قيادة صولة الفرسان من شرفة القصر الرئاسي
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 16 يوماً
السبت 19 إبريل-نيسان 2008 08:26 ص

مأرب برس – خاص

في لقاء رئيس الوزراء نوري المالكي مع شبكة( سي أن أن) الأمريكية ذكر بأن عملية " صولة الفرسان" هي عملية عراقية بحتة, وأنه في حالة الحاجة إلى المعونة الأمريكية فأنه سيتفق لاحقا على" كيفية المشاركة" ومن ثم يستدرك بأن قواته تمكنت من استنزاف جهد الميليشيات, وحققت نصرا كبيراً وانهارت كل البنية التحتية والعسكرية والتجهيزية والتمويلية لهذه الميليشيات, معتبراً أن نصره" يعد قياسيا في حسم المعركة, فقد كان كبيراً وكبيراً جداً" مضيفاً بأن عملية صولة الفرسان كانت عملاً وتخطيطاً يستحق أن يكون درساً للقوات المسلحة في مكافحة التمرد والإرهاب, ونموذجاً لمعارك ينبغي أن تدرس في المعاهد العسكرية.

بمثل هذه الفبركة الحربية حلل لنا القائد العام للقوات المسلحة العراقية صولته, وهو تحليل مثير للسخرية والتهكم لما تضمنه من مفاهيم عسكرية مغلوطة تجعل المرحومين رومل ومنتغمري يتململا في قبريهما لاعنين تلك اللحظة التي فوتت عليهم إتباع مثل هذه الخطط الحربية أو الاستفادة منها, ولكن ربما يشفع لهما حظهما أن العملية كانت مخصصة لمحاربة الإرهاب وليست عمليات حربية واسعة النطاق كما كان عهدهم في حروبهم, وسوف لا نناقش المالكي عما حوته خطته من مهازل عسكرية أو ما تضمنه كلامه من مفردات تدل على جهله بفنون الحرب, فهو رجل لا تزيد معلوماته الحربية عن معرفة شحاذ بالساعات السويسرية, وسوف لا نقحم أنفسنا بمقترحه في إدخال خطته الحربية كمادة تدرس في المعاهد العسكرية, ويكشف لدول العالم خططه الجهنمية لمحاربة الإرهاب, سنترك ذلك لإجابة الأمريكان أنفسهم في تقييمهم لصولة المالكي وتحليل مدى نجاحها أو فشلها!

ولربما أطلع المالكي على تقييم(ستيفن هادلي) مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي الذي أعتبر أن المالكي حقق بعض النجاح في السيطرة على البصرة, رغم أنه أستدرك بقوله" لكن ينتظره الكثير لإنجازه" ولكن سفير الاحتلال رايان كوكر الذي عايش العملية وخضع إلى جلسة تقييم في الكونغرس, كانت له وجهة نظر مغايره لرأي المالكي, فقد كشف وهو يتصبب عرقا لصحيفة نيويورك تايمز بأن جيش المهدي كاد أن يفتك بالمالكي, لولا تسارع قوات أمريكية وبريطانية إلى التدخل لإنقاذ حياته, ويفصل الأمر بأن المالكي كان يقود صولته ليس من ميدان المعركة كما يفترض بالقائد العسكري وإنما في أحد القصور الرئاسية, وقد أستنجد المالكي لإسعافه بعد أن حاصرته قوات من جيش المهدي وتم ذلك بعد إلحاح شديد!

وفي تقييمه لصولة الفرسان يؤكد كروكر بأن المالكي تعجل في صولته ولم يكن مستعد له, وهو ما يسمى بالأستحضارات وهي من أهم ما تتضمنه الخطط العسكرية, ويسخر كروكر من ادعاء مستشاري المالكي بأنهم قد أكملوا الاستعدادات لحسم الوضع عسكرياً, ويضيف وفي حلقه غصة" إن قوات الجيش والشرطة تعرضت إلى نكسة ميدانية, ولكن تم تداركها بطلعات جوية أمريكية وبريطانية, وتمكننا من الحد من اندفاع جيش المهدي, في الوقت الذي تعرضت فيه قوات المالكي إلى التشرذم والتمزق".

تقدير قوات العدو ومواقعها وأسلحتها وهو ما يسمى" تقدير الموقف" من أهم النقاط التي تؤخذ بنظر الاعتبار في صفحات الهجوم, والتي على ضوئها تقدر حجم قواتك ونوعية تسليحها وخطوط اندفاعها, وأبسط جندي في الجيش العراق الوطني السابق يدرك هذه الحقيقة, ولكن القادة الأمريكان فاجئونا بان المالكي بالغ كثيراً في تقدير إمكانات قواته وأستخف بقدرات المقابل, وهذه بحد ذاتها تعتبر جريمة بحق القوات المسلحة, وإذا كان المالكي يجهل قواعد الهجوم فما بال وزير الدفاع الذي صرح بعد الهجوم بأنهم " لم يضعوا في الحسبان القدرات الهائلة للميليشيات" وأن هناك حاجة فعلية للاستعداد وعدم التسرع! وأين بقية الخبراء العسكريين الذين خططوا للعملية فقد دفنوا رؤوسهم بالتراب كالنعام ولم يسمع لهم صوت!

وفي تقييم آخر لعسكري هذه المرة وهو الجنرال الركن وليام اودم الذي أدلى بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي حول الوضع في العراق,ذكر" بأن الأعمال العسكرية لرئيس الوزراء المالكي في البصرة وبغداد تدل على تفكك سياسي وعسكري أوسع" ومن المؤكد أن هذا الرجل خبير حرب وهو أركان بحق ويختلف عن خبراء المالكي, وربما تكون شهادتهم الحربية مزورة أيضاً ومن نتاج " كلية مريدي للعلوم العسكرية"!

المالكي يأخذ بمقولة درزائيلي" اكذب وأكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس" ولكنه يحورها إلى " اكذب واكذب ثم أكذب حتى تصدق نفسك" أنه يذكرنا بنادرة تأريخية عندما أراد رجل شيخ أن يبعد الأطفال عن مسكنه ليخلد إلى الراحة فقال لهم: في بيت فلان وليمة طعام فاخرة! وعندها هب الأطفال إلى الوليمة, وبعد ساعة أو أكثر استغرب من عدم عودتهم, فخرج من مسكنه لكي لا تفوته الوليمة! المالكي يعتبره نصرا ساحقا وقياسيا وكأنه تناسى بأن السيد مقتدى الصدر هو الذي حقن الدماء العراقية وطلب من أنصاره إيقاف العمليات العسكرية, وان المالكي بنفسه بارك هذه الخطوة واعتبرها في الطريق الصحيح! وتجاهل أنه أرسل وفدا من حزبه والمجلس الأعلى ليفاوضوا السيد مقتدى على إنهاء القتال! وتناسى بأنه تم الاتفاق على شروط خمسة لوقف القتال سرعان ما تنصل عنها المالكي!

المالكي يطلب من جيوش العالم بأن تدرس خطته, ولا نعرف إنا كان سيرسل لهم قوائم بأسماء الضباط والجنود الذين طردهم بسبب تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى جيش المهدي والذين تجاوز عددهم (1300)! وهل سيرسل وكيل وزارة الداخلية عدنان الزرفي بإيفاد إلى هذه المعاهد ليشرح لهم كيفية إعدام(172) عنصرا من جيش المهدي بمحكمة عسكرية طارئة استغرقت ساعات؟ وان هناك(600) ينتظرون نفس المصير؟ وهل سيطلب من خبرائه العسكريين الاستراتيجيين العباقرة بأن يوثقوا صولة الفرسان ويطبعونه على كراس ويترجم إلى كافة لغات العالم ليكن مثل كتاب الجيب يحمله قادة العالم العسكريين معهم دائما ليستفيدوا من أفضل خطة عسكرية نفذت في مطلع الألفية الثالثة, ويسمي الكراسة الحربية" صولة الفرسان في قتل الأخوان"!

أن هذه الخطة الحربية إنما أعلنت إفلاس حكومة المالكي وهي تذكرنا بمقولة مايكل هايدن رئيس وكالة المخابرات الأمريكية بأن قدرة الحكومة العراقية على الحكم أمر لا سبيل لتحقيقه, وأنه يتعذر وجود مرتكز يمكن أن يستند إليه في تحويل مسار الأمور, وأن" الحكومة الأمريكية أنفقت كثيرا من طاقتها وثروتها لقيام حكومة عراقية متوازنة, ولكن ذلك لم يجد نفعا, فهذه الحكومة غير قادرة على الدفاع عن نفسها".

الحرب سجال هكذا عرفناها وحدثنا عنها التأريخ وشهدناها في حروبنا الماضية, ولا يمكن إن توصف بأنها ساحقة أو حققت أهدافها إلا بعد انتهاء العمليات الحربية, وبالرغم من أن أنفسنا تعاف كلمة الحرب لأنها تجري بين أطراف عراقية والدماء النازفة من الطرفين هي دماء عراقية وهي خسارة لكل الأطراف المتحاربة وخسارة للعراق قبل أي شيء آخر, لكن هذا هو واقع الحال! ومع هذا فأن المالكي لم يتعجل في شن صولته وهي مثلمة من الناحية العسكرية فحسب وإنما تعجل أيضا في إطلاق كلام على عواهنه بأنه حقق انتصارا ساحقا قبل أن تظهر النتائج والمنتصر سيكون الطرف الذي يملي شروطه على الأخر, وان يعترف الأخر بخسارته, وهذا ما لم يحصل لحد الآن!

حري بالخبراء العسكريين الذين خططوا لصولة الفرسان أن يطلعوا على خطة عنترة بن شداد في معاركه, رغم مرور أكثر من ألف وخمسمائة عام عليها فقد يجدون فيها متنفسا لمداراة فشلهم أو على الأقل يستفيدوا منها في خططهم المستقبلة أو يلحقوها بكراسهم المزمع طبعه ونشره وتوزيعه على معاهد العلوم العسكرية يقول عنترة" كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما, وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما, ولا ادخل موضعا إلا أرى ليً منه مخرجا, وكنت اعتمد الضعيف الجبان فاضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فاثني عليه فاقتله".

ولم نكد نكمل المقال حتى وجدنا التقرير الذي أعده مايكل غوردن أبرز محللي صحيفة نيويورك تايمز, وهو بالطبع ليس من التكفيريين أو الإرهابيين أو النواصب أو أزلام النظام السابق, فهو أمريكي قح قلباً وقالبا, وجاء في تقريره بأن كتيبة عراقية تخلت عن مواقعها في مدينة الصدر حيث يدور قتال عنيف, وفشلت جهود الكابتن الأمريكي لوغان فياث في ثني قائد الكتيبة عن قراره بالتخلي عن القتال, بالرغم من أنه لم يفقد جنديا واحداً في القتال, وجاء في التقرير بأن الضابط برر هروب كتيبته" للقتال بفقدان التعزيزات، وغياب وسائل الاتصال المباشرة مع القوات الأميركية، فضلا عن قلة التسليح أمام مقاتلي جيش المهدي الذي قال إنهم يتلقون السلاح من إيران". وينتهي غوردن في تقريره إلى "إن هذه الحادثة عصفت بالجهود الأميركية الرامية لدفع العراقيين لأخذ زمام المبادرة في قيادة الصراع لانتزاع السيطرة من يد ميليشيا جيش المهدي على أجزاء من مدينة الصدر".

Alialkash2005@hotmail.com