القبيلة في قفص الاتهام
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 9 أيام
الخميس 25 فبراير-شباط 2010 06:30 م

كنت أتمنى من الأخ/الأخت، محمد جمال/فاطمة واصل النظر إلى جواهر الأشياء، دون الاكتفاء بظوهرها، ولعلي قرأت المقالين فوجدتهما اتخذ مسارا سطحيا أكثر منه موضوعيا في نظرتيهما إلى القبيلة، فقد فهم الأول أن القبيلة - ضاربا مثلا - أن يثور إنسان فيضرب آخر لأنه ذلك الآخر ضايق فتاة، وبهذا تكون القبيلة مجسدة في جانب النجدة وفقط، ثم يعلل أن القبيلة ما كانت إلا عندما غاب القانون ليعكف في غرفة العناية المركزة، وإذا ما وجد القانون توارت القبيلة وراء القضبان أو خرجت إلى الهامش فليس لها مكان في حالة تعافي النظام والقانون، وكأنها في نظره لاعب احتياطي أو بمثابة التراب للمتيمم؛ فإذا وجد الماء بطل التيمم إنه فهم منقوص - إذا قصد الكاتب دور القبيلة بهذا الشكل وفيه تجنٍ كبير على القبيلة معناها ومغزاها.

وقد كنت أتمنى - وقد سمى مقاله [القول الفصل أو الفاصل] أن يفصل في القول ويتناول الموضوع بعمق أشد. ولعلي أبدا هنا بلفت نظر القراء بأن كلا من صاحب القول الفاصل وفاطمة واصل كلاهما ينتميان إلى القبيلة، فليس أحد منهم بل وفي كل اليمن إلا ويرجع نسبه إلى إحدى القبائل العريقة والمتأصلة في جذور الفكر والتأريخ العربي عموما، واليمني على وجه الخصوص، فجذورا القبيلة مغروسة في عمقنا كمسلمين أولا ويمنين ثانيا، كما أن هذا الجذور ضاربة في أغوار التأريخ، وآخذة بحجز الفكر والعقل الإنساني في كل عصر؛ خاصة إذا ما تحدثنا عن أنفسنا كيمنين مسلمين، فإننا نجد جذور القبيلة راسخة في التداول القرآني، وفي التصور الإسلامي، قال تعالى: (إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

مشكلتنا في أننا نلقي الأحكام جزافا دون الرجوع إلى ديننا وننسى دائما أنه مصدر التقييم، وننسى أنه مرجعنا الوحيد عند الاختلاف. وها هو قد قال القول الفصل، ولا يمكن أن نسمي أي قول أو نصفه بالفصل وهو خالي المرجعية الحقة من القرآن الذي فيه تفصيل كل شيء، فالقبيلة بحسب التناول القرآني هي أصل التكوين، وهي صورة الأوطان الناصعة وهي طور مهم في أطوار تكون الكون بل هي أساس الشعوب كلها، وهي التي تحتضن القانون؛ فالقانونيون والقانون والساسة والسياسيون كلهم في كنفها، وهي التي تسير قوانين السماء في دنيا الناس.

فالعالم كله مقسم إلى شعوب، والشعوب مقسمة إلى قبائل، وهذه الأخيرة هي ركيزة الشعوب. ودعنا نتحدث عن واقعنا وعالمنا العربي والإسلامي، فلا شك أننا لن نرضى - كمسلمين - بغير القبيلة - بمعناها ومغزاها في التناول القرآني – بديلا فـ [التعارف] هو مقصد التقسيم، ليس ذنب القبيلة أن يفهم بعض من ينتسب إليها فهما آخر ليضل عن القصد ويقصد مآرب أخرى فيقوم بتوظيف القبيلة - التي كانت مغزاها وغايتها مقصورا في التعارف - عن قصد أو عن غير قصد في التمايز والتفاخر والتقاتل ولتناحر . فهل الذنب ذنب القبيلة أم ذنب شخص واحد منتم إليها ؟

كما أن القرآن الكريم عندما حصر التنوع القبلي وقصر غايته في التعارف، جعل ميزان آخر للتمايز والتفاضل والتفاخر، هو التقوى. وقد كان الهدف من ذلك هو تعزيز علاقة التعارف بين الشعوب والقبائل، فلا شك أن من أهم مظاهر التقوى التعاون والتنافس والتسابق في خدمة الآخر والذود عنه وعن حماه، وقد كانت القبيلة في سابق عهدها مضرب الأمثال - وما تزال – في التفاني وتقديم الخدمة والخير للآخرين، يعملون كلهم تحت مثل او شعار: (خير الناس أنفعهم للناس)

ولست أفهم كيف يطيب لشخص ما أن يُحمِّل القبيلة أوزار الآخرين ومساوئهم، ويصرف عنها محاسن الناس والأشياء فتلك قسمة ضيزى!! فلم لا نضرب للقبيلة - مثلا - فاطمة واصل أو محمد جمال، وكل المتميزون والرائعون فهم ينتمون إلى القبائل ؟ ولم نصر على أن نلصق بها أو ننسب إليها قطاع الطرق والقتلة واللصوص ؟ ومتى أصبح هذا منطق العقلاء ؟؟ أهذا من العدل والحق في شيء؛ أهذا من المنطق في شي؟ لا وألف لا .

نعم إن مثل هذا حكم على القبيلة لا يقبله لا شرع ولا عرف ولا منطق رشيد. ولست أرى القبيلة الا واقعة في قفص اتهام من دون ذنب، مثلما هي [الوحدة اليمنية] حملناه أوزار المفسدين والفاسدين، نحن نعيش على منطق المجانين؛ وإلا فما هو ذنب الوحدة فيما يحصل من فساد وإفساد، فيما يحصل من استلاب حقوق ؟ وإني لأستغرب ويستغربكل العقلاء في اليمن جنوبه وشماله كيف تحولت او تحورت المطالبة من دحر الفساد والفاسدين الى قطع أوصال الوحدة والوحدويين؟ هل هذا هوسبيل الرشاد، هل يرضي إنسان عاقل بهذا ؟

فالقبيلة من وجهة نظري بل ومن وجهة نظر كل العقلاء قد أسرفنا وشططنا كثيرا عندما حملناها أوزار السفهاء ظلما وزورا. وأقول إن الذي يسيء إلى القبيلة مثله مثل من يسيء إلى الوحدة؛ فالقبيلة والوحدة - للأسف ومن دون إدراك – تم وضعهما من قبل قاصري النظر في قفص الاتهام من دون ذنب، وأخذ الناس من دون وعي أو تفكير يصبون عليهما جام غضبهم. ما هو الذنب الذي اقترفته القبيلة ؟ وماه هو الجرم الذي ارتكبته الوحد؟ 

وإني لأتساءل: من منا في اليمن لا ينتمي الى قبيلة ؟ ومن منا نحن اليمنيون لا تشده جذوره الى القبيلة ؟ إن الذي ينهش في القبيلة هو ينهش في لحمه ودمه. فكفاكم نهشا من دون إدراك، فالقبيلة هي المساحة العريضة الذي يقف عليها اليمنيون كلهم، وهي العنوان العريض للوطن، يقف عليها المقنون والسياسيون والمثقفون المتحضرون وعامة الناس، وتلك قسمة ارتضاها لنا القرآن الكريم (وبها ونعمت).

فقد جعلنا الله شعوبا ثم قبائلا ثم حُدد لنا الغاية من تلك التقسيمات: وحصرها في التعارف، فإذا ما استغلت استغلال مغلوطا ووظفناه بفهمنا القاصر للتفاخر ثم التناحر والتقاتل فتلك مقابح أشخاص لا ينبغي أن نلصقها بالقبيلة. فإذا ما جاء زعطان أو فلتان ليقلب الموازين ويوظف الأشياء بغير وظائفها، ويستغلها لغايات دنيئة؛ أفمن الحكمة أو المنطق أن نلصق أفعاله بالقبيلة ؟ إذا أخطأ [س] من الناس وهو ينتمي إلى إحدى القبائل اليمنية، هل من العقل في شيء أن نلصق خطأه بالقبيلة ثم نجمع القبائل كلها في سلة واحدة ونعمم خطأه عليها، ثم بعد ذلك نلحق العار بالشعب اليمني كله على أساس أنه مكون في النهاية من مجتمع قبلي ونرجع تخلفه الى القبيلة ؟ ونتناسى كلنا أننا من أبناء القبيلة فهل كلنا متخلفين؟ هكذا يقول المنطق في مفهوم هؤلاء : القبيلة رمز التخلف / اليمنيون ينتمون الى قبائل / اليمنيون متخلفون . هذا لعمري منطق غير العاقلين ولا حتى المجانين.

هكذا عندما نظرنا إلى القبيلة بنظرة سطحية فجة وعزلنها عن المرجع الأساسي لها؛ أسأنا إلى أنفسنا من حيث لا ندري، ولا شك أننا إذا أسئنا الى القبيلة إنما نسيئ الى نفسنا الي يمننا إلى وطننا إلى ماضينا وحاضرنا، فالقبيلة كما قلت هي ضاربة في جذور التأريخ وهي حاضرة في فكر ووجدان المثقف المعاصر وسيضل حضورها مستمر ومعطاء الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بشكها المتحضر الراقي.

ومشكلتنا دائما تكمن في التعميمات من دون وعي ، فلا تظلموا القبيلة، فوالله ما وصلنا إلى هذا الموصل الا عندما تخلينا عن مبادئها الأصيلة وعندما اتزعنا منها جذورنا، لوم نبي عليها حاضرنا، وتخلفنا عندما فهمنا القبيلة مقابلا للمدينة، أو القبيلي مقابلا للحضري، وعندما جعلنا التخلف مرادفا للقبيلة، وعندما جعلنا المفسد مرادفا للقبيلي \ وإنه لمر فهم جد خاطيء ومغلوط ولا ينم عن وعي بمفهومها ومكانتها وأهميتها في هيكلة الشعوب والأوطان، ولا مبادئها بل هو تسطيح لمعاني الأشياء وقراءتها منقوصة ومغلوطة وهذا يتضح من أننا نسب أفعال السيئين للقبيلة، وكأن المتميزون المتفردون جاءوا من كوكب المريخ وليس منتمون لا من قريب أو بعيد إلى القبيلة أليس في ذلك مغالطة كبيرة

والمطلوب منا أن نعرف من هم السيئون ونشير إليهم بأعيانهم لا أن نشير إلى قبائلهم، فلا تز وازرة وزر أخرى، هكذا قال لنا دستورنا، بيد أن المفسدين والفاسدين استبدلوا ذلك بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان فصرنا نسمع: الحسنة تخص والسيئة تعم.