العقلية الوحدوية في السياسة الإعلامية 1- 3
بقلم/ أحمد المسيبلي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 11 يوماً
الخميس 25 مارس - آذار 2010 08:10 م
 

قناة عدن-القناة الثانية-قناة22مايو- قناة يمانية- قناة عدن يمانية .. هذه ليست أسماء قنوات تلفزيونية يمنية تبث في الفضاء بل هي خمسة أسماء أطلقت على قناة واحدة تحت مبرر تعميق الوحدة ولا ندري غداً ماذا سيكون أسمها السادس - وأقترح على سماسرة المسابقات في التلفزيون عمل مسابقة بجوائز قيمة لمن يستطيع معرفة الاسم القادم- أما أنا فأخوف ما أخافه أن العقلية الوحدوية الباسلة تتجلى في تعميق الوحدة و تحاول إقناع الرئيس بأن يكون اسمها المناسب هو قناة الصالح (مع احترامي للريئس) .

هذه القناة المنهكة القادمة من عبق التاريخ والتي أتعبتها الأحداث السياسية قبل الوحدة وعاقبتها العقلية الوحدوية بعد الوحدة حتى أصبحت تايهةً منكسرة كفتاة بريئة في مجتمع متخلف لا تدري لمن تنصت هل لأبيها الذي سماها عند إنجابها أم للذين استغلوها تحت مبرر رعايتها وتربيتها أو تنصت لبعلها الذي عاقبها بتغيير اسمها منذ الوهلة الأولى لتشكيكه فيها وإرضاءً لأفراد قبيلته الذين يستغلونه لمصالحهم ومخططاتهم

هذه القناة المظلومة التي تعددت أسماؤها هي أول قناة تلفزيونية في منطقة الجزيرة والخليج وثالث قناة في الوطن العربي- تأسست عام 1964م على يد المستعمر البريطاني الذي أنشأها خدمةً لمصالحة وأطلق عليها أسم(محطة عدن) وظلت تحمل هذا الاسم إلى ما بعد الوحدة المباركة حيث بدأت العقلية الوحدوية خطواتها الأولى لتعميق الوحدة بطمس ماضيها أبتداءً بتغيير أسمها من قناة عدن إلى اسم (القناة الثانية) وهو التغيير الأول

ولا أدري كيف تكون قناة عدن هي القناة الثانية بينما هي الأقدم؟ وهنا قد يقول قائل هذا ليس استنقاصاً- فقط كون العاصمة هي صنعاء لذا سميت صنعاء الأولى وعدن الثانية- أقول له لذا حتى لا يساء الفهم وتقديراً لتاريخ وقدم قناة عدن وكسباً لقلوب الآخرين كان الأولى بالعقلية الوحدوية أن تحترم مشاعر وثقافة وتاريخ ألآخرين وتبقي الاسم كما هو حتى وأن تغير أسم القناة التي تبث من صنعاء وبذلك تحافظ على الوحدة

 

ثم في الأول من يناير 2005م اجتهدت العقلية الوحدوية في صنعاء ورأت أن هذا الاسم لا يعمق الوحدة جيداً فعمدت على تغييره من القناة الثانية إلى اسم (قناة 22مايو) وهو التغيير الثاني وبهذه التسمية العزيزة علينا جميعاً التي ليس لها ذنب ألقت العقلية الوحدوية بمشاعر وثقافة وتاريخ الآخرين عرض الحائط وألغت صرحاً إعلامياً شامخاً أسمه قناة عدن

التغيير الثالث لم يتأخر كثيراً فقد جاء بعد عام واحد من التغيير الثاني ليثبت مدى تخبط العقلية الوحدوية القائمة على الإعلام التي بسببها وصل اليمن إلى ما وصل إليه اليوم حيث عادة إلى تسميتها السابقة (القناة الثانية) بدلاً من 22مايو حتى إن أحد الزملاء مستبشراً وساخراً علق على عودتها إلى ألاسم السابق بقوله: عقبال ما ترجع لعقلها وترجع للاسم الأول-يقصد اسم عدن

بعدها أعلن الرئيس أنه سيتم تحويل القناة الثانية إلى قناة فضائية فاستبشر الناس خيراً وسعدوا بالخبر وكانوا على ثقة أن قناتهم التي ستحول إلى قناة فضائية سيعاد لها حقها وكرامتها وسيطلق عليها أسم قناة عدن تكريماً لمدينتهم الغالية علينا جميعاً

حتى جاء العام 2007م موعد الانطلاق الفضائي وبينما الجميع وخاصةً سكان عدن والجنوب في الداخل والخارج ينتظرون بتلهف وشوق رؤية أسم مدينتهم التاريخية المشهورة في العالم أجمع فإذا بالعقلية الوحدوية الصامدة صمود الجبال تجتهد أكثر من الأول في تعميق الوحدة وتطلق على القناة اسم (قناة يمانية) وهو التغيير الرابع الذي صدم الجميع ولاقى انتقاداً كبيراً من الكثير من الصحفيين والأدباء والمثقفين ومعظم شرائح المجتمع الذين انتقدوا هذه التسمية وطالبوا أن يكون اسم القناة هو عدن الاسم الذي عرفت به للعالم اجمع إلا أن العقلية الوحدوية للأسف الشديد لم تستمع لأحد و رأت أن تحافظ على الوحدة بطمس تاريخ وثقافة وتراث الآخرين متهمة ناقديها هذه المرة بالعنصريين والانفصاليين تحت مبرر تسمية قناة عدن تسميه عنصرية وانفصالية ويجب إلغائها حتى تتعمق الوحدة اليمنية حسب مسئول إعلامي كبير الذي أتهمني بالانفصالية على مرأى ومسمع حين حاولت إقناعه قبل تحويل القناة إلى بث فضائي بأن تكون القناة اسمها قناة عدن

  واسمحوا لي أن أقص عليكم ما قاله أحد المسئولين صاحب أحد العقليات الإعلامية الوحدوية:عندما حاولت أنا وبعض الزملاء إقناعه وإقناع بعض المسئولين داخل وخارج الإعلام بأن يكون اسم القناة هو قناة عدن والذي فاجئنا بعقليته الوحدوية المتحجرة قائلاً لنا: هذه تسمية عنصرية وانفصالية فقلت له: وأين العنصرية والانفصالية في الموضوع ؟فقال لي: أنتم لا تعرفون شي

  فقلت له: ألا ترى الأمارات فيها قناة ابوظبي ودبي والشارقة….الخ؟ فقال لي الفرق كبير هذي اسمها دولة الأمارات العربية المتحدة ووحدتهم فدرالية أما نحن اسمنا الجمهورية اليمنية ووحدتنا مافيش فيها صنعاء وعدن لأننا بلد واحد وإذا سمحنا بهذي التسميات بكرة بنسمح بغيرها ومن أجل تعميق الوحدة علينا إلغاء المسميات الشطريه واستبدالها بمسميات تاريخية أكثر عمومية

فقال له زميلي: لكن اسم عدن تاريخي مثله مثل حمير وسبأ وصنعاء وهو معروف للعالم وأيضاً هي أقدم قناة في المنطقة وهذا يعطيها أهمية خاصة يجب الحفاظ عليها- فقال لنا:الذي فوق افهم مني ومنكم وهم يعرفوا المناسب وغير المناسب فقلت له: ولكن الناس في الجنوب زعلوا من تغيير اسم قناتهم من قبل والآن منتظرين أن يكون الاسم هو قناة عدن تكريماً لمدينتهم الذي رفع فيها علم الوحدة وعلينا احترام مشاعر وثقافة أهل عدن فقال لي متنرفزاً: هنا المشكلة قلت له: وما هي المشكلة ؟قال لي: نحن نريد أن نلغي أي عنصرية لأننا يمن واحد ويجب أن تكون ثقافتنا واحدة والذي يقول هذا له ثقافة وهذا له ثقافة يعتبر انفصالي

فقلت له: بالعكس يا أستاذ إلغاء الثقافات هو الذي يؤدي إلى الانفصال ألا تعلم أن هناك دول كثيرة مثل كندا والسويد وغيرها تحتفل سنوياً بتنوعها الثقافي؟ فقال لي: هاذيك دول متقدمة ونحن دول متخلفة ولازم نحرص وبعدين هذا مش اختصاصك صورتك انفصالي ثم أغلق الموضوع وانصرفنا فقلت لزميلي: إذا هذه العقليات هي المحافظة على الوحدة فوالله إن القادم أدهى من الانفصال

ومؤخراً جاء التغيير الخامس رغماً عنا وليس حباً فينا حيث أطل علينا اسم عدن من لندن صارخاً في وجهنا فاضحاً جانباً من عوراتنا وهو ما كنا نحذر منه وبسببه أتهمنا إننا انفصاليون عندما اقترحنا بأن يكون اسم القناة هو عدن- فإذا برئيس الجمهورية يصدر قراراً تأخر كثيراً وكثيراً جداً تمنيننا أنه أصدره قبل تسعة عشر عاماً - قضى هذا القرار بتحويل قناة يمانية إلى قناة عدن ولكن للأسف يا فخامة الرئيس سبقك بها عكاشة فالاسم يرفرف في الفضاء ولو بثوب مهترئ .

ورغم صدور القرار الرئاسي الخاص باسم إحدى مدننا اليمنية إلا أن العقلية الوحدوية المتسلطة لم تنفذ القرار بتغيير الاسم إلى اسم عدن ليس عصياناً للرئيس القائد لاسمح الله ولكن لأن القوانين الدولية ليست ضمن أملاكها الشخصية , ولكي ترضي غرورها وهمجيتها أسمتها (قناة عدن يمانية) ولما جاءت الحزينة تفرح ما لقت لهاش مطرح

 

أخيراً أقول لذلك المسئول الذي يسمي نفسه إعلامي والذي مازال متربعاً على كرسي الإعلام لقد نعتني بالانفصال لمجرد رأي ومقترح فهاهو رئيس الجمهورية لا يقترح فقط بل يصدر قراراً رئاسياً بما اقترحته سابقاً فيا ترى هل هو انفصالي في نظركم؟

وأقول لفخامة الرئيس إن أخوف ما أخافه هو أن العقلية الوحدوية الشامخة شموخ الجبال تضيع عدن الأرض والإنسان كما أضاعت الاسم من زمان 

 وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

 مذيع موقوف

  mosibly@yemen.net.ye 

  mosibly@gmail.com