سيناريو أخير قبل التوريث
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 30 مايو 2007 03:13 م

مأرب برس ـ خاص

اليمن . . . من بيت حميد الدين الى أسرة الصالح

تسير بلادنا بمنهج ثابت وخطوات عملية نحو توريث الحكم أسريا أو مايسمى بظاهرة الجمهوريات الوراثية وكأحدى دول العالم الثالث التي يعول فيها على الجيش كأداة حسم للاستفراد بالسلطة والية تحدد مصير البلد بالقوة العسكرية فقد اعتمدت السلطة القائمة في بلادنا على الامساك بمفاصل الحكم من خلال سيطرة اسرة الرئيس على مراكز القيادة العسكرية حيث يسيطر نجله وأفراد أسرته على قيادة المحاور والمعسكرات ما يعني أن البلد محكومة عمليا بأسرة بيدها مراكز القوة الحقيقية ومن ناحية أخرى فقد ظلت السلطة تلبس الديمقراطية كتكتيك مرحلي لتلميع وجه الأسرة العسكرية الحاكمة ومع ان النظام السيا سي الذي تأسس منذ 22 مايو 90 قائم على الديمقراطية والتعددية والحريات قد جاء كرديف ثنائي للوحدة الا انه صار اليوم الى هيكل مفرغ من محتواه بسبب نزعة الاستبداد التي تترجمها الممارسات الشمولية المنهجية التي تستهدف الديمقراطية والحريات ومشروعية النظام السياسي القائم برمته وما يفترض وجوده من أليات ومؤسسات ونظام ديمقراطي لم يعد الا هياكل خاوية وأدوات مفرغة تستخدم لتكريس الاستبداد واستكمال متطلبات التوريث والتطور الأخطر الذي تعيشه البلاد في الفترة الراهنة هي حدة النفس الاستبدادي وهمجية ممارساته القمعية للحقوق والحريات والتي يبدو أنها تستهدف بشكل كلي أخر ما تبقى من هامش ديمقراطي في انقلاب نهائي عن المشروعية السياسية القائمة شكليا على الديمقراطية والتعددية رغم أنها كما ذكرت سابقا ظلت تستخدم لفترات سابقة غطاء للتمويه و ديكور لخداع الداخل لصرف نظره عن مشروع التوريث وموجهة للخارج لجلب مساعداته .

ما يفسر هذا الانقلاب على الديمقراطية والحريات والممارسات الممنهجة للإجهاز على ما تبقى من شكليات النظام السياسي القائم هو استنفاذ الغرض من وجودها نتيجة نجاح السلطة في جدولة مراحل التوريث واجتياز خطواته بامتياز وذلك من خلال قدرتها على تسخير آليات الديمقراطية وتحويلها الى أدوات طيعة لانتاج عوامل التوريث وخلق شروطه وتهيئة بيئته المناسبة ومن ثم الوصول في المرحلة القادمة الى منح الغطاء التشريعي له بشكل سافر على نحو ما جرى مؤخرا على سبيل المثال في مصر من تعديلات دستورية أو بأي أسلوب أخر حسب ما تقتضيه الظروف المستجدة .

 

بشكل أكثر وضوحا فان حال الديمقراطية الصورية القائمة والتي ألت مخرجاتها التي تعزيز الاستبداد وتكريس سطوة الفساد ومضاعفة معاناة الشعب قد أوصل الناس الى أقصى درجات الإحباط واليأس بانعدام الأمل بأية فرصة للتغيير والإصلاح ما أدى الى ترسخ القناعات بالاستسلام للحكم الفردي وتوريثه كقدر وأمر واقع مفروضا بقوة البطش والغلبة وفي واقع مجتمع يحكمه التخلف والفقر والحروب والجهل والفساد كجزء من إستراتيجية منهجية تحكم بها اليمن تضمن بقاء الشعب خارج نطاق الحياة الانسانية مشلول الإرادة ورهن عبودية الفرد وأرضية صالحة لتخصيب مشاريعه مما يترتب على ذلك التخلص من أية قيود تحد من سلطة الاستبداد وهذا ما يمكن ان يفسر الممارسات والتوجهات الممنهجة التي تهدف اعادة البلد الى الحكم الشمولي .

الانتخابات الرئاسية الأخيرة وضعت اليمن أمام خيارين لا ثالث لهما اما طريق التوريث أو طريق الديمقراطية ، والسلطة أظهرت استشراسها في الدفاع للبقاء في كرسي الحكم للأبد وتوريثه بكافة الطرق غير المشروعة من استخدام إمكانيات الدولة و الفساد والتزوير و النكث باتفاقية المبادئ وغيره وفي كل ذلك استطاعت ان توجه ضربة قاصمة للإرادة الشعبية تفضي للمزيد من تضاعف الإحباط وفقدان الثقة بالعملية الديمقراطية مخرجاتها التي تعيد إنتاج الأوضاع الفاسدة والأسوأ منها ، وفي المقابل فان معطيات هذه الانتخابات وتفاعلاتها ونتائجها تضع المعارضة والنخب السياسية وكل من يهمه أمر هذا الوطن أمام مسؤوليتهم الوطنية إزاء خطورة المصير المأساوي الذي ينتظر مستقبل االبلاد والأجيال التي صارت الى حكم فردي أسري يضع نصب عينيه اليوم تنفيذ مشروع التوريث والعودة للحكم الملكي ، والخوف كل الخوف أن تكون انتخابات 20 سبتمبر التي سمح فيها للمعارضة بمرشح وخطاب إعلامي محدود أن تكون تلك التجربة هي الأخيرة لما أحدثته من حراك ووعي في أوساط الناس وشواهد التراجع الخطير في التضييق على الحريات وفعاليات المجتمع المدني تعزز توجهات الاستبداد ومخططاته في العودة للحكم الشمولي وتوريث الوطن.

لكن على الجانب الأخر معطيات جوهرية تقف الى صف القوى السياسية المعنية بالشأن العام والتي يمكن أن تستغلها لصالح الجهود الوطنية التي تستهدف انقاذ البلاد من كارثة الاستبداد فالموقف الشعبي بلغت معاناته أقصاها إزاء حالة العبث والتلاعب بالديمقراطية ونتائجها التي أصبحت وظيفتها التشريع للمزيد من الظلم والفساد بوسائط القوة الباطشة التي تفرض ارادة الاستبداد أمرا واقعا ومن ناحية ثانية فان تقييم المنظمات الدولية وتقارير الرقابة الدولية قد شخصت ووقفت على جوانب هامة من الفساد الذي تعانيه الديمقراطية وقدمت توصيات ومعالجات لإصلاح الإدارة الانتخابية و هياكلها وأنظمتها ، وبناء على ما آلت اليه اليمن من استبداد مطلق والذي يعود في جزء رئيسي منه الى فساد مكونات الادارة الانتخابية والسيطرة عليها من قبل السلطة تستطيع المعارضة تبني هذه القضية الجوهرية التي تنعقد عليها المطالب الشعبية والتوصيف الدولي كخط واضح وموقف مبدئي تناضل من أجله حتى تنتزع للشعب أبسط حقوقه الانسانية الطبيعية في تقرير مستقبله بإرادته الحرة واختياراته المستقلة بدلا عن الديمقراطية الشكلية التي تتدثر بها القوة الغاصبة وتعيد بواسطتها انتاج شرعية الاستبداد وتكريس الفساد .

مالم تبذل المعارضة والقوى الوطنية جهودها وتكرس نضالاتها في الفترة المنظورة لأجل إصلاح آليات الإدارة الانتخابية التي تعتبر حجر الزاوية لإنقاذ البلاد فأن الخيار الأخر الذي ينتظرنا هو احكام السيطرة النهائية للاستبداد على مصير البلد وبالتالي لن تكون أية عملية انتخابية قادمة في ظل الادارة الانتخابية الحالية الا بمثابة منح الغطاء القانوني والمشروعية الدستورية لمشروع التوريث والتسريع من خطواته الأخيرة بشكل نهائي وسافر

في رئاسيات 2006 نالت المعارضة حصة معتبرة رغم الخلل والسيطرة المحكمة على العملية الانتخابية وأدواتها و في المحليات أتت النتائج بشكل أسوأ وكلا الانتخابات الرئاسية والمحلية خضعتا لنفس الظروف الا أن الفارق بين النتيجتين يربك المعارضة ويشوش عليها فهم أبعاد السياسة المرسومة التي تنزع نحو الاستئثار بالأغلبية المضطردة تصاعديا من انتخابات لأخرى حيث الهدف القادم في برلمانيات 2008 هو تأميم مجلس النواب واستهداف وجود المعارضة الى أقصى درجات الإضعاف بحيث يكون تمثيلها صوري في حدود ( 2 الى 5 %) وتفقد بالضرورة والنتيجة أي وزن اعتباري لها يمكن أن يكون مؤثرا في تبني القضايا الوطنية أو أي دور يمكن أن تلعبه في مواجهة مشروع التوريث وستكون الأغلبية البرلمانية فوق المطلقة مبررة استنادا الى الأغلبيات المحصودة تراتبيا وعندها لن يكون هناك عائق أمام الأغلبية أو بوسع معارضة لا وجود لها أصلا أن تغمطها حقها في تشريع سيناريو التوريث الذي سيقع عليه الاختيار اذ لن يكون للمشترك عندها تمثيل معتبر يمكن له أن يشكل رأيا عاما رافضا للتوريث أو على الأقل احراجا شعبيا لمخرجي مشروع التوريث

أخشى ما نخشاه هو ان تستمر خفة المعارضة وسلبية تعاملها مع الإفراغ الذي تمارسه السلطة على الديمقراطية وإفساد آلياتها في وقت لم يعد فيه متسع من الوقت للتردد أو الصفقات أو اتفاقات مبادئ أخرى على اعتاب مرحلة حاسمة أصبح فيها مصير الوطن على بعد خطوة نهائية من السقوط في كارثة الاستبداد والحكم الأسري الوراثي ومالم تتنبه المعارضة لخطورة بقاء الادارة الانتخابية والياتها كماهي مختلة وتحت السيطرة وتضع هذه القضية ضمن أجندتها الرئيسية فانها ستظل تؤدي نفس أدوارها السابقة في سيناريوهات تكرر نفسها وتؤدي الى نفس النتائج المحسومة سلفا ولعل ما يحصل حاليا هو تكرار نفس المعطيات والوقائع بصورة روتينية رتيبة اذ يستمر اضاعة الوقت في حوارات عقيمة تسير أحيانا وتتوقف أحيانا أخرى حتى يمضي الوقت وتصل البلاد الى محطة الانتخابات القادمة وتحت ضغط الوقت سيتم سلق اتفاق مبادئ رقم 2 سيكون مصيره مثل شقيقه رقم1 ويتكرر نفس سيناريو انتخابات 2006 ولكن هذه المرة سيكون مفتتح الفصل الأخير لتدشين مشروع التوريث

سيناريوهات مفتوحة

الخوف كل الخوف من استنساخ كل تعديلات الدستور الماضية في صورة تعديل هجين يحتوي خبرات التعديلات السابقة يتم بموجبه اعادة فترة الرئاسة الى 5 سنوات على أن تدخل حيز التنفيذ من الدورة القادمة أو الحالية ويمنح الرئيس نفسه فترة أوفترتين قادمتين لتوفير المزيد من الظروف المناسبة لتسليم السلطة لأحمد خاصة وان مؤشرات عديدة تؤكد هذا السيناريو بشكل او بأخر يأتي في مقدمتها تصريحات الرئيس نفسه بشأن اجراء تعديلات دستورية واسعة بالإضافة الى تنصله من تنفيذ أهم وعود برنامجه الانتخابي وهو انتخابات المحافظين وجعلها مادة للمساومة اذ الأمور مرشحة لأن يتم تمرير سيناريو تعديل فترة الرئاسة ومنح الرئيس فترة قادمة الى جانب تعديلات في قانون السلطة المحلية يمنح صلاحيات معينة في اطار ما يمكن أن نسميه بالمقايضة ويبقى اخراج شكل السيناريو بصورته النهائية يحيطها الغموض وتحكمها ظروف معقدة تفرضها حسابات السلطة ومنها بالضرورة هذا التراجع المخيف عن مشروعية النظام السياسي والانتهاكات الممنهجة ضد الحقوق والحريات المكفولة بالدستور واستخدامها كورقة ضغط سياسية وتهديد حقيقي للمجتمع بنفس الوقت .

سيناريو روتيني جدا

السيناريو المكرر د ائما و الذي يجيده الحاكم دائما هو إدخال المعارضة في دوامة حواراته المفرغة التي تفضى على أحسن تقدير الى اتفاقيات نظرية غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع والفترة الراهنة تشهد حوارات حينا تتوقف وأحيانا تستأنف وتتخللها أزمات ومن ثم انفراجات وهكذا دواليك والحوار وتجارب الحوار الحاكم مع المشترك أثبتت أنها فقط مناورات تهدف دائما الى كسب موقف على حساب إضاعة الوقت بعيدا عن القضايا الجادة المفترض الحوار عليها والحاكم يمتلك خبرة ممتازة في ادارة الحوار بطريقته التي تقود المشترك وتحشره في حيز ضيق كما يجره الان الى زاوية الوقت الضائع عندما تصل دورة الحوار المفرغ الى مشارف الانتخابات دون تحقيق أية نتائج ايجابية من الحوار على المستوى العملي مما يضطر معه الطرفان لتوقيع اتفاقية مبادئ رقم 2 ومن ثم يدخلان الانتخابات بنفس الأليات القائمة وبعد ذلك الكلمة الفصل لإمكانيات الدولة والمال العام والممارسات غير المشروعة والإدارة الانتخابية القائمة هي التي تحسم النتائج كما هي العادة .

ومع ان إصلاح الإدارة الانتخابية هي حجر الأساس لتوفير حد أدنى من شروط العدالة والتكافؤ لانتخابات حقيقية تفتح نافذة أمل في قلوب اليمنين بامكانية التغيير والاصلاح ورغم أن هناك اتفاقية مبادئ رقم واحد وكذلك الاتفاق الموقع بين السلطة والمعارضة حول التوصيات الأوربية التي قدمت معالجات لإصلاح الادراة الانتخابية الا ان هذه الاتفاقات مجمدة أو مرفوضة من قبل الحاكم وغير قابلة للتطبيق العملي وبالتالي فما الجدوى من اتفاقيات جديدة هي حتما لن تطبق وسيكون مصيرها كسابقاتها ؟

المعارضة لديها اتفاقات موقعة مع الحاكم بشكل ثنائي وبرعاية دولية وهي تمثل أساسا كافيا لإصلاح الإدارة الانتخابية حتى وان كانت هذه الاتفاقات صادق عليها الحاكم للخداع والمناورة فقط الا أن مسؤلية المعارضة تبني موقفا مبدئيا وتكريس جهودها وفعالياتها نحو مطالبة الحاكم بالتنفيذ الحقيقي لبنود الاتفاقيات المذكورة و من ثم تقييم مدى الإصلاحات و جوهريتها في توفير شروط الحيادية والعدالة للآليات الانتخابية وخروجها من تحت السيطرة كأساس سليم لأي قرار تتخذه مالم فان اتفاقيات نظرية جديدة ودخول الانتخابات كالعادةـ تحت مبرر الحفاظ على الهامش الديمقراطي وتراكمه ـ في اطار الاليات والادوات القائمة فلا يعني هذا غير الاستسلام لمشيئة الاستبداد وتسليم الوطن لمشاريع التوريث على طبق من ذهب .