(1)
ما يحل ببلاد الهلال الخصيب اليوم هو جريمة الأنظمة السياسية القائمة في ذلك المجال الجغرافي، العراق وما يحل به من شرور هو السباق على الاستبداد بالمال العام وقتل إرادة الشعب العراقي الشجاع، ولكن مهما عمل الحاكمون في بغداد لن ينالوا من عزم الشعب العراقي وإصراره على رفض الفساد والاستبداد والإقطاع الطائفي والهيمنة الفارسية عبر عملائها الحاكمين في بغداد.
وما يجري في دمشق الحبيبة ليس بعيدا عما يجري في بغداد، حكم فقد شرعيته وانتماءه للأمة العربية بعد أن استدعى جحافل الفرس والروس ليعينوه على الانتقام من ثورة الشعب السوري على نظام بشار الأسد وزمرته.
وما يجري في فلسطين على يد قطعان المستوطنات من قتل للشباب الفلسطيني وتدمير لممتلكاته وإقامة الجدران الإسمنتية، جدران العزل العنصري، كل ذلك يجري تحت سمع وبصر السلطة الفلسطينية، محمود عباس، صاحب اتفاق أوسلو الملعون ومن وقع عليه من الباحثين عن الثروة ولو على جماجم الشعب الفلسطيني.
إنها قيادات لا تمثل الشعوب في هذه المنطقة من عالمنا العربي وإنما تحتمي بقوى المستفيدين مما يجري هناك.
(2)
بالأمس طلعت علينا جريدة الوطن الكويتية وهي تحمل مقالة يدعو كاتبها محمود عباس، زعيم اتفاق أوسلو المذل والملعون، إلى إدانة الهجمات التي تستهدف الإسرائيليين، والعمل الحازم على وأد انتفاضة السكاكين، الكاتب الكويتي يصف الانتفاضة (السكاكين) بأنها عمل إرهابي ضد المدنيين الإسرائيليين.
هذا دليل قاطع بأن الكاتب لا يعرف أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري مسلح إما أن يكون في الخدمة، أو في قوات الاحتياط يستدعى عند الحاجة، وبذلك نؤكد القول بأن إسرائيل مجتمع عسكري بكل معنى الكلمة.
لأن هناك سلطة فلسطينية متواطئة وغير جادة في استعادة الحقوق، تدفع بصغار القوم في الكويت وغيرها أن يتطاول على حقوق الشعب الفلسطيني وينبري للدفاع عن إسرائيل، وعن جرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين العزل. يقول الكاتب الكويتي:"إن من حق إسرائيل الدفاع عن النفس وقتل الإرهابيين (الفلسطينيين) مهما كانت أعمارهم أطفالا وشبابا ذكورا وإناثا ". يا للهول!! كاتب كويتي ينتمي للعروبة يعطي إسرائيل الحق في قتل أصحاب الأرض الفلسطينيين في كل الأعمار، علما بأن قيادات الكويت السياسية والفكرية من قبل استقلالها في مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم الهم الفلسطيني لم يغادر أفئدتهم وعقولهم رغم جراح عام 1990، الكويت الدولة والشعب كانت حاملة الراية الفلسطينية، فمن الغرابة أن تُكتب مقالة بهذا الأسلوب في الصحافة الكويتية، نحن نؤمن بحرية الرأي، لكنه الرأي البناء وليس الرأي الهدام. يقول الكاتب الكويتي " مما يحير العقول أن يصمت المجتمع الدولي عن جرائم الفلسطينيين ضد الإسرائيليين " أظن أن الكاتب لم يقرأ التاريخ، وأنه لا يعلم أن إسرائيل نشأت بموجب قرار أممي عام 1948، وإنها دولة تحت التكوين، لا تنتمي إلى حضارة المشرق. إنهم مجموعة من البشر المغتصبين لأرض فلسطين بقوة السلاح ونصرة القوى الغربية.
تظل الكويت منارة فكرية في خليجنا العربي، ولو خرج أو يخرج علينا من بين أبنائها بعض شواذ القول، لكن لا حكم على ما يقول الجهلة والسفهاء من الناس.
(3)
يمكن القول إن العداء والأطماع في العراق وسوريا ولبنان خلفها أطراف دولية تتصارع فيما بينها، بمساعدة حكومات محلية من أجل الهيمنة على تلك الجغرافية من الوطن العربي، أما اليمن فالصراع بين أبناء البلاد الواحدة، صراع قوة ودماء تسيل من أجل تحقيق مصالح فئوية. رئيس مخلوع بإرادة جماهيرية رغم ما أعطي من الحصانات والامتيازات التي لا سابقة لها في التاريخ المعاصر، لأي رئيس دولة رفضه الشعب، إلا أنه يريد أن يكون زعيما لليمن حتى ولو قطعت أطرافه زمجرة الشعب اليمن وغضبه ورفضه لزعامته. ورئيس قادته الصدفة أن يكون رئيسا لليمن، ليس قادرا على إدارة المعركة وتحقيق النصر، وليس قادرا على الحوار وإدارة الصراع السلمي من أجل اليمن ووحدته واستقراره وإقناع جميع الأطراف بالقول إن اليمن باق والأفراد إلى زوال. إنه، ينشغل بترتيب أوضاعه وأوضاع مناصريه بعد أن تضع الحرب أوزارها. لا يثق في مساعديه، ولا يقبل مشورتهم، أبعد قادة الجيش الميامين عن دائرة صناعة القرار العسكري في ميادين القتال، يكاد يبعد أو يجمد مهام نائبه رئيس حكومته لأن النائب خالد بحاح رئيس الوزراء، قادر على تقديم الرؤى وله صفة القبول في المجتمع الدولي، الرئيس عبد ربه منصور هادي تتملكه نزعة الشكل في كل من حوله من مساعديه والسؤال كيف تنتصر قيادة سياسية ليس بين أفرادها انسجام لتحقيق النصر؟ الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق، بينها ما صنع الحداد، كما يقول المثل، لكنهم متحدون في مواجهة القوى الأخرى، القيادات الإسرائيلية أيضاً على نفس الشاكلة لكنهم متحدون في مواجهة العرب كلهم وليس الفلسطينيون وحدهم.
القيادات اليمنية على النقيض، الحراك الجنوبي، على استعداد لخوض حرب ثانية ضد الحكومة الشرعية، بغية الانفصال عن الدولة اليمنية، والحرب ضد الباغين على السلطة الشرعية ما برحت محتدمة، إن رفع علم دولة جنوب اليمن قبل الوحدة إلى جانب إعلام دول التحالف وصور قياداته في الاحتفال بذكرى مرور 52 عاما على تحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني وخلو الساحة من علم الوحدة اليمنية أمر مخيف ولا يوحي بأن مستقبل اليمن يسير في الاتجاه الصحيح، إن تلك مسؤولية الرئيس عبد ربه منصور.
(4)
النميمة السياسية التي يتداولها اليمنيون في الغربة والوطن تقول: إن الرئيس عبد ربه منصور هادي يثير الشكوك عند قادة مجلس التعاون أو البعض منهم، في نوايا نائبه السيد بحاح وبعض القيادات العسكرية بقوله: إن بحاح من أنصار القوى الانفصالية، وفي عاصمة خليجية أخرى تقول النميمة: إنه أوحى إلى قيادات تلك العاصمة أن بحاح يريد تسليم حضرموت وما جاورها للسعودية، كما أثار مخاوف بعض قادة التحالف الخليجي من الجنرال على محسن الأحمر بأنه مزدوج الولاء مرة مع التحالف والشرعية، ومرة مع الإخوان المسلمين (الإصلاح) وغير ذلك من النمائم.
بهذه الطريقة، يعتقد الرئيس عبد ربه منصور أنه سوف يسود، لأن ذلك الأسلوب مكن علي عبد الله صالح من حكم اليمن أكثر من ثلاثين عاما.
آخر القول:
على اليمنيين جميعهم توحيد صفوفهم، وكلمتهم في مواجهة الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح، واستعادة الشرعية المختطفة، وإقامة الدولة الحديثة، وإعادة إعمار الدمار الذي خلفته الحرب، وعندما يتم استعادة الشرعية وإعمار البلاد عندئذ لكل حادث حديث، لا تختلفون وجراح اليمن تنزف، فتزيدون في تعميق الجراح.