ارتكب الرئيس علي عبد الله صالح خطأ فادحا في يوليو من العام الماضي عندما أعلن - دون أن يكون هناك داع لمثل ذلك الإعلان- انه لن يترشح من جديد لرئاسة الجمهورية اليمنية في سبتمبر 2006، صحيح أن الرئيس درج على مثل ذلك الإعلان قبل كل انتخابات.. مباشرة كانت أو غير مباشرة وبحيث تحول ذلك الإعلان إلى تقليد في الحياة السياسية اليمنية إلاَّ أن الصحيح أيضا ان إعلان هذا العام كان مختلفا تماما. وعندما كان الناس قد نسوا الإعلان إلى حد كبير وتعايشوا مع فكرة ان الرئيس سيغير رأيه ويترشح من جديد وخصوصا بعد أن أعلن هو نفسه في المؤتمر العام السابع لحزبه الذي عقد في عدن في منتصف ديسمبر الماضي انه سيقبل أن يقوم حزبه بترشيحه من جديد شريطة أن يتم ذلك في مؤتمر استثنائي.
لكن الرئيس وفي لقاء مع صحيفة الحياة اللندنية في شهر فبراير الماضي أصر من جديد بأنه لن يترشح! وكان يمكن طمس أحداث فبراير بالتوقف عن الحديث عنها لكن الرئيس وفي خطأ ثالث أعلن عند افتتاح مؤتمر حزبه الاستثنائي انه لن يترشح. كان يمكن للمؤتمر الاستثنائي للحزب الحاكم أن يناقش البرنامج الانتخابي وان يطرح قضايا تهم الشعب اليمني وفي مقدمتها الفقر والفساد لكن الرئيس تصرف كما كان يتصرف قبل عشرين سنة غير مدرك أن العالم كله قد تغير. ولم يكن قبول الرئيس
بالترشح بتلك الطريقة السمجة التي أثارت سخرية العالم باجمعه باليمن واليمنيين سوى نتاج طبيعي لسلسلة من الأخطاء ارتكبها رئيس باتت أخطاؤه تمثل العلامة البارزة لنظامه. ولا يمكن لمثل تلك الأخطاء سوى أن تتراكم حتى تطيح والى غير رجعة بالرئيس وحزبه وبالنظام الهش الذي يرتكز عليه.
مشكلة الرئيس
بالغ الرئيس هذه المرة، كما لاحظ ذلك احد كتاب الجارديان البريطانية، في أداء الدور. وقد نتج عن تلك المبالغة في الأداء التباس الأمر على أعضاء حزبه والمواطنين والقلة من المهتمين بقضايا اليمن في نطاقها الإقليمي والدولي. وقد كان احد كتاب موقع مأرب برس واسمه بكر احمد صادقا في تعبيره عن حالة الإرباك التي سببها له الرئيس حيث كتب يقول «أربعة أيام في نظري
قبول الرئيس بالترشح بتلك الطريقة نتاج طبيعي لسلسلة من الأخطاء التي تمثل علامة بارزة لنظامه |
هي التي أعادت إنتاج صالح من جديد بأنه ذاك الذي يقول ولا يفعل، والذي يعد ويخلف، والذي يقرر بشكل ديكتاتوري ثم يلغي قراره بشكل ديكتاتوري، أربعة أيام كانت كفيلة بفضح الرئيس أمام العالم دون أن يتذرع هو أو حاشيته بأن المعارضة والحاقدين على اليمن يريدون أن يشوهوا صورته أمام الأعلام العالمي». ثم يتساءل الكاتب «هل كان الرئيس مضطراً الى عمل مثل هذه المسرحية السمجة وأمام أنظار العالم، هل كان مضطراً بأن يكون مهرجا يقفز في المنصة دون أن يضحك أحد عليه أو منه ، هل كان مضطرا بأن يجعلنا نخجل من أنفسنا كوننا يمنيين وكونه هو رئيس لنا، هل كان مضطراً للجوء إلى مثل هذه الأفعال التي صارت قديمة ومحل سخرية حتى من اعتى ديكتاتوريات العالم العربي؟».
والجواب بالطبع على تساؤل الكاتب هو أن الرئيس لم يكن مضطرا. لقد كان مضطرا إلى السكوت وعدم فتح مثل هذا الباب في مثل هذا الظرف بالذات لكن الرئيس بحسب الكاتب نبيل سبيع والذي هو واحد من ابرز نقاده «يبدو-من خطاباته -وكأنه لم يصدق حتى الآن انه على رأس بلد». وجوهر مشكلة الرئيس بالطبع لا تكمن في عدم اقتناعه بأنه رئيس للجمهورية اليمنية بقدر ما تكمن في الأسلوب الذي يدير به البلاد وهو أسلوب لا يختلف كثيرا من حيث بنيته وفلسفته عن الأسلوب الذي كان الإمام يحيى يدير به المملكة المتوكلية اليمنية معتمدا على حدسه الشخصي ومهاراته وضاربا عرض الحائط بالمؤسسات والمستشارين والأجهزة. والنتيجة بالطبع هي هذه الفوضى غير الخلاقة التي يطلق عليها نقاد صالح «إدارة البلاد بالأزمات». وصالح الذي يحاول دون نجاح حتى الآن أن يلعب دور الديمقراطي يترأس دولة تقول عنها الديلي ستار بأنها «استبدادية بكل المقاييس». فالسلطة، بحسب الدايلي ستار، مركزة بيده وبأيادي حزبه الذي يسيطر على السلطتين التشريعية والقضائية. أما الجيش والأمن فيسيطر عليهما أقاربه وأبناء عشيرته الذين يمارسون، بحسب الدايلي ستار، اخطر اشكال الفساد.
ممثل كبير
لو لم يكن علي عبد الله صالح رئيسا لليمن فان أفضل مكان له هو هوليود، فهو ممثل محترف ويجيد التلون والانتقال من حال إلى حال وبسرعة. ولعل أعظم أعماله المسرحية هي انتخابات عام 1999 والتي أدى دور الكومبارس فيها «سياسي مغمور» من حزب الرئيس يسمى نجيب قحطان الشعبي. وقد تمكن صالح في تلك الانتخابات من إقصاء منافسيه المحتملين ببهلوانية عجيبة لا يجيدها في اليمن احد سواه. ووفقا لمقال الجارديان فان صالح قد دفع تكاليف الحملة الانتخابية لخصمه المفترض، وان كان، وما زال الكلام للجارديان، لم يدفع المبلغ الذي وعد به منافسه كاملا.
لقد بنى الرئيس صالح نظام الحكم في اليمن حول شخصه وبطريقة تجعل اليمن، كما تخلص إلى ذلك الدايلي ستار، في ورطة حقيقية. فذهاب صالح يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد وبقاؤه أيضا سيؤدي إن عاجلا أو آجلا في ظل استمرار الأوضاع على ما هي عليه إلى «زعزعة الاستقرار». ومن وجهة نظر الدايلي ستار فان تركيز السلطة في يد شخص واحد هو رئيس الدولة يجعل أي استقرار يتم تحقيقه قابلاً للانهيار في أي لحظة. وأفضل شيء يمكن لصالح ان يعمله بحسب الدايلي ستار هو ان يفي بوعده بترك السلطة وان يعمل خلال الأشهر القليلة القادمة على الانتقال بالبلاد من الخضوع لسلطة الفرد وعشيرته إلى الخضوع لسلطة القانون.
ولو أن صالح صدق في وعده وترك السلطة فانه كان سيسن سابقة خطيرة ويضرب بحسب صحيفة الجارديان المثل الأعلى في منطقة تتركز فيها معظم الأنظمة الاستبدادية في العالم وأكثرها فردية ونرجسية. أما أذا بقي فإن هناك مؤشرات بان الانتخابات القادمة ستكون اكبر محاكمة انتخابية لرئيس عربي خلال القرن العشرين. فهناك مؤشرات كثيرة على أن خصوم صالح يعدون العدة لتحويل الانتخابات القادمة إلى تحقيق طويل ومرهق للرئيس.
باجمال
تلقى الكاتب العشرات من ردود الفعل على مقاله المنشور في صحيفة الوسط عن رئيس الوزراء. ويمكن الحديث عن ثلاثة اتجاهات عكستها تلك الردود. فالقسم الأكبر من الردود أبدى ارتياحا كبيرا لما كتب وقال إن ما ذكر لا يصل حتى إلى 5% مما يستحقه الرجل من نقد. وهناك قسم ذهب إلى أن نقد باجمال هو تضييع للوقت لأن باجمال لا «يحل» ولا «يربط» وقد كان هناك بعض الردود التي رأت في الأسلوب الذي اتبع في النقد خروجا عن الأسلوب المألوف من الكاتب. كما رأى البعض في المقال ما يشبه الاستهداف لحضرموت خصوصا وقد تضمن المقال احتجاجا على إعطاء المنطقة الحرة لعناصر من أبناء حضرموت مقربة من باجمال وانتقادا لقيام ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز بزيارة المكلا وليس الحديدة أو صنعاء.
ولعل رد الفعل الأبرز والأكثر حضورا قد تمثل في الاتصالات التلفونية التي تلقاها الكاتب من داخل اليمن ومن خارجه وكذلك رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الشفاهية المؤيدة والتي لم تقتصر على المعارضة بل امتدت إلى أشخاص هم أعضاء في مجلس الوزراء ويعملون تحت إمرة باجمال نفسه. كما شملت ردود الفعل أعضاء في مجلسي النواب والشورى ومسئولين أمنيين وصحفيين. وقد اجمع الأشخاص على تأييد ما كتب وقالوا انه لا يمثل سوى جزءا بسيطا مما يستحقه الرجل الذي منذ أن تولى الحكومة والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تسير من سيء إلى أسوأ. وقد لفت الكثير من الأشخاص الذين اتصلوا بالكاتب نظره إلى العديد من القصص والمواقف والمقابلات التلفزيونية والصحفية التي تحتوي على براهين لما ورد في المقال. وتطوع البعض بمعلومات وقصص عن باجمال خلال مختلف مراحل حياته بما في ذلك مرحلة «اعتناق الشيوعية».
وفي مقابل زخم التأييد لما كتب، ذهب عدد من المتفاعلين مع المقال إلى الإشارة بان نقد باجمال ليس له أي أهمية لان الرجل بحسب تعبيرهم لا «يحل ولا يربط» وإنما هو مجرد «عبد مأمور» وان رؤساء باجمال يأكلون، بحسب تعبير احد المقربين من باجمال والمدافعين عنه «الثوم بفمه».
وهناك فريق ثالث أعجب بما كتب حول باجمال لكنه اعترض على إقحام حضرموت في الموضوع وعلى نقد زيارة ولي العهد السعودي للمكلا بدلا من الحديدة أو صنعاء. احد الإخوة الأعزاء كتب متسائلا «أليست حضرموت البقرة الحلوب التي يشرب منها كل بيت في المحافظات الشمالية بينما أبناء حضرموت يتسولون اللبن في جميع أرجاء المعمورة؟»، ثم تساءل بغضب كما يبدو «كم هي الدولارات التي تصرف على أبناء المحافظات الشمالية للدراسة في الخارج وأبناء الجنوب والحضارم بشكل خاص يصرفون من جيوبهم الخاصة للدراسة ويعانون الأمرين في الداخل من حكومة العسكر؟»، وفيما يخص باجمال فان الأخ العزيز قد خلص إلى القول «وما باجمال الا قلم محرك لا يقدم ولا يؤخر ]وهو[ لا ينتمي لحضرموت الا باسمه ولا يشرف حضرموت ولا الحضارم». وكأن ما قاله لا يكفي فقد أضاف "هل تعرف أن حضرموت (هي) المحافظة الوحيدة التي يشترط أن يكون محافظها جنرالاً من سنحان ويمنع بل ويحرم أن يكون حضرمياً أو جنوبياً.؟» وأنهى الأخ العزيز رسالته بسؤال "لما هذا الغل والحقد على حضرموت (البقرة الحلوب)؟».
وكتب أخ آخر يقول«هناك اختلاف بين مبادرتك الممتازة والتي طلبت فيها الحل للوضع السياسي في اليمن والتي أعجبت بها» وبين مقالك عن باجمال. ويرى هذا القارئ الكريم أن التحليل في البداية «كان ممتازا» لكن إقحام حضرموت كان بمثابة «إجحاف بحقها». وأردف الأخ الكريم قائلا «حضرموت أجحف في حقها قبل الوحدة واليوم الاهتمام بها يعود إلى أنها المحافظة المنتجة لليمن ككل ومن حقها أن تجد العناية من السلطة ومن أبنائها الخيريين».
والكاتب إذ يشكر القراء بشكل عام والذين يتفاعلون مع ما يكتب بشكل خاص يود التأكيد على انه يدين المناطقية بكافة أشكالها سواء اتخذت شكلا «سنحانيا» أو «حضرميا» أو «تعزيا» او «اريانيا» فالمناطقيون لا يوحدون الدول ولا يحققون التقدم ولا يقودون بلدانهم سوى إلى الكوارث. وكما يرفض الكاتب «سنحنة» الجيش والأمن والمال العام والمواقع القيادية في الدولة وفرص الاستثمار، فانه أيضا يرفض «حضرمتها». وبإمكان أي كان أن يعود فيقرأ مقالات الكاتب لاستجلاء مواقفه حول هذه القضايا التي لا يمكن أن تكون المجاملة فيها الا على حساب الأمن القومي للبلاد والاستقرار والسلم الاجتماعي. ويرفض الكاتب بشدة التمييز بين أبناء الوطن الواحد على أساس انتماءاتهم المناطقية والقبلية أو معتقداتهم الدينية أو انتماءاتهم السلالية او الحزبية. والمناطقية، من وجهة نظر الكاتب، لا يمكن أن تكون الا شكل من أشكال التمييز بين المواطنين وبغض النظر عن التبريرات التي يقدمها المناطقيون.
كما أنتقدت مناطقية «الإرياني» وقروية الرئيس سأظل أنتقد مناطقية «باجمال» |
لقد كتب المقال بدافع وطني محض وجاءت انتقاداته لزيارة ولي العهد السعودي ليس كرها في الخير لحضرموت بقدر ما هي تعبير عن خوف على مصلحة البلاد والكاتب اذا يتحفظ هنا على تفصيل الأسباب حرصا منه على أن لا يساهم في تأزيم العلاقات اليمنية السعودية فانه يأمل من قرائه أبناء حضرموت وغيرها انه لم يكتب مدافعا عن شخص من الشمال أو من محافظته المطحونة بالفقر وفساد الحاكم وانه كما انتقد مناطقية الدكتور الإرياني وينتقد قروية الرئيس فانه انتقد وسيظل ينتقد مناطقية عبد القادر باجمال.
الفقيه «علما»
عقب مقاله عن باجمال تلقى الفقيه رسالة بالبريد الإلكتروني موقعة باسم الأخ/ إبراهيم المقحفي عن «دار الكلمة للطباعة والنشر والتوزيع». وقد بدأت الرسالة بمخاطبة الكاتب بـ«سعادة الدكتور» ثم انطلقت إلى تفصيل الغرض من الرسالة كما يلي: «نحيطكم علما بأننا في صدد إعداد كتاب يحمل عنوان موسوعة الأسر والقبائل اليمنية يحوي على معلومات تتعلق عن الأسر اليمنية وكذا الشخصيات والأعلام البارزين في كل أسرة ونحن نرغب بان تزودونا بسيرتكم الذاتية وأعمالكم ومؤلفاتكم وكذا بمعلومات عن أسرتكم آل الفقيه. ويمكنكم إرسالها على الايميل أو الفاكس رقم 269145 صنعاء». ومثل هذه الرسالة وفي هذا الظرف بالذات لا يمكن أن يتلقاها المرء إلاَّ في مجتمع مأزوم يعيش في طلاق مع العصر وينحاز إلى الجاهلية كخيار بديل للحضارة. تعبير «سعادة الدكتور» فيه الكثير من الاستفزاز. فإذا كان الفقيه صاحب السعادة فماذا يمكن أن يطلق على الأستاذ عبده بورجي السكرتير الصحفي للأخ رئيس الجمهورية والذي يستطيع ترقيص «عشرات الدكاترة» بإشارة بسيطة من أصبعه ودون أن يدق أي طبل او ينفخ في أي بوق؟ فعبده بورجي مثلا ليس فقط خبيراً في صنع وزراء اللحظة والسفري وعلى طريقة «البرجر كنج» و«المكندونلدز» فحسب ولكنه أيضا صاحب نفوذ واسع في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية وهو يستطيع تنظيم مقابلات للكتاب مع الرئيس أو إيكال مهمة تأديبهم للأجهزة الأمنية. ومع «بورجي» فقط تستيقظ في الصباح مديرا عاما ثم لا تمر عليك الظهيرة الا وأنت وكيل وزارة ثم إذا جاء الليل نمت وزيرا. وبورجي من الأشخاص الطموحين جدا والمتحسسين للنقد عندما يقترب منهم. لكن بورجي لا يتحسس لأخطائه التي تضر بمصلحة البلاد ولاستغلاله السيئ للسلطة.
ثم من قال بان الفقيه قد أصبح «علما»؟ إذا كان الأخ المقحفي يبحث عن أعلام فما عليه سوى الوقوف في جولة التحرير وكلما رأى صاحب سيارة حبة «جديدة» استوقفه وبدأ الكتابة عنه. وإذا لم تنجح هذه الخطة، فيمكن استبدالها بخطة أخرى. فإذا كانت الموسوعة كما قيل ستتكون من عشرة أجزاء فان الكاتب يقترح تخصيص تسعة وتسعين في المائة من المساحة لباجمال لأنه كثير كلام، وهو بشهادة الأستاذ حسن العديني يفهم كثيرا في الطباخة، وما تبقى بعد ذلك يخصص للبركاني لأنه ليس لديه ما يقول. أما بورجي فرغم سيئاته الا انه ما زال لديه بعض الحسنات فهو مثلا لم يخرج على الناس بنظرية نسف «الأسقف» وهو يصنع الوزراء السفري لكنه لم يحاول ان يطور نظرية تبين طريقة الصنع. |