سمراء الشاطئ بين النوارس والزواحف
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 28 يوماً
الخميس 06 سبتمبر-أيلول 2007 09:26 م

مأرب برس – خاص

الجميع كخلية النحل في الاستعداد والتأهب وشد الرحال ينشدون تلك المدينة البعيدة التي تقبع على شاطئ الوطن تحمل رائحة البحر تكمن داخل قوقعة كأندر لؤلؤة في التاريخ، الجميع يتشوقون لزيارة تلك النادرة برغم إن الوقت صيف والحرارة في اشد توهجها إلا إن كل شئ بات هينا أمام ما يجب أن يقوم به الفريق من عمل إنساني وعظيم لأبناء منطقتهم.

وصلت الباصات وترجل الجميع الباص نساء ورجالا والكل يحمل بداخله قلبا يطرب فرحا فهو سيشارك ضمن فريقه بعمل لا يقل عن الأخر إنسانية لذالك التقيت أعينهم ببعض لتضاهي نور الشمس بريقا ولمعاناً، تقاسموابعدها المقاعد وربطوا أحزمة الأمان معلنين للسائق أن يستهل بهم الرحلة بعد أتفاق على أن تكون نغمات رحلتهم المرافقة لهم في السفر هي أهازيج الشاطئ فأجمعوا على صوت احمد فتحي وعبد الباسط عبسي لتداعب المشاعر وهم يطوون الطريق مخترقين تلك الجبال التي كساها الله خضرة وجمالا لا يباهي لها جمال على وجهة الأرض وهي تتحد مع الصيف الماطر والضباب الداكن لتجعل النفس تعلوا عنان السماء،ودعنا الجبال لنستقبل السهل برائحة البحر وطيور النورس لله درك ياوطن جبال شامخة مكسية بتلك الأشجار الخضراء وسهل جميل تزينه تلك النوارس الرقيقة .

حط الفريق الرحال يزاحمهم حماسهم للنزول من سيارتهم ها قد وصلنا بحمد الله .... وما أن نزلنا من الباصات حتى تدافع الكل.... هذا مكان العمل .... هنا سنضع كل احتياجاتنا هنا سنستقبل أهل الشاطئ .... هنا غرف الفحص ...هنا غرف الرقود ..... رسموا خطة عملهم وهم مبتهجين .

 وتدافع أهل الشاطئ ذو السنحة السمراءوالقلوب البيضاء الفرح يسبق خطواتهم لما أضاف على الجو نسيما عليلا اطفاء شدة حرارة الجو وبداء الفريق بتنفيذ ما خططوا له وأتولأجله . وكان السؤال هيا لنبداء ... ؟ 

 لماذا لا نبداء ......؟بداءت العيون تتبادل نظرات الحيرة والاستعجاب ..تبحث عن من يجيب أو يعلل لنا مانحن فيه، في حين ما كانت تهرول مسرعه ومخترقة تلك الجموع سمراء ذات عيون واسعة متشحة بلثام أضفى عليها رونقا وجمالا فريدا وبصوتها الساحلي أجابة : انه هو ... !

ازدادت حيرتنا وسكن كل من حولنا حتى النسيم توارى خجلا ليتركنا نختنق بسؤال من هو؟؟؟

 أجابت بصوت عميق مصحوب بألم أعمق :

انه المجهول ...... الذي حول المكان إلى بيت أشباح .. لا شئ نستطيع أن نقدمه لكم.. كل شئ ينقصنا... حتى نستطيع أن نتعاون معكم ...من القاعدة حتى الهرم كل شيء مفقود ..!! 

التقت عيوننا بعيينيهاالواسعتين لنستشف ما وراء كل هذا.....!ّ!؟ استرسلت بالكلام بعد إن رمقتنا بنضرة ممزوجة بتحدي ورجاء .... هل ستقفون معنا .... هل ستواصلون ماأتيتم من أجله،أو تستسلموا للمجهول ...... ليخيفكم ويأخذ كم بعيدا عنا ونفقدكم كما فقدنا كل شئ .

 أطلقنا سهام نظراتنا لها لتسبق سؤالنا لها : ومن هو المجهول..؟؟ أيتها السمراء الذي يجعل ماقلت عنه موجود بينكم بهذه السلبية وأين أهل الشاطئ أين الرجال أين صانعي القرار ..؟

نظرة ألينا نضرة ساخرة أتبعتها ببسمة تخلينا جمالها خيالا من وراء لثامها معقبة بقولها : يعانون بلادة قاتله.. .

منا من ظل واقفا،وأخر وضع يده على رأسه وأخر جلس متكاء على حجر أخذنا التفكير مليا بإجابتها التي تحمل بطيها الكثير الكثير من المرارة.. تخلل ذلك الوجوم،ريح تحمل غبار شديده الهدف منها أن تحد من حماسا كان يتأجج في صدورنا، في حين واصلت سمرائنا الحديث بقولها : نعم بلاد قاتلة

فهم لا يشعرون بما يدور حولهم من جوع .. وفقر.. ومرض.. وجهل.. ببساطة الكبير يأكل الصغير.

 رفع رأسه زميلنا الذي لاذا بالحجر ليتكأ عليها مخاطبا إياهاوأمثالك أيتها السمراء أين هم ...؟

هزت رأسها وتمتمت أين هم..! أنهم يجهلون أجندة المجهول التي على أساسها يحاربنا بها أو يخطط لنا من خلالها مستقبلا يقوم به على ظهورنا .

 تناولت بعدها شنطة يدها لتفتحها وتخرج حزمة مفاتيح صاحب ذلك إيماءة منها بان نتبعها لترينا أين سنبيت ليلتنا بعد إن شارف اليوم على المغيب .

تقاسمنا غرفنا المعدة لاستقبالنا وأرخينا أجسادنا على أسرة تلك الغرف التي بدت لنا تحمل في خباياها الكثير من الخفايا التي ستواجهنا في الصباح الباكر وكان السؤال الذي نسمعه لبعضنا دون أن ننطقه من ذلك المجهول الذي يهدد شاطئ الوطن الهادئ ..!.

بعدها تدافع الناس في الصباح الباكر وأطلقنا نظرات الاستعجاب والدهشة لهذا التدافع الكبير في هذا الوقت المبكر والسؤال يفرض نفسه لماذا كل هذا التدافع ؟وما حجم المشكلة ؟ولماذا كل هذه النظرات المعقود ه بالآمال وكأننا أتينا من الفضاء ولسنا من بني وطنهم الغالي

غصنا في يومنا الأول في استقبال الناس وفي سماع شكواهم .. وتشخيص حالتهم .. وواجهنا الكثير من المصاعب التي أكدت وجود ذلك المجهول الخفي الذي لا نعرفه من هو..!!؟ 

كان قرارنا حاسما بأننالا بد أن نتكاتف لمحاربة هذا المجهول.. وعقدنا العزم أن نبحث عن ملائكة الرحمة لنتعاون ونتحد ونواجه هذا المجهول بزواحفه البغيضة، كانت أياما حارة كجوها أخذنا وقتا في مواجهة ذلك المجهول عطل الكثير مما أتينا من اجله، مصريين بان وطنيتنا هي الدافع الوحيد لكل هذه المواجهة، انتابنا خلالها مشاعر متضاربة بين الشعور المهين بالعجز الذي يشلك ويبقيك لساعات مذهول ومحطم أمام إعصار المجهول.. و بين الإصرار على التحدي وتحقيق الهدف . ويظل السؤال الذي يعكر صفونا هنا:

هل يرى الناس هنا مانراه ..؟أم إننا نتوهم الرؤية ..!؟أونتعمق فيها ..!؟ وفي الحالتين نحن الخاسرين ..!لماذا الناس هنا في شاطئ الوطن الجميل أغمضوا أعينهم خوفا من المجهول والبعض الأخر خوفامن أشعة الحقيقة!! .والبعض الأخر وهو الأخطر رغبه منه في نسيان الحقيقة .. والتوهان في حياة الروتين !!

 أما نحن فلم نغمضهما وهذا مايحرق عيوننا الان ويطفئ بريقها الذي شع في بداية رحلتنا ،وعزائنا أن هذا الحريق هي نار تضئ بنارها أفاقهم وتجعل الجميع يرون ينورها ونارها مالا تراه العيون التائهة والتي تنتظرنا كي ندق أبوابها.. ولكن يضل هناك الكثير من يخاف من ذلك المجهول الذي يمنعها ... ويقيدها... ويصفها بصفتين متناقضتين هي الواضح، والمجهول ..الصح، والخطاء وهذامايؤلمنا.. ويخيفنا !!

وتظل هناك كلمة أخيرة منا .. قبل أن نشد الرحال من تلك البلدة على شاطئ الوطن، بأنه نحن لا نطالب منهم أن يعلنوا الحداد وينكسوا أعلامهم حزنا على ماهم عليه، وأيضا لانطالبهم بفعل المستحيل ، ولكن نأمل منهم إعطاءنا فرصة من أجل القضاء على الزواحف التي تعيش تحت وهج الشمس الحارة وتربت وترعرعت لتفتك بكم .

 عزمنا على الرحيل وعيوننا تبحث عن تلك السمراء ذات العيون الواسعة لنجدها تهب الخطى مسرعة ألينا لتطوق كل واحد منا بعقد الفل مهنئة إيانا النصر.. ومجددة الوعد.. بانتظارنا في الصيف المقبل.

 أخذنا مقاعدنا وصور تلك الأطفال والنساء عالقة بأذهاننا وهم يقدمون لك الشكر ولامتنان ملحيين علينا إعطاء الوعد القاطع في القدوم في الصيف المقبل،وماأن قطعنا على نفسنا الوعد ببذل الجهود بأن نكون بينهم في الصيف المقبل حتى تغيير شكل السماء فجاءه وتزاحمت الغيوم لتتحد وجهة أبصارنا جميعا في وجهه واحده هي النظر بعين الرضاء لمباركة السماء لهذا الجمع وبداء المطر ينهمل وتحرك السائق والجميع يلوح بيده وبصوت واحد كان الكل يهتف ..مع المطر يأتي الخير .. والمطر هو أنتم وانتم المطر .. ولا موت مع المطر .. وننتظركم نحن والمطر في الصيف القادم .أغمضنا أعيننا وتذكرنا قصيدة السياب قبل نصف قرن من الزمان وهو يقول في مطلعها :

مطر / مطر / أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ / وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر ؟ / وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟ / بلا انتماء – كالدم المراق كالجياع / كالحب كالأطفال كالموتى هو المطر / مطر / مطر 

حيس 2007