كلمات تصلح وأخرى لا تصلح
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 7 أيام
السبت 24 مايو 2008 11:16 م

خلصت مناقشات الساسة الأمريكيين إلى أنه لابد من الابتعاد عن الصيغ اللغوية التي تساعد تنظيم القاعدة والمنظمات الإسلامية الراديكالية على تجنيد المزيد من الشبان المسلمين الذين لا يزال حديث بوش عن " حرب صليبية " بعد أيام قلائل من هجمات 11 سبتمبر 2000 يثير فيهم ذكريات الحملات الوحشية التي شنها مسيحيون في القرون الوسطى ضد المسلمين. الوثيقة التي وزعها الشهر الماضي " المركز الوطني لمكافحة الإرهاب " الذي يعنى بالتنسيق الاستراتيجي للحرب الأمريكية على الإرهاب تضمنت نصائح بتجنب الإشارة علنا إلى تنظيم أسامة بن لادن وجماعات أخرى باعتبارها إسلامية أو مسلمة وعدم استخدام مصطلحات مثل الجهاد والمجاهدين التي تضفي عن غير قصد صفة القداسة والشرعية على أعمال هذه المنظمات ، وتحث الوثيقة التي تحمل اسم " كلمات تصلح وأخرى لا تصلح " المسؤولين الأمريكيين وأجهزة الإعلام على استخدام مصطلحات بديلة مثل " أصوليين عنيفين " بدل إسلاميين و " متعبدي الموت " لنعت كل عناصر القاعدة وأعضاء الجماعات التكفيرية الأخرى.

مراكز الأبحاث بمختلف تخصصاتها والتي تغذي صناع القرار الأمريكيين بالمعلومات تقول إن الذين يعتنقون الإسلام في أمريكا وفي غيرها من البلدان في تزايد مستمر وأن تنفير الناس منهم بطريقة غير مقصودة لا يعتبر خطوة حكيمة لأن ذلك يعزز الإطار الذي يروج له أتباع أسامة بن لادن و أيمن الظواهري وهو أن " أمريكا ضد الإسلام " وتتفق الوثيقة الجديدة مع ما ذهبت إليه مراكز الأبحاث تلك بوجوب التركيز فقط على إيديولوجية القاعدة وأخواتها بأنها إيديولوجيات تكفيرية تحارب مجتمعاتها الإسلامية التي تختلف معها في الرؤى والمنطلقات قبل أن تحارب أمريكا ، وأنها لا تسعى لإقامة الخلافة التي تحمل معنى ضمنيا إيجابيا عند المسلمين بل إنها تريد إقامة دولة شمولية كبرى تغيب عنها الحرية والديمقراطية وتسود فيها " الأصولية العنيفة " . 

الحرب الاستباقية فكرة نشأت في عهد هتلر وأدت إلى هزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية لكن بوش ما فتئ يرددها لكبح من يقفون في وجه القوة العظمى الوحيدة في العالم وقد أدى الإصرار على هذا النهج إلى خلل بنيوي في الاقتصاد الأمريكي ينذر بانهيار كبير وأحدث اختلالا هيكليا في القوة العسكرية حيث رأى العالم الأثر السلبي لخصخصة وزارة الدفاع الأمريكية عندما قامت شركات أمنية خاصة تابعة لها بقتل وتعذيب العراقيين وهروب أعداد كبيرة من المرتزقة والمتطوعين من القوات الأمريكية في العراق بشكل أثر كثيرا على قدراتها القتالية.

يبدو أن العقل الأمريكي الذي صنع توجهاته المحافظون الجدد رضخ أخيرا لحقائق الواقع التي تقول إن الإستراتيجية الأمريكية التي اتبعها الرئيس بوش منذ " غزوة نيويورك " فشلت فشلا ذريعا في تحقيق ما خطط له صقور البيت الأبيض والدليل على ذلك تصاعد وتيرة أعمال المقاومة المسلحة في أفغانستان والعراق وتجذر مشاعر الكراهية في قلوب وعقول الملايين من سكان العالم الإسلامي والمتعاطفين معهم ، ولم تستطع أمريكا بكل جبروتها وقدراتها العسكرية والاستخباراتية خفض مستوى ما تسميه بالإرهاب الإسلامي وكل ما تسعى إليه جاهدة الآن ليس جعل العالم آمنا بل منع عمل معادي آخر يستهدفها في عقر دارها قد يكون أكثر شراسة وربما توظف فيه أسلحة الدمار الشامل وسيكون على الرئيس الجديد للولايات المتحدة الذي قد يكون ديمقراطيا مواصلة مسار سياسة بوش في حماية أمن البلاد ولكن بطريقة ربما لا تتعامل مع كل الدول كجمهوريات الموز .

إن انتقال الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب على الإرهاب الإسلامي إلى الحرب على التطرف الإسلامي أمر يضع الكثير من كتابنا ومثقفينا و القادة العرب ووسائل إعلامهم أمام تحد حقيقي وهو مواءمة كتاباتهم وخطاباتهم مع التوجهات الجديدة للسياسة الأمريكية وتحضير أنفسهم لسياسات الرئيس الأمريكي الجديد كما أن وزارت التربية والتعليم في الدول العربية والإسلامية التي استجابت لتوجيهات أمريكية سابقة بتضمين المناهج إشارات إلى الإرهابيين الإسلاميين والجماعات الإسلامية المسلحة مطالبة بأن ترصد ميزانيات جديدة لطباعة كتب مدرسية يحذف منها ما يخالف وثيقة " كلمات تصلح وأخرى لا تصلح " . 

M_hemyari_y@yahoo.com