حال صالح ..أرجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت !
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 29 يوماً
الإثنين 07 مارس - آذار 2011 06:44 م

حقيقة لست أدري هل ما نلاحظه اليوم وما نسمعه عبر الإعلام الرسمي ومن قبل بعض العقلاء والمفكرين من أصوات العقل والمنطق؛ هل كانت خافتة أصواتهم فلا يسمعها الرئيس ؟ أم كانت مدوية لكن الرئيس لم يكن يحب سماعها ؟ أم أن هناك من استطاع أن يقف حائلا بين تلك الأصوات وبين الرئيس ؟ كل الاحتمالات واردة وإن كنت أميل إلى الرأي الأخير نوعا ما. وهناك حقيقة ثانية وهي أن الإعلام الرسمي اليوم وقد أظهر بعض التوبة والندم إلا أنه ما زال يجعل صوتا للعقل وصوتين للفوضى، فما زلنا نرى ونشاهد ونسمع من ليس كل همه إلا امتداح الرئيس ويريد إنقاذه ه، والإساءة إلى المشترك، تاركا الشباب المنتفض مهمشا بل لم يسلم من اتهامه من قبل الإعلام بأنه خال من العقل والفكر بل هو - بتصور الإعلام الرسمي - عبارة عن فراغ يتم تعبئته وملأه من قبل المشترك.

إن الإعلام الرسمي اليوم يحاول أن يوصل صوت العقل ويزيل تلك الحواجز التي وقفت حائلا بينه وبين الشعب ثلاثة عقود ونيّف، وعلى الرغم من ذلك فما زال دوره منقوصا فهو الآن يبدي علامات التوبة بيد أن هذه التوبة ما زالت متأرجحة تقدم رجلا وتؤخر ثانية، وأكبر دليل على ذلك أن صوت العقل ما زالت نسبته ضئيلة 1/2 وعلى الرغم من أن صوت العقل يمثله واحد إلا أنه لا يترك له الفرصة إلا متأخرا غير كاملة في ذات القوت؛ إذ يقاطع من الجميع؛ وهذا ما لوحظ جليا في حلقات المشهد اليمني مساء الأحد 6/3، مع د.حمود البخيتي، إذ ضل ساعة كاملة دون أن يلتف إليه، وعندما جاء دوره ليتحدث لم يسلم من المقاطعة وقد ألمح نفسه إلى ذلك كما ألمح أنه آخر طلوع له لأنه قد ألف مسبقا قبل توبة الإعلام أنه يحال بين وبين الشعب. وغريب في مثل هذا توقيت يقترب فيه سقوط النظام ليكون قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، أن يظهر صوت العقل بنسبة ضئيلة ومهمشة ويترك الفرصة للفوضى للنيل من الشباب وهذا الصوت العاقل والمنقوص قد حيل بينه وبين ما يشتهي توصيله ردحا من الزمان، وهو الآن - وإن كان صارخا مدويا - قد فات أوانه وقد جهر بالحق وبصوت العقل متأخرا جدا وفي التوقيت الخطأ؛ إما لأنه قد نزل الناس إلى الشارع فلن يسمعوه، وحتى إذا سمعه بعضهم فلن يصدقوه وحتى أن صدقه فإن وقته غير مقبول للنقاش؛ فقد جاء في يوم لا ينفع فيه القول: (أرجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت) كلا إنها كلمة قد قالها الشعب ولا رجعة فيها [يحي اليمن ويسقط النظام] .

إننا نرى انفتاحا إعلاميا في التوقيت الخطأ، وحلولا تتجه أيضا في الاتجاه الغلط؛ إذ كل الحلول التي تستنفد ما زال أغلبها يدور في فلك الرئيس تمجيدا وتلميعا، وفي فلك المشترك تجريحا وتقبيحا، وفي فلك الشباب تهمشيا وتقليلا من شأنه، إذ لا يوجد أي اعتراف به فهم - كما سلف - عبارة عن ظروف فارغة يقوم المشترك بتعبئتها هكذا - للأسف – تتم معاجلة الأوضاع ويتم تصوير الشباب الحر والواعي من قبل الإعلام الرسمي ضنا من الأخير أنه يضع العلاج والحلول في الوقت الذي لا نرى فيه إلا مزيدا من تعميق الجروح وزيادة إشعال النار بصب الكثير من الزيت عليها. فلا نكاد نسمع عبر تلك الشاشات إلا محاولة إنقاذ الرئيس عن طريق النيل من المشترك، وإهمال الشريحة الأهم الشباب المعتصم إلا من تجريح وإهانة عبر حوارات قناة سبأ واليمن الفضائية، ليظهروا لنا الشباب المعتصم في صورة الظروف الفارغة التي لا رأي لها ولا فكر ولا تصور وإنما الذي يوجهها ويملي عليها الشعارات والمطالب هو المشترك وقد كانت مطالبهم - لولا المشترك - اقتصادية معيشية تتعلق بالوظيفة وبالبطن والأمعاء الغليظة ولا مكان فيها للفكر والعقل؛ بمعنى أدق: إن الشباب يطالب بما يسد رمقه ولا يهمه كرامته أو حريته المسلوبة، وهذا يعني أن الإعلام اليمني - حتى الساعة - ما زال ينظر إلى شباب الفيس بوك نظرة دونية ومزدرية وقاصرة لا توفيهم حقهم ولا تزيد من الهوة بينهم وبين الرئيس والوضع المتفاقم إلا اتساعا وانهيارا فمزيدا من التقدم أيها الإعلام الرشيد.

والشباب لجأ إلى تلك الوسيلة - التي سماها الشيخ الزنداني أو قال أنها تحتاج إلى تدوين براءة اختراع – والى ذلك المطلب الذي لم يمليه عليه المشترك ولا يوجد ذلك إلا في مخيلة الإعلام - لعلمه اليقيني بأن الرئيس صالح لم يعد يسمع لهم ولا لتطلعاتهم؛ فهناك من حال بينهم وبينه وقد استمر ذلك السد المنيع عقودا طويلة ضلوا فيها يصرخون ولا مجيب، ولما نزلوا إلى الشارع طالبين التغيير يتهموا كل يوم وكل لحظة وكل دقيقة وثانية بأنهم تبع وأنهم معبئون وأن هناك من يحاول الالتفاف عليهم وكأنهم أجهزة يعملون بالريموت كنترول. إنهم يعيدون إنتاج الفوضى نفسها عبر خطابهم المتدني الفوضى التي وجد الشباب الطريقة الناجعة لها هي النزول إلى الشارع هو ماض في الطريق نفسه حتى إسقاطها. وهذه الفوضى نفسها هي من أساءت إلى الرئيس معلنة الانتصار عليه وإيصاله إلى هذا الحال والمآل، وهي ما زالت تنشب أظفارها لتمعن وتعمق في الجرح في رصيد الرئيس عن طريق الوسائل الخاطئة الكاذبة. عيب وأي عيب على قناة سبأ أن تزيف الحقائق، وأن تقوم بدور الممثل، لتنتقي أشخاصا على هواها ثم تظهرهم بصورة الممثل لشباب التغيير الذي يفترش الأرض ويلتحف السماء، وليظهروهم بأن مطالبهم اقتصادية لا سياسية، وأنهم يبحثون على لقمة العيش والوظيفة ولا مكان في تطلعاتهم للحرية والكرامة.

أضحك كثيرا - ويضحك معي كل ذي لب - عندما يسمع من يتصل ويمتدح الإعلام الرسمي قائلا: ها هو الإعلام الرسمي أصبح نافذة مفتوحة للجميع المعارض والموالي، وها نحن نشاهد العلماء يظهرون على شاشاته ليجهروا بالحق، وها هو الإعلام يهتم بهم وبالمفكرين والعقلاء، ليقولوا كلمتهم وليوصلوا صوتهم مدويا حتى يسمعه الفاسدون وغيرهم ويا لها من مغالطات، وإني أتساءل: أين كان ذلكم الإعلام طيلة تلكم العقود ؟ وأين كان هؤلاء المفكرون والمتنورون والعلماء والعقلاء، لماذا لم نراهم إلا عندما هبت رياح التغير ؟ ومن هنا أسجل افتخاري بالشباب الحر الثائر وأدون لهم كل الفضل وكل الاحترام وكل التقدير فقد قدم وقته وراحته بل وروحه وكل غال ورخيص عنده، وبفضلهم وحدهم – بعد فضل الله عز وجل - أظهر الإعلام الرسمي بعض علامات التوبة كما عرف - متأخرا جدا - بأن هناك عقلاء ينبغي أن يفسح لهم المجال ليصل صوتهم وفكرهم، وأن هناك علماء دين لا بد أن يطرحوا رأيهم في ما يحصل من اختلاف سياسي، وأن هناك جائعين لا بد أن يوصلوا صوتهم، الضرورة والضرورة وحدها هي من جعل الإعلام يفتح أبوابه للجميع وقد ضل عقودا وموصدة أبوابه إلا على المتنفذين وأصحاب المشاريع الصغيرة فيه مفتوحة دائما.