ما هكذا تـورد الإبل يــا فائـزة
بقلم/ دكتور/جلال الأحمدي
نشر منذ: 18 سنة و 6 أيام
الإثنين 18 ديسمبر-كانون الأول 2006 03:58 م

مأرب برس - خاص

طالعنا موقع ( مأرب برس ) في التاسع من ديسمبر 2006م ، بنداء استيغاثي للكاتبة فائزة البريكي تحت عنوان (( سفاراتنا في الخارج ، إنقــــاذ ما يمكن إنقاذه )) ، يوحي للوهلة الأولى أن الطامة الكبرى قد حلت بسفارات بلادنــا جميعهــا ، وما علينــا إلاَّ أن نشمــر عـــن سواعدنـــــا ونركض " لإنقاذ ما يمكن إنقاذه " وإلاَّ فعلى الدنيا السلام .

ويخرج القارئ بانطباع أولي مفاده أن الكاتبة قد أناطت بنفسها مهمة إنقاذية عاجلة للوضع الذي أضحى على شفا الانهيار ولم يعد بمقدور أحد الفكاك منه ، فعقدت العزم على أن تكون نصيراً للمستضعفين و " عونا لكل صاحب حق " وليس لـ " صاحب منصب أو سلطة أو مال " جازمة بأنهــا لن تكون " كغيرها ممن إمتلئت ( كروشهم ) وانتفخت من مال الشعب المسكين " وفي غمرة حماسها تنصب نفسها جسراً لــ " تواصل بين الشعب والدولة " ، يا للمهمة العسيرة ! التي كبلت نفسها بها ، وفقها الله في ذلك .

إن النقد الموضوعي المبني على الحقائق والهادف إلى تقويم الأخطاء والكشف عن الثغرات ومواطن الخلل أمرَُ ضروري وهام ، فالعمل يتطور ويبدع في مناخ النقد البناء الجريء فهما صنوان متلازمان وما أحوجنا إلى هذا التلازم .

ومن نافلة القول أن الأخطاء والهنات التي تظهر في سياق العمل ، سيما المرتبط منه بمصالح شريحة واسعة من الناس لا يمكن إخفاءها ، فمن الصعوبة بمكان حجب أشعة الشمس الساطعة بغربال مليء بالثقوب . ولنتفق بأنه لا يوجد عمل " كامل الأوصاف " منزهاً لا تشوبه شائبة ، والموضوعي هو ذلك الذي يحكم على الأخطاء بحجم جسامتها ومقدار ضررها على المصلحة العامة ، وإن رغبنا التنزه من الأخطاء فما علينا إلاَّ الركون إلى الراحة والتأمل لما يدور حولنا ، بل ويمكننا التمادي في ممارسـة ( النقد ) مجازاً وإطلاق الكلام على عواهنه ، وما أيسر ذلك .

والمسألة الجوهرية ، كيف يُستوعب هذا النقد ويُستخلص منه العبر في معالجة الأخطاء والعمل الجاد على إعادة الأمور إلى نصابها وعدم تكرر ما وقع ، وهنا مربط الفرس كما يقول العرب .

ولعل الكاتبة استمعت إلى شكوى بعض الطلاب والمغتربين في مكان إقامتها ، وتأثرت لذلك تأثراً بالغاً ، وهي السيدة التي وقعت أسيرة ظلم فادح ألم بها – كما كتبت - " سُرقت أموالها في وضح النهار " ، و " أصبحت منفية ولاجئة " و " لا ترغب بتلطيخ يداها بما حرام " ، فحرك ذلك نوازعها الإنسانية وهي الخارجة من صخب تجربة ذاتية زادتها تعلقاً بقضايا المظلومين ، ولكنها غفلت في غمرة عواطفها أن تقرع أبواب السفارة ، سيما وأنها " وكالات بدون بواب وسايبة " ، أي يسهل الولوج إليها للاستماع إلى الرأي الأخر ، لتكتمل الصورة لديها ، فلعلها تُسدي نفعاً كبيراً لأبناء جلدتها بنقل همومهم ، ولكنها ترددت كثيراً أمام هذه المهمة النبيلة " فالسفير اليمني مشغول بجمع أكبر قدر من الدولارات الخضراء " ، أي لا هم له إلاّ أن يوصد الأبواب ويقبع خلفها يحصي الأموال التي جباها !! ضارباَ عرض الحائط بالمهام الجسيمة التي ينبغي القيام بها . لست أدري كيف أدركت ذلك ؟ لعلها قارئة فنجان ضليعة ومكشوف الحجاب عنها ، وهذه إحدى المواهب التي تنطوي عليها مقالتها . الاَّ ترين يا سيدتي أن إحدى بديهيات الحقيقة عدم إطلاق الأحكام القطعية ؟ . الاَّ يفقدك ذلك صدقية التناول ؟ أم لعلك لا ترغبين في إرهاق ذاتك المرهفة في البحث عن الحقيقة ، فأطلقت العنان لأحكامك – أعاننا الله عليها – التي لا يأتيها السهو أو الخطاء ، فتلاشى احترامك للخارجية " الوكالة من غير بواب " كيف تأتى لك معرفة ذلك وأنت العائشة في مدينة الضباب .. ما هذه القدرة الأسطورية الخارقة في معرفة ما يدور في كل " سفارات بلادنا " لعلها عيني زرقاء اليمامة!!

ولم تدخر الكاتبة جهداً في إمتشاق قلمها – السيف ، والتلويح به في الفضاء بطريقة دون كشوتيه في الدفاع عن " الشعب المنبوذ المجرد من أبسط حقوقه" ، " الشعب اليمني الذي يعيش مشرداً داخل وطنه " وكأنه يحيى في أعتى الدكتاتوريات ، أو إحدى جمهوريات الموز ، وتسترسل في ترحمها على الشعوب العربي فـ " الحيوانات في الدول الأوروبية تعامل أحسن منها " ، وتتضخم لديها حالة التحسُر على " اليمن – وطنها – والسودان وبعض الدول العربية التي لا تجيد إلاَّ الفتك بشعبها ". و " الشعب اليمني الذي وصلت به الفاقة والجوع أن يأكل من القمامة " . ولست أعلم حقاً إن كانت عايشت أهلها في اليمن وعاصرت أحوالهم ، أم هي معلومات مستقاه من مجالس النميمة اللندنية ، وهي التي كما يوحي لم تتضور جوعاً قط .

أما " وزيـر الخارجيـة " فتضيق ذرعاً بزياراته التي اعتبرتها لسذاجتها ومحدودية معارفها ومن وحي تجاربها الذاتية رحلات استجمام شتوية وصيفية ، وتبتهل – في مقالتها – إلى الله أن يزيد الوزير من إهماله وفساد وزارته حتى يتأتى لها الاقتيات من هذا " الإهمـال والفساد " لإشباع رغبتيها الدفينة في السطوع ، ولم تفقه أن التحرك السياسي الخارجي هو امتداد حيوي لنشاط الدولة الداخلي ، حيث تحرص الدولة على تعزيز صلاتها الخارجية وتواصلها مع العالم ليعود ذلك بالنفع والخير على الشعب ولتوطيد مكانة الدولة بين الأمم .

وحشدت في مقالها البانورامي كل ما جال في خاطرها في افتقاد واضح لمنهجية التناول وموضوعيته بالتنقل بين موضوع وآخر بدءاً من وزارة التربية والتعليم " التي تنهب حقوق الطلاب " حتى الدول النفطية الفاحشة الثراء " . المهم كيف تنفس عن روحها المثقلة بهموم " الشعب المسكين الذي يحتضر ولا تجد ثمناً لكفنه " . لا قيمة لديها إن كان النقد موضوعياً أم لا. الأكثر أهمية محاربة طواحين الهواء .

ولكم تمنيت أن تُسخر " قلمها وعلمها ومالها " للتطرق إلى وقائع محددة تسلط الأضواء عليها وتقومها بالنقد والتحليل وتسهم كوطنية غيـــــورة " لا مؤتمريه ولا معارضة " و " لا تخشى با جمال ولا الرئيس " في الكشف عن الأخطاء بعد أن تكون قد ألمت بالموضوع إلماماً صحيحاً ودرسته من كافة جوانبه ، بدلاً عن التخبط العشوائي الذي ساد موضوعها ، وفقدان الاتجاه الصائب في تناولها . فإدعاء احتكار الحقيقة مرض مستشري في أوساطنا علينا مكافحة مدعيها .

ومع ترحيبي الحار ورغبتي الجامحة في رؤية تنوع إعلامي سيما في المجال المرئي ، ففي ذلك إثراء لحركة الفكر والثقافة في بلادنا وتطوير للأداء الإعلامي ، إلاَّ إنني على يقين أن المال وحده على أهميته لا يصنع إعلاماً ناجحاً فالصدق ثم الصدق ثم الصدق والالتصاق بقضايا الشعب وهمومه والتعبير الصادق عنها هو المقياس الأساسي في النجاح . أم البهرجة والبحث عن موطن قدم تحت الأضواء البراقة فيذهب هباء .