|
مأرب برس - محمد السياغي
من صنعاء: كثيرا ما تستوقف المرء يافطات ولوحات تتصدر مداخل بعض الأماكن والمحال والمقاصد والمزارات العامة، وتشير إلى خصوصيتها النسائية والعائلية على نحو: (خاص بالنساء) أو (خاص بالعائلات)، في حين يبقى السؤال: هل ما تزال مثل هذه الأماكن تحتفظ بخصوصيتها التي فرضتها متغيرات الحياة الجديدة، ومثلت أبرز دواعي ومقتضيات وجودها في مجتمع أكثر ما يتسم بطبيعته المحافظة؟.
* خصوصية نسائية:
في مقدمة مثل هذه الأماكن الخاصة بالنساء أو العائلات، تبرز الأجنحة الخاصة بالنساء والعائلات من الشقق والعقارات، والمطاعم، والأقسام المختلفة الخاصة بجراحة وطب النساء في المستشفيات والعيادات، بالإضافة إلى غيرها من دورات المياه، والحمامات البخارية العامة المنتشرة بكثرة في مدينة صنعاء القديمة، والتي تخصص الكثير منها ما بين (1- 3) أيام في الأسبوع للنساء والباقي للرجال.
يضاف إلى تلك الأماكن، المساحات الخاصة بالصلاة في دور العبادة، ومحال الكوافير والتجميل، والأسواق والمولات والمتنزهات العامة التي تخصص بعض أيامها للنساء والعائلات، والمنشآت السكنية الخاصة بالنساء في الجامعات،وقاعات الأفراح النسائية التي تمارس فيها عادة تناول القات.
وانتشرت خلال السنوات العشر الأخيرة الكثير من هذه الأماكن في مناطق مختلفة من اليمن في مقدمتها المدن الرئيسة، فيما تمثل دواعي الحاجة التي فرضتها متغيرات الحياة الجديدة، وما حملته من أنماط مختلفة - حسب المهتمين- من أبرز عوامل بروز مثل هذه الأماكن، بالإضافة إلى الحاجة التي تفرضها الأعراف الاجتماعية القائمة على التركيبة الثقافية القبلية التقليدية المحافظة، وما ينص عليه قانون العيب الاجتماعي ـ غير المكتوب ـ والساري المفعول على مختلف أنماط الحياة اليومية، والتي تمنع من الاختلاط في الأماكن العامة بين المرأة والرجل، وتلزم المرأة بعدم الكشف عن ملامحها للغريب.
وتبرز أشكال خصوصية مثل هذه الأماكن - حسب واقع الحال - في نوعية مرتادي هذه الأماكن من النساء والعائلات، واقتصار استقبالها عليهن دون غيرهن بما يمكن مثل هذه العائلات من أخذ حريتها، ويحظر دخولها على الرجال، بل إن لم يكن اقتحام البعض لها تعديا على خصوصيتها النسائية، وانتهاكا معيبا في حق الرجل لحرمة المرأة.
وحسب الأعراف والتقاليد الاجتماعية، فإن المرأة اليمنية من أكثر النساء في العالم العربي التزاما بتداولها لأشكال مختلفة من الألبسة المحتشمة كالنقاب واللثام والخمار والبرقع والعباءات بأنواعها، وهذا بقدر ما يمثل واحدا من أبرز الملامح التي تميز المرأة في اليمن، فإنه بالقدر نفسه يجعل من تكشفها في هذه الأماكن أحد أهم محاذير منع الرجال من دخولها.
وتمثل الحشمة والطبيعة الاجتماعية المحافظة، والالتزام بها سواء في الملبس أو المأكل أو غيرها سمة تتقيد بها النساء، وتفرضها عاداته وتقاليده الاجتماعية، فيما يعد التمرد على هذه القيود عيبا في نظر المجتمع.
ورغم درجة الحرص المفترض أن تحاط بها مثل هذه الأماكن بما يحفظ لها سمعتها وسمعة من يرتدنها من قبل القائمين عليها، فأن واقع الحال بقدر ما يكشف حرص البعض على أحاطتها بالكثير من وسائل الحماية والحراسة والأمان، وبما يضمن للنساء حرية الجلوس فيها، بقدر ما يؤكد تعمد البعض الآخر تقديم تسهيلات معينة تفضي لاستغلال البعض لها في ممارسة سلوكيات غير أخلاقية.
ويمثل الاعتماد على العمالة النسائية أحد ابرز الأشكال التي تحفظ الخصوصية النسائية في غالبية هذه الأماكن، وخاصة محال الكوافير والحمامات العامة والبخارية،والمستشفيات وأقسام الولادة والجراحة وقاعات إحياء المناسبات الاجتماعية على اختلافها.
ولعل متغيرات الحياة الجديدة، ومساهمتها في مضاعفة الحاجة إلى وجود مثل هذه الأماكن هو ما حمل ( أم عبد السلام 35 عاما ) إلى مطالبة زوجها بتخصيص يوم في الشهر للراحة والترفية بعيدا من الرتابة والروتين والأعباء المنزلية وضغوطات الحياة ومشاغلها.
تقول (أم عبد السلام) في وصفها لأهمية الحاجة لمثل هذه الأماكن:"نخرج يوما في الشهر لتناول الغداء في احد المطاعم، ومن ثم نذهب بصحبة الأولاد إلى الحديقة، ومثل هذه الأماكن مهمة في تصوري كونها كسرت حاجز العزلة التي كانت مفروضة على العائلة أو المرأة بشكل خاص وهي في الوقت نفسه تحفظ للعائلة وللمرأة خصوصيتها في ظل ثقافة العيب الموجودة".
أما عبير محمد (25 عاما طالبة)، والتي وجدناها إلى جانب صديقتها في أحد الأقسام الخاصة بالعائلات في أحد مطاعم العاصمة، فإن هذه الأماكن أصبحت تمثل البديل المطلوب للمنزل والخروج من حياة الروتين والملل والضغوط والقيود التي تمارس على المرأة، وغيرها من السلوكيات كالمعاكسات التي تفرض عليها البقاء في المنزل طوال الوقت" على حد قولها.
لكن بقدر ما ساهمت هذه الأماكن في كسر حاجز العزلة، بقدر ما تتمنى عبير وأخريات أن تبقى محافظة على خصوصيتها العائلية والنسوية باعتبارها تؤدي الغرض الذي جاءت من اجله، في إشارة إلى أن الكثير منها تحولت إلى أماكن محاطة بالكثير من الشبهة والشك.
ويستغرب أحمد عبد القوي(موظف) من تعمد البعض تشويه مثل هذه الأماكن إلى درجة أصبح معها الكثيرون يدخلونها مكرهين على استحياء خوفا من الوقوع في الشبهة.
ويقول بينما يحيط به أبناؤه وأفراد عائلته: استغرب من تعمد البعض تشويه كل شيء جميل في حياتنا، توفير مثل هذه الأماكن، بالإضافة إلى أنه أتاح للمرء فرصة الخروج وعائلته فإنه يمثل عاملا مساعدا على تشجيع السياحة الداخلية رغم ما يفتقده بعضها من خدمات، حتى أن بعض القائمين عليها يبالغون في أسعار خدماتها على تواضعها لا لشيء إلاّ لخصوصيتها التي كأنها نوع من التسهيل الذي يضاف على التسعيرة، ولولا أن المرء يأتي بصحبة عائلته وأبنائه (الذين تحولوا إلى بطاقة ائتمان) لظل محط شبهة بالنسبة لهم، ولزاد سعر الفاتورة ولا تدري ما هي الحكاية"!.
* ضرب وإهانة:
رغم أشكال الخصوصية العائلية والنسائية الكثيرة لهذه الأماكن، فإن واقع الحال يكشف عن وجود الكثير من الحالات التي يشير تحولها إلى أماكن لممارسة الرذيلة، حيث كشفت تقارير ضبط أكثر من 79 حالة اختلاء غير شرعية بين شباب وشابات من مختلف الأعمار والجنسيات والمستويات الثقافية والعلمية خلال شهرين فقط.
وتم ضبط معظم هذه الحالات المسجلة في أماكن متعددة خاصة بالنساء والعائلات، وأهمها مطاعم ومتنزهات وحدائق عامة حسب الترتيب.
ويصنف الاختلاء ضمن جرائم الفعل الفاضح، مع أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني لم يجرَّم فعل الاختلاء بين رجل وامرأة، كما أن أحكام الشريعة الإسلامية التي يستند إليها القضاء في أحكامه لا تحتوي على أحكام واضحة في مسألة تجريم هذا الفعل، مع وجود اختلاف في المذاهب الإسلامية حول تعريف الاختلاء والمقصود منه وطبيعة تجريمه.
وينحصر إجرام المرأة اليمنية في جرائم الشرف، وخاصة في المدن نتيجة للفقر والتفكك الأسري وضعف القيم الدينية والأخلاقية فيها، ومع انتشار وسائل وأماكن الإغراء المختلفة.
في المقابل فإن الطريف وجود حالات تؤكد تعرض رجال للضرب والإهانة والعقوبات القاسية نتيجة تعديهم على أماكن خاصة بالنساء، ومن أبرز المواقف ذات الصلة ما رواه عبد الله القدسي (مدرس)، حيث يقول:" مرة من المرات دخل شخص على أحد الأسر في مطعم من المطاعم الخاصة بالعائلات، وصادف أن عائل الأسرة كان معها مما اضطر عائل الأسرة إلى ضربه وإهانته أمام الناس، والأنكى من ذلك أن القائمين على المطعم وغيرهم من أرباب الأسر كان لهم نصيب الأسد في توجيه الضربات والصفعات التي تلقاها المذكور جزاء تطفله.
وفي اعتقاد منه أن الزوجين اللذين كانا يتناولان وجبة الغداء معا في مطعم من المطاعم مجرد شابين مراهقين لا أكثر، دفع الفضول أحد المباشرين (العاملين في المطعم) إلى كشف الستار عن الزوجين حديثي العهد بالزواج، فما كان من العريس الذي استفز حميته مثل هذا التصرف الأرعن إلاّ أن باشر العامل بوابل من اللكمات والصفعات"، على حد قول أحد زملاء العامل المضروب.
* كاميرات وبلوتوث وتلفونات:
وكثيرة هي القصص والحكايات المثيرة للريبة والشك والشبهة التي يتداولها الشارع حول ما يتم ممارسته في بعض هذه الأماكن، ما جعلها في نظر الكثيرين أماكن محاطة بالشبهة، ولدرجة دفعت البعض إلى منع أسرته من ارتيادها.
وكان آخرها، الحكايات والأخبار التي أثارت جدلا واسعا في أوساط الشارع حول ظهور وتداول بعض الشباب لصور وأفلام متحركة لجلسات نسائية خاصة في قاعات إحياء المناسبات، ومنها ما قيل إنها التقطت عبر كاميرات خاصة نصبت في هذه القاعات، ومنها ما قيل إنها التقطت عبر تلفونات جوالة خاصة بنساء ممن يرتدن هذه الأماكن.
ومهما اختلف تقدير الحقيقة في هذه الحكايات، فإن تداولها أفضى إلى الخروج بالكثير من الإجراءات أهمها منع دخول التلفونات والكاميرات إلى هذه القاعات، وفرض رقابة عليها فضلا عن حظر البعض لعائلاتهم من ارتيادها كإجراء احترازي من التعرض لمثل هكذا مواقف بالغة الحساسية تمس الشرف.
وقليل فقط هم من لا يوافقون على هذا الاتجاه ممن استطلعنا آراءهم، على عكس الغالبية ممن لم يروا في هذا الاتجاه أي تأثير على الرجال وأيدوه.
يقول عبد الباسط أحمد (مواطن):" إن هذا الاتجاه يحفظ للمرأة وللأماكن خصوصيتها، ويمنع من تطفل البعض عليها"، ويرى أن من أهم مزاياه أنه يجعل المرأة تمارس نشاطها بحرية، ومن دون أي قيود.
ويوافقه الرأي إبراهيم هزاع (مهندس)، على عكس منصور أحمد (مدرس) الذي يتفق مع وجهة نظر إبراهيم في أن توفير مثل هذه الأماكن ساهم في تلبية الكثير من الخدمات والحاجات للنساء والعائلات، وردم فجوة كبيرة عانت منها النساء نتيجة غياب مثل هذه الأماكن، لكنه يرى أن من عيوب هذه الأماكن هو إتاحتها للبعض من الشباب ممارسة الاختلاء والرذيلة في إشارة إلى المطاعم والأقسام الخاصة بالعائلات.
أما محمد عبد الباري(طالب) فلا يرى أي عيوب لهذا الاتجاه، بل ويقول:" إن مثل هذا الاتجاه يتيح للمرأة الحصول على حاجياتها، والاستفادة من الكثير من الخدمات المقدمة بما يحفظ لها نوعا من الخصوصية، ويتفق وطبيعة المجتمع المحافظ".
في الأحد 10 أغسطس-آب 2008 08:48:24 م