اليمن في مواجهة الإستراتيجية الإيرانية
بقلم/ سلطان علي النويرة
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 19 يوماً
الأحد 10 فبراير-شباط 2013 09:46 م

تحولت المنطقة العربية بشكل عام إلى ساحة تجاذبات لقوى إقليمية ودولية وتجلت تأثير هذه التجاذبات على شكل انقسامات داخلية تمخض عنها نشوء تيارات جديدة وقوى تقليدية على حساب مؤسسات الدولة. وفي الحالة اليمنية التي لم تكن أحسن حالاً من غيرها ، ولم تكن بعيدة عن تلك التجاذبات وخاصة مع بروز مسألة الطائفية بشكل ملفت الذي يعتبر ذلك الأمر دخيلاً على الشعب اليمني (عبر الحركة الحوثية ).

ارتبط ظهور الحركة الحوثية بإيران، فمؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي لم يخف تأثره بالثورة الإسلامية الإيرانية بل شكلت محددا لخطابه التعبوي ومنطلقا لمنهجه الفكري فالشعار "الصرخة" الذي يطلقها أنصار الحوثي في صعده هي ذات الصرخة التي أطلقتها الثورة الإيرانية.

ومع مرور الوقت تتجلى أوجه العلاقة بين الحوثيين وإيران شأنهم في ذلك شأن العديد من التيارات الدينية والسياسية التي تتلقى الدعم الإيراني مثل حزب الله والأحزاب الشيعية في العراق وحركة المقاومة الإسلامية حماس ( السنية )وغيرها من الحركات في عدد من البلدان العربية . ولتحقيق ذلك شاركت إيران في تحريك الأوراق الطائفية في العراق لجعله منطقة قلقة على الحدود السعودية ، كما هو الحال للحوثيين في اليمن ، لكن الثورة السورية خلطت أوراق النظام الإيراني وأجبرته على إعادة خارطة تحالفاته في المنطقة فمؤشرات سقوط النظام السوري باتت وشيكة وبالتالي ستفقد إيران أهم حليف في المنطقة العربية ولذا لجأت إلى تحريك أوراقها عبر الأقليات الشيعية في دول الخليج وصولا إلى اليمن الذي لم تكتف فيه بدعم الحوثيين بل فتحت الباب على مصراعيه مستقطبة تيارات محسوبة على الحراك الجنوبي وشخصيات سياسية وإعلامية.

وبذلك تسعى إيران إلى أن يأخذ اليمن شكل لبنان من خلال تقوية جماعة تدين لها بالولاء الطائفي، وترفع شعارها، وتستقبل أسلحتها، وهو ما نلاحظه من الشحنات المختلفة التي تصل المواني اليمنية المختلفة . وتبني لنفسها كيانا شبه مستقل عسكريا وسياسيا في منطقة جبلية صعبة التضاريس في محافظة صعده شمال البلاد . فهل يراد للحوثيين أن يكونوا دولة داخل الدولة على غرار حزب الله ؟؟

 يقول – عادل أمين المحلل السياسي كبر المشروع الحوثي، وتخطى الأهداف الذي وضع لأجلها، حتى صار مشروعاً بذاته يعمل لحسابه الخاص، وكانت الحروب الست التي خاضها مع نظام الرئيس السابق «صالح» مؤشراً على ذلك، فيما أسهم التورط السعودي في الحرب السادسة معه (2009م) في إكسابه بعداً خارجياً (إقليمياً) .

وخلال الثلاثة العقود الماضية كانت المملكة العربية السعودية اللاعب الإقليمي الأقوى على الساحة اليمنية بل والوحيد إضافة إلى الولايات المتحدة ، لسبب أنها استطاعت من ناحية التأثير على رأس النظام السياسي اليمني وكسبه في صفها ، ومن ناحية أخرى أنها استطاعت الدخول إلى عمق القبيلة اليمنية وبالتالي تمكنت من كسب ولاء الوجهاء والأعيان في كل محافظة من محافظات اليمن ، بالإضافة إلى التقارب المذهبي والجوار الجغرافي وتبادل المصالح المشتركة بين اليمن والمملكة . ومع اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية تشكلت جغرافيا جديدة لمناطق الصراع السياسي والطائفي والأمني داخل الجمهورية وهو الأمر الذي كانت المملكة السعودية تخشى منه ، حيث ظهر ذلك جلياً عندما طرحت المملكة العربية السعودية المبادرة الخليجية وشددت على القبول بها من خلال الضغط على كل الأطراف ، ولكن مع كل هذا المجهود من قبل المملكة لكن خارطة التحالفات الداخلية والخارجية تبدلت على نحو مثير ومتسارع . وإذا ما نظرنا للخارطة السياسية للجمهورية اليمنية، فسنجد أن مشكلات البلاد الرئيسة باتت تتوزع بدرجة أساسيه على النحو التالي : شمالاً: مشكلة «صعده» ذات البعد الطائفي، جنوباً: مشكلة «الحراك» ذي البعد الانفصالي، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة والذي سيتم التركيز عليه في مقال تحليلي آخر .

طموحات غير مشروعه

ما تمارسه إيران ليست طموحات سياسية واقتصادية يحق لكل دولة أن تقوم بها بالوسائل المشروعة، بل هي أطماع واسعة تتعدى حقوق الآخرين . فقد اتخذت السياسة الخمينية الإيرانية التوسعية مساراً عدائياً تصادمياً عبر خطين متوازيين الخط الأول : ممارسة العنف والتصعيد ضد العدو الحقيقي الدائم، وهم المسلمون السُّنة والعرب ، الخط الثاني: إظهار العدو الوهمي (إسرائيل وأمريكا) بمظهر العدو الحقيقي الدائم؛ كغطاء لإخفاء حربها الحقيقية على عدوها الرئيسي، ووسيلة لممارسة الخداع ضده .

وبالفعل؛ نجح الخمينيون في خداع كثير من العرب والمسلمين الذين اغتروا بظاهر القول وقشور السياسة الإيرانية، دون النظر إلى لُبها وجذورها وأصولها الفكرية ومساراتها التاريخية التي على أساسها تُبنى القناعات، وتُفسر السياسات، وتُكشف الحقائق.

عناصر الالتقاء الحوثيون والحراك

نشطت إيران مؤخراً في استقطاب الحراك الجنوبي في الداخل والخارج ، إلى الحدِّ الذي ظهرت معه الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة في الحراك بهذا الشأن. فقد استنكر حسن باعوم - وهو ثاني أكبر زعيم انفصالي جنوبي - علاقة علي سالم البيض بإيران، وقال: «لا نريد من البيض أن يتحول من عميل للشيوعية إلى عميل للشيعة الإيرانية في إشارة إلى الدعم السخي الذي تقدمه إيران لهذا الفصيل من الحراك . ويقول القيادي في الحراك الجنوبي العميد عبدالله الناخبي - في تصريح لـ الجزيرة نت إن الواقع يفيد بأن أعمال الشغب التي شهدتها عدن مؤخراً، لا سيما التفجيرات وقطع الطرقات؛ يقف وراءها عناصر الحراك التي تدربت في إيران وبدعم من بقايا نظام الرئيس السابق، مضيفاً أن علاقة بقايا النظام السابق بالحراك المسلّح غير خافية، فهناك سيارات وأطقم عسكرية محملة بالسلاح تُسلَّم للقيادات بالحراك التي تنهج العنف، المسلح..

وعن التحالف الذي يربط الحوثيين، حاليا، بعدد من فصائل الحراك الجنوبي ، يقول المحلل السياسي علي سيف حسن إن ذلك يقوم على قاعدة (عدو عدوي، صديقي) ، ليس أكثر من ذلك وهم لا يتفقون مع دعوة الحراك إلى فك الارتباط بين الشمال والجنوب، بالعكس هم ينظرون إلى اليمن ككل ولديهم طموح كبير على مستوى اليمن، لكنهم يتعاملون في المرحلة الراهنة، في ضوء القاعدة المشار إليها.

رصد المراقبون أنه وبعد أشهر قليلة من بدء الثورة الشعبية الشبابية السلمية بدأت مؤشرات التقارب الحراكي- الحوثي تظهر من زيارات مستمرة بين الجانبين تتزامن مع دعم سخي يقدمه الحوثيون لبعض العناصر المحسوبة على الحراك، وذلك انطلاقًا من الرغبة في العمل على الارتقاء بهذا التقارب ليمكن استغلاله في تحقيق الأهداف المرحلية لكلا الفريقين.

وعلى الجانب السياسي؛ نجح الحوثيين في إقامة نوع من التأييد والتعاطف المتبادل مع جماعات الحراك الجنوبي الأكثر تحمسا للانفصال؛ بدعوى المظلومية المشتركة بينهما من القوى الإسلامية السنية والإخوانية .

قرائن سياسية ومادية للدعم الإيراني

لم يعد الحديث عن التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لليمن، همساً بين دوائر أمنية وسياسية، بل تعداه إلى العلن والمجاهرة على أعلى المستويات الرسمية . ففي أكتوبر 2012م اتهم الرئيس - عبدربه منصور هادي - إيران بالسعي إلى تنفيذ مخطط يهدف للسيطرة على مضيق باب المندب في البحر الأحمر، داعياً إلى تحرك دولي عاجل لوقف المخططات الإيرانية الوشيكة.

وفي محاضرة له قال الرئيس هادي في (مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين) في واشنطن - يوم 28 سبتمبر 2012م ، ذكر أن من بين التحديات التي تواجهها اليمن التدخل الإيراني، مؤكداً أن إيران تسعى إلى تعويض خسارتها الإستراتيجية مع تزايد مؤشرات انهيار النظام في سورية ؛ واستبداله في اليمن نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يقع بين دول غنية بالنفط والقرن الإفريقي . وأوضح الرئيس هادي أن هذه التدخلات تمثلت في الدعم الإيراني لبعض التيارات السياسية والمسلحة، وتجنيد شبكات تجسسية ، مؤكداً الكشف عن ست شبكات تجسسية تعمل لصالح إيران تم إحالتها للقضاء . وفي مؤتمر صحفي في برلين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في 4 أكتوبر 2012م؛ جدد هادي اتهاماته لإيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لليمن من خلال دعم الانفصاليين، وقال: إنّ في الجنوب حراكين: «حراك سلمي وحراك غير سلمي، هذا (الأخير) يستخدم السلاح، ومدعوم من إيران.. الحراك المسلح هو من يريد الانفصال ، بالإضافة إلى تأكيد وزير الخارجية أبو بكر القربي أن هناك علاقة قوية بين الحوثيين والحرس الثوري الإيراني؛ من خلال توفير طهران التدريب والأسلحة والمعدات والأموال.

يتحدث مراقبون بقولهم إن تورط إيران في إذكاء الصراعات في اليمن أمر ثابت ببراهين ملموسة وأيضا مراقبون يرون أن هناك قرائن سياسية تشير إلى أن من مصلحة طهران تعويض خسارتها لحليفها السوري، عبر إيجاد نفوذ لها في اليمن عن طريق جماعات متباعدة مذهبيا وعقائديا وإيديولوجيا تتراوح بين الحوثيين الشيعة في الشمال، والانفصاليين في الجنوب.

كما تم الإعلان في منتصف 2012م عن خلية التجسس الإيرانية جاء بعد أن تحصلت السلطات الأمنية على معلومات دقيقة حول تحركات الخلية التي يرأسها قيادي سابق في الحرس الثوري، وهو ما دفع الرئيس هادي، المعروف عنه عدم خروجه عن الأعراف الدبلوماسية، إلى الخروج عن صمته والتلويح بكشف معلومات وافية عن الشبكة ، مطالباً إياها بالكف عن التدخل في شؤون بلاده الداخلية بعد سنوات من العبث في البلاد وإلا وجدت ما لايرضيها، بحسب خطاب ناري، الأول من نوعه لهادي منذ توليه زمام الأمور في البلاد في شهر فبراير/ شباط الماضي 2012 م .

 استغلال الضعف الأمني

يدرك صانع القرار في اليمن أن المعركة مع طهران لن تكون سهلة، بخاصة في ظل اندفاع إيراني واضح وكبير نحو اليمن لتعويض خسارة محتملة لنظام بشار الأسد المجاور لها كما ذكرنا سابقاً . حيث تستغل طهران حالة الانفلات الأمني الكبير الذي يعيشه اليمن في الوقت الحاضر لتتمدد بشكل أو بآخر في الساحة، خاصة أن اليمن تحول في الآونة الأخيرة إلى ملعب لمختلف القوى الإقليمية والدولية بسبب تواجد تنظيم القاعدة والأزمات التي يعيشها اليمن والتي تؤدي معظمها إلى تواجد لاعبين إقليميين ودوليين في البلاد. 

إن أدنى مصلحة لإيران في اليمن في حال لم يكن لها نفوذ بين قادته، هي أن تفشل الانتقال السياسي فيه والذي تنظمه المبادرة الخليجية، وأن تضرب محاولة استعادته استقراره حتى تبقي عليه جبهة توتر مفتوحة بجوار دول الخليج العربية، تكون المعادل الجغرافي لبؤرة التوتر في سوريا وتكون المرجعية والطرف المفاوض في أي اجتماع يعقد بخصوص الوضع في اليمن .

تراجع للنفوذ يمكن أن يعوض في اليمن

يدرك النظام الإيراني أن الشعوب لا تقهر ويدرك حتمية انتصار الثورة السورية، وأن سقوط نظام بشار مجرد مسألة وقت، وذلك ما يزيد من وتيرة الأنشطة الإيرانية في اليمن وترسيخ أذرعها الجاهزة فيه (الحوثيون) وصناعة أذرع أخرى مثل الانفصاليين، وشخصيات يسارية أخرى .

يبدو أن رياح الربيع العربي وإن لم تؤثر في الداخل الإيراني إلا أنها أحدثت عاصفة تهدد الخارج وكل ما بنته وتسعى لبنائه طهران منذ عقود بعد فشل مساعيها وحلفائها في البحرين وفقدان "حزب الله" لمبررات امتلاك سلاحه وبالتالي "شرعيته" كمقاومة في لبنان واحتضار النظام في سوريا ما يهدد فقدانها أهم "حليف" في المنطقة ، وبدأت بتنفيذ سياسة "الفوضى الخلاقة"، هذه المرة في اليمن عبر تسليح "الحوثيين" ما ينذر بحرب أهلية ( لا قدر الله ) في جنوب الجزيرة العربية تكون إيران أحد أطرافها المؤثرة ، وبالتالي تكون أداة ضغط على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية .

وهو ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن إيران تحاول عبر تسليحها ودعهما للحوثيين في اليمن إلى المحافظة على مكانتها ودورها كفاعل في منطقة الشرق الأوسط . وأشارت الصحيفة أنه على مدار الأشهر القليلة الماضية عملت طهران على التكثيف من قنوات الاتصال السياسية با الحوثيين وإرسال شحنات أسلحة إلى حلفائها ورموز سياسية أخرى في اليمن في إطار جهود إيرانية “مضنية” تهدف إلى توسيع نطاق النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو الأمر الذي شاهده الجميع من خلال كشف السفن المحملة بالأسلحة المختلفة والأجهزة الحديثة

 الدولة الضاحية والسعودية

الدولة الضاحية مصطلح استخباري سياسي ويقصد به اختراق الدولة المستهدفة عبر الدولة الضاحية أي (المجاورة ) وخاصة إذا كانت أجهزة الدولة المستهدفة لا تسمح بنشاط للدولة الساعية لاختراقها، أو تحاصر أنشطتها، أو ليس بينهما علاقات دبلوماسية، أو بينهما عداوة والعلاقات باردة.

في الحالة الإيرانية السعودية هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين لكن لا يخفى على أي متابع فتور تلك العلاقة التي يغلب عليها التناقض والخصومة والعداوة ولذلك فإن مساعي طهران لاختراق المملكة وأجهزتها -مباشرة- غير ممكن، أو صعب ومكلف، واليمن بحالتها، ووجود الحوثية تمثل ضاحية ملائمة لإيران، إذ يمكنها من الضغط على السعودية ، وجعلها في حالة قلق دائم ، وهو ما حدث في الحرب السادسة عندما تمت المواجهة بين الحوثيين والجيش السعودي على الحدود ، ثم يمكنها تسريب الجواسيس وإدخالهم من اليمن، ويمكنها تجنيد حوثيين لهذا الغرض، كما يمكنها إدخال عراقيين وسوريين عبر جوازات يمنية، وذلك واحد من الدوافع التي تفسر الاستقطاب الحاد من قبل إيران في اليمن.

الحوثيون وإستراتيجية استعراض القوة

يقول المحلل السياسي -علي سيف حسن، أن الظهور القوي لجماعة الحوثي في الآونة الأخيرة يهدف إلى القول: نحن هنا، ولسنا في صعده فقط وأن القضية ليست قضية صعده وإنما نحن مشروع سياسي على مستوى اليمن ونحن موجودون في كل اليمن وإن أردتم الحرب في صعده فلن تكون هناك فقط ، ويرى حسن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المسألة في الدعم الإيراني للحوثيين لا تتعلق بالمجاهرة «وإنما في الانتشاء وليس المجاهرة وهي لا تصدر عن عناصر محسوبة مباشرة على الحوثي وإنما عن أنصار له ، وبالتالي هم يبحثون عن علاقة إعلامية وسياسية»، في سياق نشاطهم التوسعي العلني في تعز والجنوب، مؤكدا أنهم «لا يبحثون هناك عن علاقة عسكرية أو أمنية وهم حذرون جدا وإذا لاحظنا حديثهم في خارج مناطقهم التاريخية كصعده وما حولها، هو حديث سياسي وحقوقي بعيد عن أي تعصب مذهبي أو قضايا مذهبية أو دينية

وما لا حضه الجميع في مولد النبي ( ص) كيف ظهر الحوثيون بمظهر القوة والكثرة العددية في المولد النبوي إنما هو إشارة واضحة إلى جميع الأطراف في الداخل والخارج أننا لسنا كما تتخيلون نحن مستعدون لحشد الملايين ولدينا أنصار في كل مكان ليس في صعده فقط كما توحي تجمعاتهم .

أما على الصعيد السياسي فإن جماعة الحوثي ترفض المبادرة الخليجية، وتعتبرها مؤامرة سعودية-أميركية على الثورة اليمنية ، إلا أنها أبدت استعدادها للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم، وهذا ما يجعل الكثير من المراقبين يتساءلون: ما الذي يريده الحوثيون بالضبط؟ فهم يرفعون شارة الحوار بيد، ويمسكون السلاح باليد الأخرى. بشكل عام تدرك جماعة الحوثي أن مساحة المناورة لديها تضيق يومًا بعد يوم، وأن رفضها للحوار الوطني والذي دخلته مؤخراً باستحياء يعني وضعها في دائرة الاستهداف المباشر داخليًا وخارجيًا خاصة بعد رفضها الدخول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي جعلتها في زاوية ضيقه واعتبرها مراقبون إخفاقا سياسيا .

كيفية التعامل مع إيران

ليس المطلوب القطيعة مع إيران بل التعامل بندية معها، فالدول متكافئة في علاقاتها، وفقا للقانون الدولي. ومن المعروف أن السياسة والعلاقات الخارجية لها وجهان أحدهما معلن وهو في العلاقات الطبيعية، والسفارات والزيارات المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة والآخر غير معلن وهو في كثير من الحالات الأهم حيث تسعى الدول القوية للتأثير على الدول الضعيفة والاحتيال على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية بالتواصل الاستخباري مع مجموعات وهيئات وأشخاص، وتجنيد وزرع العملاء لاختراق الأجهزة الحيوية كالمخابرات والجيش ومراكز القرار السياسي. والحالة في اليمن لا تحتاج إلى كثير من الجهد من إيران أو غيرها، فهي تستقطب وتجند علنا ، وبالتالي يجب إعادة الاعتبار للوطنية والحساسية تجاه العمالة بل إحياء مفهوم العمالة والتخابر مع دول أجنبية باعتباره خيانة عظمى بل والمحاكمة لمن يقدم على ذلك بحيث يكونوا عبرة لمن يفكر بمثل هذا الفعل المشين . لذا يجب أن تقوم أجهزة المخابرات وجمع المعلومات على أسس وطنية محترفة تحمي ذاتها وتحمي البلاد من الاختراق الأجنبي وتعمل على مكافحة التجسس ولا تسمح بأي تجنيد أو زرع عملاء لدول أجنبية مهما كانت.

إن وحدة الجبهة الداخلية ووحدة الصف من أهم المرتكزات لوجود الدول، واستمرارها وبدون وحدة الجبهة الداخلية فإن الدولة معرضة للزوال وذلك يتطلب وعي الأجهزة الأمنية، وقيامها بواجباتها وترسيخ الولاء العام للوطن .

يجب أن يدرك المواطن اليمني أننا في غنى أن نكون مثل العراق ولبنان وهذا لا يتأتى إلا بجهود تكاملية بين المواطنين من أجل نبذ الطائفية التي تعد من الدخائل على اليمن ، وأن لا ننجر وراء الشعارات الوهمية التي يقصد بها جرنا إلى مربع الاقتتال والطائفية .

هكذا -وبرغم التقدم المحرز الذي يدفعنا لوصف عام 2012 بعام وقف التدهور الأمني في اليمن- يبقى المستقبل اليمني معلقا على مؤتمر الحوار الوطني في منتصف شهر مارس المقبل 2013م ، الذي إذا ما نجح سوف يحد من التدخلات الخارجية ولو بشكل جزئي .