن، والعقيد يحي محمد عبد الله صالح ، أركان حرب قوات الأمن المركزي التابعة للداخلية والعميد محمد الحاوري، ورئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس النواب اليمني، للتعليق على الموضوع، لكن بدون نجاح.
ويقول الدكتور الحكيمي إن نتائج احدث دراسة أجراها هو في اليمن وتتعلق بسوء استخدام السلاح، اجريت على أكثر من 2083 شخص، كشفت أن أكثر من 60% من المبحوثين رجالا ونساءً يمتلكون السلاح، وهي نتيجة يمكن عكسها على المجتمع اليمني وتكشف أن أكثر من مليوني أسرة يمنية تمتلك السلاح.
المصدر / الشرق ألأووسط
في الجمعة 29 ديسمبر-كانون الأول 2006 08:37:42 م