لم تشهد العلاقات السعودية الإيرانية أية تحسن منذ قيام الثورة الإيرانية في فبراير 1979، وظلت تتجاذب الاتهامات والتصعيد نتيجة تبني كلاهما لمذهب ديني نقيض للآخر، وزاد فوق ذلك تحمس الرئيس الإيراني الخميني لفكرة تصدير الثورة الإيرانية بعناوينها الشيعية الاثنا عشرية، والاشتغال داخل الأراضي العربية –الخليجية تجديدا- عبر خلايا نائمة لها وظيفة تفكيكية لمجتمعاتها، وقد تحدث عنها بوضوح الدبلوماسي الإيراني المنشق عادل الأسدي، الذي عمل قنصلا في سفارة بلاده بأبوظبي، قبل أن يطلب اللجوء السياسي في السويد في 2011.
وزاد في توتر تلك العلاقة عاملين الأول تمكين أمريكا للنفوذ الإيراني في العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان واليمن، والآخر الحرب الاقتصادية "النفطية" التي أرهقت فيها السعودية الاقتصاد الإيراني.
وما كانت حرب اليمن إلا المحصلة النهائية لمجموع التوترات والتراكمات التي بدأت مطلع الثمانينيات بدعم الخليج للعراق في حربه مع إيران، وقصف الصواريخ الإيرانية للمنطقة الشرقية في 1984 دون رد سعودي، وتدافع الحجيج الإيراني في 1987 والتسبب في وفاة 402 حاج، بينهم 275 إيراني، أعقبها قطع للعلاقات الدبلوماسية لأربع سنوات لاحقة.
مصير الملف اليمني
تصدع العلاقات السعودية الإيرانية بعد قرار الرياض إعدام المتمرد الشيعي نمر النمر في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري وفقا لقوانين بلاده سينعكس سلبا على ملف المفاوضات اليمنية بين الحكومة الشرعية الموالية للسعودية والمتمردين الحوثيين الموالين لإيران، وسيدفع بالقضية اليمنية نحو ساحات القتال بدلا من البحث عن حلول سياسية، تنقذ ما تبقى من الدولة اليمنية.
هذا الانعكاس السلبي برز من خلال تصريحات العميد أحمد عسيري الناطق باسم قوات التحالف، التي أكد فيها انتهاء الهدنة الحربية بين قوات التحالف ومليشيات صالح والحوثيين، في اليوم التالي لإعدام النمر، مبررا ذلك بعدم التزام الطرف الآخر بشروط الهدنة، فيما إعلام المليشيا نعى النمر وانتقد السعودية وحاول أكثر من مرة قصف أراضيها بصواريخ باليستية.
الحوثيون الذين يكسبون على الأرض ماديا ويخسرون عسكريا لديهم عوامل بقاء وقوة كبيرة، ستمكنهم من إرهاق قوات التحالف خلال المرحلة المقبلة، لكن ارتفاع وتيرة خسائرهم في المعدات والمقاتلين سيعجل بنهايتهم الأبدية!
لأنه لا يمكن لأي مفاوضات أن تغلق ملف الجرحات اليمنية أو إيقاف حمام الدم الداخلي، فنحن شعب قبلي مسلح، مهما بدى متسامحا، ومهما راهنا على قيمة التسامح والتصالح الممجدة عنده، إلا أنه لا ينسى جراحاته وثاراته، ولا يوجد من جرح كبرياء اليمنيين كما فعلت الحركة الحوثية.
العلاقة بين صنعاء وطهران
ما بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 لا يمكن الحديث عن التباس في العلاقات اليمنية الإيرانية فقد طربت طهران لذلك الانقلاب وقالت صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بأيدينا، وكانت أول انتصارات ذلك الانقلاب هو الإفراج الفوري عن البحارة الثمانية الإيرانيين الذين ضبطتهم السلطات اليمنية في شواطئ المهرة الشرقية في 23 كانون ثاني/ يناير 2014 ضمن طاقم السفينة "جيهان1" ذات الترسانة العسكرية النوعية والضخمة.
وقبلها في 2009 ضبطت السلطات السفينة "ماهان" محملة بأسلحة خطيرة كانت متجهة للحوثيين، فيما تذرع السفير الإيراني السابق محمود زاده بأنها "سفينة تجارية كانت قادمة من ميناء الشارقة ودخلت الشواطئ اليمنية خوفا من الغرق بسبب العواصف!".
مجاهرة الرئيس عبدربه منصور هادي باتهام إيران في التدخل بالشأن اليمن دفع السفير زاده إلى عقد مؤتمر صحفي في 6 كانون الثاني/ يناير 2013 تحدث فيه بلغة استعلائية مهينة لسيادة اليمن، وسخر من اتهاماتها، وقال إن "اتهامنا بالتجسس سخيف واليمن ليست بلد ذات تقنية أصلا لكي نتجسس عليها، وتصريحات هادي هي اتهامات نتيجة تقارير غربية خاطئة رفعت له"، وتكرر الصوت الاستعلائي تجاه اليمن من خلال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني الذي وصف هادي بـ"الرئيس العاجز عن تحقيق الأمن والاستقرار لبلده".
ولم تتمكن اليمن حينها من قطع علاقتها بإيران بسبب يقينها من الموقف الأمريكي المساند لإيران، بدليل استخفاف الولايات المتحدة باتهامات اليمن لها، وظل البيت الأبيض يطلب من صنعاء "دليلا ماديا مقنعا حول التدخل الإيراني في شؤون اليمن".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أعلنت الرئاسة اليمنية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وسحب سفيرها من طهران، وما بقي هناك هي بعثة دبلوماسية موالية للحوثيين، ومع ذلك لا يزال السفير الإيراني بصنعاء يمارس مهامه تحت سلطة الحوثيين، ويفترض بالحكومة الشرعية أن تطلب منه مغادرة أراضيها.
تجديد اتهامات اليمن لإيران بالتدخل في شؤونها الداخلية يأتي في سياق تأكيد العجز السياسي اليمني، ووقوف الدولة في مربع الحشمة الأخلاقية أمام سفور السياسة الإيرانية تجاه اليمن، حيث تمتلك صنعاء أدلة دامغة تمكنها من مقاضاة وتركيع طهران أمام المحاكم الدولية، لتسببها في زعزعة أمن واستقرار اليمن لأكثر من 12 سنة، وتفكيك وحدة النسيج الاجتماعي، ونشر وتشجيع الفوضى والعنف في كل اليمن، وتقديم الدعم اللامحدود للجماعات المسلحة المناهضة للدولة، وأخيرا اختراق وتسيير جزء من تنظيم القاعدة ضد الدولة اليمنية، وبما يتماشى مع قواعد المصالح الإيرانية.
ضغوط دولية على اليمن
المبعوث الأممي ولد الشيخ ذهب متعجلا إلى باريس وأبوظبي الخميس7 كانون الثاني/ يناير الجاري لحشد ضغط على الرئاسة والحكومة الشرعية وإقناعهم بضرورة عقد جولة المفاوضات القادمة في موعدها المحدد سلفا 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، دون إحراز أي تقدم على الأرض للطرفين، ودون أن تلتزم ميليشيا الطرف الانقلابي بأي نقطة تم الاتفاق عليها في جنيف2، ولم يتم فتح ممرات آمنة لدخول لمساعدات الإنسانية لمحافظة تعز أو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أو على الأقل تمكين الصليب الأحمر من التواصل معهم والاطلاع على ظروفهم وأحوالهم الصحية.
أثناء ذلك كنت أتحدث مع أحد أعضاء الوفد الحكومي المفاوض، عن مصير المفاوضات وإمكانية عقدها بموعدها المحدد، وكانت رؤيته أنهم لن يخضعوا للضغوط الدولية على كثرتها، لأنهم يريدون تحقيق الحد المعقول مما تم الاتفاق عليه في جنيف2، وهذا الحد هو ما سيحفظ للوفد المفاوض ماء وجهه أمام الداخل اليمني الذي ينتظر حلا وضغط على الانقلابين، أقله السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى المناطق المحاصرة.
وكان لولد الشيخ هواجسه وطموحات نجاحه على حساب القضية اليمنية، ويريد قرار يمني بوقف فوري لإطلاق الناري يتزامن مع انطلاق المفاوضات التي يجب أن تبدأ في موعدها المحدد، وهو ما يرفضه الجانب الحكومي حتى الآن.