من المرجح أن تتصاعد الأحداث وتسخن بصورة أكبر في اليمن، خلال الأيام القادمة. فتحرير عدن سيظل في تقديري، مهمةً ناقصةً، ما لم يتمكن الجيش الوطني من استكمال تأمين العاصمة المؤقتة للبلاد عبر استعادة قاعدة العند، أكبر قاعدة عسكرية جوية ومتعددة المهام في جنوب البلاد، والانتقال بعدها إلى محافظتي أبين وتعز.
السيطرة على قاعدة العند باتت مسألة وقت لا أكثر، فالجيش الوطني يُحكم الخناقَ على القاعدة، لكن لا يزال لدى متمردي الجيش السابق، ومليشيا الحوثي قوة نارية تمكنهم من صد هجمات الجيش الوطني رغم الضربات الجوية التي يتلقونها.
الأمر يعود إلى التحصينات الشديدة التي تتمتع بها القاعدة، لكن لا يمكن للقاعدة أن تصمد مدةً طويلةً، في ظل الحصار الذي يُمارسُ عليها من قبل الجيش وطيران التحالف.
استكمال السيطرة على عدن وأبين وقاعدة العند في محافظة لحج ومن ثم محافظة تعز التي تشرف على مضيق باب المندب، هي المهمة الملحة على ما يبدو أمام التحالف العربي والحكومة.
ذلك أن السيطرة على هذا المثلث الاستراتيجي، الذي يشغل الجزب الجنوبي الغربي من اليمن، تعني استعادة العمق الجيوستراتيجي للبلاد، والتحكم بكتلة جغرافية مهمة، ومعها كتلة بشرية كبيرة مركز ثقلها محافظة تعز، أكثر محافظات البلاد سكاناً(7) ملايين تقريباً، يمكن لهما معاً أن يشكلا قاعدة صلبة للسلطة الشرعية تنطلق منها لاستعادة بقية مناطق البلاد من أيدي متمردي الجيش السابق ومليشيا الحوثي.
ويشير وصول نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، وبرفقته عدد من وزراء الحكومة، إلى عزم الحكومة على استثمار نصر عدن في تحقيق انتصارات تمكنها من إعادة فرض سيطرتها على كامل أراضي البلاد، ويشير أيضاً إلى نجاح التحالف العربي في مهمة استعادة الشرعية، بصفتها الهدف الاستراتيجي لمهمته العسكرية في اليمن.
ويتعين على الحكومة أن تشرع في تهيئة عدن كما قد بدأ يحدث الآن، في مجال البنية التحتية والمؤسسية، على نحو يقود إلى تأسيس أنموذج للنجاح، يعيد الثقة بالسلطة الشرعية وبالدولة الاتحادية التي سقط كل هؤلاء الضحايا على مذبحها.
نعم كل ما يحدث اليوم من مواجهات تأخذ طابع الاحتراب الأهلي، سببه الأول عدم رغبة طرفٍ في الذهاب نحو الدولة الاتحادية، لأن هذه الصيغة ستطوي تماماً فصلاً سيئاً من الاحتكار الجهوي والطائفي للسلطة والثروة.
ومما لا شك فيه أن الانقلابيين وهم تحالف المخلوع صالح والحوثي، قد فقدوا صوابهم عندما رأوا الخطى تتسارع نحو هذه الدولة، خصوصاً بعد ان تسلم الرئيس عبد ربه منصور هادي مسودة الدستور المصاغ من قبل لجنة ضمت ممثلين عن مختلف الاطراف السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
قرر هؤلاء العمل بالاتجاه المعاكس تماماً، فقاموا باختطاف مدير مكتب الرئيس، ثم صعدوا إجراءاتهم بالسيطرة على دار الرئاسة ومحاصرة الرئيس وحمله على الاستقالة، بعد أن فرضوا عليه إملاءات كان الهدف منها إنجاز الانقلاب بإمضاء الرئيس.
كان الانقلابيون يستندون إلى ترسانة ضخمة من الأسلحة وإلى مساندة معظم الوحدات العسكرية والأمنية تقريباً، ويستندون كذلك وإلى حلف جهوي واسع، وإلى خليط من الانتهازيين والمتاجرين بالمواقف، والمحتقنين سياسياً والمتساقطين بفعل الإغراءات المادية.
ما يحدث اليوم هو أن التحالف العربي أجهض مشروع إسقاط الدولة، ودمر الترسانة العسكرية للانقلابيين وشتت شملهم، وكسر شوكتهم، ولم يعد بالإمكان اليوم الحديث عن قوة تستطيع حسم الموقف على الساحة اليمنية، سوى قوة الشرعية مسنودة بالقوة العسكرية الضخمة للتحالف العربي.
كل ما تحتاجه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد محفوظ بحاح، هو العمل على تأسيس أنموذجٍ للحكم الرشيد، وتعظيم قدرات السلطة الشرعية، انطلاقاً من قاعدتها في عدن- في تلبية الاحتياجات المعيشية للمواطنين في كل مناطق البلاد، ما أمكن لها ذلك.
عليها أيضاً أن تكبح جماح التطلعات التي لم تعد مشروعة للبعض في المحافظات الجنوبية، الذين يرفعون شعار الانفصال في ظرف حساس للغاية، والهدف من مطالب حمقاء كهذه هو إفساد مهمة التحالف العربي وإعاقة مشروع استعادة الدولة.
على الحكومة أن تخفض من نبرة بعض هؤلاء المناطقيين الذين يهددون صيغة العيش المشترك في المحافظات المحررة، خصوصاً في عدن حيث يقوم بعض المحسوبين على المقاومة بمنع القادمين من المحافظات المجاورة مثل تعز من العودة إلى بيوتهم ومتاجرهم ومصالحهم بحجة أنهم شماليون.
هؤلاء بكل تأكيد هم جزء من الطابور الخامس الذي سهل على الحوثيين دخول عدن وقدم إسناداً لمتمردي الجيش السابق، وكان جزءً من معركة إسقاط عدن بيد الانقلابيين.
وهؤلاء أيضاً هم أخطر تهديد لمشروع استعادة الدولة، ولمهمة تأسيس نموذج للحكم الرشيد والعادل والديمقراطي وللتنمية الناجحة، التي ستكون أحد أهم أولويات حكومة الرئيس هادي ونائبه خالد محفوظ بحاح، أو هكذا يفترض، وأنا هنا أتطلع إلى أن يقوم التحالف العربي بدفع الحكومة إلى ذلك وتأمين التغطية اللازمة.
لن تتوقف المعركة عند حدود عدن، سيكون ذلك تصرفاً مدمراً لكل الإنجازات التي حققها التحالف وحققتها المقاومة الشعبية والجيش الوطني، لهذا أرى أن المعركة ستستمر حتى استعادة صنعاء، مالم يكن البديل لتحقيق ذلك حلاً سياسياً.