دخان ما بعد الحسم.. التمشيط السياسي الأهم
بقلم/ مهنا الحبيل
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 11 يوماً
السبت 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 09:43 م

انزوت المعارك على جبهة جبل دخان وبدأت السياسة السعودية بمهمة تأمين الحسم سياسيا بعد قوة الرد في الجبهة, وللحقيقة نقول إن التصريحات الرئيسية لقيادات الدولة كانت تصب في الاتجاه الصحيح وإن كان الأداء الإعلامي لم يكن بهذا المستوى للمواجهة ببعدها الإعلامي والسياسي والإستراتيجي.

ولقد قلنا سابقا في مقال نشر في مواقع أخرى بعنوان "جبل دخان.. حرب الوكالة لإيران" عن دوافع طهران لتحريك الحرب وانخداع الحركة الحوثية بهذا التورط، بأن موقف المملكة من التأكيد على عدم انجرارها في الصراع الداخلي وفي برنامج ملفات الداخل اليمني المعقد كان مهما للغاية, مع قوة الرسالة التي قرأتها طهران جيدا، وقد تعزز هذا الموقف بإعلان مباشر من قيادة الدولة المتمثلة بالملك عبد الله أن الموقف الجازم لم يتغير فلن تتدخل المملكة في الصراع بين الحوثيين والحكومة ولن تتقدم شبرا واحدا في هذا الاتجاه, وإن كان من الطبيعي أن تشهد الجبهة بعض التنسيق فيما يتعلق بالحدث إضافة إلى علاقة دعم المملكة القديم لليمن كدولة ومؤسسات.

هدف طهران والحوثيين

ولأن هذا الهدف كان مركزيا لطهران وللحوثيين، أي توريط المملكة في هذا الصراع، فقد كثفوا الاتهام عليه رغم اعتراف الحركة سابقا بأن أول عمل عسكري أشعل المواجهة هو اختراق مخطط تجاه مفرزة من حرس الحدود داخل الحدود السعودية قُتل أفرادها وجرحوا وذكر المتمردون أنهم قد استولوا على عتادها, لكن قوة الرد مع دعائنا لكل المدنيين في المنطقة بالسلامة بل وحتى العسكريين كنا نود ألا تشتعل المواجهة بين الجيش السعودي والحركة، إلا أن الحسم كان من مصلحة الاستقرار الإقليمي بعمقه القومي الإسلامي وإخماد شعلة التعبئة الطائفية التي سعت لها طهران وأفشلها الحسم.

وكانت طهران وجيبها الحوثي قد تشجعت من إعلان البيت الأبيض المفاجئ بدون مناسبة تبرر الإعلان أن الحركة الحوثية ليست تنظيما إرهابيا إنما جماعة مطالبة، وقد التقطت طهران المعنى على أنه جزء من قواعد اللعبة الجديدة وأن الهجوم واستفزاز المملكة يكفل حالة تعبئة من حرب الاستنزاف تُضعف الطرف الإقليمي العربي وهو السعودية مما يشكل قدرة طهران على اختراق مركزي جديد، وهو ما اتضح لطهران ولجيبها في شمال اليمن خطأه, وأصبح تورط الحركة الحوثية مضاعفا بعد اعتراف ضمني تاريخي لوزير الخارجية الإيراني كان يمثل فيه -بحسب الطبقة السياسية اليمنية كما جاء في تقرير مدير مكتب الجزيرة في اليمن مراد هاشم- وزير خارجية لليمن وليس لإيران.

ومع أن طهران قد بدأت تصحيح موقفها والاعتراف بنتيجة المواجهة إذا استمر الأمر كما هو في ظهيرة الأربعاء الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حيث أُعلن أنّ متكي سيزور السعودية لتوضيح موقف طهران من المواجهة وكذلك إعلان رئيس البعثة الدينية بالتزام الحجيج عدم إثارة الفوضى في المشاعر أو إذكاء الخلافات في موسم الحج، وهي قضية مهمة يفترض ألا تدفع إلى ميدان الخلاف السياسي مهما بلغت درجات النزاع، لكن تحريض السيد خامنئي الذي أُعلن في وسائل الإعلام الإيرانية ودعوته المباشرة إلى خروج الحجاج إلى المشاعر في أجواء تظاهر وتصعيد طائفي قرنه بأحداث البقيع كان قد وتّر الساحة الإسلامية وأثار المخاوف من أهداف طهران من هذه التعبئة.

المهم أن تُحول المملكة هذه المواقف من التضامن العربي الرسمي الذي تمثّل في إعلان موقف دمشق ودول مجلس التعاون دعم المملكة أعقبه تصريح من رئيس الوزراء القطري يؤكد تضامن قطر ودعمها لقضية المملكة في المواجهة الحدودية، بل وتضامن شعبي حيث انطلق الموقف العربي والذي فرز بين الخلاف السياسي في قضايا قومية وما جرى من محاولة إيرانية خطيرة سعت لإحداث تفجير متشظي في العلائق بين الشعب العربي في الخليج ونسيجه الاجتماعي وترسيخ موطئ توتر جديد يستنزف الحالة العربية الحسّاسة والمنهكة في وحدتها وفي استقلال قضاياها المركزية.

ولكي تُحافظ الدولة على حصد هذه النتيجة من المواجهة التي خاضتها في استقلال كامل عن المحور الدولي الذي سعى لإبقاء جسره ممتدا مع طهران، وهذا هو المطلوب مبدئيا في كل الأحوال، واستطاعت أن تبتعد عن عمق الحدود، فإن تكريس هذه الفكرة وابتعاد المملكة عن أجواء الصراع بين كل الأطراف سواء سياسيا أو عسكريا بالغ الأهمية, ومتلازم مع التأكيد على العلاقة التاريخية بين الشعبين والقطرين والتي تحترم بعمق حساسية الإنسان اليمني وحقه في تقرير مصيره واحترام إدارته الذاتية المستقلة لشؤون الوطن اليمني وقراراته السيادية.

دعم الأسرة المجتمعة

وهذا لا يعني ألا تُساعد الرياض في تعزيز فرص اتحاد الأسرة اليمنية التي بات تمزقها يضني العرب ولكن وفق رؤية موحدة منطلقة من قناعة كل الأطراف بأن هذه المساعدة هي من صميم التضامن والمصلحة القومية الجمعية للوطن العربي ولليمن والمصلحة القومية السعودية, بل وحتى الحوثيين قد يكون لهم موقع في المستقبل لكن مشكلة قيادتهم -وقد شكا يحيى الحوثي بأن المملكة لم تستمع منهم ولم تدخل معهم في حوار- أنهم تركوا طهران تتحدث عنهم وتبنوا مع الأسف الشديد لغة طائفية لا يعرفها اليمن المتحد شافعيا وزيديا في محبة الله ورسوله والمؤمنين لا يفرق بين أبناء الشعب العربي كما تفعل طهران مع عرب من أتباع أهل البيت وعرب يقتلونهم من أهل السنة.

هذا الخطاب الخطير سمم الأجواء وبالتالي عقّد العلاقة, وإلا فالأصل في مدرسة الشيخ بدر الدين الحوثي، وإن نزعت لأقوال متطرفة، تبقى مدرسة يمنية لها حظها وحقها في الشراكة الاجتماعية والسياسية والتربوية في العقد اليمني الجامع, ولسنا نرى في قضية اندفاعهم غير المحسوب وانخراطهم في القتال إلا خطأ واستدراجا لا يقال في مقاتلهم إلا كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه "إخواننا بغوا علينا" بحسب البغي وطرفه, وعليه فإن إمكانية إدراك الحوثيين لمساحة التفهم ستظل قائمة من خلال الوحدة المركزية للدولة اليمنية ووحدة مؤسساتها.

المهم أننا نؤكد أن تَوجّه المملكة المتوقّع الذي نرجو أن يتحقق بعد حسمها الناجح، هو في هذا الاتجاه المركزي للأمن الإقليمي العربي وللشراكة المستقلة مع اليمن الشقيق القريب ودعم اقتصاده بمشاريع استثمارية في أرضه تُدعم من المملكة بمؤسسات إدارية بعيدة عن البيروقراطية الرسمية وبأيدي عاملة يمنية أنهكتها الظروف القاهرة والخلل الإداري العميق لشعب عظيم هو سيدٌ من سادات العرب ورؤوسهم.

عقد اجتماعي سياسي جديد

إنّ من المكابرة أن يرفض البعض قضية ملحة ومركزية لميلاد الجمهورية الثالثة في اليمن حيث الأولى بعد ثورة سبتمبر وأكتوبر والثانية بعد الوحدة، الآن لا بد من قيام الجمهورية الثالثة التي تقتضي عقدا اجتماعيا وسياسيا جديدا لا بد أن يُصاغ وفق مصالحة شاملة لم تعد بين المعارضة بقيادة اللقاء المشترك وحسب وليس بين الحوثيين وصنعاء، بل هي ممتدة تشمل موقف الحراك الجنوبي الذي انطلق من عقاله بعد سنوات من حصاد مر للشمال والجنوب وأرتال من الفساد.

والأسوأ من ذلك أن البعض لا يريد أن يعترف بكل هذه الحصيلة التي أغرت الأجنبي المتربص بأن يدخل بين الأشقاء، وهي مسألة ضرورية لا يوجد خيار آخر مقابل لها إلا تفتيت اليمن لا سمح الله, ولذا فإن أبسط القواعد هي تقدير الخسائر من المصالح, وهي المهمة التي على كل الأطراف أن يتعاملوا معها بجدية وأولهم الأخ الرئيس علي عبد الله صالح والإخوة في المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك والحركة الحوثية، كل منهم عليه أن يتخذ مواقف تُقرّب من إنجاز هذا العقد بعد التهدئة الضرورية وصمت السلاح, ولا تدري كل الأطراف إلى أين تتجه المدافع بعد أن تهدأ مع الشقيق اليمني البعيد، فهل ستستقر في هذه المناطق؟

وأن ضمان الفدرالية المشروعة في الإدارة الإقليمية والثروة لجنوب اليمن هو الحل المشروع مع ضرورة أن يراعي الحراك في الجنوب ضبط هذه الدعوات الانفصالية المستمرة، وأن المشهد الإقليمي قد تغيّر فلا يوجد أحد من مصلحته أن يُقسم اليمن ويعيد الانفصال إلاّ تجار مصالح محدودة أو من يريد أن يستثمر لمستقبل يستشرفه, أمّا الدول فإن الدرس الآني هو الذي يعونه ويدركونه جيدا وهو أن التقسيم يعني أن تسكب الماء على لحيتك فقد حُلقت لحية جارك.

إن تقدير كل الجهات السياسية والقبلية والمدنية لضرورة التوازنات الجديدة والاتفاق على تدوين هذا العقد الاجتماعي السياسي والبدء في المرحلة الانتقالية، سوف يضمن انتقال اليمن إلى بر الأمان بعد هذه العواصف التي تُهدد بتفتيته واستغلال الأجانب لصراعاته لحساباتهم, وبلا شك ستدعم المملكة هذا التوجه وبقبول كل الأطراف وقد كانت مبتعدة عن الشأن السياسي اليمني احتراما لاستقلال الأخوة الأشقاء، إلا أن هذه الرعاية المحمودة ستصب في الاتجاه الصحيح.

وكما قالت الجهات المسؤولة كانت تعليمات الملك التي بُلغت "لن نتدخل شبرا واحدا" وقد أردفت بأن "من يمد يده لنا نمد له أيدينا ونحن لا ندخل بين أحد إلا للسلام" فلعلها لحظة السلام تنطلق الدعوة متحدة من صنعاء لترعى الرياض يمن العروبة باتفاق الأشقاء وبإرادتهم وقرارهم عسى أن يعودَ سعيدا.

*الجزيرة نت