فاجأت السعودية العالم بالإعلان عن تحالف عسكري إسلامي يضم 35 دولة إسلامية، في وقت أصبحت فيه خارطة العالم العربي هدفا أساسيا على طاولة اللاعبين الكبار والمتفقين على سايكس-بيكو جديد.
التحالف الذي دعت له الضرورة ورتبت له السعودية، لمواجهة تحالف يعتمل منذ عشرات السنين بين الغرب وإيران، وما كانت مباحثات الملف النووي الإيراني إلا لذر الرماد في العيون وامتصاص الغضب الخليجي وتهدئة روعه، وإلا سنسأل عن ماهية الخطوة العلمية التي أقدمت عليها عواصم الغرب لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي؟!!
على العكس من ذلك، مكنتها من التفاوض واللعب على عنصر الوقت، وشراء أجهزة "الطرد المركزي" من السوق السوداء في كل العالم، بل وشراء يورانيوم من تجار هذه السوق، ومنها صفقات كبيرة تمت على أرصفة موانئ دبي، وكانت مخابرات أمريكا على علم مسبق واطلاع بالتفاصيل.
إيران استبعدت من التحالف الإسلامي العسكري، لأنها حددت هدفها مسبقا وهو تفكيك العالم الإسلامي، عبر خلخلة النظم الأمنية في الدول الكبيرة والهامة جغرافيا مثل اليمن وسوريا والعراق وتمد جسور حيلها مع شيعة المناطق الشرقية في السعودية، وتحاول تشييع عدد من قبائل كينيا ونيجيريا، وشيعت الآلاف من الخليجيين في الكويت والإمارات، وشكلت خلايا نائمة في مصر والجزائر.
فهذه دولة حيلة ودسيسة وليست دولة سلام وتعايش.
وأراد التحالف الإسلامي "السني" إيصال رسالة مزدوجة شقها الأول تحذيري لإيران بالتوقف عن اللعب بأوراق مشتعلة مع لاعبين كبار، لا يزالون قادرين على تحريك أكثر من ملف سياسي واقتصادي وعسكري، وشقها الآخر للغرب بأننا أيضا لدينا خططنا وتحالفاتنا حتى وإن بدت تكتيكية في خطواتها الأولى إلى أنها ستتحول بمرور الوقت ونضج الخبرة إلى استراتيجية طويلة الأمد.
إيران التي خسرت مبدأ "حُسن الجوار" مع جيرانها العرب، ذهبت إلى الغرب تقدم نفسها مقاول حروب ضد "السُنة" وحركاتها الجهادية وأحزابها الإسلامية المعتدلة، وأن سلاحها يذهب باتجاه أحادي هو صدور المسلمين السُنة، وليس نحو الغرب ومصالحه في المنطقة العربية.
والرضا الغربي عن إيران عادة ما تعكسه تقارير المنظمات ووسائل الإعلام الغربية التي تعيد كل شر في المنطقة إلى خصمها اللدود السعودية، وتضعها في صدارة كل مشكلة أمنية، من أحداث 11 سبتمبر إلى حرب اليمن، التي وقفت فيها السعودية مع المجتمع الدولي لاستعادة الدولة اليمنية وشرعيتها المتمثلة بالحكومة والرئيس المنتخب من الشعب.
الحرب على الإرهاب هو العنوان الرئيس للتحالف الإسلامي العسكري الناشئ وإعلانه جاء متزامنا مع عودة غير حميدة للدب الروسي إلى المنطقة العربية، متوعدا ومهددا، ومتدخلا بأساطيله وقواته المسلحة الغاضبة، ومع غض طرفي غربي تتصرف موسكو بهيجان من لا يخفي نواياه في إعادة السيطرة والحضور في المنطقة العربية.
صحيح أن التحالف لا يزال ممتلئا بالقصور ولم تكشف كامل أهدافه ونواياه، ورئاسته ومقره وأمانته العامة ونسبة مشاركة الدول فيه، وهل ستشارك جميع الدول الأعضاء بإنشاء معسكرات موحدة أم لا، وحتى وإن اقتصرت مهامه الآن على مكافحة الإرهاب فقط، إلا أنه لا يزال في بداية خطواته ويمكن التطوير والتوسعة في أهداف التحالف لتصل إلى اتفاقية دفاع مشترك، فإلى جانب السعودية هناك دول قوية إما عسكريا واقتصاديا كتركيا وباكستان وماليزيا ومصر والمغرب والإمارات وقطر.
وتشكيل تحالف أشبه بـ"ناتو سُني" مكون من 35 دولة خطوة ستغضب الغرب باعتباره صاحب الوصاية على المنطقة، وسينزعج من أي خطوة من شأنها لملمة شتات الدول السنية، فالغرب يرى مصالحه مع إيران الشيعية التي توجه جهادها وسلاحها نحو قدور المسلمين السنة وليس نحو الغرب ومصالحه.
وتحاول الإدارة السعودية الجديدة إنقاذ بلدها والخليجي العربي عموما في أحرج لحظات التاريخ وأصعبها، فالعالم الغربي كشف عن نواياه مسبقا من خلال خلق "فزاعة داعش" ومهادنة "الحوثيين" والسكوت عن جرائمهم الكبيرة، وجعل "داعش" تقف على شمال الخليج و"الحوثي" عند جنوبه، وكلاهما ممن يحاربون السعودية ويشتبكون معها في نقاط عديدة.. في حين يعيشون حالة وئام كلي مع إيران، ولم يقتربوا مطلقا منها أو من مصالحها.