|
مأرب برس - خاص
- ليس من العقل أن يتعمد مسئولاً ما يفترض أنه يمثل سلطة دولة – أن يشعل حرباً بين قبيلة وأخرى معتقداً أنه مع دوي الرصاص يخلق أمناً أو يسكت صوتاً فالحروب يا جماعة توحد القبائل فيصبح صوتها أعلى من ذي قبل أفهموا خبر.
- ليس من المنطق أن تسخر بعض قيادات المعارضة من كل شيء حتى من سفك الدماء فمعارضة تستعدي الجيش وتبكي على الأطلال متفرجة على معاناة الناس أنا لها أن تدعي تمثيل الحقيقة.
- كما أنه ليس من الخلق أن يصطاد بعض القبائل في الماء العكر، فالقوي من ينتزع حقه وجهاً لوجه لا باللجوء إلى تصيد الفرص.
سألني أحد الكتاب العرب من المهتمين بالشأن اليمني سؤال وجيه هو: لماذا في قضية حرب صعدة المعارضة اليمنية دائماً مع جماعة الحوثي؟ رغم أن عمل كهذا يشكل خطراً على الوحدة والذي يفترض أن تكون محل إجماع مضيفاً أنه لا يصح لمعارضة أن تشجع جماعة متمردة تحمل السلاح في وجه النظام فاعتماد المعارضة لمبدأ كهذا يدل على أنها لا تفكر في الوصول إلى السلطة بالطريقة السليمة وهذه مشكلة.
وفي الشق الثاني من السؤال قال: إن ما يثير الدهشة أنه حتى القبائل موقفهم من الحرب غامض إلى حد كبير وأقرب إلى مواقف المعارضة؟ هذا إذا استثنينا موقف حاشد الذي عبر عنه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في رسالته إلى قبائل صعدة.
قبل أن أجيب على السائل توقفت ملياً استمع إليه بإعجاب فقد أذهلني ما يعرفه عن الحالة اليمنية بما فيها من التفاصيل الدقيقة والتي نجهل نحن أبناء البلد كثيراً منها ولا نتوقف عندها كما يجب.
أجبت على السؤال إجابة مباشرة وتلقائية في حدود ما أعلم أو ما يرجح لدي في الموضوع قلت له أن المعارضة عندنا لا تجد متنفساً إلا حينما يكون هناك أزمة وكذلك القبائل، فهم لا يجدون مجالاً أنسب للبحث عن حقوقهم لحل مشاكلهم العالقة لدى المؤسسات الرسمية إلا حينما تكون الحكومة في ورطة. نفس الأمر ينطبق على الدولة فهي تعتقد أنها لا تستطيع إضعاف المعارضة أو إرهابها إلا حينما تكون البلاد أمام تحدي من أي نوع وبالمرة تجعل المواطنين يتعاطفون معها فينسون مع مشاكل الدولة معاناتهم وظروفهم المعيشية المنيلة بستين نيلة ( حسب تعبير الأخوة المصريون).
والحكومة تفكر كذلك بالنسبة للقبائل فهي تعتقد أنه لا مجال لإسكات القبائل وإضعافهم إلا حينما تشغلهم ببعضهم البعض فهي لا تشجع إنهاء الثأرات حقيقة ويعتقد بعض أبناء القبائل أنها تحرض على تخريب حالات الصلح وتفشل جهود الإصلاح بين القبائل لهذا الغرض.
انطلاقاً من هذه الأرضية الرخوة التي نقف عليها جميعاً سلطة ومعارضة وقبائل وهذا التفكير المعكوس الذي يكاد يكون طاغياً على الذهنية اليمنية في العصر الراهن يمكن تفسير الأحداث وفي المقدمة أحداث صعدة أو حرب الحوثيون مع الدولة وموقف الآخرين منها.
على أنه لا يمكن تجاهل الحديث الذي يدور عن أن هذه الحرب حلقة في مشروع متعدد الأهداف والأطراف و لو قدر له أن يتبلور في شكله المتوقع فإنه سيكون تدميري أكثر منه إصلاحي.
ما أردت تناوله هنا هو الحديث عن الحالة أو الظاهرة (الإدارة بالأزمة) وعلاقتها بتفسير الأحداث على الساحة الوطنية، هذه الحالة جديرة بالدراسة والبحث وتحتاج إلى توصيف دقيق يحدد ماهيتها وعوامل ترسيخها في الذهنية المعاصرة وكيفية معالجتها والتخلص منها لنفكر بذهنية سليمة تتناسب مع مصالحنا وحقيقة تواجدنا معاً على هذه الأرض فليس بمقدور قوة من القوى الثلاث الرئيسية في المجتمع (الدولة والمعارضة والقبائل) أن تعيش لوحدها وتزيح الآخرين من الخريطة.
قد يقول قائل أن هذا ترديد لمقولة شهيرة لنائب الرئيس السابق الأخ علي سالم البيض ولكن الحق أن ما أعرفه عن تاريخ البيض أنه أحد العناصر المكونة لهذه الحالة فمع الاعتراف بأن البيض - ما قبل إعلان الانفصال - كان وحدوياً لا شك في وحدويته بشهادة الرئيس نفسه في خطابات عدة قبل حرب الانفصال ويكفيه أنه سجل موقف غير مسبوق في التاريخ اليمني إذ تنازل عن رئاسة دولة ليصبح نائباً وذهب إلى صنعاء طوعاً ومع هذا، فتاريخ الأستاذ يؤكد أنه كان أحد رجال الأزمات، فهو المتمرد على صرامة حزبه منذُ بداية الاستقلال حتى ذهابه إلى مسقط بدءاً بطرد الخبراء البريطانيين وخرق قانون الأسرة ... ألخ.
كما أن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح وحدوياً بنفس القدر وأكثر وهذه ليست مجاملة للرئيس لأنه موجود في السلطة فهو لايقرأ عادةً رسائل من هذا النوع ، ولكن الحديث عن التاريخ يتطلب أمانة المتحدث. ولقد كنت شاهداً في أحد أهم المواقف الذي سبقت إعلان الوحدة إذ شرفني الأخ الرئيس بالمشاركة ضمن الوفد الذي رافقه إلى عدن في محادثات اتفاقية 30 نوفمبر 1989، وشاهدت كم كان هذا الثنائي شجاع وجريء في المغامرة وتقديم التنازلات من أجل الوحدة ، فالبيض تراجع من رئيس إلى نائب والرئيس خاطر بدولة الشمال وكان نسبة كبيرة من معاونيه ومستشاريه يرون أن مستقبله في مهب الريح وأنه يخاطر بما لا يستطيع أن يحافظ عليه في المستقبل.
ورغم هذا الموقف التاريخي لهما إلا أنهما من أهم العناصر المكونة لحالة الإدارة بالأزمة في الذهنية اليمنية.
شخصياً أعتقد أن عقلية الإدارة بالأزمة هي مشكلة المشاكل التي نعاني منها وأعتقد أيضاً أنها وهم يستوطن عقولنا لكنه ليس قدراً مقدوراً علينا أو طبع طبعه الله في أذهاننا لا يمكن التخلص منه.
أنها حالة من التفكير العبثي ووهم أصيبت به كثيراً من العقول وليس من المستحيل أن نتخلى عن تفكير من هذا النوع ونتخلص من وهم كهذا الوهم.
لو كل منا أو لنقل من لديهم هذه الذهنية أو القدرة على خلق الأزمات فكر كيف يتخلص من هذا الوهم سيجد أن الأمر ليس بالعسير كما أنه سيجد أن النتائج رائعة على الصعيد الوطني والإنساني، إنه تفكير قد ينطلق بصاحبه لو كان في موقع الفعل والتأثير إلى قمة التاريخ بقوة الصاروخ كما أن العكس صحيح فاستمرار هذه الحالة سيزيد من الأزمات التي قد تعصف بالجميع – لا سمح الله – إلى قعر النفق المظلم بسرعة الإعصار النفق الذي حذر منه الشيخ الله يشفيه ويمسيه بالخير.
الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر
هذا رجلٌ حكيم زمانه ، وشخصية نادرة لا تتكرر ويجب أن ينصف حياً ، على الرغم من محدودية معرفتنا بالشيخ إلا أننا نذكره دائماً بالخير وعمر مديد يا شيخنا العزيز نقولها الآن قبل أن يصدق فينا قول الشاعر:
"سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ.
ومن يدري من يذهب أولاً إلى دار الحق جمعنا الله في مستقر رحمته".
في الخميس 14 يونيو-حزيران 2007 01:56:38 م