ظهر هذا المساء متقمصاً دور الرئيس الذي كان، استعار نفس المفردات عن الشعب العظيم والمواطنين والمواطنات وعدن الباسلة وتعز البطلة، بل أنه وصف ما يجري في تعز بأنه مقاومة وقد صدق من حيث أراد أن يكذب ويراوغ.
هو المخلوع علي عبد الله صالح، الذي ظهر هذه المرة متأثراً بوقع المعارك على مشارف صنعاء، متوجساً من سقوط وشيك، إلى حد أنه أطلق أعيرته النارية على الجميع.
ثمة ملاحظات جوهرية على خطاب المخلوع صالح هذا المساء، نوجزها فيما يلي:
- سلك النهج نفسه الذي اعتمده مع كل محنة واجهته سلطته طيلة الفترة الماضية، وهي التحشيد الطائفي والمناطقي، فقد كان في السابق يردد عبارة "أنا زيدي" وهذه المرة تساءل: لماذا تقولون عنا "إننا شيعة"، هو نوع من التعيين الخبيث للجبهة التي يريد أن يستبقيها لمعركته الأخيرة، على الرغم من استدراكه المراوغ بالقول نحن "زيدية سنة" وأفاض في الشرح، على الرغم من أن اليمنيين لا يعنيهم من يكون علي عبد الله صالح فقد كان رئيساً بالهوية المذهبية ذاتها ولم تكن هناك مشكلة.
- كشف عن مجيئ المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ إلى صنعاء ورحب بالمفاوضات ولكنه أرادها مفاوضات بين "اليمن والنظام السعودي"، واليمن الذي يعنيه هنا هو ذلك الذي يتطابق مع تطلعاته وتطلعات حليفه الميلشياوي عبد الملك الحوثي.
رفض المخلوع صالح التفاوض مع من أسماهم "الفارين"، وصادف أن رئيس الجمهورية ونائبه كانا موجودين في العاصمة السياسية المؤقتة عدن لحظة إلقائه هذا الخطاب، وفيما كان المخلوع يلقي خطابه من قبو سري في صنعاء، كان الرئيس هادي ونائبه يناقشان المفاوضات المقبلة، في قصر فاخر على ساحل خليج عدن.
لقد تبرع المخلوع ورفع الكلفة السياسية عن حكومة الرئيس هادي برفضه أن تكون المفاوضات بين السلطة والمتمردين الذي ينتمي إليهم، وسنرى من هو المؤثر في سلطة الأمر الواقع في صنعاء هل هو المخلوع صالح أم عبد الملك الحوثي، علماً بأن وفده عاد إلى صنعاء بينما لا يزال وفد الحوثي في بيروت استعداداً للجولة المقبلة على ما يبدو.
- هاجم المخلوع الدول العربية المشاركة في التحالف العربي، بعبارات غير مسبوقة، وعكست حجم اليأس الذي يسيطر عليه، وكان لافتاً الغزل مع الإمارات، والذي قد يفهم منه أيضاً أنه يحاول إظهار التحالف مفككاً مع العلم أن الجيش الإماراتي لا يزال موجوداً على الأرض اليمنية ويقدم الدعم للقوات الحكومية.
- كان خطابه محبطاً للكثير من المحسوبين على حاضنته الاجتماعية، حيث توعدهم بمزيد من البؤس، بما في ذلك العودة إلى "عصر الحمير" و"الكي بالنار"، وعيش حياة التقشف والجلد والبقاء مشاريع موت على قارعة الطريق.
نسي هذا المراوغ أن أبناء تعز أصبحوا يعتمدون بشكل كبير على الحمير في تهريب الاحتياجات الأساسية إلى عاصمة محافظتهم التي تحاصرها قواته المتمردة، وإنه إذا كان لا بد لليمنيين أن يصمدوا فلن يكون إلا أمام الميلشيا التي وضع كل إمكانيات الدولة بين يديها.
- وجه خطابه المرتبك إلى الجنوبيين واستدعى أحداث 13 يناير، واعتبر أن ما يحدث اليوم هو التضحية باليمنيين من أجل السلطة تماماً كما حدث في يناير، في نبش مفضوح لتناقضات الماضي المدفون.
أظن أن كلمة المخلوع صالح والتي خضعت للمنتج جاءت هذه المرة مخيبة لأنصاره وستترك أثراً سيئاً على معنوياتهم.. مرحباً بالمعركة العسكرية..