لماذا ثورة الشباب في اليمن!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2011 12:15 م

 لسوء حظ شاب الثورة في اليمن ان ثورتهم جاءت بعد تجربتي ثورتي شباب تونس و مصر و ترافقت مع تجارب ثورات كل من شباب البحرين وليبيا و سوريا. و نتيجة لذلك فقد حاول كل من الاطراف ذات العلاقة ان يصنف ثورة شباب اليمن وفقا للتجربة التي تخدمه و تحقق اهدافه متجاهلا اهداف الشباب. و لا شك ان ذلك قد تسبب في اعاقة ثورة شباب اليمن حتى. ان ذلك يحتم على شباب الثورة ان يحددوا اهداف ثورتهم بمنأى عن اي تأثيرات اخرى.

 فالمعارضة حاولت استغلال ثورة الشباب فصورتها على انها شبيهة بتجربتي بثورتي تونس و مصر لان مشكلتها الوحيدة مع الرئيس. و نتيجة لذلك فإنها قد سعت بكل ما تملك من قوة و تاثير لان تكون اهداف ثورة شباب اليمن هي نفس اهدف ثورتي تونس و مصر.

اما السلطة فقد عملت على تجاهل ثورة الشباب في البداية على اعتبار ان اليمن مختلف عن كل من تونس و مصر. و في مرحلة لاحقة حاولت ان تتعامل معها من خلال الوعود على اعتبارها انها حركة مطلبية و ليست ثورية. و بعد فشلها في احتواء ثورة الشباب غيرت تعاملها معها من خلال تقليد ما جرى في كل من البحرين و ليبيا و سوريا. اذ انها لجئت الى العنف لقمعها.

 اما العالم الخارجي فقد تعامل مع ثورة شباب اليمن بشكل يختلف عن تعاملها مع كل الثورات العربية باستثناء ثورة البحرين. و ربما رجع ذلك الى التشويه التي لحق بها من قبل كل من المعارضة و السلطة. و الدليل على ذلك ان العالم الخارجي قد تجاهل تماما ثورة شباب اليمن على خلاف ما تعامل به مع ما جرى و يجري في كل من تونس و مصر و ليبيا و سوريا. فكل ما قام به العالم الخارجي في اليمن هو التوسط بين السلطة و المعارضة على اعتبار ان ما يجري في اليمن ما هو في حقيقة الامر سواء ازمة سياسية طرفيها السلطة و المعارضة.

 لا شك ان عدم تحديد شباب الثورة في اليمن لأهدافهم انطلاقا من المعطيات الخاصة به قد مكن هذه الاطراف من ادخال ثورتهم في زجاجة ذات عنق ضيق و سماكة كبيرة و غطاء محكم. فها هي في الوقت الحاضر محصورة في هذه الزجاجة فلا هي قادرة على الخروج منها و لا هي قادرة على كسرها اي فلا هي قادة على تجاوز عنق الزجاج بسلام اي انجاحها سلميا و لا هي قادرة تحقيقها عسكريا.

 صحيح ان ذلك قد حدث بسبب هذا التآمر على ثورة الشباب داخليا و خارجيا و لكن الصحيح ايضا ما كان ذلك ليحدث في نظري اذا كانت اهداف الثورة واضحة في اذهان شبابها. لكمن لحسن الحظ انه لا يزال في مقدورهم افشال هذا التآمر اذا ما تلافوا هذه الاخطاء.

و في هذا الاطار فان على شباب الثورة ان يدركوا ان اهداف ثورتهم يجب ان تكون مختلفة عن اهداف الثورات العربية الاخرى و ذلك نظرا لاختلاف ظروف اليمن. صحيح ان اليمن مثل الدول العربية يعاني من ظلم يبرر قيام الثورة و لكن طبيعة الظلم في اليمن يختلف عن مثيله في الدول العربية الاخرى.

فللحقيقة يمكن القول بان اليمن لم يكن يعاني من كثرة السجون و لا السجناء السياسيين. و كذلك فمن المسلم به ان حرية التعبير في اليمن كانت اوسع منها في هذه الدول. و الدليل على ذلك وجود صحف مستقلة و حزبية كانت تمارس تقدا شديدا للسلطة و النظام. و كانت هناك احزاب معارضة تتمتع بهامش كبير في التحرك بين الناس و التواصل معهم.

 و نتيجة لذلك فانه يمكن القول بان تجربة الحكم في اليمن متميزة عن مثيلاتها في الدول العربية الاخرى. اذ انه يمكن ان يطلق عليها تجربة ديمقراطية القول. فالكل حر في ان يقول ما يريد و بدون اي ضوابط اخلاقية و مهنية و لكن في الواقع لا يترتب على ذلك اي تغير في سير الامور فالسلطة كذلك تفعل ما تريد و ما يروق لها. بل انه يمكن القول بان السلطة لم تكتفي بعدم معاقبة من يعبر عن رايه بل انها قد سعت الى تقديم الحوافز لهم.

ذلك ان كل من ينتقد السلطة و ينتقدها يتم الاستجابة فورا الى مطالبه الخاصة و لكن في نفس لا يتم الاستجابة لأي مطالب عامة مهما كانت مبررة و ضرورية و مشروعة. و يتم ذلك من خلال اعطاء المنتقدين منصبا في الدولة او رتبة او درجة او مناقصة او صفقات او وظائف عامة او مبالغ مالية او سلاح او اي شيء اخر. و قد ترتب على طريقة التعامل مع ذلك بهذا الاسلوب اولا الى اهدار الموارد العامة و ثانيا الى افشال مؤسسات الدولة و ثالثا الى تشجيع الفساد الاقتصادي و السياسي.

 و نتيجة لذلك فقد انصرفت السلطة الى الاهتمام بنفسها و المحيطين بها و كل من يتعاون معها حتى لو كانت احزاب المعارضة. و قد ترتب على ذلك ان تحولت مكونات النظام السياسي الى مجموعة من العصابات التي تسعى لخدمة و المحافظة على مصالحها الخاصة حتى لو كانت غير مشروعة مضرة بالبلاد.

اما المواطن العادي فقد اصبح خارج نطاقة التغطية من قبل السلطة و مؤسسات الدولة بما في ذلك الاحزاب السياسية. بل ان الامور قد ذهبت الى ما هو اسواء من ذلك. فبدلا من ان يحلم المواطن العادي في ان يدخل في نطاقة تغطية الدولة في اي وقت من الاوقات اصبح يحلم بان تكف الدولة يدها عنه و يترك و حاله. فنتيجة للتكالب الموالين للسلطة و الساكتين عليه و زيادة عددهم و تقلص الموارد المتاحة ان اطلقت السلطة ايديهم لينهشوا لحوم المواطنين العادين و يطحنوا عظامهم. فاصبح المواطن مرتعا خصبا للمؤسسات الدولة من خلال تفشي الرشوة بدون قيود. و من غرائب الامور في اليمن ان المواطن العادي لا يقدم الرشوة من اجل الحصول على بعض خدمات الدولة و انما يضطر لتقديمها حتى يتقي شر مؤسسات الدولة من خلال تعمد ملاحقته بدون اي سبب.

 فظلم اليمن اذن يتمثل في اهدار موارده على نشاطات لا تنفعه بل تضره. فلا يتوفر للمواطن العادي لا الامن و لا العدالة و لا الضمان الاجتماعي و لا المساعدة حتى في حال حدوث كوارث طبيعية و لا الوظائف و الماء و لا الكهرباء. بل في انه في الآونة الاخيرة اصبح عدد كبير من اليمنين لا يحصلون حتى على الغذاء. انه ظلم و من اشد انواع الظلم و لكنه ظلم يختلف عما يتعرض له مواطنو الدول العربية الاخرى.

 لذلك كان يجب ان يكون هدف ثورة شباب اليمن هو ازالة هذا الظلم و السعي لتحقيق العدل بين كل المواطنين. و لذلك فلم يكن الدفع بشاب الثورة لتبني اسقاط النظام كهدف اساسي لهم مساعدا على نجاح ثورتهم و انما يخدم فقط اهداف احزاب المعارضة. اذ انه لا يوجد في اليمن على ارض الواقع لا نظام و لا مؤسسات و انما توجد مجموعة من العصابات و من ضمنها احزاب المعارضة.

لقد كان على شاب الثورة ان يكون هدفهم الاساسي هو القضاء على هذه العصابات. و في هذه الحالة فانه يجب اجتثاث كل من له علاقة بها حتى لو كان في المعارضة. لا شك انه لا يوجد شيء يمكن نقله و المحافظة عليه من خلال التداول السلمي للسلطة و عن نقل السلطة و عن تغير الاشخاص و الاحزاب الحاكمة. فبدون ذلك فلن تتحسن الاوضاع التي يعيشها اليمنيون. فالعصابات ستبقى و ستدير مؤسسات الدولة حتى من خارجها.

 ان عملية القضاء على العصابات التي تأسد على اليمنين و شاركتهم في غذائهم و مسكنهم و حاضرهم و مستقبلهم امر اصعب بكثير من عملية اسقاط النظام و تغير الاشخاص او الاحزاب الحاكمة. فمؤسسات الدولة و الاشخاص او الاحزاب الذين يديرونها ظاهرين و بالتالي يمكن التعامل معهم بسهولة. اما العصابات و القواعد التي تتعامل بها غير مشاهدة. و من اجل القضاء عليها فانه لا بد من محاربتها في الظلام. و لا شك ان ذلك يتطلب حرصا اشد في مواجهتها فقد تتسلل الى الثورة و الى مؤسسات الحكم التي ستقيمها و بالتالي تفرغها من اي مضمون.

 و مما يحزن له نجاح هذه العصابات الت تمكن من التسلل الى ثورة الشباب في وقت مبكر فجعلتهم يتبنون اهدافها بدلا عن اهدافهم. و نتيجة لذلك تحول شعار اسقاط النظام الى رحيل شخص واحد و اسرته مع المحافظ على كل ما عدا ذلك. فما الذي سيتحقق لليمنين اذا ظلت الامور تسير كما كانت و ظل افراد و زعماء العصابات الاخرون يديرون البلاد و يتحكمون بمصيرها و مواردها كما كانوا؟

 لا يمكن ان تنجح ثورة الشباب الا اذا تم اجتثاث كل العصابات كأفراد و افكار و ممارسات. فلا فائدة من التخلص من عصابة و بقاء الأخرويات لأنها ببساطة ستشغل ما قد يحصل من فراغ و تظل الامور على حالها.

 ان اجتثاث العصابات جميعا يحتم ان يتولى تسير الامور في قيادة الثورة و في المرحلة الانتقالية ايد نظيفة لم تستوعب من قبل العصابات و لم تلوث اياديها بأعمالها بشكل مباشر او غير مباشر. ان ذلك ضروري لتحقيق القطيعة الكاملة مع ممارسات العصابات و افكارها و عاداتها. و كذلك ضروري للتأسيس لمرحلة جديدة لا مكان فيها للعصابات الحالية او المستقبلية.

 ان نجاحكم يا شباب الثورة في تحقيق ذلك سيساعدكم على تصحيح مسار ثورتكم و توفير قوة الدفع الضرورية لها. و سيساعدكم ذلك على التعرف على العقبات التي تفق امام نجاح ثورتكم فتعملوا على التخلص منها. ان ذلك سيساعدكم على توضيح عدالة قضيتكم للعالم مما سيجلب لكم التعاطف المطلوب.

 فبدون ذلك فإنكم ستظلون محصورين داخل الزجاجة و ستظلون فريسة سهلة لكل من يريد ان يتلاعب بكم ليحقق اهدافه. انني على ثقة بانكم في اخر المطاف ستدركون ذلك فتعملون على الخروج من الزجاجة او كسرها عند الضرورة و ستنجحون طال الوقت ام قصر. وفقكم الله و اعانكم.