نقابات جامعية هزيلة لا تستحق الاحترام
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 3 أيام
الأحد 02 مايو 2010 04:58 م

ستدخل نقابتا جامعتي صنعاء وعمران الشهر الثاني من الإضراب والصمود الذي يستحق الاحترام والتقدير، وجميع نقابات الجامعات الأخرى تنتظر بنذالة منقطعة النظير نهاية المشوار حتى يصل زملاؤنا في صنعاء وعمران إلى تحقيق مطالب كل أعضاء هيأة التدريس في جميع الجامعات اليمنية.

ومن المحزن والمؤسف أن من يـُـفترض أنهم قدوة واعية في التغيير الاجتماعي وهم أساتذة الجامعات تجدهم يعقدون صفقات سرية مشبوهة ويتوارون عن الأنظار خجلا، وإذا كان هؤلاء الناس بريادتهم العلمية والنضوج المعرفي والعقلي والوعي الحقوقي والسياسي إذا كانوا لن يقودوا التغيير ليكونوا قدوة لغيرهم فمن سيقود التغيير إذا؟

هل ننتظر ثورة الشحاتين في الجولات ، والأطفال المشردين في الشوارع ، وربات البيوت ، وأصحاب العربيات والبسطات وأرباب البقالات ممن لم يحصلوا على نصيب وافر من التعليم ليقودوا التغيير ؟

أستاذ جامعي يحمل شهادة الدكتوراه لا يقف موقفا ينفع نفسه فيه ويحقق مصالحه من خلاله فهل يكون لهؤلاء نفع لمن سواهم من عامة الشعب المغلوب على أمرهم فضلا عن طلابهم ؟

لماذا استطاع أعضاء هيئة التدريس في جامعتي صنعاء وعمران قيادة التغيير بينما غيرهم ناكصون جبناء يتربصون بالحصول على مصالحهم بنضال غيرهم دون أن يكون لهم موقف يذكر ؟

للإجابة عن هذا السؤال سنكتشف ثغرات خطيرة في استحلال الجامعات وتدجينها دون وجه حق، وكيف أن هذه السياسة تزداد حرصا ليتم السيطرة الشاملة على مؤسسات التعليم العالي والواطي وهي مركز صناعة العقول ؟

ريادة أعضاء تدريس جامعة صنعاء وذبول غيرهم لقد تم تأسيس جامعة صنعاء في مطلع السبعينات وكانت بحاجة إلى أساتذة يمنيين محليين حيث كان معظمهم أشقاء عرب وأجانب ، فكانت الجامعة بسبب احتياجها للخريجين اليمنيين تقبل تعيينهم دون النظر إلى ميولهم السياسي ، ولأن التعددية السياسية كانت غائبة فكانت الميولات الأيديولوجية معلنة عند البعض ومضمرة عند الأغلب بسبب التربص الأمني بمن يعتبرهم النظام الأمني مشبوهين. وبالرغم من ذلك فقد أسهموا في نيل بعض الحقوق المتقدمة مثل استقلال الجامعة ماليا وإداريا وانتخاب رؤساء الأقسام والعمداء والإصرار مستقبلا على انتخاب رؤساء الجامعة ، فتفطنت السلطة إلى خطورة هذا المسعى فاستخدمت أساليب جديدة للتحكم بمن يتم تعيينهم في الجامعات وفق شروطها وهواها فكان لها ما أرادت .

يبين قانون الجامعات اليمنية لعام 95 وتعديلاته شروط التعيين وفق مصفوفة تحترم الدستور في المساواة بين المواطنين المؤهلين الحاملين لشهادات عليا تخول لهم حق الالتحاق بالعمل الأكاديمي، وقد أسندت سلطة التعيين في القانون لمجالس الأقسام والكليات ومجلس الجامعة، وقد جرى بقصد إفراغ هذا القانون نهائيا حينما تم تجاوز القانون في طريقة التعيين الوظيفي والأكاديمي والاستقلال وحق الانتخابات وتدجين القطاع الطلابي لتبقيهم في النظام المدرسي ما قبل الجامعة، ولذلك كل رئيس جامعة عبر توجيهات ايعازية وايحائية يتم تعيين من لا يستحق ورفض من يستحق ، حتى ولو كانت شروط التعيين تنطبق على من تم رفضه ولا تنطبق على من تم قبوله وهكذا يصبح المعينون بطريقة مخالفة للقانون هم الأكثر صعودا في السلم الوظيفي لأنهم يطبقون التوجيهات خلافا للقانون، وفي هذا السياق تم تعيين عمداء ورؤساء أقسام ورؤساء جامعات لو خضعوا للقانون لكانوا آخر من تنطبق عليهم شروط التعيين والمنافسة وهذا ينطبق على العم طمطم، وفي هذه الإجراءات وتكثيفها سنويا تم إلحاق دكاترة فاشلين علميا ومشكوك بشهاداتهم العلمية ودارسين بالوساطات لأن بعضهم يواصل الدراسات العليا ليس لكفاءته العلمية ولكن لوساطته فالقانون يحدد التفوق كأصل في حق مواصلة التعليم فوق العالي ولكن نجد أن البعض حاصل على معدل مقبول أو جيد والبعض ابتعث للدراسة في جامعات غير معترف بها وعاد ليجد فرصته في التوظيف أسبق من غيره من المتفوقين. وفي هذا السياق مطلوب من وزارة التعليم العالي تشكيل لجنة علمية أجنبية لفحص ملفات أعضاء هيأة التدريس وفقا للقانون.

ولا تستغرب أن تجد عضو هيأة تدريس يمارس السرقة للبحوث والكتب والدراسات العليا، فقد شاع في الفترات الأخيرة جنوح بعض الدكاترة العرب الفاشلين يذهبون إلى الجامعات في المغرب العربي وتصوير رسائل الماجستر والدكتوراه وإحداث بعض التعديلات عليها ومناقشتها في جامعات عربية مشرقية والعكس، أو تصوير رسائل ماجستر ودكتوراه عربية وترجمتها ومناقشتها في جامعات أجنبية.

لقد صعقت عندما نشرت جامعة الحديدة لأحد الدكاترة كتابا جامعيا مسروقا من الغلاف إلى الغلاف بالنقطة والفاصلة والمقدمة، ولا يمتلك هذا الدكتور شيئا كتبه في هذا الكتاب سوى صفحة الإهداء لرئيس الجامعة (والكتابين الأصلي والتقليد في حوزتي) طبعا وزير التعليم العالي يعرف ذلك، وقد تم ترقية هذا الدكتور إلى درجة علمية لا يستحقها وإلى منصب وظيفي لايستحقه، هؤلاء فقط عندما يكونوا في هيئة نقابية لايعلنون الإضراب من أجل مصالحهم، هؤلاء فقط إذا تولوا منصب رئيس قسم أو عميد وظيفتهم الأساسية مخالفة القانون حسب الأوامر، هؤلاء الناس يجيدون التزلف والنفاق على حساب العلم والمعرفة وعلى حساب قضايا الجامعة واستقلالها لذلك تجدهم يزاحمون الآخرين في الفساد والإفساد لكن ليس لهم أي مساهمة تحترم العقل.

إنهم يبررون عدم الإضراب حفاظا على المصلحة الوطنية وكأن تحسين أوضاع التعليم الجامعي لايصب في مصلحة الوطن، ويرفعون مبررات الظروف الاقتصادية للبلد التي لاتسمح ، لكنهم يخرسون عندما نقول لهم كيف سمحت ظروف البلد في الدخول في ستة حروب في صعدة وهدر المال والدماء وتمزيق النسيج الاجتماعي ، فقط كانت الحرب السادسة في صعدة تستنزف يوميا خمسة ملايين دولار حسب بعض التقديرات، وإذا نظرت إلى المكافآت التي يتقاضاها فقط موظفو المالية ( المشتريات والحسابات والمدير المالي في كل مؤسسة حكومية) يتجاوز ما يتقاضاه عضو هيأة التدريس بخمسة مرات ، ولا يجيب هؤلاء كيف يستحق 55 نائبا أميا في البرلمان تلك الرواتب فكل نائب يتقاضى راتب شهرين لما يماثل ما يتقاضاه عضو هيأة التدريس في عام كامل ، لم يجب هؤلاء كيف يمنح الوزير راتبا ومكافآت شهرية خلال عام واحد تتجاوز راتب عضو هيأة التدريس على امتداد حياته، لايجيب هؤلاء كيف يتقاضى كبار القادة العسكريين في شهر واحد راتب عضو هيأة التدريس لمدة خمسة أعوام، إن موظفا في إدارة عسكرية وأمنية ومالية يدرس أبناءه في كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا برسوم جامعية سنوية 5200 دولار إضافة إلى السكن والمواصلات والمعيشة والملازم والكتب والبحوث ، بينما عضو هيأة التدريس غير قادر على تدريس أبناءه في جامعة صومالية أو تدريسهم في جامعات حكومية.

لماذا تستكثرون على عضو هيأة التدريس أن يكون راتبه مساويا لزميله الوافد الذي يتقاضى مبلغ 2000 دولار مضافا إليه سكن وكهرباء وماء وتذاكر له ولأسرته ذهابا وعودة ورسوم العمل والإقامة ، بينما في كل بلدان الدنيا التي تحترم أبنائها يتقاضى الوافد مهما علا شأنه راتبا أقل من ابن البلد؟!!! لماذا في بلادنا القاعدة معكوسة !!!.

الطالب العربي في بعض البلدان غير النفطية يتقاضى في بلده أثناء الدراسية راتبا شهريا وسكنا جامعيا ومواصلات مجانية ورسوم كتب ، ماذا ندفع للطالب اليمني لكي يسهم في بناء الوطن ولكي يتفرغ للعلم، لا شيء إننا نطلب منه رسوما متعددة، إننا نسرق البلد علنا وندمرها علنا ونقول للناس كذبا « اليمن أولا » ومن قال إن اليمن يكون أخيرا سوى لدى المفسدين الناهبين للمال العام ، في بلادنا كل المتناقضات شائعة فبعض من يصلي في الصف الأول يمارس السرقة ومن يعاقر زجاجة الخمر يمارس السرقة ومن يخزن يمارس السرقة ومن في السلطة يمارس السرقة ومن في خارج السلطة يمارس السرقة، لا فرق عندنا بين دعاة الجنة ودعاة النار، نحن شعب دُمرت أخلاقياته ، فيطلع علينا رئيس الحكومة وهو أستاذ جامعي ربما كان يلجأ للشؤون المالية ليحصل على سلفة شهرية لمواجهة حوادث الدهر بينما هو اليوم يهدد ببنغلة الجامعة .

لقد اعتذرت كثير المرات عن المشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية لأنني لم أجد بدل سفر، لقد أخفقت في استكمال بحوثي العلمية لأنني لم أجد في المكتبة كتابا جديدا أو مفيدا أو دورية مختصة لأن من يشتري الكتب مجموعة من الموظفين غير المختصين ينفقون بدل سفر يتجاوز ثمن ما يشترونه من كتب.

إن همة باصرة في تجويد التعليم تثير الضحك لدى كل من يعرف مخرجات التعليم الثانوي المنتقلة إلى التعليم الجامعي، إننا بكل صراحة نستقبل طلابا لاذنب لهم في تدني مستواهم التعليمي، غير أنهم ضحية مثلنا وجدنا جميعا في الزمن والمكان الخطأ في ظل إدارة سيئة وفاسدة.

يكرر باصرة نقده للملازم والمضامين العتيقة لأداء أعضاء هيأة التدريس، أنا شخصيا ليس عندي ملازم وعندما أمارس التدريس التشاركي بالرغم من صعوبته علي وعلى الدارسين، يذهب الطلاب إلى المكتبة ليجدوها مغلقة بحجة الجرد ، تصوروا أن مكتبات جامعة الحديدة تبدأ الجرد في شهر يناير وتنتهي في شهر يونيو بعد انتهاء العام الدراسي طبعا يلجأ الموظفون لإطالة فترة الجرد للحصول على مكافآت مجزية، يذهب الطلاب ليشتكوا للعميد يقول لهم من لم يعجبه فليشرب من ماء البحر أو يبحث له عن جامعة أخرى، رئاسة الجامعة لديها علم في ذلك، عن أي جودة أكاديمية ياباصرة تتحدث مع احترامنا لنواياك الحسنة ؟؟ رجائي أن لا تثير مزيدا من السخرية والشفقة في وضع مزر .

لدينا جامعات يمنية منها عدن وصنعاء وهما قديمتان نسبيا إلى الجامعات الناشئة لا يتوفر في كليهما معامل ولا مستلزمات الدراسة التجريبية والمعملية ، الجامعات الناشئة فيها كليات بدون مبان أو قاعات، فجامعة الحديدة مثلا فيها اثنا عشر كلية لا يوجد فيها سوى مبنى وحيد ككلية هو مبنى كلية التربية الذي بني بتمويل دولي، وأما المباني الأخرى فمدرسة عذبان تحولت إلى كلية آداب ومدرسة أخرى في زبيد تحولت إلى كلية تربية وهنجر تحول إلى كلية تربية بدنية ومدرسة أخرى تحولت إلى كليتي الفنون وعلوم بحار ومشروع مستشفى تعليمي تحول إلى كلية طب أسنان، ومعهد العلوم الشرعية الذي بنته ليبيا تحول إلى ثلاث كليات هي التجارة والحاسوب والشرعة والقانون ، ولا نستطيع أن نمتحن الطلاب في فترة واحدة بل على فترتين لأن القاعات غير كافية .

إن إضراب أعضاء هيأة التدريس في الجامعات اليمنية المنزوية خارج التاريخ يصبح فرض عين لإصلاح التعليم لاستكمال البنيان المادي وتحسين أوضاع الهيأة التدريسية والمكتبات والمعامل والاستقلال المالي والإداري وإقرار نظام انتخابات رؤساء الأقسام وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات، تصوروا بالله عليكم كيف يسهم الرجل الأمي في انتخاب رئيس الجمهورية والسلطات المحلية وأعضاء البرلمان بينما لا يحق لنخبة رائدة في المجتمع أن تنتخب إدارتها بل تصبح هي دون غيرها قضية سيادية.

لقد تابع بعضكم مقابلة للسيد أوردوجان في قناة الجزيرة بعد استمراره في السلطة ثلاثة أعوام وتلقى سؤال : ماذا فعلتم لتحققوا هذا الازدهار ؟ أجاب في قضية تطوير التعليم بالآتي : في الإنشاءات المادية تم بناء ستين ألف قاعة جامعية مما دفع المحاور على إعادة الجواب مستنكرا ربما يكون هناك خطأ في الرقم فجرى التأكيد على صحة الرقم (في الجامعات اليمنية كلها وعلى امتداد نصف قرن لايوجد فيها ربع عشر العدد) والجواب الثاني : قال أردوجان تستوعب الجامعات التركية ثمانية مليون طالب ينالون منحا دراسية داخلية وسكن وغذاء ومواصلات ، ولذلك ينبغي أن نفهم لماذا احتلت تركيا الرقم 17 في القوى الاقتصادية الأولى في العالم.

ويخرج لنا مذيع في الفضائية اليمنية أو مقال افتتاحي في صحيفة الثورة ليقول لنا بأن البلد قطع أشواطا لا يمكن حصرها في التطور والتقدم ، بينما وسائل الإعلام والواقع يفيد أن ألوفا من الأطفال المتسللين يوميا إلى دول الجوار بحثا عن لقمة العيش وطابورا كبيرا من المئات أمام السفارة السعودية ، وآلاف العاطلين انجرفوا إلى تعاطي المخدرات ومثلهم شحاتين في الشوارع.

استحوا على أنفسكم ، فلو أتيح لليمنيين البحث عن وطن بديل يجدون فيه عيشهم الرغيد والله ثم والله لهاجروا عن بكرة أبيهم ولن نجد شعار اليمن أولا ولا سابعا.

على صناع القرار أن يتعلموا كيف يصيغون خطابا سياسيا مسؤولا باعتباره نتاج رجال دولة وليس مجموعة من البلاطجة والمهرجين. لقد أنتجت الحكومة قانون الأجور لعام 2005 وهي التي عطلت العمل به ، فأعضاء هيأة التدريس وقطاعات أخرى لم يصرف لها بدل طبيعة العمل المنصوص عليها، وتم إيقاف العلاوة السنوية على الجميع، وتم إيقاف تحريك إستراتيجية الأجور وفقا للقانون، وتم تعطيل التسويات للمعنيين الجدد من عام 2006 والحاصلين على شهادات علمية جديدة، فهل من يفعل ذلك بتعطيل القوانين التي يصدرها هو هل يعد رجل دولة يستحق الاحترام؟.

دعوة أخيرة لنقابات الجامعات اليمنية التي ترفض مشاركة جامعتي صنعاء وعمران الإضراب لكنها ستشاركها المغانم عليهم أن يحترموا أنفسهم لمناصرة زملائهم فورا دون تردد أو تأجيل، وإن كانوا جبناء إلى هذا الحد المخجل فليدعو إلى جمعيات عمومية ويتركوا القرار لزملائهم حتى لا يتم لومهم وحتى يجدون مخرجا لأنفسهم من أي حرج قطعوه أمام جهة ما على أنفسهم.

أنا أقول لأصحاب القرار : إن رئيس نقابة جامعة صنعاء أكثر الدكاترة صبرا ودبلوماسية وقد ظل يحاور الجهات الرسمية وينتزع منها اتفاقيات متتالية أوصل السلطة إلى أن تنكث عهودها ولن يجدوا رئيس نقابة أكثر اتزانا ولا هدوءا من الدكتور العزعزي ولكن زملاءنا بصمودهم الأسطوري والنضالي سينتصرون، وبخذلان نقابات الجامعات الأخرى لن يتضررون، بل سيلحق العار بهذه النقابات الذليلة ، النقابات التي تعمل وفق أجندات خاصة سينال بعضهم ما ناله الناخبون من وعود ذهبت أدراج الرياح، وإنني أعلن براءتي من نقابة لا تستحق الاحترام ، وأعلن مؤازرتي لزملائنا الأحرار في جامعتي صنعاء وعمران .

وليعلم أصحاب القرار بأنهم موظفون عند شعوبهم وليس شعوبهم عبيدا لديهم ، فإذا استوعبوا هذه الحقيقة فقد نتفق معهم على مخرج من أوضاعنا المتردية وإن لم يفهموا فالطوفان سيلحقهم وستبقى الشعوب أعتي من الطوفان.

hodaifah@yahoo.com