عن أحوال البلاد والعباد!!
بقلم/ محمد السياغي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الإثنين 15 فبراير-شباط 2010 06:34 ص

"حال البلاد لم يعد يطمئن ولا يبشر بخير فمن سيئ إلى أسوأ وربنا يستر"، هذه هي مقوله رجل الشارع العادي، وهي تلخص حالة التدهور التي يعيشها البلد والتي لم يعيها الفر قاء السياسيين حتى ألان، وليست من تأليف كاتب هذه السطور، أو من سيناريو وإخراج العم "سام" بائع شاي الحليب عند بوابة العمارة، بالعكس فهو يعتبر نفسه بريء من كل ما يجري بحق هذا البلد من "لت وعجن"، وسواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد، برضاء الحاكم أو على خلفية فساد الرعية أو كلاهما معا، ودائما ما يردد بلهجته العامية البسيطة" عصيدكم متنوها"!

 لكن بصراحة أكثر الخوف كل الخوف، لم يعد من أي شيء أكثر مما هو من " العصيدة " نفسها التي يجري عصدها اليوم، وربما من عدم تمكن العصادين أنفسهم من تمتين عصيدتهم وفك شفراتها، بل وتركها لنا عصيدة غير قابلة للتشكيل والثني، على هيئة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت على نحو ما هو حصل ويحصل سواء في شمال الشمال أو جنوب الجنوب من أوضاع كارثية لا تسر عدو ولا ترضي حبيب، معظم ضحاياها الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل دون سواهم !

 أمام ذلك لا بد من أن نعترف ونقر بكل شجاعة، أن حال البلاد والعباد لن يستقيم أو يصلح على الإطلاق ما لم يتم الاعتراف بالكثير من الحقائق الثابتة للعيان والتي لا تقبل المماراة ولا التسويف والمزايدة، مع أن من المؤسف حقا أن تظل حتى ألان في طور الأحلام والأمنيات لا أكثر!

 لا بد أن يقر الجميع بدون استثناء أن الاعتراف بالخطاء هو جزء من الحل والتوصل إلى المعالجات الناجعة للمشكلة، لهذا لا بد من الإقرار بداية أن مشكلة البلد ليست في وقوعه في كماشة المواجهات الدائرة مع المتمردين الحوثيين من جهة، والخطر المتربص بالبلد تحت مسمى ما يعرف بالحراك الجنوبي من جهة أخرى، وما ترتب ويترتب على هذين الخطيرين من تبعات لا حصر لها، بل والإقرار بوقوع البلد أيضا في كماشة التنامي المستمر لتنظيم القاعدة والانفلات الأمني الحاصل، وكماشة الفساد والمفسدين، وانتشار اللصوص وقطاع الطرق والعابثين بالنظام والقانون، وغياب العدل والمساواة وعبثية الخطط والاستراتيجيات والنوايا الحسنة التي تسعى فعلا لتحقيق إصلاحات حقيقية في المنظومة الوطنية، وكل واحد من أولئك يمثل خطر بحد ذاته يهدد بأمن الوطن واستقراره ويحيل أي أمال للنهوض !

 لابد من أن نقر أن حال البلاد والعباد لن يصلح ما لم يقر النظام أنه فشل في إدارة دفة البلاد على نحو يلبي أمال وطموحات وتطلعات الشعب المغلوب على أمره، ويترجم الأهداف التي قامت من أجلها ثورته والتي لا جلها انتفض وقدم التضحيات الجسام ليحقق وحدته! والبدء في تنفيذ إصلاحات حقيقة ملموسة على الأرض، وليس كلام للاستهلاك المحلي والدولي!

 حال البلاد لن يستقيم وثمة من يتعامل بمنطق تقسيم "الكعك" على كثرتها وبكل ما تحمله الكلمة من معنى على طريقة "هذا لي وهذا لابن عمي وهذا بيننا"،كما لم يستقيم حال البلاد وتقارير الرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد مجرد سيف بيد الحاكم تستخدم لا للحساب والعقاب والعزل والتشهير بالفاسدين وما أكثرهم، بل لمكافئة المفسد وتنقية المناصب والمفاضلة فيما بينها ، وتصفية الحسابات متى ما دعت الحاجة إلى ذلك!

 لن يستقيم حال البلد ما لم يتخلى "المشائخ" ويتنازلون قليلا عن كبريائهم المصطنعة والزائفة ويقرون بأن الكبر لله وحدة، ويعملون لما فيه صالح وصلاح البلاد والعباد، ويتخلوا عن دس السم في العسل سرا عبر تحريض من حولهم واستخدامهم والتهديد بهم في تحقيق مصالحهم ومآربهم الضيقة الهادفة إلى زيادة سلطانهم ونفوذهم المزعوم!

 حال البلاد لن يصلح ما لم يقر أطراف معركة "الأشهر السبعة" سواء الحكومة أو المتمردين الحوثيين أن قرار وقف أطلاق النار الذي تم التوصل إليه لن يكون أكثر من مهزلة مكشوفة واستهتار بدماء أبناء اليمن ممن راحوا ضحية مزاجية المتصارعين على كرسي الحكم، وان القرار لن يجفف مربعات الدم أو يكون كفيل بدمل الجروح الغائرة التي تركتها المعارك الحامية في أعماق النفوس، وأن الشعب لن يقبل بعودة عبد الملك الحوثي أو أيا من أبناء جلدته إلى كرسي المسئولية في العاصمة صنعاء تحت أي مسمى، مثله مثل أي مواطن "صالح"، خصوصا بعد أن لطخت يداه بدماء الأبرياء من أبناء الوطن!

 لا بد من الإقرار أن حال البلاد لن يستقيم ما لم يقر"الشيخ" الفضلي عن المزايدة باسم القضية الجنوبية ويخلص للبلاد ويقر أمام أنصاره ممن يستغل حالة الجهل والاحتقان التي يرتهنون لها أنه بضياع وفقدان مصالحة مع النظام، بدأ يقودهم ويقود البلد ونفسه قبل ذلك نحو الهلاك المحتوم على طريقة "أنا ومن بعدي الطوفان"!

 لن يصلح حال البلاد والعباد ما لم تقر الأحزاب الحالية وقادتها أنهم ليسوا سوى موظفي معارضة ومشروع فتنة نائمة بدأت روائحها تلوح في الأفق بما لا يبشر بخير لهذا الوطن أو يبشر بصياغة مستقبلة المنشود، وأن من الصالح العام أن كان ذلك هو المراد فعلا أن يتم استبدالها بمعارضة حقيقة قادرة على المراهنة بالإصلاح وتقويم الاعوجاج وليس الدفع بالبلاد نحو الهاوية والخراب والدمار وزيادة الفساد فساد!

 أخيرا وليس أخرا لن يستقيم حال البلاد والعباد ما لم تدرك مؤسسات المجتمع المدني والقائمين عليها وكل مواطن شريف في هذا البلد أن من واجبه أن يكون عنصر فاعل في هذا المجتمع ومؤثر فيه وأنه ومؤسساته يمثلون رديف فعلي وشريك حقيقي في عملية التنمية والبناء وبديل راهنت عليه وعلى نجاحه في أدارة شئون الكثير من البلدان الغربية والاسكندينافية خير شاهد على ذلك.. ولا يكون مجرد مشروع "فاسد" قليل الحيلة اليوم، قابل للتضخم والتطوير غدا، ومتى ما سنحت له الفرصة التي يتحينها بفارغ الصبر في أن تفتح له طاقة القدر أحدى "القبور" المنتشرة تحت مسمى مؤسسات المجتمع المدني مما لا تعدوا كونها مؤسسات لاستجداء المساعدات الأجنبية وتصفيتها دون أدنى وجه حق سوى استغلال رواج مثل هذا السوق!