الاتكاء على القبيلة التي أهدت الحكم للعسكر
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 11:09 ص

مأرب برس - خاص

بكثير من الألم ما زال الناس يتذكرون كيف سرق المشايخ القبليين الثورة اليمنية وكيف انقلبوا ضد الحكم المدني برئاسة القاضي عبد الرحمن الارياني عام 1974م، وسلموا الحكم للعسكر، فبعد أن وقفوا مع القاضي أول أيام حكمه وقالوا انه المخلص لليمن وأنه المخرج من ما تعانيه البلاد من أزمات وخلافات نشأت بين مراكز القوى القبلية والعسكرية حينها والتي كانت تتنازعها قبيلتي بكيل بزعامة الشيخ سنان أبو لحوم وحاشد بزعامة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وخلال مذكرات الشيخين يحاول كل منهما التنصل من مسئوليته وإلقاء اللوم على الآخر في نقل السلطة من المدنيين إلى العسكريين، وكان الطرفين كما يقول الشيخ الأحمر يعتقدان ان الرئيس الجديد إبراهيم الحمدي الذي جاء من خارج التكوين الطبقي والجغرافي لسطوة القبيلتين، قليل الخبرة ولا يمتلك عصبية قبلية ،مما سيجعله لقمة سائغة يسهل قضمها لتحقيق أكبر قدر من المصالح ،لكن الرائد الحمدي أثبت العكس وبدأ في التخلص من قبضة المشايخ تدريجيا وكانت الخطوة الأولى تتمثل بإقصاء القيادات العسكرية من آل أبو لحوم عبر تعيين قيادات عسكرية قبلية لكنها أقل تشددا والتزاما للمؤسسة القبلية، ولاقت تلك الخطوة ارتياحا من قبل الشيخ الأحمر التي أعتبرها خطوة في تفكيك سطوة غريمه التقليدي الشيخ سنان أبو لحوم الذي قال الشيخ الأحمر أنه لعب دورا كبيرا في إقصاء الرئيس الارياني، وكانت الخطوة الثانية تتمثل في إقصاء عدد من الشخصيات القريبة من الشيخ الأحمر فتم عزل الشيخ مجاهد أبو شوارب من منصبه بالإضافة لتعليق العمل المجلس الوطني وتقليص نفوذ المشايخ على المؤسسة العسكرية والمدنية، وظهر الحمدي كرئيس عصي على الانقياد لرغبات المشايخ، مما أدى لنفور الزعامات القبلية من حوله ولجأ الأحمر للتمترس في مدينة خمر معقل قبيلته، وعلى الرغم من المحاولات السعودية التي كان يقودها سفير المملكة في صنعاء لتقريب وجهات النظر بين الطرفين إلا أن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح.

وبعد اغتيال الحمدي وخلفه الرئيس الغشمي كانت الفرصة سانحة لإعادة الحكم للمدنيين وانتزاعه من أيدي العسكر، إلا أن المواقف المتخاذلة والتردد للمشايخ وترقب القادم الجديد أجل دخول القبائل إلى صنعاء ،وأستطاع الرئيس صالح إحتواء أولئك المشايخ وتعامل معهم بدهاء بحيث أستطاع تحجيمهم وتسخيرهم للعمل ضمن المنظومة التي جعلته يستمر طويلا في منصبه.

وخلال سنوات حكم الرئيس صالح ظل المشايخ إلى حد كبير جزء من النظام وكانوا بعيدين كثيرا عن الخطاب التثويري والتحريضي ضده،ولم يكن الخطاب السياسي للقبيلة في يوما متشنجاً ويكرس الولاء للقبيلة أياً كانت على حساب الانتماء للوطن وكان الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر وقبيلته حاشد بالمفهوم الكبير هي شريك رئيس في معظم المحطات السياسية في التاريخ اليمني المعاصر، وحتى عندما كانت تصل الامور بينها وبين مؤسسة الحكم لطريق مسدود، لم تكن تتمترس خلف حاشد كجزء مفصول عن المفهوم العام للقبائل اليمنية، ولم تكن مؤتمرات خمر الاول أو الثاني تقتصر على حاشد بل كان الحديث خلالها يتم فيها عن القبيلة اليمنية بشكل عام ، وكان النظام القبلي خلال تلك المحطات مفهوم الولاء القبلي الضيق الى الولاء الوطني كمفهوم أوسع يهدف لابقاء المنظومة السياسية للدولة كإطار جامع.

ولعبت القبيلة بمفهومها السياسي أدواراً في عملية التوازن السياسي بين القوى المختلفة التي كانت تتنافس على سدة الحكم، وإن كانت جهود إستمالتها وترجيها لاحد أطراف اللعبة السياسية وارد في كثير من الحالات.

وإذا كانت القبيلة قد استفادت كثيرا وإن عبر شخصياتها الاعتبارية في تحقيق الكثير من النفوذ السياسي والاقتصادي، إلا أن تلك الفائدة لم تنعكس على مناطقها التي حرص الكثير من مشايخها على استمرار أفرادها بعيدين عن العصر باعتبارهم مقاتلين أو غرامة بالمفهوم القبلي، ووصل الأمر إلى احتساب قوة القبيلة بما تمتلكه من غرامة أو مقاتلين،وبالتالي لم تنعكس جهود التنمية على تلك المناطق ،بسبب حرص المشايخ على بقاء الوضع كما هو عليه، وأدى ذلك إلى تكريس السلطة والنفوذ والثروة في نفس الأسر أو النخب الحاكمة في تلك المجتمعات.

الجيل الاول من المؤسسة القبلية الحاكمة إستطاع أن يصل لاتفاقات تحفظ لكل طرف قوته،عبر الوصول لتسويات سياسية ،وإخلاء كل طرف لمربعات معينة للطرف الآخر، لكن مع مرور الوقت وظهور قيادات الجيل الثاني من تلك الأسر،وعدم قناعتها بأهمية التعايش فيما بينها،و لعدم إدراكها للتسويات الطبيعية لرقعة الحكم التي رضى بها الجيل الأول ، برزت منذ وقت مبكر انقسامات حادة فيما بينها، بل إنها تصورت أن بإمكانها تغيير الموازين التي حكمت جيل الاباء ،وإمالة قوى المجتمع المدني نحوها، وأصبح الصراع يأخذ منحى يقوم على الاقصاء وعدم الاعتراف بالشرعية للطرف الآخر، تمثل هذا جليا في الصراعات الواضحة لتلك القوى، والتي هي الاقدر على التحرك سياسيا وإقتصاديا لامتلاكها المقومات الاقتصادية الكبيرة ، والتي بدأت من خلالها في استقطاب القوى القبلية وخلق معارضة قبلية مفرغة سياسيا، بل وتعتمد على نفس الالية التي أوجدتها مؤسسة الحكم ، عبر فتح الصناديق المالية وضخ أموال كبيرة لاستقطاب الموالين ، والعزف على وتر الاحقية بالحكم ، وفساد منظومة الحكم، ولم يكن البعد القبلي غائبا عن تلك المعركة، فتصريح حسين الاحمر مثلا أن الرئيس صالح لا ينتمي لحاشد فيه الكثير من التعالي على الواقع السياسي، فهل الانتماء لحاشد شرط أساسي ومهم من أجل شرعية الحكم.

كما أن الحديث عن دور حاشد في إسقاط نظام الائمة بعد إختلاف الامام يحيى مع أسرة الاحمر فيه الكثير من المبالغة، ومحاولة الغاء دور القوى السياسية الاخرى ،التي فعلا ساهمت في الثورة اليمنية ودافعت عنها.

الشيخ عبد الله الاحمر كان ينظر إليه كصمام أمان في الكثير من المحطات التاريخية،ولم يصل لمكانته التي هو فيها إلا لرجاحة عقله وتغليبه للمصالح العامة في كثير من الاحيان على مصالحة الخاصة،وخلال فترة بقائه في حاشد كان ضابط إيقاع وكان متحدث بإسمها،واليوم الشيخ صادق هو من تم تنصيبه شيخا لحاشد،لكن ما يدورالآن في حاشد من حشد للقبائل والحديث بإسمها من قبل آخرين ربما فيه إلتفاف على تنصيبه شيخا لها وعدم رضى مبطن بالدور المرسوم له من قبل الشيخ عبد الله( شفاه الله).

قد تلقى تصريحات الشيخ حميد وحسين الأحمر صدى واسع وارتياح من قبل العديد من القوى السياسية في الساحة اليمنية،التي تريد أن يكون أبناء الشيخ كسهم يطلق نحو مؤسسة الحكم،وهو عكس الدور الذي كان الشيخ عبد الله يقوم به فهو كان مظلة يلتقي تحتها معظم التيارات والشخصيات، وفرق كبير بين المظلة والسهم.

ما يقوم به أبناء الشيخ يتجاوز مفهوم النصح والمعارضة ليصل إلى مربعات التحريض والتشكيك بالمشروعية للدولة اليمنية،وغير مبرر أن يكون منع دخول مسلحين بمعية الشيخ حسين إلى صنعاء بشكل يخالف قانون حمل السلاح مدعاة للانتقاص من الآخرين،أو فرصة سانحة للتأليب ضد الحياة المدنية التي يجب أن يلتزم الجميع بها.

والحديث عن النضال له أدواته وأساليبه وقنواته، التي بالتأكيد ليس حشد المقاتلين والمحاربين من أدواتها،لحسين الأحمر مشكلة داخل حزبه،فليناقشها داخل تلك الأطر، او عليه أن يتحلى بالشجاعة ويعلن استقالته من المؤتمر الشعبي العام وينظم لاي حزب معارض،بدل من الاحتماء بالقبيلة ،وسنقف جميعا إلى صفه في نضاله السلمي ، إلى جانب حقوقه التي نص عليها الدستور كمواطن ، لان الدستور لم يقول أن هناك تقسيمات طبقية فيه تحتوى على رعايا ومشايخ .