تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
يرى علماء الإدارة وغيرهم من المتخصصين في العلوم الاجتماعية انه يمكن التعايش مع أي ظاهرة طارئة ما دامت مأمونة الجانب ولا يصدر عنها أي تأثيرات وإشارات سلبية يمكن أن تهد حاضر أو مستقبل المجتمع, غير أن أي ظاهرة عندما تتحول إلى بؤرة لتصدير الأضرار والأخطار نحو المجتمع, فإنها حينئذ تصبح مشكلة أو معضلة تتطلب من الجهات المعنية حلولاً عاجلة. ومجتمعنا اليمني يغرق في كم هائل من الظواهر الاجتماعية والسلوكية الضارة التي عادةً ما تبدأ صغيرةً ثم تتفاقم يوماً بعد يوم وتبدأ الفتَّ في عضد أبناء المجتمع, وعلى مرأى ومسمع من الأجهزة المعنية, .
وإذا ما بدأت الحكومة بالتحرك نحوها بإجراء عملي فإنها لا تتحرك إلا في وقت متأخر وبعد فوات الأوان, حيث تكون الظاهرة قد استفحلت ونشرت سمومها في كل اتجاه, والظواهر السلبية التي برزت في مجتمعنا كثيرة, ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الفساد الإداري بصوره المختلفة, ظاهرة حمل السلاح الأبيض والناري, الثارات القبلية, زواج القاصرات, الغش الدراسي, تهريب الأطفال, الزواج السياحي, نشل التلفونات النقالة, اختطاف الدبلوماسيين الأجانب والسواح, القات, استنزاف المياه الجوفية, الحوثية, .
وأخيراً وليس آخراً ظاهرة الدراجات النارية, التي انتشرت في السنتين الأخيرتين بسرعة قياسية في العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى, وأخذت تتحول إلى بعبع مخيف يلتهم ويغتال يومياً أرواح المواطنين الأبرياء, فقادة الدراجات النارية معظمهم من الشباب الطائشين الذين يسلكون الشوارع والأزقة بسرعة جنونية وبطريقة أشبه بحركة الثعابين غير عابئين بالقواعد المرورية ولا بسلامة المارة أو سلامة ركابهم, ناهيك عما يسببونه من إزعاج للمجتمع, وتشويه لمنظر المدن, وتعرضهم - هم أنفسهم- للسعات الحر والقر والريح والأتربة المتجرثمة, حتى أن المرء أصبح يمشي وهو يحمل قلبه على كفه خشية أن تمرق نحوه من أي شارع أو زقاق دراجة نارية فترديه قتيلاً أو تصيبه بعاهة مستديمة, أو على الأقل تخطف ما بحوزته من مبالغ مالية وأشياء أخرى, وخصوصاً النساء.
أن مما يعزز الإحساس بخطورة المشكلة هو ما كشفته إحصائية مرورية من أن (30- 40) شخصاً من مستخدمي الدراجات النارية يلقون مصرعهم في حوادث السير، فيما يصل المعدل الشهري للإصابة ما بين 100- 120 حالة أصابه, وقد كنت ذات يوم واحدا ممن تعرضوا لاعتداء أو صدمة مباغته من دراجة نارية. وبشان الأسباب التي أدت إلى نشوء هكذا ظاهرة وجعلها تتوسع بسرعة فائقة هو عدم وجود التشريعات والتنظيمات الإدارية الرادعة, ووجود نسبة عالية من البطالة في أوساط الشباب, بالإضافة إلى انسداد وغياب أوعية الاستثمار أمام الناس, مما حدا ببعض المواطنين المدخرين إلى ركوب ظاهرة الدراجات النارية واتخاذها مجالاً للاستثمار, حيث أصبح لدى البعض عدد من الدراجات النارية يطلقها في الشوارع مقابل مردود مالي يومي يعتبره عائداً مجدياً, دون أن يكترث بما تسببه هذه الآلة الخطيرة من منغصات ومشكلات وإزعاجات ومخاسير مادية ومعنوية للمجتمع.
على أية حال, اعتقد أن الحكومة قد أحسنت صنعاً حين أدرجت مؤخراً هذه المشكلة ضمن أجندتها الأسبوعية, وكلفت وزارة الداخلية بإعداد مشروع قرار يتضمن جملة من الضوابط والإجراءات التنظيمية والجمركية والمرورية, لمحاصرة مشكلة الدراجات النارية وسد منافذ ولوجها إلى البلد. ومن ثم فقد اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي الأخير قراراً يقضي بضرورة جمركة وتسجيل الدراجات الموجودة وترقيمها وفحص صلاحية مواءمتها لشروط البيئة, بالإضافة إلى توجيه الجهات المرورية بضرورة تطبيق قواعد المرور على سائقيها, ومنها التوقف تماماً عن العمل بعد الساعة الثامنة مساءاً حتى السادسة صباحاً, والاهم من ذلك توجيه وزيري المالية والتجارة لمنع استيراد هذا النوع من الدراجات وكافة قطع غيارها.
ومع أن القرار جاء متأخراً بعد أن استفحلت الظاهرة وقذفت بمئات الدراجات في الشوارع والحواري, إلا أننا نقول لا بأس في ذلك فأن تصل متأخراً خير من ألا تصل مطلقاً, ومع أننا كنا نطمح في إصدار قرار حكومي حاسم يقضي بمنع تواجد الدراجات النارية في المدن الرئيسية بشكل مطلق, إلا أن الحكومة كما يبدو حاولت مسك العصا من النصف للخروج بحل (لا يهلك الذئب ولا يفني الغنم), بغية الموازنة بين مصلحة الشريحة المستفيدة من هذا العمل, وبين مصلحة المجتمع, من منطلق أن الأزمة المعيشية خانقة وكل السبل موصدة في وجه كثير من المواطنين, ولن تقبل الشريحة المعتاشة من هذا العمل بقطع مصدر رزقها ومصادرة حقها في الكسب والعمل, حتى وإن كلفها ذلك أن تعقر عدداً آخراً من (الاثوار أو الثيران) أمام مجلس النواب أو قصر الرئاسة أو حتى أمام مقر الأمم المتحدة. على أية حال يظل القرار ممتازاً من الناحية النظرية, غير أن مستوى التطبيق - في تقديري- لن يكون عند المستوى المأمون, وسيتدخل إخطبوط الفساد الإداري لتطبيقه بطريقته المعهودة وبما يلبي مصالحه ويعظم من مكاسبه الخاصة, كما وأتوقع انتعاشاً كبيراً في سوق الدراجات النارية وقطع غيارها بعد تطبيق الفقرات الخاصة بحظر استيرادها, لأن الخبرة السابقة تؤكد لنا أن أي سلعة أو خدمة يتم حظرها يزدادُ نَهم الناس على اقتنائها دونما حاجة حقيقية وتتضاعف أسعارها وأرباح السماسرة والمهربين والعاملين في مجالها.
ختاماً نؤكد: لسنا ضد مصلحة أي مجموعة أو شريحة أو أقلية من المواطنين, إنما نحن ضد أي فئة مهنية أو اجتماعية أو سياسية تنتهك حرمة القواعد القانونية في مسعى لتحقيق منافعها ومصالحها على حساب الصالح العام.
*جامعة الملك سعود- الرياض