أمريكا ... والغراب
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الأربعاء 10 يناير-كانون الثاني 2007 10:33 م

مأرب برس – خاص

من المعروف أن الغراب طائرٌ قبيحٌ ، ودائماً ما يُرمز لكل من يدعي الجمال وقبحه ظاهرٌ للعيان ، كما ارتبط اسم الغراب بالسفه وقبح القول ،

 ومن ذلك قول الشاعر :

إذا نطق الغراب فلا تجبه فخير من إجابته السكوتُ

ومما يمتاز به الغراب أيضاً سوء التدبير وعدم التوخي والحذر من عواقب ما يفعل ،

ومن ذلك قول الشاعر :

إذا كان الغراب دليل قومٍ يمر بهم على جيف الكلاب

كما أن الغراب معروف بلونه الأسود ، وعندما يصدر صوتاً (نعيق) يعدّ ذلك نذير شؤم عند الناس ،

وبما أن الغراب من طبعه أن يلتقط كل لامع من على الأرض فيسرقه ويحتفظ به في عشه البعيد العالي فقد اشتهر الغراب بالسرقة واللصوصية .

وكما نعرف بأن الغراب هو أقدم وأول حانوتي في الوجود ، وهو المدرس الأول لكيفية دفن المخلوقات وبما أنه الحانوتي الأول فقد كانت تسيطر عليه دوما فكرة أنه لابد من استغلال قدرته وميزته التي تميز بها فأصبح يقتل ويقتل ليبقى هو الأول في هذا المضمار فمن حقه البدء بالقتل حسب نفسيته لأنه هو أول من تميز بالدفن
ولما تجمع بهذا الغراب من عقده النفسية وطباعه الخلقية وصفاته ، فصار يسرق ويقتل فهي طريقته لإشباع نفسه ، وبهذا كله أصبح الغراب مكروهاً ، وكل عين وكل نفس تتوق لقتله وتخليص الكون منه .

ومما يحكى : أن غراباً مغروراً أصيب بمرض الصرع ،ولم يمنعه مرضه هذا من الاستطالة والغرور على بقية المخلوقات في الغابة ، فقد كان من شدة غروره أنه يلتقط الحصا من الأرض ويسقطها على رؤوس الحيوانات فتصيبهم بجروحٍ غائرة ، ولم تفلح محاولات الحيوانات في إيقاف هذا الغراب عند حده ، ومما زاد الطين بلة أن الحيوانات بعدما أصيب الغراب بالصرع كانت تزداد عليه شفقة وصبراً ..

لم يتعلم الغراب من دروس الحياة ، فقد كان حريٌّ به أن يستفيد من الدروس القاسية التي لقنها له الصرع ، فغالباً ما كانت تأتيه نوبات الصرع وهو يحلق في السماء مستمتعاً بإيذاء الحيوانات من الجو .

قررت الحيوانات أن تشكو الغراب لملك الغابة (الأسد) لعله يستطيع إيقافه عند حده ،فاستدعى الأسد الغراب ، فجاءه محلقاً في السماء بجناحيه ، فنهاه الأسد وحذره من عواقب استفزازاته للحيوانات ، فما كان من الغراب المغرور إلا أن تحدى الأسد ، وقال له : أتحداك أن تصعد إلي !!

وأخذ يهوي إلى الأرض بسرعة ويلتقط الحصى ثم يقذف بها نحو رأس الأسد ، فأصيب الأسد بجروحٍ بسيطة ، وما هي إلا لحظات حتى فاجأت الغراب نوبة الصرع ، فخر إلى الأرض صريعاً وانكسر منقاره فتحطمت كبرياؤه ، لأنه فقد سلاحه الذي كان يؤذي به الآخرين .

 تذكرني هذه القصة بحال الولايات المتحدة الأمريكية ، فهي إلى حد كبير تشبه في خصائصها الغراب بشكل عام ، وتشبه في عدوانها على الدول الغراب في هذه الأسطورة على وجه الخصوص .

* فأمريكا كالغراب تدعي الجمال في كل شيء وهي ظاهرة القبح والقماءة :

 تدعي أنها راعية السلام وقواتها تحتل دول العالم ، وطائراتها تخترق الأجواء فتضرب من تريد وقتما تريد وأينما تريد ، احتلت فيتنام ، واحتلت أفغانستان ، واحتلت العراق ، وأغارت على أحياء سكنية في ليبيا ، وقصفت مصانع أدوية بالسودان ، وقتلت مواطنين يمنيين على أرض يمنية بصاروخ أمريكي محمول على طائرة أمريكية يقودها طاقم أمريكي ، وكذلك فعلت في باكستان ، وكذلك تفعل في الصومال اليوم .

وتدعي أنها دولة الديمقراطية ، وهي التي تدعم الدكتاتوريات في العالم ، وترفض نتائج الديمقراطية كلما أفرزت خصومها للحكم في أي بلد ، كما حدث في فلسطين .

نصبت أكبر تمثال للحرية في العالم ، وأقامت السجون والمعتقلات في كل بقاع الأرض ، وتعدت على الحريات الشخصية ، وأصبحت دولة استخباراتية أمنية من الطراز الأول ، فماذا تسمي معتقل جوانتنامو ؟ وماذا فعل جنودها بالأسرى في سجن أبو غريب ؟ وما قصة المعتقلات السرية في دول الاتحاد الأوروبي ؟

·  وأمريكا كالغراب في سواد لونه ، فهي سوداء القلب حاقدة ذات شخصية انتقامية : 


_ انتقمت لما أصابها في أحداث سبتمبر من المسلمين جميعاً وأذلتهم وحاصرتهم ، وصادرت حرياتهم ، واحتلت أرضهم ، وسفكت دماءهم في أفغانستان .

-  وعندما قال لها صدام حسين (رحمه الله) : لا ... انتقمت من الشعب العراقي كله فحاصرت ، ثم احتلت ، ثم أعدمت صدام بعدما قتلت أكثر من مليون عراقي .

-  ولم تنس ما أصابها في الصومال عام 1993م ، فجاءت اليوم لتنتقم من الشعب الصومالي بغارات جوية قتلت العشرات .

·  وأمريكا كالغراب سيئة التدبير ، لا تتوخى الحذر ، ولا تحسب عواقب أفعالها ولا تستفيد من دروس الماضي :

-  غامرت باحتلال فيتنام فهزمت هزيمة ساحقة مخزية .

-  وغامرت مرة أخرى باحتلال العراق وهي الآن تتجرع الهزيمة الساحقة .

-  ذهبت إلى الصومال لتحفظ السلام –كما تزعم- ففرت منه فرار الحمار من الأسد .

·  وأمريكا كالغراب اشتهرت باللصوصية والسرقة :

-  من يسرق ثروات المسلمين غير أمريكا ؟

-  ومن يسرق نفط العراق غير أمريكا ؟

-  ومن جمد أموال المسلمين في البنوك الأوروبية والأمريكية بدعوى مكافحة الإرهاب سوى أمريكا؟ -  ومن سرق أموال الفلسطينيين غير أمريكا ؟

·  وإذا كان الغراب هو أول حانوتي في الأرض فأمريكا هي حانوتي هذا العصر :

-  كم قتلت بقنبلتها الذرية في هيروشيما ؟

-  كم قتلت من الأبرياء في فيتنام ؟

-  كم قتلت من الأبرياء في أفغانستان ؟

-  كم قتلت من الأبرياء في العراق ؟

كم قتلت ؟ ولا زالت تدير رحى القتل في كل مكان بيديها وأيدي جلاديها وعملائها في أصقاع الأرض .

وإذا كانت أمريكا تمثل شخصية الغراب في الأسطورة المذكورة فلا يعني أن الأنظمة العربية تمثل الحيوانات الأخرى التي عانت من حماقات الغراب !! لأن في الحيوانات أصناف ترمز إلى رموز لا تنطبق بأي حال من الأحوال على الأنظمة العربية ، لكن يمكن أن تمثل هذه الأنظمة صنفاً واحداً من الحيوانات التي تأذت من الغراب وليس هناك أقل من الجرذان القذرة الدنيئة كرمز ومثالٍ للأنظمة العربية الخانعة الخاضعة الصامتة .

إن الأسد يمكن أن يرمز للشعب المسلم ككل لا يتجزأ ، الذي سوف يصحو في يوم من الأيام ليوقف الصلف الأمريكي والغرور الصليبي والحقد الصهيوني كلاً عند حده .