اليمن: إغلاق الملف
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 7 سنوات و 3 أشهر و 19 يوماً
السبت 15 يوليو-تموز 2017 10:11 ص
 

أدرك أن حديثي اليوم قد يثير غضباً عند البعض، ولكني مقتنع أنه بعد مرور أكثر من 30 شهرا على استيلاء جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء، وانتهاء باقتحام عدن مروراً بتعز، صار من الضروري البدء في البحث بصوت عال عن سبل للخروج من داخل صندوق مغلق من صيغ لربما كانت مقبولة وواجبة التنفيذ حين تمت كتابتها وإقرارها، ولكن ما ليس مفهوما هو التشبث بها والإصرار على عدم البحث والتحرك ضمن دوائر مختلفة تؤدي إلى نفس الهدف المرجو، وهو إنهاء حالة الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة لنشاطها وتجاوز فرض الأمر الواقع داخل العاصمة صنعاء وخارجها، خصوصا في الشمال الجغرافي، وأستدل على دعوتي بعدم قدرة الحكومة (الشرعية) على إنجاز المهام الأخلاقية والوطنية المناطة بها في المناطق التي صارت تحت سيطرتها، واكتفت عوضا عن ذلك بسيل من التصريحات والوعود والتعيينات غير الضرورية التي تضيف أعباء مالية وإرباكاً إدارياً لها وللتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

 

لابد أن أوضح أن لا أحد من الذين يبذلون جهودا ومساعي يؤيد ما قامت به جماعة أنصار الله (الحوثيين) من انقلاب على ضوابط العمل السياسي ونقل الوطن إلى حالة تصورتها بأنها (ثورية)، ولكنها في ظاهرها وباطنها خروج عن المألوف، ولم يكن مبنياً على إرادة سياسية أو شعبية جامعة، رغم أن الكل يعلم أن الاستيلاء على العاصمة في 21 سبتمبر 2014 قوبل من أغلب القوى السياسية، عدا فصيل واحد، بالترحيب؛ لأنهم ظنوا بسذاجة مفرطة أن الحوثيين سينضمون إلى العمل السياسي المعروف، ولكن العكس حصل، وزاد جشع (الجماعة)، فواصلت مسيرتها الكارثية إلى أقصى جنوب اليمن.

نحن اليوم أمام مشهد مبكٍ ومحزنٍ ومن المؤكد أن المخرج المثالي يمكن إيجازه في قبول (جماعة) الحوثيين الخروج سلميا من العاصمة وتسليم أسلحتها الثقيلة والدخول في حوار يفضي إلى قيام شراكة وطنية، ولكن هذا أمر يمنع تنفيذه عدم استعداد (الجماعة) مناقشة هذا الأمر إلا بعد تحقيق شروطها التي تتركز في تشكيل حكومة تقوم بتسلم السلاح وتأمين العاصمة، وأيضا إنهاء أي دور مستقبلي للرئيس هادي، الذي يتشبث وحكومته (الشرعية) بما صار يعرف بالمرجعيات الثلاث (مخرجات لقاءات فندق الموفينبيك، والمبادرة الخليجية، والقرار 2216 الذي أجاز الحرب الدائرة بهدف إعادته إلى الحكم)، وبين هذين الموقفين تقع الغالبية العظمى من المواطنين أسرى صراع حول حكم بلد من الأطلال وبركان من الأحقاد والكراهية صار المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد إسماعيل ولد الشيخ يؤكد عليها في كل تقاريره الأخيرة.

إنه لمن غير المقبول أن يبقى اليمني البسيط في الداخل والخارج يدفع ضريبة بؤس سياسييه، وأن تظل الرياض وأبو ظبي تتحملان نيابة عنهم هذه الكلفة الإنسانية والأخلاقية والاقتصادية، وتنشغلان عن قضايا مصيرية تلوح مخاطرها في الأفق، وصار واجبا على العاصمتين سرعة إغلاق الملف اليمني والتفرغ لملفات تعصف بالمنطقة والعالم العربي، وأنا على يقين أنهما تدركان السبيل إلى ذلك.

لا جدال أن البعض يعتقد مخطئا أن بالإمكان التعامل مع المرجعيات الثلاث بصيغها القائمة، لكن هذا سيؤدي إلى الاستمرار في هذه الحرب لفترة أطول؛ لأن الأطراف المحلية غير راغبة في التوصل إلى مرحلة تقديم تنازلات يعجز الطرف الآخر عن رفضها، وتتمسك بكل عوامل القوة التي تتمكن منها حاليا، وكان السيد ولد الشيخ قد أشار ضمنا في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن إلى أن الحرب صارت في نظر السياسيين اليمنيين الممسكين بالقرار مصدر منفعة شخصية تدر عليهم ثروات هائلة، لكنه عوضا عن تهديدهم (ولو لفظيا) بعقاب دولي كما حدث مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فقد أحالهم إلى محكمة التاريخ حسب قوله، وهو أمر لا أعتقد أن أيا منهم يكترث له أو يحسب له حسابا أخلاقيا.