أسعار الصرف في صنعاء وعدن في آخر تحديثات سوق العملة موقف حماس من فوز ترامب وخسارة الديمقراطيين عاجل: الرئيس العليمي يشيد بمواقف ترامب السابقة ويهنئه بـ ''الفوز الكبير'' خطاب النصر لدونالد ترامب إستطلاع لـ ''مأرب برس'': أكثر من نصف المشاركين توقعوا فوز ترامب على هاريس تحوّل مثير.. ميتا تسمح باستخدام ذكائها الاصطناعي لأغراض عسكرية أمريكية انستغرام يطرح خيارات جديدة لتصفية الرسائل للمبدعين الجمهوريون يسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي والتنافس مستمر على مجلس النواب سفينة حربية إيطالية تنضم إلى حملة حماية البحر الأحمر ترامب يفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وفق النتائج الأولية
كيف تعمل مراكز الأبحاث على تقليص مخاوف البيت الأبيض من مخاطر فشل الدولة في اليمن؟
لقد أصبحت اليمن محط دراسة وتمحيص كما لم تكن من قبل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تعمل مراكز الأبحاث والدراسات، ليل نهار، على إعادة تقييم المواقف والتصورات التقليدية، بشأن اليمن، لدى دوائر صنع القرار في واشنطن.
بالنسبة للأمريكيين، لا يوجد في اليمن ما يثير القلق أكثر من استشراء القاعدة. هذه إحدى أهم المسلمات التي توضع في الاعتبار أثناء تصميم السياسات الخارجية المتعلقة باليمن. وبالتالي فمستوى الاهتمام بهذا البلد يتصاعد بمقدار تصاعد التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة. على أن بوسعنا اعتبار المخاوف المتأتية من كون اليمن محاذياً لأضخم خزان نفط في العالم، المسلمة الثانية من حيث التأثير على الكيفية التي سيتعامل بها صانع القرار الأمريكي مع الأوضاع في اليمن.
لمراكز البحث سطوة في أمريكا. إذ يمكن لدراسة واحدة أن تغير جذريا طريقة تفكير البيت الأبيض والخارجية إزاء قضية من القضايا أو بلد من البلدان. إنهم يعيدون النظر في كل شيء، فتح ثغرات، اختبار مستمر للقرارات والاستراتيجيات وعادات التفكير.
فيما يخص اليمن، لا يزال الاعتقاد السائد أن الإدارة الأمريكية لن تسمح للدولة اليمنية بالانهيار التام. هذا من شأنه تحويل جنوب الجزيرة العربية إلى مسرح مفتوح لعناصر القاعدة، والممرات البحرية الحساسة ستصبح في مرمى نيران المتطرفين، ناهيك عن أن البلاد بأسرها ستكون بمثابة المنطلق التخريبي الملائم لتقويض الاستقرار الهش في ممالك النفط.
هذان المعطيان، مع معطيات أقل تأثيرا، كانا يتحكمان في صياغة السياسة الأمريكية حيال اليمن. تنامي نشاط القاعدة، خلال السنوات القليلة الماضية، والذي كان مصحوبا بضعف وانكماش الدولة اليمنية، أعطى وجهة النظر السالف ذكرها قيمة ومعقولية أكثر في الأوساط السياسية الأمريكية.
ولسوف يترتب على ذلك إستراتيجية مزدوجة، تتلخص على المستوى الأمني، في شن سلسلة هجمات مباشرة على عناصر القاعدة في اليمن بالتنسيق مع الحكومة (أو حتى بدون تنسيق)، وزيادة حجم المساعدات العسكرية، وعلى المستوى السياسي، في التحرك من أجل الحيلولة دون انهيار وتفكك اليمن، وممارسة ضغوط دبلوماسية من أجل إجراء إصلاحات سياسية من شأنها تحفيز العملية الديمقراطية، وإعادة بناء الشرعية، وتجنيب البلاد دوامات العنف.
غير أن اليمن صارت تجتذب اهتمام أطراف دولية مؤثرة أخرى. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد اللاعب الوحيد في عالم ينزع لتعدد مراكز التأثير. لهذا، وعلى حين غرة، خرج رئيس الوزراء البريطاني ليدعو لعقد اجتماع في لندن يشمل الدول المانحة، ويكرس لوضع آليات حمائية تمنع اليمن من الانحدار نحو الهاوية، وبحث أجندات من قبيل تأهيل اليمن لاستيعاب التزامات المانحين وتعزيز الشفافية.
أوصى الاجتماع بتأسيس ناد لأصدقاء اليمن. لقيت الفكرة استحسان الأمريكان فالتحقوا بالنادي لكن بأولويات مختلفة، على رأسها الحرب ضد تنظيم القاعدة بالذات. وفي حين تصدر الإصلاح السياسي أولويات البريطانيين، حافظت السعودية على رغبات واحتياجات غير ممنهجة.
من سوء الحظ أن الأمور في واشنطن راحت تنحو منحى آخر. إنهم عاكفون هناك على تحليل الأمور في اليمن بطريقة مختلفة هي أقرب للواقعية السياسية منها إلى أي شيء آخر.
تقول المعلومات إن الخارجية الأمريكية استوعبت مؤخرا دراسة سيسيولوجية خلصت إلى التقليل من تداعيات فشل الدولة في اليمن على الأمن القومي الأمريكي. فاليمن، طبقا للدراسة، يتمتع ببنية اجتماعية عصبوية قادرة على إنتاج قانونها الخاص وإدارة شؤونها بمعزل عن الدولة المركزية. واستطاع الباحث، بحسب المعلومات، تقليص المخاوف الأمريكية من خلال تمييزه بين نظامين اجتماعيين متباينين: النظام الاجتماعي الأفغاني، والنظام الاجتماعي اليمني.
المصالح الاقتصادية للأمريكيين في بلادنا محدودة للغاية. وبصرف النظر عن التشكيك الذي ينال من جهود الحكومة اليمنية في مكافحة الإرهاب، فإن واشنطن قد تتبنى سياسة جديدة ترتكز في الصميم على خلاصات بحثية، سيسيولوجية وتاريخية. إنها سياسة أقل اكتراثا بمسألة بناء الدولة وسيرورة الصراع السياسي، ومقتصرة على ضرب تجمعات للقاعدة بشكل مباشر وأحادي.
هذا تحول له عواقبه. ومؤخرا بدأ كتاب أعمدة كبار يشيرون إلى النتائج التي توصل إليها الباحث كين مينخاوس والتي تشدد على "أن ما يكسبه الإرهاب العالمى من الدول الفاشلة أقل من الفوائد التي يجنيها من الدول الضعيفة، مثل باكستان، حيث تقدم بعض عناصر النظام في هذه الدول المساعدة للإرهابيين".
المجادلة بأن الإرهاب العالمي يستفيد من الدول الضعيفة بأكثر مما يستفيد من الدول الفاشلة، لهو طرح غير مألوف البتة. هذا يعني أن على السلطة في اليمن توخي الحذر، ومثلما تعيد واشنطن تقييم سياستها يتوجب على صنعاء التوقف عن إعطاء الانطباع بأنها تستخدم خطر القاعدة لكسب المزيد من الأموال، والمزيد من المواقف الدولية الحريصة على عدم انزلاق اليمن إلى الفشل التام.
في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، يتم إغفال قاعدة جوهرية: لا تشتري مساندة واشنطن بتصوير بلدك على أنه موطن للشر المتربص بأمن الأمريكيين ومصالحهم. صحيح الإرهاب تهديد مشترك وحقيقي، لكن عليك أن تجند طاقاتك أولا لقتاله. هذه معركتك أنت وحدك. لا تجعل أحدهم يشعر أنك تحارب نيابة عنه. حينها ستجد واشنطن نفسها مضطرة لمساندتك من تلقاء نفسها، ليس لأنك دولة ضعيفة أو مرشحة للفشل، بل لأنك حليف يجابه على أراضيه تهديداً مشتركاً.
صانع القرار الأمريكي لم يعد مغفلا، ولم يكن مغفلا قط. إنه لا يكف عن استخلاص الدروس من التجارب المريرة والقاتلة. لهذا تبدو واشنطن الآن أقل ميلا للمخاطرة. قبل بضعة أشهر شرح فريد زكريا كيف أن المشكلة في محاولة إصلاح الدول الفاشلة أنها تورط الولايات المتحدة في جهود واسعة النطاق من أجل بناء الدولة، في بلدان تكون فرص نجاحها قليلة، بينما تكون مخاطر حدوث عواقب غير مقصودة كبيرة للغاية.
وكتب زكريا مستفيضا: "ولننظر إلى الصومال. في عام 1992، بعدما انهارت الحكومة، تم إرسال قوات أمريكية إلى البلاد كجزء من مهمة الأمم المتحدة الهادفة إلى الحيلولة دون حدوث مجاعة. لكنه سرعان ما تورطت هذه القوات في الصراعات بين القوى المحلية، مما أسفر في نهاية المطاف عن انسحابها بطريقة مهينة".
لطالما انتهت الدراسات والمقاربات المتعلقة باليمن باقتراح زيادة المساعدات الأمريكية لليمن ودعم السلطة المركزية، بيد أنها لم تعد تفعل ذلك الآن. إنها تكتفي بالتأكيد على أن الحكومة اليمنية ليست شريكا جيدا في الحرب على الإرهاب، وأن على الولايات المتحدة النأي بنفسها وترك النظام اليمني وجها لوجه مع تحديات وأهوال لا سبيل إلى دفعها.
بدلا من العمل على تخليص اليمن من شبح التدحرج إلى الفوضى، يبدو أن دوائر القرار في واشنطن منهمكة حاليا في دراسة سيناريوهات وتدابير ما بعد الانهيار. ما الذي يجدر بواشنطن فعله فيما لو صارت اليمن صومالاً أخرى؟
حظي هذا السؤال بنقاش موسع، لكن في سياق وضع خيارات التعامل مع الصومال بالذات. وانتهى النقاش بوضع إستراتيجية تتكون من محورين: أن تظل واشنطن متأهبة على الدوام لاستهداف وضرب بؤر وتجمعات القاعدة متى ما تأكد لها ذلك، وأن "تحرص على عدم التحول إلى لاعب في ديناميات السياسة الداخلية"، طبقا لفريد زكريا.
ورب سائل يسأل: وماذا بشأن مصير المساعدات التي تقدمها واشنطن لليمن؟ هل ستتوقف؟
ربما، رغم أنها تافهة جدا. لكن من يضمن عدم تدفقها عبر قنوات لامرئية إلى أوعية غير رسمية؟
لو أردنا أن نحكم على تصرف كهذا وفقا لمعايير الصداقات الإنسانية، فإنه خيانة بغيضة وغدر. لكن هيهات، عندما يتعلق الأمر بالسياسة والعلاقات الدولية ومصالح الأمم.
إحدى أبشع المواعظ التي كتبها نيتشه على لسان زرادشت، كانت تحض على مساعدة من يقف على حافة السقوط بدفعه إلى الهاوية. على الحكومة اليمنية مراقبة توجهات السياسة الأمريكية من الآن فصاعدا بلا كلل. من يدري؟ ربما تكون واشنطن بصدد استلهام موعظة زرادشت الذي أدرك كم أنه عديم الرحمة، إذ راح يتساءل: أي إخوتي، هل أنا شنيع؟.
alalaiy@yahoo.com