المناضل حمد بن حسين العراده
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 9 أيام
الإثنين 21 يونيو-حزيران 2010 07:45 م


العقيد / حمد بن حسين العرادة أول ما يلفت نظرك إليه ذلك الوقار والهدوء وسعة الصدر وترحيبه العالي بمن جاء أو حضر . رجل في السبعينيات من عمره تستشف من كلامه معك على ثقافته وسعة إطلاعه ، رجل حنكته الأيام بتجاربها المرة والسعيدة ، جاب عدداً من ا لبلدان نشداناً للحرية والكرامة وهرباً من الظلم والاستبداد ، إلتفيته في منزله المتواضع في منطقة المسيل بمحافظة مأرب وفي حوار طويل خضنا معه في وقفات من حياته ومحطات من أيامه خلاصة تلك الأحداث عبر هذه السطور .

النشأة والتربية

المناضل والأديب الإعلامي المأربي الأصل البدوي النشأة : حمد بن حسين العرادة من مواليد 1933م في منطقة حريب,قام برعى الإبل صغيراً كان شغوفاً بحب الدراسة والتعليم وكانت تنازعه نفسه بين التوفيق بين متطلباته ومتطلبات أسرته من القيام بواجب العمل مع أهله راعياً أو بين رغبة نفسه يقول كنت أسترق سراً للدراسة خوفاً من والدي لأنه كان يلزمني بالرعي وقد حصلت على والدي أحداث غيرت مجرى حياتي حيث حصلت على والدي ( أغرام ) – مبالغ مالية - ولم يستطع دفع الغرم فأدخل السجن لمدة شهر ثم أطلق سراحه ثم أعيد والدي مرة أخرى إلى السجن وكسرت رجل والدي أثناء ما كان يقوم السجان بتقييده من القدمين فكانت ضربة السجان على رجل والدي بعد هذه المعاناة في السجن والقهر خطرت لوالدي للشهيد حسين العرادة فكرة الهروب من السجن ومغادرة اليمن كلياً . وتحولت هذه الفكرة إلى عزيمة وإصرار في تنفيذها فأعد العدة والوسائل للهروب من السجن وبالفعل استطاع الشهيد حسين العرادة الهرب من السجن وظل 9 أشهر خارج السجن متخفياً وهارباً حتى أعطت له الأمان في حينها واستدرج وزج في السجن لمدة سنتين وثمانية أشهر وفي هذه الفترة يقول الوالد حمد بن حسين العرادة لم يزر أبي أحد أبداً إلا واحد فقط لن أنساه وهو أحمد حسين فرج . وفي خلال هذه الفترة كان الصغير الذي لم يصل عمره إلى العاشرة كان يقوم بمسئولية تأمين لقمة العيش لوالده الذي في السجن لأنه كان في حينها مسجون يقوم أهله بالنفقة عليه وكان ينام الصغير عند أبيه في السجن .

الهروب الكبير

وخلال هذه الفترة تعرف الشهيد على عدد من السجناء الذين كان لهم خبرة بالسفر إلى دول عدة وحدثوه عن دولة إسلامية أسمها ( اندونيسيا ) فعزم الشهيد على هذه الفكرة وأخبروه أنه لابد أن ينطلق إلى مدينة اسمها ( مقديشو ) في الصومال وهنا عادت فكرة الهروب من السجن إلى مخيلة الشهيد مرة أخرى فكلف ولده حمد بشراء كميات من القماش وكان الهدف أن تكون حبالاً أثناء عملية الهروب كما خطط أيضاً في وسائل الهرب بعد خروجه من السجن وهي الإبل حيث حدد لها مكان معين وساعة معينة للهروب واتجهوا جنوباً حتى وصولوا إلى المصعبين وخصوصاً عند ( آل لحول ) ومكثوا هنالك ثلاثة أيام وانطلقوا إلى وجهتهم حتى وصلوا إلى ( أديس أبابا ) بالصومال وكانت في حينها تحت الاستعمار البريطاني وهنا فرق الإنجليز بين الابن وأبيه فكان كل واحد منهما في جهة ولكنهما اجتمعا في ( مصوغ ) . وفي هذه الفترة سرق ما كان لديهما من مال وبقيا في السجن فترة حتى أفرج عنهما رئيس الجالية اليمنية وكان من قبيلة عنس ودفع عنهما كفالة مالية ثم انطلقا شمالاً تجاه السودان حتى وصلا منطقة ( كسلا ) وهناك كان في انتظارهم عدداً من رعاة الإبل السودانيين وهددوهم وأخذوا ما لديهم من مال وظلا في السودان لمدة شهرين وكانا يقطعان هذه المسافات مشياً على الأقدام . وكان السودان حينها أيضاً تحت الاستعمار البريطاني وألقي القبض عليهما مرة أخرى وأعيدا إلى مصوغ وسجنا لمدة 25 يوماً ثم أخذوا إلى جزيرة كمران وبقيا فيها أربعة أيام ومن ثم إلى الساحل اليمني في ( اللحية ) ثم انطلقا مشياً على الأقدام ولمدة 49 يوماً حتى وصلا الطائف وتعرفا على شخص يدعى حسين اليوسفي وبعد فترة قابلا الملك عبدالعزيز بن سعود وأعطياه ثلاث من الإبل على سبيل الهدية . وفي انتظرا حتى موسم الحج ثم انطلقا إلى المدينة ومنها توجها إلى ( معان ) بالأردن وظلا في الأردن لمدة شهرين وهناك سمعا عن فلسطين والاستعمار البريطاني واليهود والجهاد وهنا غير المرحوم خطته من التوجه إلى اندونيسيا إلى فلسطين والمشاركة في الجهاد ضد المعتدين دفاعاً عن المسجد الأقصى ومن معان صوبا وجهتهما نحو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يحدوهما حب الجهاد والاستشهاد على أرض فلسطين . فكانت أول مدينة دخلاها هي مدينة ( أريحا ) وخلال هذه الفترة من دخولهم فلسطين زارا معظم المدن الفلسطينية ( نابلس ، الخليل ، بيت لحم ... الخ ) وكان سبب هذه الزيارات والتنقلات في المدن الفلسطينية هو الوضع الأمني المنفلت وانشغال المقاومة في كل مكان ولكنهما لم يستطيعا العثور على موطن قدم في ظل هذا الوضع المتأزم المتفجر في آن واحد عندها قررا التراجع إلى سوريا لإعادة الحسابات فانطلقا إلى دمشق ثم توجها شمالاً واستقرا في منطقة ( القامشلي ) .

علاقتهما بالشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين

وعمل والده خلال هذه الفترة في بيع الجمال وخلال هذه الفترة تعرفا على الشيخ / أمين الحسيني المجاهد المناضل الفلسطيني وكانا يحضران دروسه ومحاضراته التي غرست في نفسيهما حب الشهادة .

وخلال هذه الفترة تعرف حسين العرادة وولده على عدد من العشائر القبلية في سوريا والتي شكلت هذه القبائل منطلقاً لجماعات عشائرية للجهاد وكانت تنطلق للجهاد على شكل غارات على اليهود والانجليز من وقت لآخر وفي هذه الفترة توطدت علاقات حسين العرادة بهذه القبائل التي تنتمي لقبيلة ( شمّر ) وتزوج منها وانضم حسين العرادة إلى أفراد القبيلة التي كانوا يشنون هذه الغارات على المواقع اليهودية والبريطانية وكانت هذه الغارات وهذه الكمائن ربما تستمر أيام وأسابيع ثم يعودوا ويعاودوا الكرة تلو الكرة .

وكانت هذه العمليات منظمة حسب إفادة الوالد حمد بن حسين العرادة حيث قال " إنهم كانوا يقسموا ( خلايا ) ولقد بلغ عدد الغارات التي شنها حسين العرادة مع إخوانه من ا لمجاهدين 6 غارات في كل غارة كانوا يوقعون عدداً من القتلى والجرحى في صفوف العدو . حتى كانت الغارة السادسة والتي ضمت اثنين من إخوان زوجته وعمه واثنين آخران وفي هذه الغارة استشهد المجاهد حسين العرادة شهيداً على أرض فلسطين وعند العودة لم يخبر هؤلاء المجاهدين ابن الشهيد بوفاة والده مراعاة لمشاعره وظلوا متكتمين بالخبر قرابة عشرين يوماً حتى علم المجاهد الصغير بوفاة والده من إحدى عجائز العشيرة يقول المناضل / حمد بن حسين العرادة : كنت أحاول في كل مرة أن أشاركهم هذه الغارات لكنهم كانوا بحجة صغر سني وعدم إلمامي بفنون القتال والغارات لكنه بعد علمه بوفاة والده انطلق إلى أرض فلسطين بحثاً عن الشهادة وبحثاً عن أبيه الذي خالطه شك في استشهاده .

عمليات استشهادية ضد اليهود

وينقل لنا حمد بن حسين العرادة أمثلة لبعض العمليات التي خاضها والده في حرب 1948م ضد اليهود والبريطانيين ومن أمثلة تلك العمليات الألغام التي كانوا يفخخون بها الطرق والكمائن وفي إحدى العمليات كما يقول كمنوا لإحدى القطارات الانجليزية وكان متوجهاً من تل أبيب إلى القدس فتم وضع متفجرات وكمين لذلك القطار وكان محملاً بالبترول وقد نسف ذلك القطار حتى كان أثراً بعد عين . بعدما قرر حمد بن حسين التوجه إلى فلسطين انطلق من القامشلي إلى دمشق وكانت مواصلة في حينها سيارة ركب معها حتى وصل دمشق فاتجه إلى الجامع الأموي لمدة يومين لكنه كان متخوفاً من الوضع في دمشق فانطلق إلى جبال الجولان التي من خلالها سيمر إلى فلسطين . حتى وصل إلى منطقة أسمها القنبطرة إحدى قرى الجولان

وقوعه أسيرا في أيدي اليهود

وهناك اعترضه دورية سورية وكانت في بدايات استقلال سوريا وتم إعادته إلى دمشق مرة أخرى لكنه تسلل مرة أخرى حتى وصل إلى فلسطين متسللاً وباحثاً عن كيفية انضمامه لصفوف المجاهدين ولكنه وقع هذه المرة في صفوف الإسرائيليين وتم اعتقاله واقتياده إلى أحد السجون الإسرائيلية وظل معتقلاً فيه طيلة 9 أشهر وفي صبيحة احد الأيام كما يروي الوالد حمد بن حسين العرادة لاحظنا طائرات تحوم حول المعتقل الذي كان يضم قرابة ثلاثة ألف معتقل من رجال ونساء وأطفال فألقت الطائرات منشورات على المعتقل وكانت هذه المنشورات عبارة عن رسائل نصية للمعتقلين تقول اتجهوا إلى السور الشرقي الشمالي وأخرجوا مع السلامة . وتبين لنا أن هذه الطائرة مصرية وبعد دقائق جاءت طائرة أخرى وقصفت السور الشرقي الشمالي حتى تهدم ومنه هرب المعتقلون عبر هذه الفتحة التي فتحها بالطيران وتفرق الناس في كل اتجاه بعد هروبهم من المعتقل وكنت أحد هؤلاء الفارين وتوجهت شمالاً حتى وصل إلى إحدى المرتفعات المغطاة بما نسميه عندنا في اليمن ( بلس ترك ) وهناك حلق الطيران الإسرائيلي وباشر قصفه على عدة مواقع وبالقرب مني سقطت قذيفة تفجرت ووصلتني بعض شظاياها في بطني وأصبت بنزيف وفقد وعيي ولم أفق إلا وأنا في أحدى المستشفيات في غزة , ولشدة الأحداث التي تسارعت عليه وخوفه مما يقابله وتشككه في ذلك المستشفى الذي هو فيه والذي لا يدري من القائم عليه يهود أم انجليز أم فلسطينيين لم يكلم أحداً وأضرب عن التحدث معه كما ان اللبس حصل أيضاً من القائمين على المستشفى الذي كان يديره فلسطينيون وكانوا يحاولون التكلم معه حتى قال له أحد الأطباء هل أنت عبري ؟ فرد : لا لست عبرياً . وظل في المستشفى 11 شهراً وأجريت له عدة عمليات بسبب تلك الشظايا مما يرويه من أيامه التي قضاها في المعتقل الإسرائيلي أنهم كانوا يعاملونهم معاملة قاسية فلا فراش ولا لحاف كما روى لنا عدد من القصص البطولية التي تمثل الشرف والعزة لكل امرأة مسلمة حيث يقول في إحدى الليالي أقدم جنديان على اقتياد أحدى النساء الفلسطينيات المعتقلات في المعتقل وأخذها بقوة يقتدانها إلى أحدى غرف الحراسة واحد من أمامها والآخر من خلفها وكل يشهر سلاحه في محاولة والله أعلم ( لاغتصابها ) لكن هذه المرأة اختطفت أحد بنادق الإسرائيليين وأطلقت النار على الأول وأسقطت الثاني من على السلم الذي كانوا يصعدون عليه وأردت الجنديين قتلى .

وصولة إلى السعودية والعودة إلى اليمن

وبعد خروجه من المستشفى تم ترحيله إلى المملكة العربية السعودية وهناك استقر فترة من الزمن وتزوج فيها من إحدى اليمنيات حتى انفجرت الثورة اليمنية يوم 26 سبتمبر 1962م عندها قرر العودة إلى أرض الوطن وبالفعل بعد عدة أشهر من قيام الثورة كان حمد بن حسين العرادة يضع أقدامه على أرض غاب عنها سنوات طوال ثم ألتحق بالجيش اليمني واستطاع خلال فترة وجيزة أن يترقى في الرتب العسكرية لكفاءته وثقافته وعلاقته الناجحة مع عدد كبير من القيادات العسكرية في حينها .

تطور في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة عقيد وخلال هذه الفترة العسكرية من حياته التي دامت 24 سنة برزت مواهبه الإعلامية من الأيام الأولى لالتحاقه بالجيش اليمني حتى انضم إلى إذاعة صنعاء في أوائل الثورة وكان مقدماً ضمن برنامج ( جمهورية الجزيرة ) حيث عمل معداً ومقدماً لهذا البرنامج الذي حول اسمه فيما بعد إلى ( أولياء الشيطان ) وهي عبارة عن برنامج كان يقوم بالرد على التدخلات الحاصلة حينها من السعودية في الشئون اليمنية وتفنيد الأكاذيب والشائعات التي كانت منتشرة في حينها ويقول الوالد / حمد بن حسين أنه استطاع التعرف على بعض الشخصيات استطاع من خلالها الولوج إلى عالم الإعلام حيث تعرف على شخص كان اسمه عبدالله الحسيني وكان ضابطاً في الاستخبارات العسكرية وهو أول من لاحظ المواهب الإعلامية لدى العرادة ثم قدم إلى مدير إذاعة في صنعاء في حينها ( البردوني ) الأخ الشقيق لشاعر اليمن عبدالله البردوني ( لأن ذاكرة الوالد حمد بن حسين لم تسعفه لتذكر اسمه ) . وظل يعمل في إذاعة صنعاء قرابة سنة ضمن برنامج أولياء الشيطان وبهذا يكون الوالد حمد بن حسين العرادة أول صحفي وإعلامي ومذيع يبرز عبر وسيلة إعلامية رسمية ويستمر في الاهتمام بعمله ووظيفته العسكرية طيلة 24عاماً حتى تقاعد في عام 1985م . اليوم الوالد المناضل العقيد / حمد بن حسين العرادة ابن الواحدة والسبعين عاماًَ من عمره يعيش في منزل متواضع مكتفياً بمتابعة الأحداث والمتغيرات عن بعد يشكو من إهمال الحكومة له وتقصيرها في حقه وفي أبسط الأمور ومنها راتبه الذي لا يصل إلى نصف ما يتقاضاه غيره ممن هم في نفس الرتبة العسكرية . ترى متى ستعير الدولة احتراماً لأشخاص أفنوا حياتهم خدمة لهذا الوطن .

الوفاة :

توفي الراحل عن عمر ناهز – 77- عاما يوم 20- 6- 2010م