رحيل موثق تاريخ مأرب المعاصر
بقلم/ علي العقيلي
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 7 أيام
الجمعة 20 إبريل-نيسان 2018 04:10 م

بدون مقدمات رحل عنا وبشكل مفاجئ وصادم، الصحفي الماربي العملاق "عبدالله القادري" موثق تاريخ مأرب المعاصر، رحل شهيداً بعد ان طالته يد الغدر الحوثية باستهدافها الغاشم والجبان للصحفيين في منطقة قانية بمديرية ماهلية جنوب محافظة مأرب .

برحيله آلم كل من عرفه ومن لم يعرفه، وترك فراغاً كبيراً لا يدرك حجمه سوى من يدرك حجم وقيمة العمل الذي كان يقوم به .

الصحفي عبدالله القادري لم يكن مراسلاً تلفزيوناً ومديراً لقسم في إذاعة محلية فحسب، بل كان صحفياً بحجم وطن وقضية، فلا حدث يفوته، ولا أراه بذلك إلا الموثق الأبرز لتاريخ مأرب المعاصر، ذلك التاريخ الأبرز والأهم في اليمن، والذي لعب دوراً كبيراَ في الحفاظ على ما تبقى من الدولة اليمنية، ومثل حضناً وملاذاً آمناً للشعب اليمني .

قد نجد من يكتب عن الحدث ويحلله وينظره، وهم كُثر، وقد نجد الجميع يقرأ ويسمع عنه، لكن القليل هم من يوثقه وينقله للآخرين، وقد كان الصحفي القادري من أبرز موثقي الحدث في محافظة مأرب والمحافظات المجاورة لها .

مهما كان حجم الحدث على الأرض، بدون توثيق وتغطية إعلامية بحجمه، مثل عدم حدوثه، وقد لا يسمع أحد عنه ولا يحقق أهدافه، وقد كان الصحفي عبدالله القادري مصوراً وإعلامياً وموثقاً بحجم حشود مطارح نخلا والسحيل التي خرجت للدفاع عن الجمهورية واليمن ككل، ولعب دوراً كبيراً في إبراز دورها وأهدافها للداخل والخارج، ليكون هو بذلك حشود ومطارح بحجم الحشود والمطارح .

لم يكن عبدالله القادري الصحفي الوحيد من أبناء مأرب، ولم يكن أكبرهم سناً ولا أقدمهم عمراً في مهنة المتاعب، بل كان أنشطهم وأكرمهم، وقد أثرى وسائل الاعلام المحلية والعربية بالكثير من المواد الاعلامية المصورة لتلك الأحداث المحورية المصيرية الهامة التي كانت تشهدها المحافظة وتحتاج كثيراً إلى التوثيق والتغطية الاعلامية بشكل كبير يرقى بحجمها .

الكثير من الصحفيين يتخذون من مهنة الصحافة وسيلة للحصول على الرزق ويعتبرونها مصدراَ للدخل، كغيرها من المهن والوظائف، لكنهم لا يثمرون ولا توجد لهم أية ثمار يستفيد منها المجتمع وتخدم الوطن وقضاياه، ولا يتركون لهم آثاراً وبصمات على صفحات التاريخ .

لكن الصحفي القادري كان يعتبر مهنة الصحافة رسالة وطنية تفرض على ممتهنها أداءها على أكمل وجه بهدف إيصالها إلى الآخرين بشكل عام بعدة وسائل وتوثيق جميع الأحداث للتاريخ، وليس شرط الحصول على مقابل، ولم يعتبرها يوماً مهنة للحصول على الرزق ومصدراً للدخل, لذا كانت جهوده مثمرة، وترك له بصمات عظيمة بحجم ذلك الفراغ الذي تركه خلفه بغيابه ورحيله عنا، كونه الأنشط الذي يعمل للوطن ومن أجل الحقيقة دون كلل أو ملل، يثمن تضحيات الأبطال ويعطيها حجمها ويوثقها للتاريخ .

يحضرون أحداثاً ويغيبون عن أخرى من يعملون لصالح وسائل إعلام معينة، لكن الصحفي القادري الحاضر دوماً في الكل الاحداث من الجوف إلى مأرب، إلى صنعاء، إلى شبوة إلى البيضاء .

الصحفي الماربي عبدالله القادري حديث عهد بالاعلام، فهو لا يزال في مقتبل العمر، لكنه قدم للمحافظة واليمن ككل من العمل الاعلامي ما يحتاج إلى عقود من الزمن تُقضى في سبيله لإنجازه وتحقيقه .

في يوليو 2014 م، والذي صادف شهر رمضان المبارك، شاهدت على اليوتيوب فيلماً رمضانياً قصيرا أنتجه الاعلامي عبدالله القادري يتضمن رسالة رمضانية مفيدة، كان مبدعاً بكل ما تعنيه الكلمة في التصوير والإخراج وانتقاء موضوع مادة الفيلم وممثليه وأدواره .

مع انطلاق مطارح نخلا والسحيل شمال محافظة مأرب، المناهضة لانقلاب مليشيا الحوثي، سبتمبر 2014م، كان الصحفي عبدالله القادري حاضراً بقوة في تغطية احداثها وكان الوحيد والأبرز آنذاك وظل الأبرز .

هو الوحيد والأبرز الذي كان يغطي أحداث المطارح وينقلها لكافة وسائل الاعلام المحلية ومعظم العربية وبعض الأجنبية، وحقق نجاحاً كبيراً في تغطية ذلك الحدث التاريخي الكبير الأهم والأبرز في اليمن، كما نجح في توثيقه للتاريخ أيضاً .

مطلع مارس 2015 م، اندلعت المواجهات بين قبائل مأرب ومليشيا الحوثي الانقلابية في منطقة قانية بمديرية ماهلية جنوب المحافظة، وكان عبدالله القادري أول اعلامي يصل الجبهة بسيارته ويغطي احداثها ونقل معه عدداً من الصحفيين إليها، وقد تعرضت سيارته لأضرار بعد سقوط مقذوف أطلقته المليشيا عليها وهو بجانبها، ووثقت ذلك الاستهداف كاميرا أحد رفاقه .

أواخر مارس 2015 اجتاحت مليشيا الحوثي الانقلابية مديرية بيحان غرب محافظة شبوة، وبدأت بالزحف نحو مديرية حريب جنوب شرق محافظة مأرب، وهاتفت بالزميل عبدالله القادري وعدداً من الصحفيين لتغطية الأحداث، وكان هو أول من وصل إلى الجبهة في منطقة الساق شمال بيحان .

في ابريل 2015 اندلعت المواجهات بين الجيش والقبائل من جهة والمليشيا الانقلابية من جهة أخرى في مديرية صرواح غرب مأرب، وأيضاً في مجزر شمال المحافظة، وكان القادري الحاضر بقوة وبشكل مستدام في تغطية أحداثها وتوثيق صمود وتضحيات الأبطال للتاريخ بكل شجاعة وبسالة وإخلاص دون كلل أو ملل .

كنت في مركز سبأ الاعلامي مايو وينويو 2015م، وكان رحمه الله يصحو مع أذان الفجر ويصحي الجميع للصلاة، وما ان يفرغ من صلاته حتى يبدأ بجمع أغراضه من كاميرات وكل ما يعلق بها ويحتاجه لتوثيق وتغطية أحداث معركة الدفاع عن الجمهورية، وينطلق مبكراً ولا يعود إلا ظهر أو ليلاً ويبدأ بمنتجة المواد ويرفعها للعديد من وسائل الاعلام المحلية والعربية والأجنبية بكل تفاني وإخلاص، وبجهوده الشخصية المنفردة قدم خدمة كبيرة للمحافظة والجيش والمقاومة واليمن بشكل عام، وكان يقود الجبهة الاعلامية بمفرده دون رعاية أو اهتمام أو تحفيز أو تشجيع أو توجيه، فقد كان هو من يشجع ويحفز نفسه ويدير شئون جبهته الاعلامية ويحدد وجهته .

عندما كانت المواجهات محتدمة في جبهة الجفينة غرب مدينة مأرب، يوليو وأغسطس 2015م، كان هو أبرز من يغطي ويوثق أحداثها، وقد تعرض لإصابة بليغة بترت أعصاب فخذه الأيسر، تم تسفيره على أثرها إلى السعودية لتلقي العلاج، ومنها إلى مصر على حسابه الخاص .

ولكن وقبل ان يتمثل للشفاء سرعان ما عاد لتوثيق تضحيات الأبطال والاستمرار في توثيق تاريخ مأرب المعاصر، وتغطية أحداث الجبهات، وكان حاضراً وبقوة في تغطية معركة تحرير الفاو والمنين والسد والجفينة والبلق والزور والطلعة الحمراء وكوفل وحتى مشارف مدينة صرواح مطلع اكتوبر 2015م .

شمال المحافظة كانت المواجهات مستمرة وكان يزور الأبطال هناك بين الحين والآخر، وغطى معركة تحرير معسكر ماس ومفرق الجوف ديسمبر 2015، وظل مرافقاً للجيش والمقاومة يوثق ويغطي معركة التحرير وصولاً إلى مدينة الحزم مركز محافظة الجوف شمالاً، ومعسكر فرضة نهم بصنعاء غرباً، واستمر كذلك حتى الثاني عشر من فبراير 2016 تعرض لإصابة في ذراعه نقل على اثرها إلى مستشفى هيئة مأرب العام، وقبل ان يتمثل للشفاء عاد إلى نهم وصرواح .

وفي جبل هيلان شمال المحافظة تعرض القادري لإصابة ثالثة، إلى جانب تعرضه للاستهداف، قنصاً بشكل متعمد أو المدفعي المباشر في عدة جبهات .

استمر كذلك ولم يتوانى عن القيام بمعمله على أكمل وجه وبكل تفاني وإخلاص، ورافق اللواء الركن عبدالرب الشدادي قائد المنطقة العسكرية الثالثة، كثيراً ولم يفارقه لحظة واحدة حتى آخر دقائق في حياة الشدادي واستشهاده في آخر معركة يخوضها في اكتوبر 2016، وكان القادري مرافقاً ملازماً يوثق ويغطي تضحيات الأبطال في سبيل استعادة وطن .

استمر في تقديم الكثير والكثير لمأرب والجمهورية والجيش والمقاومة والوطن بشكل عام وبرقته كاميراته يوثق ويغطي ويثري وسائل الاعلام بكل ما تحتاجه الأحداث التاريخية التي مرينا ونمر بها ونعيشها وتستحقه من اهتمام يرقى بحجمها .

وفي نهاية المطاف عاد إلى قانية .. البوابة الجنوبية لمأرب، تلك البوابة التي بدأت مليشيا الحوثي عدوانها على المحافظة من خلالها، الجبهة الأولى التي بدأ المصور الصحفي القادري مشواره في تغطية معركة الدفاع عن مأرب وعن آخر قلاع الجمهورية منها، وفيها تعرض لأول استهداف من قبل المليشيا قبل ثلاثة أعوام، ما ان عادت المواجهات إليها إلا وسرعان ما عاد لتغطية آخر معركة مصيرية، ومنها فيها وفي آخر يوم جمعة في رجب وبتاريخ 13 ابريل 2018م, صعد إلى الله شهيداً .

استهدفت مليشيا الحوثي الانقلابية الصحفي عبدالله القادري ورفاقه الاعلاميين وسلاحهم الوحيد الذي يحملونه كاميرات ومايكات .

هناك في قانية .. البداية والناهية لموثق تاريخ مأرب المعاصر، شهيد الحقيقة، سقط على أرض بلاده شهيداً وروى ترابها بدمه الطاهر .. هوى على الأرض رحمه الله وهوى كل ما بيده من سلاح وعتاد.. سلاح فوهته عدسة من زجاج وذخيرته قرص تخزين الكتروني .

لكن ذلك السلاح السلمي الذي كان يحمله الشهيد القادري لرصد حقيقة ما يحدث ويدور، كان يزعج مليشيا الموت والدمار والتخلف، كونه كان يوثق جرائمها في استهداف المدنيين بالصواريخ والمدفعية وتفجير المنازل وزراعة الألغام، ونشر الحروب والدمار .

كل الديانات السماوية والقوانين الدولية والأسلاف والأعراف العربية تُحَرّم استهداف كل من لا يحمل السلاح، لكن مليشيا الحوثي الاجرامية تجردت من كل مشاعر الانسان وأخلاق الاسلام وأسلاف العرب .

رحل المصور الصحفي عبدالله القادري رحمه الله بعد ان وثق تاريخ مأرب المعاصر، تاركاً للتاريخ ارشيفاً كبيراً يوثق بطولات وتضحيات الأبطال، ويحول دون تزوير التاريخ وتحريفه .

لقد قدم الشهيد الصحفي عبدالله القادري لمأرب وأبنائها والجمهورية والجيش والمقاومة والوطن ككل، ما لم يقدمه أحد سواه في هذه المحافظة وغيرها .

لن يستطيع أحد ان يسد ذلك الفراغ الذي تركه الشهيد القادري، ولن يستطيع أحد ان يقوم بحجم الدور الذي كان يقوم به، فهو الأكثر ثراءً وثمرة وإنتاجاً، وقيمة الصحفي من قيمة المادة التي ينتجها للوطن وليس لجهة معينة، ولا قيمة لمن لا ينتج حتى ولو لجهة معينة .

لم نكن نتوقع ذلك الرحيل المبكر والمفاجئ.. لم نستوعب هول الصدمة ولم نفيق بعد من هولها.. ومهما حل بنا من حزن ووجع، ومهما كتبنا وقلنا عن الشهيد عبدالله القادري، لن نستطيع ان نفيه حقه أبداً.. تغمده الله بواسع الرحمة والمغفرة وأسكنه فسيح جناته في عليين وجميع رفاقه الشهداء، كما نسأله الشفاء العاجل للجرحى .

عظيم الأجر لأهله ولنا ولكل رفاقه ومن يعرفه خاصة ولكل الجيش والمقاومة واليمن عامة، وحسبنا الله ونعم الوكيل

...