للثورةِ ربٌّ يحميها
بقلم/ فكري القباطي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر
الأحد 29 يناير-كانون الثاني 2012 09:06 م

سألَ جنرال فرنسي فؤاد باشا ( وزير الدولة العثماني ) بعد تراجع الدولة العثمانية و نهوض الدول الأوربية الكبرى: ((ما أقوى دولةٍ في العالم الآن ))؟ فردَّ قائلاً : ( أقوى دولةٍ الآن هي الدولة العثمانية .. ذلك لأنكم تهدمونها من الخارج ونحن نهدمها من الداخل ، ولم يستطع كلانا هدمها ) ..

***

فقط عند اصطدام القناعات الشخصية مع المصلحة الوطنية تبدأ مرحلة الفرز النهائية للمواطن الصالح من المواطن السيء ..

ووفقاً لهذا الفرز نستطيع معرفة التشكيلة النهائية للفريق الذي سيعول عليه في البناء بعيداً عن أي ضغوطٍ ايدولوجية أو وصايةٍ خارجية ..

ولكن إلى ذلك الحين علينا أن نستمر بعملية الفرز والتمحيص بعينٍ مجردةٍ من رموش التبعية السياسية والمذهبية والعاطفية للنجاة من العواصف التي سيتسبب بها هؤلاء المتجرثمون داخلنا بعد وصولهم إلى مواقع تتيح لهم فرصةً للهدم وبمباركةٍ قانونيةٍ يصعبُ أمامها أن نبدأ بثورةٍ أخرى نظراً لأن عملية الفرز أقرّتْ بنجاح هؤلاء مسبقاً ..

لهذا فإن الفرصة ما زالت متاحةً لكل مواطنٍ سيءٍ كي يهدمَ ما يشاء من الوطن لأن الديمقراطية في مرحلةِ الفرز لا سقفَ لها وكل التجاوزات المذهبية والأخلاقية والسياسية والعاطفية تصب في خانة الحريات المكفولة لكل إنسانٍ فالضمير هو الحاكم الأول والأخير في الوقت الحالي إلى أن يبدأ القانون ببسط هيبته تمهيداً لمرحلة البناء ..

بناءً على كل ما سبق فإن أي تضييقٍ على حرية المتجرثمين ستؤدي إلى عرقلة عملية الفرز وستصيب حراكنا الثوري ببعض الرتابةِ ولهذا لا ضير من أن يتمردوا على قوانينا الفطرية والدينية والوطنية وتركهم يمزقون أنفسهم بغبائهم تماماً كما فعلنا مع علي عبد الله صالح حينما فتحنا له أبوابنا لكل الخيارات المتاحة في قانونه الغجري سواءً كانت خيارات سياسية أو عسكرية أو توافقية فكان أكثر الرؤساء الساقطين تدليلاً والمدللون فقط من يكون سقوطهم مباغتاً .... ومدوياً .

وإذا تطرقنا إلى الوسائل التي استخدمها هؤلاء المتجرثمون منذ بداية الثورة لوصلنا إلى قناعةٍ تامةٍ أن كل ما قدموه لم يتجاوز النقد الهدام لكل ما هو بنّاء في هذه الثورة بل أنهم شخصنوا الثورة وأدلجوها وأثخنوها بمسميات التخوين تاركين الباب مفتوحاً على مصراعيه لأجهزة النظام الإعلامية لـ رصد تحركاتهم وتوظيفها سياسياً لـ عرقلة الحراك الثوري تماماً كما فعل علي صالح حينما اتهم اللقاء المشترك بسرقة ثورة الشباب سعياً منه إلى زعزعة الصورة النقية للثورة بل ووأدها من الداخل ..

هؤلاء المتجرثمون لم يتركوا وسيلةً منحطةً إلا وأدرجوها ضمن أجندتهم التي ترجموها بالإساءةِ لكل قيادات الثورة السياسية والدينية بل وعملوا على تشكيل حائط صد أمامي لكل هجمةٍ مضادةٍ تقوم بها الثورة ضد النظام فهم أول وأكثر من هاجم قيادات الثورة السياسية والعسكرية والقبلية واعتبروا انضمامها للثورة إجهاضاً لها على الرغم من أنهم كانوا رواد الصفوف الخلفية وتضحياتهم لم تخترق سقف السفه والنقد وزاد الطين بلةً مطالبتهم لهذه القيادات بالتدخل لحمايتهم حينما اكتشفوا أن حجم الهوة بين مصالحهم وإمكانياتهم شاسعٌ لدرجةٍ يصعبُ معها أن يحملوا سلاحاً للذود عن وطنٍ رموا بهِ عرض الحائط بعد اصطدامه بغاياتهم اليعقوبية ليكون حال التجمع اليمني للإصلاح وعلي محسن الأحمر مع هؤلاء كـ حال عنترة بن شداد مع قومهِ حين قال :

( يُنادونني في السلم يابن زبيبةٍ // وعند اشتداد الحربِ يابن الأكارم ِ ))

ولكن المفيد من كل هذا هو قراءة الخطوات التي سارت عليها هذه الجراثيم في تنفيذ الأجندة الموكلة إليها منذ قيام الثورة إلى يومنا هذا ..

فسياسة قيادات الثورة التي كفلت لهؤلاء الحرية المطلقة في ممارسة طقوس الهدم بشعاراتهم التي تأرجحت ما بين الأدلجة والعلمنة جعلتهم يخترقون كل القوانين حتى انتهى بهم الحال إلى اختراق الثوابت ولسان حالهم يقول ( إن لم تكن إساءتنا لرموزكم كافيةً لوأد الثورة فسنسيء لإلهكم كي تعرفوا أننا لسنا مجرد حلفاءٍ للشيطان بل نحنُ عبيدٌ له ) ولستُ أدري ما هو المنتظر من أشخاصٍ انتهجوا سياسة النقد لكل شيءٍ بدءاً بالسياسة التي سار عليها قيادات الثورة وانتهاءًبالطريقة التي يُدير الله بها الكون بينما خرج علي صالح تماماً من قائمة اختراقاتهم وإساءاتهم وكأن توبته إلى الله وإنقاذه الوطن بتنحيه غير المشروط هو الشرط المطلوب لـ دخوله قائمة المغضوب عليهم من هؤلاء المشوهين فكرياً وفطرياً ..

وهكذا استدرجهم الله لتصبح العين الدرجة بديلاً عن مِجهر التحليل والتعليل فلا علي صالح ولا بلاطجته كفروا بالله وفعلوا كما فعلَ هؤلاء ومهما كان التأويل الذي سيبرر به المتمنطقون خلف ستائر الوسطية والعقلانية مخففاً من هول الصدمة التي اعترت كل من انساق خلف شعارات هؤلاء المتجرثمين داخل صفوفنا يبقى ( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات ومن وقع الشبهات وقع في الحرام ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) كما قال الرسول الكريم وإنّا نبرأ لديننا وأعراضنا منهم وممن والاهم وممن دافع عنهم بقولٍ أو عمل فإن كانوا يستمدون قوتهم من كسر الثوابت فنحن نستمد قوتنا من إيماننا المطلق بثوابتنا الدينية والوطنية غير عابئين بمن يطعننا من الأمام ومن يترصد لنا من الخلف فنحن أهل التضحية ونحن مشاريع الشهادة وثقتنا بالله وعدله هي من جعلتنا أهل الإقدام في الساحات والميادين بينما تهتز قلوب المشككين بعدالة الله وترتعد فرائصهم حينما يقترب الموت من مواخيرهم فانصهار قيمهم الروحية أمام جاهليتهم الاغريقية والتي تقدس كل ما هو ملموس ومحسوس للعقل والحواس يضعهم في خانة الجبناء لأن الجنة بالنسبة إليهم مجرد فلكلور غير موجودٍ إلا في الأوهام ولهذا فإن التضحية والشهادة لا وجود لها في قواميسهم الميكافيللية ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفرق بين الثائر المقدام والثائر الهدام وبين المواطن المؤهل للبناء والمواطن الذي سيعيق عملية البناء ..

على كل ٍ لم يتبقَ غير القليل وتتضح الرؤية جيداً ليعرف كل إنسانٍ قدرهُ فالعبرة بالخواتيم كما قالوا ومهما تمترست الجراثيم ومن خلفهم بإقلامهم وأحلامهم فقريباً جداً سيعرف الجميع من المصيب ومن المخطئ ومن الذي بذل لأجل هذه الثورة ماله وجسده وجهده ومن الذي تفرغ لحصد ايقونات الإعجاب ودنانير الأرباب في كواليس النت ودهاليز الأمن القومي بإثارة الزوابع الدينية والطائفية وتكريس حجج التشكيك والتخوين بحق من لمع نجمهم في سماء الثورة ..