محجبات الفضائيات!!
بقلم/ سعيد أبو معلا
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 3 أيام
الثلاثاء 28 أغسطس-آب 2007 05:02 م

قضايا وموضوعات كثيرة تفرزها ظاهرة الفضائيات العربية. من جملة ذلك مسألة المذيعات والحجاب، وهي مسألة قديمة متجددة، ومنها رؤيتنا المذيعة "بسمة وهبي" دون حجاب، وتحولها لتقديم برامج فنية صرفة بعد أن كانت تقدم برامج دينية وهي مرتدية الحجاب.

وهي رؤية تبعتها رؤية أخرى تمثلت في خلع الفنانة "عبير صبري" الحجاب، بعد أن ارتدت الحجاب الإسباني فترة، وذلك لانعدام أو لقلة العروض الفنية التي تعرض عليها، مع تأكيدها أنها لن تقدم الأدوار "الجريئة" مستقبلا.

ليست المشكلة فيمن يرتدي الحجاب أو من لا يرتديه، أو حتى من يتركه، فهذا شأن شخصي تماما، لكن الأمر يستحق أن يناقش، وتحديدا عندما يكون الحال مع مذيعات أو محجبات كن قدوة أو هكذا قدمن أنفسهن في برامجهن وحياتهن العامة، أو الخاصة التي تحولت لعامة، أو هكذا هيئ للجمهور العريض الذي كان يتابعهن، فكن صانعات رأي ومستشارات دينيات لدى هذه الفئة من الجمهور أو تلك، وبذلك كن يتبوأن درجة ما في نفوس وقلوب الجماهير العريضة.

الأمر هنا تحول إلى شأن يخص الجمهور البسيط بطريقة أو بأخرى، فتلك الفئة من المذيعات لم يعدن مجرد مذيعات في قناة فضائية، بل تحولن بسبب دخولهن في المجال التلفزيوني إلى أيقونة أو رمز شكّل تأثيرا كبر أو صغر على المشاهدين، وبالتالي كان من حق الجمهور الذي عرف "بسمة وهبي" بالحجاب، وشاهد "عبير صبري" وهي تدافع عنه، أو سواهما وانتظر برامجهما في مواعيدها وغيرت كلماتهما أو كلمات من استضافتهما ولو فكرة تخص علاقته بربه، كان من حقه أن يشعر بنوع من الاتساق بالمعلومات والصور الذهنية بطريقة تمكنه من تصديقها.

فمن يصدق اليوم: بسمة في ثوب المذيعة التي تنافس "هالة سرحان" على استضافة الفنانين والفنانات في محاولة استنطاقهم في شئون حياتهم وعلاقاتهم وتفاصيل إنتاجهم الفني لتتسيد أحاديث الناس، أم بسمة التي يحمل صورتها في برنامجها الديني "قبل أن تحاسبوا"؟!

تلك المفارقة أحدثها التناقض التام، وتحت مبررات غير مقنعة، بين الصورة الذهنية المتشكلة عن الماضي القريب والمرتبطة بالدين والالتزام بظاهره، والصورة الجديدة التي ظهرت بقصة شعر جديدة، في مكان جديد، وبرنامج جديد، والتي تشهد تبلورا حاليا.

حدث ذلك ويحدث في ظل وجودنا في عصر الفضائيات ونجومها على اختلاف مستوياتهم، والذي تعد البيئة الإعلامية الحالية بمختلف مكوناتها وتحولاتها جزءا من تداعيات فوضاها، ففرضت نجماتها وأفرزت مذيعاتها لدرجة جعلتهم، أحيانا، أهم من رئيس هذه الدولة أو تلك عند بعض المواطنين، لتحدث الصدمة مع كل تحول أو تغير.

التناقض الصارخ يظهر عندما يصل الأمر للتناقض التام في سلوك هذه المذيعة أو تلك الفنانة المحجبة والتي تحولت من الحجاب والحديث الديني إلى تقديم البرامج الفنية وبرامج المنوعات، وهو تحول يصل لدرجة التناقض التام ليصبح حديث الناس أياما وأسابيع طويلة.

وموقف الجمهور مبرر ومفهوم، كونه لم يضع في حسبانه -وهذا خطؤه- أن ينظر لهذه المذيعة الداعية أو تلك على أنها فرد عادي، بل منحها هالة كبيرة ساعدت على تضخيمها الفضائيات وأضواؤها.

يطرح الحديث السابق فكرة القيمة التي تسيطر على سلوك التحجب عند هذه المذيعة أو الفنانة، أهي القناعة التامة بالجوهر الذي يقف خلف هذا السلوك، أم النجومية البحتة التي يوفرها هذا المظهر أو ذاك، والتي أصبح للمحجبات نصيب كبير منها، وربما نجومية مضاعفة في حالات كثيرة.

وهنا لا بد من التأكيد أن كليهما يؤثر على الآخر في متتالية من المد والجزر، فالحجاب وفي تجارب كثيرة كان صانعا للنجومية، نجومية قبلها الجمهور المتدين ودافع عنها وأعلى من شأنها دون أن يتساءل عن القناعة بهذا الحجاب من عدمها، ربما وهج نجومية المذيعة التي تراعي التدين الظاهري وتدعيه كان يغطي على الكثير من الأسئلة الحقة.

وكما أن حجاب "بسمة وهبي" وبرنامجها "قبل أن تحاسبوا" كان جزءا من نجوميتها فإن خلعها للحجاب وتقديمها للبرامج الفنية سيكون جزءا من مشوار نجوميتها أيضا لكن على مستوى آخر ومختلف.

وهي نجومية ترتبط مباشرة بالجمهور الذي يتابعها ونوعيته، وهنا سيظهر لنا تساؤل آخر حول مصير الجمهور المحب لبسمة في ثوبها الديني القديم، فهل سيتابعها في ثوبها الفني الجديد أم سيعلن مقاطعته لها، أم أنه قادر على قلب الصفحة تماما وقبولها مهما كان حجم تناقضها؟!

وربما يحق لنا أن نتساءل عن حال فهم المذيعة "بسمة" لطبيعة جمهورها الذي تراهن عليه، فهل تراهن على الجمهور الذي يعاني من حالة زئبقية تجعله قادرا على متابعة وهضم البرامج الدينية والبرامج الفنية والاهتمام بتفاصيلها، ومشاهدة الفيديو كليب على السواء، ولاسيما أن قطاعا لا يستهان به من الجمهور متابع لهذا وذاك.

المأزق هنا سيكون أكبر بالنسبة "لبسمة" فيما لو انفض جمهورها الأول عنها، وهو مأزق سببه جمهور بسمة أولا وبسمة ثانيا، كونه وضعها في ثوب الداعية، وهي ارتضته ومارسته في برامجها المختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ثوب اكتشفت أنها غير قادرة على تحمل تبعاته حتى النهاية بذهابها إلى حلبة البرامج الفنية، وتنكرها لماضيها، كما هو حال عبير صبري أيضا.

القضية الأخرى تطرح على المنطق الذي يحكم الجمهور في نظرته لتلك المذيعة أو الفنانة المحجبة، فهو غالبا، بوعي وبدون وعي، وربما لوجود الرغبة في الدعم والتشجيع والتحفيز يحول مذيعاته المحجبات إلى داعيات ومن ثم إلى نجمات، وعليه هو ذاته تحمل التغير الطارئ والصادم له مع هذه المذيعة أو تلك، فهذا خطؤه الذي أوقعته فيه الفضائيات وأمنياته الكثيرة.

ويبدو أن ظاهرة تحول بعض المحجبات المذيعات أشبه بحال الكثير من المثقفين الذين يتحولون ويتنكرون لما كانوا يدافعون عنه في كتاباتهم وتنظيراتهم المختلفة، وهي عدوى بدأت تنتقل للمذيعات سواء المحجبات وغير المحجبات.

فهذا السياسي أو المثقف الذي عاش سنوات طويلة وسخر قلمه لخدمة هذا النظام أو ذاك قادر على أن يصبح في ثوب نقيضه في أقل من غمضة عين، وقادر على كتابة المقالات التي تتنافي مع ما كتب قبلا ومع ما حلف على أنه مقتنع به داعيا الجماهير للقناعات ذاتها، وهاهي المذيعة التي دافعت عن حجابها ودعت له ولكل ما يمثله، وقدمت برامج تحاسب الناس (مشهورين غالبا) ليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا يوم القيامة تخلع حجابها وتقدم ما يخالف ما قدمته سابقا.

إنها عدوى خلقتها "الميديا" وأموالها وسحرها، والتي أعلت من شأن المذيع ليصل إلى درجة النجم، وسحر الكاميرات وقدرتها على الشهرة وتغيير القناعات والمواقف وطبيعة الملابس والأشكال أيضا.

المهم هنا، هو في موقف الجمهور ذاته، والذي عليه أن يكون على وعي أكبر وفهم أعمق لجوهر فكرة النجومية، وطبيعة نجومه، ليكون محصنا من صدمات قادمة حتما، ربما تخلخل الكثير من مواقفه وتقييماته ودفاعاته وحروبه وانحيازاته.

وفي النهاية ألا يبدو أن الفضائيات هي ذاتها التي جعلت من مذيعة ما ترتدي الحجاب لتصبح نجمة، ربما دون تعميم، يشهد على ذلك فورة تحجب الفنانات والتي ترافقت مع استقطاب مجموعة من الفضائيات لهن، وأنها الفضائيات ذاتها التي تدفع محجبة لخلع الحجاب، وتحديدا في ظل تكرار العروض المغرية، وسيطرة هاجس النجومية والشهرة والتطلع صوب بريق الصورة لا ذاتها.

إن حجم التناقض فيما نراه ونتابعه كبير وربما خرافي، وربما السبب أننا لم نتوقعه ولم نضعه في حسابنا منذ البداية، لكن المأساة أننا في زمن هاجسنا فيه البحث عن المصداقية والاتساق دوما.

إسلام اون لاين