فقه الثورة وفلسفتها
بقلم/ مرعي حميد
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
السبت 05 مارس - آذار 2011 01:19 ص

الثورة فيض شعور بظلم، بعسف، بطغيان، بقهر، بحرمان، يُخرج المظلومين عن صمتهم، عن غضبهم المكبوت، إلى أن ينزاح الظلم والظُلام، العسف والطغيان، القهر والحرمان.

الثورة فجر تغيير منشود، إطلالة أمل باسم الثغر طلق المُحيّا، ربيع حلم مآسي آن لها الانتهاء ودموع آن لها أن تتكفكف وغشاوة آن لها أن تنقشع، وأحزان آن لها أن تندثر. الثورة قيام الروح من سباتها، عودة العقل الجمعي من غيابه وتغييبه في ظل نضوج وعي بها وبحتميتها. هي تسريع حل لطلاسم طالما اجتهد صانعوها في حبكها وإحباط فكها وعملوا على صيانتها وتمتين نسجها. هي خطوات الشعب العجلى إلى التغيير الميئوس منه والبعيد مناله ومتناوله لولاها.

الثورة هي إنزال آمال الشعب من على مشانق المستبدين إلى أرض الواقع الملموس المحسوس تتحقق وتتدفق فيها الحياة، هي قرار الشعب النهائي أن يكون وأن يدحر عنه ليل التسلط وديجوره، تسلط الفرد والعصابة الحاكمة، وإن زعم الزعيم، أو زعموا، أنهم قد زهدوا السلطة والتسلط والحكم والتحكم، أو أرغى وأزبد أو أرغوا وأزبدوا أنّ الشعب يحبهم ويحبونه ويفتديهم ويفتدونه، ويحرص على الوفاء لهم ويحرصون على مصالحه العليا. وإن روجوا أنّ الأمهات قد عقمن أن يجُدن بمثلهم.

الثورة قومة شعبية لإعادة الحق إلى نصابه، لإنقاذ الوطن من ذابحيه، لاسترداد الوطن من خاطفيه. هي إعادة للحق العام والحق الخاص إلى نصابه.. الحق العام للشعب في الثروة والسلطة، والخاص لأفراده في ما هو حصاد شقاء عمر وضنى دهر، ومستحق بشر كرمهم باريهم.

الثورة هي إصرار على الحياة مدفوع الثمن من غير منّ ولا أذى ولا تردد ولا شعور بالبخس. هي الشهادة تقرع الأبواب فيفتح لها عشاقها لتأخذهم إلى عالمها الفريد، إلى حياتها السرمدية ورزقها غير الممنون وفرحها الخالص وبشارتها اللاهبة لشعور من لم ينالوا شرفها.

الثورة هي التضحية بالعرق والدم والوقت والمال. هي استعداد تام للصبر والسهر والتعب والإيثار والألم. هي بذل المعروف والكرم والسخاء، عطاء من الفرد والأفراد، مع استمرار في استعداد حتى انجاز النصر المؤزر، وتسييجه، والحفاظ عليه من قطاع الطرق. هي بذر من الشرفاء الأوفياء لأمتهم ووطنهم ليحصد المجموع: كرامة وحرية وأمن وعدل وتمتع جمعي بثروات المجموع وفق قانون يبرموه ويطبقوه ويحموا حماه، لينال المجموع بناء وتنمية وبهجة لهم وللأجيال الآتية من بعد، والمتعاقبة في قادم الأزمان.

الثورة هي ملحمة شعبية لاستنقاذ الوطن: الإنسان، الأرض، الثروة، السلطة، من أيدي مغتصبيها وإن ادعوا أنهم إنما نالوها عبر انتخابات أو شرعية ثورية، أو توريث من لا يملك من لا يستحق. هي قرار الشعب النهائي أن يحكم نفسه بنفسه مستنداً إلى قيمه ومعتقداته وثقافته الأصيلة لا التي صنعها الاستبداد على عينه ليطول به مُقام. الثورة هي إرادة الشعب أن يكون هو، لا أن يكون ـ على عاتقيه ـ الطغاة، قرار الشعب أن يعيش في شمم، أن يحيا في عزة وكرامة وسؤدد وإباء، مرفوع الهامة، موفور السعادة، مرهوب الجانب من حاكميه ومن تسول له نفسه النيل منه ومن مكتسبات ثروته ونضاله.

الثورة إنسانية سئمت المسخ والخسف والطمس والامتهان والإذلال والمصادرة لحقيقتها وجوهرها الفذ، مشاعر آن لها أن تستعيد تقديرها وبريقها ولمعانها وإشراقها. نفق مظلم حشر الوطن والمواطن فيه سياسات حمقاء لساسة لا يهمهم سوى نزواتهم المادية والمعنوية وذواتهم المتضخمة، نفق حُق للجماهير ووجب أن تضع وتصنع له مُنتهى مهما كلفها ثمن, فهو لن يكون أثقل من أثمان باهظة تدفعها باستمرارها في ذاك النفق بائسة خانعة يائسة من خلاص وتخليص.

الثورة هي صيحة الشعب المدوية في وجه الاستبداد والمستبدين: متى استعبدتمونا وقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً. متى مُلّكتم الوطن وثروات الوطن وقد وجد ذلك وأنتم ومن خلفوكم لا زلتم بظهر الغيب. الأرض لنا وما فيها لنا وهي بنا ولنا. نحن لسنا قصّراً. إننا نتحمل المسؤولية كاملة فنضع نحن أمانة القيادة وتبعة المسئولية بين يدي من نختار نحن لا سوانا وبمحض إرادتنا وحريتنا ونسترجعها منه متى أردنا. نحن بزمن محدد ينقضي أو خروج منه عن جادة الصواب يطرأ، قد سئمنا من يتجبر ويطغى ويزعم نحن هو وهو نحن.

الثورة زلزال عات صاعق ناسف لبنيان الطغيان من أسه وأساسه، ومؤسسة الفساد والاستبداد من جذورها. بركان هادر مزمجر جارف كاسح لا يقف في وجهه ودون انسياحه إلى منتهاه، إلى مبتغاه، واقفٌ مهما أوتي من قوة وسطوة، جُند وحرس، أشاوس وعُسس دهاء ومكر وأدوات ومال مُدنس بآهات الجماهير وتعاستها وحرمانها وحسراتها ودموعها ودمائها، وهي في المقابل نهر مضطرد هادئ لين سموح حامل وضامن لأمنيات المحرومين أن يهل زمن اخضرارها وتفتحها ونضجها ليقطفوا من مروجها الباذخة جناها الحلو وثمرها المُستطاب.. وينعموا بمرآها وبمذاقها وإمتاعها وإشباعها، ويستريحوا على أريكة المحاسن والمباهج في أمن ورخاء وعزة قعساء.

الثورة الهتاف العبقري السحري للسواد الأعظم، للغالبية المتحدة المتآزرة المستيقظة:

الشعب يُريد إسقاط النظام.

mraham70@gmail.com