الثورات الشعبية... وزمن التحولات
بقلم/ م/ وليد بن أحمد الحدي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 6 أيام
الإثنين 28 فبراير-شباط 2011 06:19 م
  

بقلم م/ وليد الحدي

يدرك المتتبع لواقع منطقتنا العربية هذه الاونه أننا نعيش في مرحلة نستطيع أن نصفها بمرحلة مخاض , يتوق كل مواطن عربي ينتمي اليها أن يعيش ما بعد هذه المرحله ليرى المولود الجديد , كاتماً أنفاسه في نفس الوقت تحسباً لمعرفة ان كان هذا الوليد حياً أم ميتاً , سليماً أو مشوهاً , فحالة الاظطرابات التي تعيشها منطقتنا العربية في هذه الفتره من ثورات ومظاهرات واعتصمات واضرابات لم تأت من فراغ , وأنما جاءت نتيجةً احتقانات امتدت على مدى سنوات طوال من كبت تراكم لدى المواطن العربي الذي يغذي ما يحصل الان في معظم البلاد العربية , ولعل الحاكم العربي ليس بمنأى من المعرفة عن تلك الظروف التي يعايشها ذلك المواطن .

وقد لا يتختلف اثنان على الخصائص التي تتميز بها منطقتنا العربية عن غيرها من مناطق العالم , فالثروات الاقتصادية التي تزخر بها هذه المنطقة من بترول وغاز طبيعي ومعادن وثروه حيوانية وسمكية ومائية , ناهيك عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يتوسط العالم القديم ويربط بين قاراته الثلاث وسيطرتها على بحار وممرات مائية عالميه لها اهمية استرتيجية في خطوط الملاحة الدولية قد أضاف ميزه عظيمة لها تؤهلها أن تحتل المرتبة الاولى عالمياً من حيث قوة الاقتصاد والقدرة على الانتاج , وتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالمية يمكن أن تنعكس على الواقع المعاش وتحقق اثاراً ايجابية على المواطن العربي من حيث معيشته وحياته اليومية ومتوسط دخله .

ولا يستطيع أحد انكار أن هذه الميزات قد فتحت شهية العديد من الدول الكبرى المتحكمه في تسيير النظام الدولي وجعلها تفكر ملياً في كيفية السيطره على هذه الثروات الجباره والاستفاده منها بما يحقق مصالحها , فتحت مسمى الديمقراطية والحريات للشعوب وحقوق الانسان تبنت هذه الدول عدداً من انقلابات وثورات في أكثر من بلد عربي , بعد ان قدمت دعمها لمجموعة من جنرالات ضاربةً بعرض الحائط ما تغنت به من حقوق وديمقراطيات , لأنها خارج اطار جغرافيتها لا تهتم بمثل هذه المباديء طالما وهي تنظر الى هذه الشعوب العربية أنها لم ترتق أبداً الى مستوى المطالبة بحقوقها من تعليم وصحة ووظيفة وحرية تعبير عن رأي , وهذا ما سهل مهمتها أيضاً بدعم وتنصيب مجموعة من قادة ديكتاتوريين في أكثر من بلد عربي للسيطرة على هذه البلدان وتكبيل وتحجيم هذه الشعوب , وبالتالي القدره على تسييرها وفقاً لمصالحها عن طريق هؤلاء القادة , وبنيت المعادلة على أساس هذه المعطيات لفتره طويلة من الزمن , واستمر المواطن العربي في هذه المعاناه , وتمادت هذه النخب الحاكمة في امتصاص شعوبها , حيث ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد يصاحبه ارتفاع بالأسعار , والاعلان عن زيادة في انتاج البترول يلازمه ارتفاع في أسعار المحروقات وجرع اقتصادية في المواد الأساسية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر , ويتم الحديث عن تدفق الشركات الاستثمارية في الوقت الذي تزداد فيه معدلات البطالة , وهذا ما يجعلنا نعزي أرتفاع معدلات النمو الاقتصادية في منطقتنا العربية دون وجود تنمية يكون لها أثرا ايجابياً على حياة المواطن العربي نتيجةً للتوزيع الغير عادل للثروة , حيث تنعكس هذه التنمية فقط على ابناء المقربين في رأس الهرم وأبناء الأصهار وذوي السلطات العليا في المؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها , وتوهب الوظائف الهامة والمنح الدراسية لأبناء الوجاهات وكبار القوم , وتحتكر المناقصات التجارية على شركاتهم وشركات ابنائهم ومقربيهم , وتصبح هذه التنمية المزعومة في وسائل الأعلام مجرد أخبار هزيلة لا تسمن ولا تغن من جوع يستمع اليها المواطن ويقرأها في نشرات الأخبار والصحف الرسمية .

ليس هذا فحسب بل تفرض الضرائب وتجبى الرسوم في الجامعات والمدارس رغم مجانية التعليم المنصوص عليها في الدساتير التي لا تعدو مجرد حبر على ورق وديكورات لا تشرع لحفظ حقوق المواطن العربي , وأنما هي في الواقع فزاعة وأداة تحولت لقمعه ان شذ عن الطريق المفترض أن يسير عليه تحت ذريعة أنه مخالف ولا يحترم هذه القوانين , وهذا ما جعل طرف المعادلة الأول (الدول الكبرى) منسجم مع طرف المعادلة الثاني (الحاكم العربي) , حيث يستفيد الأول من الثاني في كثير من الأمور التي تهم أمنه القومي ومستقبل اقتصاده وشعبه , وهذا ما جعله ايضاً يستميت في دعم الطرف الثاني لضمان بقائه قدر ما يستطيع من الزمن في هذه السلطه , وضمان مصالحه حيث تشترك الفائده لكليهما وبالتالي يستمر الحاكم العربي متشبثاً بكرسيه لسنوات عجاف وقد يتوفاه الأجل وهو لا يزال على كرسي الحكم ليتسلم ابنه المهام من بعده .

ونتيجةً لافتقار الحاكم العربي للصبغة الشرعيه التي تجعله مستمراً في منصبه , فهو لا يعير اهتماماً لمسألة حق شعب أو مستقبل بلد أو اقتصاده بقدر ما يهتم بالكيفية التي تضمن له الاستمرارية على كرسي الحكم , حيث يكون منهمكاً في تثبيت نفسه وبناء ثروه خاصه به , ووضع البدائل التي تؤمن مستقبله الشخصي ومسقبل أسرته , لأنه يعي تماماُ أن مسألة بقائه في هذا المنصب باتت مجرد وقت , وأنه سيأتي الوقت الذي سيتغير فيه سواءاً بثورة شعبية أو بانقلاب أو باغتيال , فهو يريد أن يحصل على مكاسب قدر ما يستطيع أثناء توليه , الأمر الذي لا يتعارض بتاتاً مع مصالح المستعمر طالما وأن مصالحهما باقيه .

وقد تزامن هذا السيناريو مع نضوج سياسي وفكري تولد لدى المواطن العربي , وظهور صحوات في أكثر من بلد أدى الى نشوء منظمات مجتمع مدني وأحزاب ونقابات مدنية ساعد على نشوئها انفتاح عالمي وظهور قنوات فضائية وشبكة انترنت ومواقع تواصل اجتماعي وهواتف محمولة التي مكنت المواطن العربي من معرفة ما يجري من حوله بصوره واضحه , والاستفاده من تجارب الأمم التي سبقته , والاقتداء بثورات عالميه ونجاحات شعوب في أكثر من بلد حول العالم , وتمكن المواطن العربي من خلال هذه الدروس من بلورة ارائه وادراكه للانحطاط الذي كان يعيش فيه وحقوقه المسلوبه من قبل هذه النخب الحاكمة وتسلطها وانفرادها .

وهذا باختصار يلخص لنا ما يحدث الان في الشارع العربي , فابتداءاً من الشارع التونسي الذي أطاح برئيسه المخلوع (بن علي ) نتيجةً للبطالة والفقر الفساد , ونتيجةً للكبت وتضييق مساحات الحرية والتعبير عن الرأي , والضغط الذي أدى في نهاية المطاف الى الأنفجار وهروب الرئيس المخلوع بصورة مزريه أمام العالم , جعلت الطرف الأول ( الدول الكبرى) الداعم الرئيسي له أن يتنصل حتى من السماح لطائرته بالهبوط عل أراضيه وأنه غير مرحباً به أو بأي فرد من أفراد أسرته , واعلانه بصراحة أنه يقف الى جانب الشعب التونسي ويحييه ويؤيده في حق تقرير مصيره , وكذلك اشادة الرئيس الأمريكي باراك اوباما بشجاعة وكرامه الشعب التونسي بالاضافه الى تصريحات قادة دول عده من دول الاتحاد الأوروبي , والتي لم تأت جميعها من أجل سواد عيون هذه الشعوب , وأنما جاءت في محاولة هذه القوى لاعادة تشكيل المعادلة بما يتناسب مع مصالحها , فالرقم المهمل ( الشعوب) في هذه المعادلة بات هو الرقم الصعب الذي تحاول جميع الأطراف اجتذابه واسترضاءه , وهذا يؤكد من خلال موقف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون (المتأرجح ) , عندما أعلنت أن بلدها يقف الى جانب الشعب المصري وأن له الحق في تقرير مستقبله ومصيره , وأنه يجب أن تكون هناك اصلاحات سياسية في النظام المصري , بل وتهديدها بقطع المساعدات الامريكية التي تصل الى مليارين ونصف المليار دولار سنوياً , وهذه المواقف تتناقض تماماً مع المواقف التي أعلنت في بداية انتفاضة الشارع المصري عندما تحدثت عن أن الحكومة المصرية حكومة مستقره وأنها ضد أعمال العنف , وكذلك تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعلن أنه يتوجب الانتقال السلمي للسلطه في مصر بأسرع وقت ممكن , وأن تغيير الحكومة أو تنصيب رئيس لا يكفي , وضرورة المضي قدماً باصلاحات سياسية , وكذلك تصريحات الخارجية البريطانية والألمانية والروسية والأسبانية والذين أعلنوا صراحةً انه يجب احترام اراء المتظاهرين والتوقف عن أية أعمال قمعية تقيد حرية تعبيرهم , والسماع لمطالبهم , في محاولة منهم للتكيف مع قواعد اللعبة الجديدة التي فرضت من قبل هذه الشعوب , وهو نفس الموقف الذي أعلنته هذه الدول تجاه المتظاهرين خلال الثورة التونسيه بعدما ضيقت الخناق على بن علي , وهو نفس الموقف ايضاً الذي أعلنته هذه الدول تجاه المتظاهرين الان الذي يواجهون الة القمع في ليبيا , في ظل صمت مريب من القيادات العربية التي تارةً عملت جاهدة على التقليل من أهمية ما يحدث , وتارة قامت بتوجيه أصابع الاتهام لأجنده خارجية مدعية أنها من يدعم ويقف وراء هذه المظاهرات , وأن هناك مشروع غربي للسيطرة على المنطقة وكأن المنطقة في عهودهم لا تخضع للوصاية الغربية , مستعينين ببعض مطابخهم الاعلامية التي لا تمتلك رصيداً لدى المواطن العربي مثل قناة العربية والحرة والقنوات الحكومية بشكل عام , ومن خلال تصريحات هزيلة لبعض قادة دول يدافعون عن أبناء عمومتهم وهم يحتضرون لأنهم يدركون أنهم في وضعية متقاربة من خلال كيفية تعاملهم مع شعوبهم , وبالتالي هم يدركون أن احتمالية مواجهتهم لمثل هذه النتائج باتت مسألة وقت لا أكثر , ويتجلى هذا من خلال الارتباك الواضح الذي يخيم على هذه النخب .

عدوى الثورتين المصرية والتونسية التي نفذتها هذه الشعوب الحره من دون أي وصاية وتحت ضغط الظلم والفقر والبطالة وعدم التوزيع العادل للثروة انتقلت الى أكثر من دولة عربية , فالمظاهرات التي خرجت في ليبيا مطالبةً الرئيس الليبي بالرحيل , والمظاهرات في الجزائر تحت مسمى الفساد والاصلاحات الاجتماعية والمعيشية وحالة الطوارئ المعلنة , وخروج الشارع الموريتاني في مظاهرات عارمة بدافع ما أطلقوا عليه ( الارتفاع الصاروخي للأسعار) , وكذلك خروج الشارع الأردني بدافع الغلاء , والمظاهرات التي اجتاحت المدن السودانية مطالبة الرئيس السوداني بالتنحي بسبب السياسات الفاشلة التي أوصلت السودان الى ما وصل اليه من انفصال شماله عن جنوبه , وانقسام داخلي وسمعه سيئه لدى المجتمع الدولي , وارتفاع الأسعار وعدم قدرته على ضبط الجبهه الداخلية السودانية , وكذلك خروج المظاهرات في اليمن تحت مسمى التعديلات الدستورية ومحاربة الفساد والمواطنه المتساوية وتكافؤ الفرص , والمشاكل التي تعصف بلبنان بسبب تشكيل الحكومة والمحكمة الدولية بشأن قضية اغتيال الحريري , واستياء الشارع الفلسطيني من موقف المفاوض الفلسطيني بشأن الدولة المرتقبة واللاجئين , وبشأن الفضائح التي أكدتها وثائق ويكيليكس بتورط السلطة الفلسطينية في حرب غزه وتجويع أهلها وفي الحصار المفروض عليها من قبل القوات الاسرائيلية , وكذلك تنازلها عن معظم أجزاء القدس وعن حق العوده , بالاضافه الى المسيرات التي تجوب المدن العراقية بسبب فساد الحكومة , والمظاهرات التي شهدتها البحرين مطالبة باصلاحات سياسية واقتصادية , هذه التطورات التي توالت بشكل متسارع يشبه تدحرج كرة الثلج ان اختلفت في مسمياتها والياتها فهي تتفق في هدف واحد وهو اسقاط رأس الهرم ونظامه , الأمر الذي وضع الحاكم العربي في زاوية ضيقه جداً ودفعه لعقد اجتماعات عاجلة بشكل سري وعلني لاعادة النظر في أمور كثيرة وتدارك ما يمكن تداركه , وهي أن لا مفر من الاصلاحات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية والسياسية التي كانت الدافع الرئيسي لخروج هذا المواطن في هذه الانتفاضات والثورات .

الشارع بات هو المنبر الحقيقي والوحيد لدى المواطن العربي لايصال صوته للعالم الخارجي , وهو الأداه الفعاله في نظره التي يمكنها اجبار الرأي العام للضغط على هذه القيادات , فهو لم يعد يثق بهذه الأنظمه وقياداتها , ويرى أن حالها حال عضو في جسد استشرى فيه السرطان , وأن بتر هذا العضو هو الخيار الوحيد لكي لا يستفحل و ينتقل ضرره الى بقية اجزاء الجسد , كما يعتبر أن خطابات هذه الأنظمه المحتضره ووضعها للحلول في الأوقات الضائعة ليست الا كأدويه مسكنه لن تجدي نفعاً في هذا العضو , وأن مصيره هو الزوال الحتمي , وهذا ما برهن من خلال الثورتين المصرية والتونسية التي وحدتا وجدان الشارع العربي والتي استأصل فيها الشعبين العظيمين المصري والتونسي ورماً خبيثاً استشرى في أجسادهم .

الدعوات الرئاسية بالاستجداء والتوسل للشعوب , واعلان ( التوبة السياسية) في اللحظات الأخيرة لن تقدم شيء , فلا يصلح العطار ماأفسده الدهر , ومن لا يجد قوت يومه فلا تستغرب ان رأيته خارجاً على حكامه شاهراً سيفه , لأن البديل في نظره لن يكون أسوأ مما هو عليه , وكما قال الشاعر :

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ ... ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

في الأوقات الضائعة وعند لحظات التحول التاريخية لن يجدي نفعاً تغيير حكومات أو مبادلة وزراء كقطع الشطرنج , أو تخفيض الأسعار أو تعديل الدستور أو التعهد بعدم الترشح لفتره انتخابية قادمه أو تعيين نائب رئيس ونقل الصلاحيات له , لأن هذا سيعطي نتائج عكسية وسيكون بمثابة صب الزيت على النار أو شرب العطشان من ماء البحر , فالثورات مثل الزلازل ليس لها توقيت محدد , والشعوب مثل عقارب الساعة عندما تتقدم فأنها لا تتراجع الى الوراء .... فالحذر ثم الحذر أيها الحكام من ثورات الجياع والمظطهدين والعاطلين عن العمل والمظلومين ؟؟!!

الان وما يدفعنا للتساؤل هو كيف سيكون تعامل هذه الأنظمه الوليده مع شعوبها وهل ستحقق لها الديمقراطيات ويكون هناك تداول سلمي للسلطه وحفظ حقوق الفرد , كما نتساءل عن كيفية تعامل هذه الأنظمة الحديثة مع الدول الاستعمارية الكبرى , هل ستحذو مظطرة حذو الأنظمة التي ثارت عليها أم أنها ستظهر بلباس مغاير وتشهد تحولاً جذرياً يفرضه الواقع الجديد ؟ وهل ستحقق تطلعات شعوبها في التخلص من الهيمنه المفروضه عليها من هذه الدول أم أن جذوتها ستنطفيء وتعاود الكره وتشترك في المعادلة كطرف ضعيف تحت ضغط هذه الدول متذرعة بالمصلحة القومية للبلد واختلال موازين القوى ؟؟

الأيام القادمه حبلى بالأحداث التي ستجيب لنا على جميع تلك التساؤلات

walhaddi@yahoo.com