إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن صحيفة فرنسية...جنود الاحتياط ينهارون و 170 ألف جندي إسرائيلي يغرقون .. تفاصيل الإنهيار من الداخل ثمانية مرشحين لجائزة هدف الشهر في الدوري الإنكليزي تكشف عنهم رابطة الدوري وزير الأوقاف يشدد على اللجنة العليا للإشراف على موسم الحج انتقاء أفضل الخدمات لحجاج اليمن في كل المحطات مسؤول سوداني رفيع يكشف حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التهريب 55 ألف تأشيرة متاحة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. السفارة الأمريكية باليمن تمدد الموعد النهائي لتقديم طلبات الهجرة غارات امريكية في الحديدة احزاب تعز تقترح حلا لمواجهة الوضع الاقتصادي المتأزم وتطالب الرئاسة والحكومة بسرعة انقاذ العملة العليمي يبحث مع سفير واشنطن الدعم الإقتصادي المطلوب وموقف اليمن من انتهاكات إسرائيل في فلسطين مسئول كبير في الشرعية يكاشف الجميع حول قضايا وملفات مهمة: سبب التراجع عن قرارات البنك المركزي ومصير التوقيع على خارطة الطريق وخيار الحسم العسكري
يعقد فرع حزب المؤتمر الشعبي العام في أمانة العاصمة اجتماعاته المخصصة لحشد التأييد لعلي عبدالله صالح منذ أكثر من شهر في جو من السرية داخل قاعة أعراس يمنع المدعوون من دخولها بالهواتف النقالة التي تحمل كاميرات. وقال أحد المؤتمريين الأسبوع الماضي: "أصبحت اجتماعاتنا شبيهة بحفلات الأعراس النسائية".
يبدو وضع المؤتمر هذه الأيام مثيرا للرثاء. فالحزب، الذي أسسه صالح عام 1982 كحزب شمولي و"حاكم" في مرحلة السرية حين كان كل نشاط حزبي آخر باستثناء نشاط حركة الأخوان المسلمين حليف صالح الرئيسي في تلك الآونة محظورا، لم يعرف نفسه يوما كحزب حاكم لا في مرحلة السرية ولا التعددية العلنية بعد إعلان وحدة 1990، وها هو- دون أن يتحول إلى حاكم- ينتهي إلى صورة من صور الحزب السري. قال المصدر المؤتمري الذي طلب عدم ذكر إسمه حتى لا يبدو شامتا بحزبه في ظروفه العصيبة هذه: "وأنا أغادر قاعة الإجتماع، قلت في نفسي إن اليوم الذي نتحرك فيه ملثمين ونطلق على بعضنا أسماء حركية قد لا يكون بعيدا".
قد يكون هذا اليوم قريبا بالفعل إذا ما قرر صالح الزج بحزبه وبالبلد عموما في حرب أهلية. بحسب معلومات موثوقة، فقد شهدت العاصمة عمليات توزيع أسلحة واسعة النطاق على أعضاء المؤتمر في الأيام القليلة الماضية. وكانت المناطق المحيطة بساحة التغيير حيث يعتصم مئات الآلاف من المطالبين برحيل صالح وأبنائه من الحكم في مقدمة المناطق التي شهدت عمليات التسليح هذه، كمنطقتي جولة سبأ والزبيري. ويأتي هذا بعد عمليات تسليح مشابهة لأعضاء الحزب استمرت في صنعاء منذ الأسابيع الأولى للثورة.
وأواخر مارس الماضي، وزعت قيادة المحور العسكري في عتق بشبوة أسلحة على أعضاء المؤتمر. وقال عبدالعزيز الجفري، القيادي الشاب في الثورة السلمية في عتق حيث يقام اعتصام منذ شهرين تقريبا، إن عملية التسليح تتم على قوائم بأسماء المؤتمريين وبضمانة أحد قيادات الحزب يتعهد بموجبها باستخدام السلاح في القتال الى جانب نظام صالح.
وكان اجتماع لمؤتمر العاصمة الثلثاء قبل الماضي خصص لحشد تظاهرات تأييدية لصالح في ميدان التحرير أيام الأربعاء والخميس والجمعة كان يراد لها أن تتحول بعد تجمعها الى مسيرات تتجه "بصدور عارية" الى ساحة التغيير "لتأكيد الوفاق" مع المعتصمين المطالبين بسقوط النظام هناك. "أصبح لدينا شباب يخرجون بصدور عارية وقد كتبوا عليها عبارات تطالب رئيسنا بالبقاء إلى آخر الكلام الذي تعرفه"، قال المصدر المؤتمري ضاحكا وأضاف: "قررنا أن نقلدكم في كل شيء. وتريدنا قيادتنا أن نزحف مثلكم الى حيث تعتصمون ونحن حاملين الورد".
وأكد المصدر أن هناك رغبة شديدة لدى القيادة العليا للمؤتمر للدفع بالأمور الى مواجهات دامية بين مؤيدي صالح ومطالبيه بالتنحي وإنها ظهرت مؤخرا كأمنية كبيرة. لكنها لقيت على الدوام رفض المؤتمريين الذين رفضوا أيضا عقد تظاهرات يومي الأربعاء والخميس مكتفين بتظاهرة الجمعة. "قالوا إن على كل طرف أن يقيم مظاهراته في مكانه. وبانروح نصلي في جامع القبة بالتحرير، وإذا كان العدد كبيرا، سنتوجه إلى ميدان السبعين. أتوقع أن يحضروا 500 نفر بس".
ومساء الثلثاء، كان المصدر المؤتمري يتحدث بنوع من الإحباط الممزوج بالتهكم مفسحا لبعض توقعاته للأيام القادمة وسط التفاصيل التي خرج بها من الإجتماع. وقد تحقق بعض ما أورده ولم يتحقق البعض الآخر.
ففي الجمعة قبل الماضية التي حملت إسم الوفاق في ميدان السبعين، ظهر الأخير كمقلد تَـعِـس وصارخ في صورة صدور شابة عارية كتب عليها عبارات تأييدية لصالح فيما كان الشبان يتصرفون ويصدرون أمام الكاميرات حركات مستوحاة من شباب ساحة التغيير حيث أقيمت جمعة الثبات. وسلكت منصة ميدان السبعين نفس مسلك منصة الأخيرة من خلال طريقة ونبرة ترديد شعارات ثورة الشباب السلمية الرئيسية بعد تحويرها الى: الشعب يريد علي عبدالله صالح" و"يا الله... يا الله.. احفظ علي عبدالله".
لكن عدد الحضور لم يكن كما توقعه، إذ كان بالآلاف. لكنه قال لي السبت إنه لم يكن بنفس ما بدا عليه في التلفزيون اليمني، إذ كان في الواقع أقل بكثير مما كان عليه الجمعة قبل الماضية. ومع هذا، "فقد كان العدد مفاجئا بالفعل لنا جميعا نحن المؤتمريين بعد أن خرجنا من آخر إجتماع بتوقعات منخفضة جدا"
مؤتمر العاصمة، الذي يعد أحد أكبر وأقوى فروع الحزب في البلاد، كان يعقد اجتماعاته في مقر الفرع وغالبا في قاعة الاجتماعات الكبرى بمقر معهد الميثاق الواقع على بعد عشرات الأمتار الى الجنوب من ساحة التغيير. لكنه نقل إجتماعاته منذ عدة أسابيع الى قاعة الأعراس التابعة للمدينة السياحية في منطقة الشيراتون جوار السفارة الأميركية شمال شرق العاصمة "بعد أن ضاقت الدنيا علينا"، على حد تعبير المؤتمري الذي أوضح قائلا إن من تبقى من المؤتمريين في دائرة ولاء صالح، ولا سيما القيادات منهم، يعيشون جوا من الرعب المطبق.
وكان اجتماع الثلثاء عبارة عن اجتماع للوجوه العابسة والأرواح المؤتمرية المحبطة بعد القرار الذي خرج به البيت الأبيض في اليوم السابق مطالبا صالح بالتنحي. ووفقا للمصدر، كان هناك ثلاثة وجوه هي الأكثر عبوسا: حافظ معياد، عارف الزوكا وأحمد الكحلاني الذي بدا عبوسه أكثر بروزا لأنه عرف بابتسامة لا تفارق وجهه، على حد وصفه. وقال: "كانوا غير متحمسين أبدا ولا يرغبون حتى في الكلام".
القيادي المؤتمري الذي يطلب منه الجميع الحديث دائما في هذه الاجتماعات هو العابس الثالث، وقد كان الطلب على حديثه أكثر هذه المرة. تحدث قليلا، وبعدما أكد على اتفاق الجميع على الذهاب الى ميدان التحرير يوم الجمعة فقط، أنهى حديثه طالبا فض الاجتماع بقوله: "اسمعوا: كل الناس معاهم ارتباطات".
لكن ما من اجتماع لا يخلو من متحمس. وعلى ما يبدو في هذه الشهادة، كان نائب مؤتمري في البرلمان ينشط في قضايا المجتمع المدني كداعم لحقوق الإنسان- يُـفَـضَّـل التكتم هنا على هويته تقديرا لدوره هذا- هو المتحمس الوحيد. "طلب من المؤتمر عدم تقديم تنازلات"، قال المصدر وأضاف ضاحكا: "لا أدري في أي قمقم كان عايش خلال الشهرين الماضيين. الناس قد عطفوا وهو عاده جاء يطلب عدم تقديم تنازلات".
وكان اللافت في الاجتماع، كما يقول، هو الإختفاء الكامل لكل القيادات الوسطية والقاعدية التي تنحدر جذورها من تعز. فـ"حتى الذين حضروا اجتماع الثلثاء السابق المخصص للتحضير لجمعة الإخاء لم يحضروا بالكامل هذه المرة. يبدو أن تعز طحست كلها من أيدينا ولم يتبق منها سوى البركاني والعليمي وحمود الصوفي".
ولا تقتصر خسائر صالح وحزبه على تعز فحسب، بل تكبداها على مستوى البلد عموما. ويمكن رؤية الخسارة الفادحة وهي تشرخ قوام الولاء الحزبي للرجل من قمة رأس المؤتمر الى أخمص قدميه. ويبدو أن هذا الشرخ المؤتمري الذي عمل صالح على توسيعه أكثر فأكثر لن يلتهم الأخير قدرما يلتهم حزبه.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، ألقى صالح خطابا على من تبقى له في اللجنة الدائمة أمر فيه بفصل من استقالوا من الحزب معتبرا أنهم فعلوا خيرا، لأنهم لم يكونوا أكثر من أعباء. كان يتحدث إلى قرابة 364 من أعضاء أعلى هيئة قيادية في حزبه التي تتألف من 1200 عضو. وقد حاول تحريض البقية المتبقية من حزبه على المنشقين من زملائهم بقوله إنهم ينتمون الى حركة الأخوان فيما بدا محاولة يائسة منه للتقليل من شأن انشقاقهم عبر تجريدهم من "مؤتمريتهم".
لكن الأعباء المؤتمرية التي قررت الترجل عن كاهل صالح وانضمت للثورة الشعبية السلمية المطالبة برحيله عن الحكم كانت من عموم اليمن ومن سائر الخلفيات السياسية والثقافية، وأغلبها من أبرز نجوم المؤتمر وممن عرفوا في الأساس كمؤتمريين وبدرجة من النزاهة قلما توجد داخل الحزب. بل إن الرجل المتخفف قسرا من الأعباء لم يتبق له سوى الأعباء المثقلة بأعبائه هو وغير القادرة على الإنتقال الى الضفة الأخرى، أو أولئك الذين يشعرون بأنهم صنيعته ولن يكون لهم وجود يذكر في غيابه.
فنعمان دويد وحافظ معياد صهراه، ويمثلان مع رشاد العليمي- الذي يتهم بالتورط في لعب دور رجل الملفات القذرة في نظامه- الحيتان الثلاثة الأخيرة التي سبحت زمنا في فساده السياسي والمالي بكل حرية وتواصل السباحة الآن بحكم أن خروجها الى الشاطئ لا يعني سوى ما يعنيه نزوح حوت الى الشاطئ. أما يحيى الراعي وحمود عباد وعارف الزوكا والبركاني فهم غارقون في فساده أيضا، ولكنهم شأن آخرين كثر ممن تبقوا له الآن يشعرون بأن وجودهم مرتبط تماما بوجود رجلهم الأوحد.
وجردت الثورة صالح من أغلب رجاله فعلا، وهذا ما بدا واضحا بشدة مؤخرا. فقد أخذ ينقل من تبقوا له على مواقع حكومية ومحلية كما ينقل لاعب الشطرنج بيادقه على رقعة لعبة أخذت خياراته تنعدم عليها. فعلى سبيل المثال، أرسل حمود عباد الى محافظة الحديدة في مهمة قيادة بلاطجته ضد المعتصمين هناك أواخر الشهر الماضي ثم استدعاه على وجه السرعة لأداء القسم أمامه كوزير للأوقاف مكان الوزير المستقيل حمود الهتار.
وأخلى عباد موقعه في وزارة الشباب والرياضة لصالح عارف الزوكا لأن الأخير سيكون على الأرجح مضحكا في رأس وزارة الأوقاف. وكان الزوكا قد استدعي هو الآخر من عدن حيث كان قد عين لتوه في موقع المحافظ المستقيل عدنان الجفري. ولا يبدو هذان سوى مثالين على الارتباك وشحة الرجال اللذين عصفا بالنظام المتهاوي خلال الشهرين الأخيرين.
ويحاول صالح بشحة الرجال هذه سد الفجوات الهائلة التي اجتاحت نظامه فجأة من كل الجهات عبر تكليف رجاله المتبقين بمهام متعددة يأتي المعلن منها في مواقع حكومية في ذيلها. ويكفي أن نلاحظ أن جميع رجاله هؤلاء دون استثناء لعبوا أدوارا في قيادة أعمال البلطجة التي تقف مع حشد المسيرات التأييدية له في صدارة قائمة مهامهم المتعددة.
ومع هذا، لم يعد لوجود هذا الفريق الى جانب صالح معنى يذكر على الأرجح. فعدا عن ضآلة عدده، هو ضئيل الأثر. فالزوكا مثلا أمضى أسبوعا في عدن حيث تركزت كل جهوده على إخراج مسيرة مؤيدة لرئيسه هناك. "أصبح إخراج مسيرة مؤيدة للرئيس كيفما كانت وبأي ثمن في عدن حلما صعب المنال"، قال المصدر المؤتمري الذي أضاف ضاحكا: "اللي كنا نسميهم أصحاب التمبل ونخرج الواحد منهم لتأييد الرئيس بـ150 ريال فشلنا الآن في إخراج أي واحد منهم بـ10 ألف ريال".
وأمس الجمعة، باءت محاولات من تبقى لصالح من القيادات التعزية في حشد مظاهرة تأييدية له في تعز بالفشل على حد ما تناقلته الأوساط الصحفية. وتقول المعلومات إن المظاهرة التي كان مزمعا عقدها في شارع جمال تحولت الى فضيحة إثر عراك بين محمد رشاد العليمي وقيادي مؤتمري آخر على خلفية خلاف حول الأموال المخصصة كرشوة للمؤيدين.
وصالح، الذي حاول التقليل من شأن المنشقين من قيادات حزبه في إجتماع اللجنة الدائمة، تكبد خسارة فادحة ليس على مستوى قياداته العليا فقط، وإنما، وبشكل أشد فداحة، على مستوى قياداته الوسطية والقاعدية. فاجتماع مؤتمر الأمانة الثلثاء قبل الماضي انعقد في ظل غياب تام لأبرز قياداته: عبدالرحمن الأكوع، جمال الخولاني، النقيب ومطهر تقي.
ويبدو جمال الخولاني، الذي أدار مؤتمر الأمانة طيلة السنوات الـ10 الأخيرة، أبرز المختفين عن الاجتماعات المخصصة لحشد التأييد لصالح والتي بدأت منذ شهر في الأنعقاد بشكل سري في قاعة أعراس المدينة السياحية. وكان المكان الشاغر الخاص بالخولاني في اجتماعات الفرع قد تحول الى علامة استفهام كبيرة في رؤوس مسئولي دوائر العاصمة. لكن معلومات غير مؤكدة ذكرت أن الخولاني شوهد مع اللواء علي محسن الأحمر في الفرقة الأولى مدرع.
وشأن الخولاني، يبدو النقيب وتقي في مقدمة المتغيبين عن اجتماعات الفرع. أما الأكوع فقد حضر أول إجتماع انعقد في قاعة أعراس المدينة السياحية والذي خصص لحشد التظاهرة المؤيدة لصالح في ميدان السبعين التي أقيمت تحت عنوان جمعة التسامح في مقابل تظاهرة ساحة التغيير التي أقيمت تحت إسم جمعة الرحيل.
لا تنظروا الى خسارة صالح التي تكبدها في حزبه على أنها تمثل من أعلنوا انشقاقهم فقط. فهناك أيضا كثيرون اختفوا عن اجتماعات الحزب ويمثلون الآن ما يبدو أنهم منشقين غير معلنين أو كتلة متذبذبة تنتظر. ويشكل وضع المؤتمر في أمانة العاصمة التي تعد معقلا مؤتمريا مهما بل وقلعة الحزب الأخيرة مثالا واضحا على هذا.
"لدينا 19 دائرة في أمانة العاصمة، لكن أين قادتها وشخصياتها؟"، قال المصدر المؤتمري الذي أضاف أن مدراء فروع المديريات مع القيادات الفعلية المكلفة بالعمل التنظيمي وكل أطر العمل الحزبية المهمة اختفوا بالكامل تقريبا ولم يعد أحد يراهم. وفي حين أن هناك من 50- 60 قياديا وشخصية تتولى مفاصل العمل الحزبي في كل مديرية، "لم يتبق لنا منهم سوى من اثنين الى ثلاثة فقط يحضرون هذه الاجتماعات".
وكان عدد الحاضرين في أول اجتماع لمؤتمر الأمانة انعقد في قاعة المدينة السياحية مخزيا، على حد وصف المصدر المؤتمري الذي قال إنه كان إجتماعا لـ"لملمة الصفوف" بعد مذبحة "جمعة الإنذار" أو "جمعة الكرامة" التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 52 شهيدا برصاص قناصة النظام. قال: "في ذلك الاجتماع، شعرنا أن حزبنا انتهى. لكن أخطاء أحزاب المعارضة تكفلت بإعادة بعض الزخم إلينا".
"كان تصريح الناطق باسم المشترك محمد قحطان الذي قال فيه إن المعتصمين سيزحفون الى القصر ويدخلون للرئيس الى غرفته مفيدا جدا"، قال مضيفا: "وأكثر من ذلك، كان تصريح حميد الأحمر الذي استفز أبناء البيضاء حين اعتبر تلك المحافظة مصدرا للبلاطجة والمرتزقة". وتابع: "دعك من الاستفزاز المباشر الذي بدا في تصريحي قحطان والأحمر بشأن انتزاع الرئيس من غرفته وبشأن اعتبار البيضاء مصدرا للبلاطجة، فهذا كله ليس بأهمية أمر آخر".
"نحن كمؤتمريين نشعر في قرارة أنفسنا أن لساحة التغيير شخصيتها المستقلة عن أحزاب المعارضة وأبناء الشيخ الأحمر، ولو زحف المعتصمون الى قصر الرئاسة لن نتدخل على اعتبار أن المسألة بين الشعب والرئيس"، قال وأضاف: "لكن قيادات المعارضة وأبناء الشيخ لا يكفون عن التصريحات التي يبعثون من خلالها رسائل ضمنية بأن قرار الثورة في أيديهم. وهذه هدية من السماء تستفز ما تبقى من أرواحنا غير المتحمسة للدفاع عن الرئيس".
"أصبحت المعادلة معكوسة تماما"، قال موضحا أن الرئيس يرتكب الأخطاء بقرارات مهاجمة المعتصمين ما يمنح ساحات الاعتصامات زخما شعبيا أكبر وانضمام أعداد إضافية من قيادات وأعضاء المؤتمر. وفي المقابل، يرتكب قادة المعارضة أخطاء تلم ما تبقى من الصف المؤتمري المؤيد لصالح وترفد ميدان السبعين بمؤيدين إضافيين. قال ضحكا: "أصبحنا ننتظر بفارغ الصبر خروج أحد قادة المعارضة قبل كل يوم جمعة كي يحشد لنا المزيد من المؤيدين".
غير أن أخطاء صالح أكبر، ولذا تشكل خطرا أكبر يهدد بتبديد من تبقى له من صف المؤيدين داخل حزبه. فبالرغم من أن المؤتمر بدا أخيرا بالنسبة إلى صالح بمثابة القلعة الأخيرة، إلا أنه يبدو مصرا على التعامل مع قلعة الولاء هذه كما في السابق دون أن يشركها في قرارات ما تبقى له من لحظات في الحكم
حين حاول تحريض البقية الباقية من قيادات حزبه في اجتماع اللجنة الدائمة على المنشقين عبر تطرقه لخلفياتهم الإخوانية، لم يقم على الأرجح بأكثر من تذكير المؤتمريين بغصتهم المزمنة. فطوال تاريخه، كان المؤتمر كحزب في آخر طابور إهتمامه واحترامه. وقد تفاقمت الغصة المؤتمرية وسط قيادات شكلت ما بدا نواة لتيار يطالبه بإشراك الحزب في حكمه في السنوات الماضية. وتفجرت هذه الغصة على لسان القيادي ياسر العواضي في مقابلة شهيرة أجرتها معه صحيفة الشارع في أغسطس 2007.
العواضي اعتبر أن المؤتمر، كمؤسسة تنظيمية بهيئاتها وتكويناتها، هو صاحب أغلبية برلمانية ولكنه لا يحكم. فهو لا يشكل الحكومة وهو مقصي من السلطة جملة وتفصيلا. وقال: "الذي يحكم البلاد ويدير السلطة الآن هو حزب غير معلن (...) يقوده الرئيس طبعا مع تحالفات تقليدية قديمة جمعتها الجغرافيا والتاريخ وكونت مصالح حولها". وأوضح أن هذا الحزب غير المعلن، الذي وصفه بـ"حزب الرئيس القديم"، "يضم كثيرا من الشخصيات وقيادات الأحزاب الرئيسية في المعارضة" وأن هذه القيادات المعارضة- التي كان واضحا أنه يقصد بها القيادات الإخوانية- "تشارك في اتخاذ القرار أكثر منا نحن قيادات المؤتمر".
ودعا العواضي يومها المعارضة لمساعدة المؤتمر في تمكينه من استلام السلطة. وإلا "فإن المؤتمر لن يستطيع تسليم السلطة لها في حال فازت في أي انتخابات فرضا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولن نقف معهم حينها إذا لم يقفوا معنا الآن وسنقول لهم حينها: أُكلتوا يوم أكل الثور الأبيض".
ويبدو أن هذه اللحظة بدت مواتية لـ"أكل الثور الأبيض" بالنسبة الى العواضي ومن تبقى في خطه من المطالبين بإشراك الحزب في اتخاذ قرارات الحكم. طبقا لمعلومات غير مؤكدة، فقد طرحت هذه المسألة على صالح في اجتماع اللجنة الدائمة المذكور الذي خرجوا منه منتشين بنصر لطالما فشلوا في تحقيقه أمام الرئيس: التحول الى حزب حاكم بالفعل. لقد انتزعوا التزاما من صالح بعدم اتخاذ أي قرار دون العودة اليهم: من قرارات استخدام القوة ضد المعتصمين السلميين الى قرارات التفاوض مع المعارضة والتنازلات وغيرها من القرارات المهمة.
قد يكون المصدر المؤتمري محقا في حديثه عن أخطاء قادة المعارضة وأبناء الشيخ الأحمر الذين أثروا سلبا على مسار الثورة ببعض تصريحاتهم التي عكست شعورا لديهم بسيطرتهم على الثورة. ويعيد مراقبون ومحللون استمرار بعض القيادات المؤترية في صف صالح كالعواضي الى حساسيات قبلية بينهم وبين رموز قبلية أخرى تقف في صف الثورة كأبناء الشيخ الأحمر. لكن هذا لا يشكل مبررا في الواقع في نظر آخرين يؤكدون أن الجميع، وفي مقدمتهم هذه القيادات المؤتمرية نفسها، يدركون أن هذه الثورة شعبية وليس قرارها في يد أحد.
ويتهاوى هذا المبرر أكثر فأكثر في ظل أمرين متضافرين. الأول أن أغلب قيادات وأعضاء المؤتمر ولاسيما التيار المطالب بحزب مؤسسي ديمقراطي الذين انتقلوا بالكامل تقريبا الى ساحات الثورة حيث شكلوا كتلا سياسية ستلعب دورا في الغد اليمني المرتقب. أما الأمر الثاني فيتمثل في أن صالح حرم ما تبقى له من مؤتمريين من الشعور بأنهم حزب حاكم حتى ولو للحظات في آخر أيامه وأيامهم في الحكم.
فقد نكث على الفور بالتزاماته لهم بعدم قمع المعتصمين وعدم اتخاذ اية قرارات دون الرجوع اليهم. فبعد الاجتماع، قمعت قواته بضراوة المعتصمين في الحديدة وتعز ثم نفذ رجاله محاولة إغتيال فاشلة استهدفت اللواء على محسن وأدت إلى مقتل وجرح عدد من المعتصمين في ساحة التغيير صباح الثلثاء قبل الماضي.
وعصر الثلثاء نفسه، توجه المؤتمريون الى قاعة أعراس المدينة السياحية بين غاضب وغير مكترث. طرح الغاضبون الذين كانوا من قيادات الصفوف المتأخرة على إدارة الاجتماع أسئلة هي الأولى من نوعها في مثل هذه الاجتماعات: "لماذا وقعت أحداث الحديدة وتعز؟ وكيف حدثت؟ وماذا جرى اليوم (الثلثاء قبل الماضي) في شارع الستين أمام الفرقة الأولى مدرع؟ ومن اتخذ القرار في كل هذه الأحداث؟".
لكن أحدا لم يخرج بإجابة على أي من هذه الأسئلة. فقد انتهى الاجتماع على الفور، وغادر المؤتمريون القاعة وهم شاعرين بأن "الرئيس فرك بالمؤتمر مجددا"، على حد تعبير المصدر المؤتمري الذي قال: "شعرت أن هذا كان آخر اجتماعاتنا الكبيرة".
يبدو وضع المؤتمريين، لاسيما الحالمين منهم بتحول حزبهم إلى حزب حقيقي يشارك رئيسه وأبناءه وأصهاره في اتخاذ القرار وليس مجرد حصالة أصوات للرجل وعائلته، مثيرا للشفقة هذه الأيام. فقد شاهدوا حزبهم يتصدع بقوة حتى أوشك على التلاشي في الهواء كقبضة من دخان.
فاجتماعاته لم يعد يحضرها إلا "بقايا البقايا" على حد تعبير المصدر الذي قال إنها حين بدأت في قاعة المدينة السياحية، "كانت عشان نتأكد من جاهزيتنا للعمل الجماهيري، من أجل حشد مؤيدي الرئيس إلى ميدان السبعين". وأضاف: "أما، الآن، فأصبحنا نجتمع عشان نعرف إذا عاد فيه ناس".
ولابد أن شعور المؤتمريين بالمرارة والخذلان تتعاظم حيال رئيسهم صالح. ففي حين خصصوا اجتماعات حزبهم الأخيرة في حشد المؤيدين له في مواجهة شعب كامل، يصر الرجل الذي يبدو أنه مجبول من طين نادر من النكران على حرمانهم من لحظة شعور واحدة بأنهم أعضاء وقادة حزب حقيقي وحاكم وليس مجرد حصالة أصوات.
لكنهم اليوم أمام قرار مصيري: إما أن يستمروا في الوقوف الى جانب صالح الذي يبدو مستعدا للدفع بالبلد إلى أتون حرب أهلية من أجل بقائه وعائلته في حكم لم يعد بيده، أو الانضمام الى شعبهم ومصلحة حزبهم. سيتوجب على من تبقى من قيادات مؤتمرية ما تزال تتمتع بنظرة للمستقبل اتخاذ قرار تاريخي يضغطون عبره على صالح من أجل أن يتنحى. وبذلك، لن يجنبوا أنفسهم وشعبهم مغبة الغرق في مستنقعات الدم فقط، وإنما سيوفرون لحزبهم فرصة عظيمة في النجاة من لحظة خزي تاريخية الى حياة كريمة. فالمؤتمر، الذي لم يحظ في عهد صالح كله على فرصة التحول إلى حزب حقيقي، قد يحظى بهذه الفرصة على الأقل بعد نجاح الثورة.
لقد انتهيت، وسأترك القيادي المؤتمري ياسر العواضي الوحيد تقريبا في تيار المؤتمر المطالب بحزب ديمقراطي مؤسسي الذي ما يزال واقفا الى جانب علي عبدالله صالح يختتم هذا الموضوع بتذكر نفسه وتذكيرنا بما كان عليه وما كان يقوله قبل أربع سنوات: "(إذا لم يسلمنا حزب الرئيس القديم السلطة)، فسنناضل سلميا للوصول إلى حقنا في الحكم. وقد نوسع جبهة التحالف إلى الشارع وربما مع المعارضة.. نحن كمؤتمر.. نحن كحزب".
عن صحيفة الأولى .