بعد انفراط عقدها الثمين ..وتصدع صرح عزتها...وتفكك حبل عصمتها ..أصبحت دويلات تنهش بعضها بحماقة وجهل,وغياب العقل والحكمة وعدم الوعي بمصلحة الشعوب والامة...جحودا أهمية مبدأ الوحدة والتوحد بمكابرة وأنانية وتقديم المصلحة الصغرى الوهمية على مصلحة الكل الكبرى... دويلات ضعيفة هشة لا تملك قرارا ولا تقاوم عدوا ...ولا زال مسلسل التقسيم مستمرا..
تلك هي غاية ينشدها أصحاب مصالح سياسية واقتصادية عالمية في المنطقة , ومع أنها أهدافا استراتيجية غير معلنة رسميا ,إلا أن وسائل إعلامهم المختلفة تطالعنا هنا وهناك ومن حين لآخر بإشارات وتسريبات غير رسمية تنبئنا بطريقة غير مباشرة بما يدور خلف كواليسهم الطامعة بخيرات المنطقة وأهميتها الجغرافية ,والحاقدة على دينها وتاريخها الرائد في قيادة البشرية بجدارة ...
.
لا يختلف عاقلان في كون التكتل والتوحد بحد ذاته يحدث قوة سياسية واقتصادية ومصلحة عظمى ,وخير ورفاه لكل عنصر من عناصره ,قديما وحديثا وفي كل عصر ,فهو مبدأ ثابت ينشده العقلاء ويقدسه الأذكياء,ويسعى اليه علماء السياسة بمجريات الأحداث في الحاضر والمستقبل..
وكما أمر العقل والعلم بمبدأ التكتل والتوحد أيضا كان للدين أشد التأكيد والتحريص عليه...ومطلب شرعي تعبدي لله القائل ...واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ...
حتى بسطاء الناس وشعرائهم توصلوا بعقولهم لأهمية الوحدة والتكاتف لدفع الشر وجلب الخير لأنفسهم ...تأبى العصي اذا اجتمعن تكسرا .....
.
لذا لا تعجب أن ترى دول أوروبا تنال نصيب الأسد من العقل والحكمة والوعي والعلم بالحاضر والمستقبل وبُعد النظر والحرص على مصالح شعوبها , مهما كانت قوتها السياسية والاقتصادية , فالوحدة تزيدها قوة الى قوتها ,في عالم لا يعترف بالضعيف ...
وما فكرة.. مجلس التعاون الخليجي..إلا خطوة أولى في الطريق الصحيح ..تُوجت بنداء الملك عبدالله – رحمه الله- بالانتقال من التعاون الى الاتحاد بين دول المجلس ,وطلبه بانضمام دول عربية اخرى للتكتل والوحدة , وهذا هو عين العقل والحكمة وبعد النظر...
ولم يكن أحرار اليمن وعقلائه وحكمائه في معزل عن ذلك الفكر الرائد والنظر البعيد الذي يسبر غور الأحداث ويستقرئ مهاوي الردى ومخاطر التفكك بين أجزاء الوطن سياسيا واقتصاديا وجغرافيا ...فأملت عليهم ضمائرهم الحية ,ومبادئهم الوطنية ,ومعتقداتهم الدينية ..أن يبذلوا كل ما بوسعهم ويضحوا بالغالي والنفيس ولو بأرواحهم لتحقيق ذلك الحلم الكبير والغاية السامية في توحيد شطري الوطن.
.ولا زالوا وسيبقون على مبادئهم ثابتون ,متمسكون بوحدة الوطن الصغير والكبير , منصاعين لإملاءات العقل ومتطلبات العصر.
لكن ..هناك طائفة ...جانبها العقل وخذلها الادراك لحقائق الأمور وخدعتها شعارات منمقة تحمل في طياتها مآرب لقوى خارجية تضمر الحقد للوطن والدين,وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة .
أوهمت إخواننا في الجنوب أن التوحد هو سبب لكل ما يعانيه الوطن من تردٍ معيشي وفقر وتخلف,غاضة الطرف عن أهمية الوحدة كمبدأ ,وجعلتها في قفص الاتهام بجرائم لم ترتكبها.
فأقول لأحباب الانفصال ...يجب عليكم أن تستيقضوا من سكرة الخديعة التي وقعتم فيها بحسن نية ,ولا تسقطوا الأخطاء والمشاكل على غير أسبابها ......أقول على غير أسبابها ..احفظوها جيدا...فمن الجهل والسفه والحمق أن تعزو شيئا لغير سببه.
ففي حقيقة الأمر ..الوحدة ليست هي سبب مشاكل الجنوب ولا الشمال ...فالتوحد أمر ايجابي في حد ذاته وليس سلبيا.
وينتج عن ذلك ..أن الإنفصال ليس هو المنقذ والمخلص من كل ما حل بالوطن من كوارث وتخلف ,
ولو كان كذلك ,لما هرول الجنوب قادة وشعبا نحو الوحدة للامساك بآخر خيط للنجاة من الغرق في مستنقع الديون الدولية التي كتمت أنفاسه 10 مليار دولار, والفقر والبطالة ,وانقاذ حكومة محتضرة في النزع الأخير ...فكانت الوحدة هي قارب النجاة الذي أسعف جسد الحكومة الاشتراكية الى بر الآمان.
فالانفصال ليس هو الحل لانهاء مشاكلكم ,بل هو هدف لتحقيق مصالح تلك القوى .التي لا يهمها مشاكلكم ولا يهمها رفاهكم ولا تحضركم ,وكيف سيهتمون بذلك وهم يعانون من نفس معاناتكم ....وفاقد الشيء لا يعطيه .
وجدير بكم أن تضعوا أيدكم المخلصة على جروح الوطن الفعلية وأسباب تلك الجروح الحقيقية..لتقدموا لها بإرادتكم الوطنية أدوية جذرية ..وأول تلك الأدوية وأهمها وأكبرها هوعلاج.. التمسك بوحدة الوطن بشطريه, والسعي لوحدة أكبر مع جيرانكم في المنضومة الخليجية .
اربؤوا بأنفسكم أن تكونوا جسورا لتمرير غايات تضركم ولا تنفعكم ,ولن يجديكم الندم بعد العبور......