الفيدرالية في اليمن رؤية شرعية واقعية
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الأربعاء 05 ديسمبر-كانون الأول 2012 08:04 م

ورد في موسوعة ويكيبيديا في تعريف الفيدرالية بأنها : شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.

من خلال التعريف الآنف الذكر، نلحظ أن النظام الفدرالي يشتمل على إيجابيات كثيرة من أهمها وأبرزها :

1) أن يحظى الإقليم باستقلال إداري، ومن ثم يتحكم الإقليم في موارده المالية والاقتصادية.

2) بُعد الإقليم عن هيمنة الدولة المركزية، ووجه الإيجابية هنا أنّ الإقليم قد لا يكون بينه وبين الدولة المركزية تجانس فكري أو عقائدي، كما هو الشأن مثلاً في الأقليات المسلمة قبائل الروهنجا في بورما، مثالاً، فالفدرالية تمثل حلاً واقعياً لهذه المعضلة .

3) أنّ الإقليم يرتبط بالدولة المركزية، ارتباطاً جغرافياً وسياسياً فقط، ويحظى بحكم ذاتي مستقل حسب ما تقتضيه مصلحة الإقليم.

هذه الإيجابيات وغيرها جعلت الكثير من المراقبين يميلون إلى القول بضرورة حل مشكلة الجنوب اليمني عن طريق نظام الفدرالية، لتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الموارد الاقتصادية، من جهة، ومن جهة أخرى لرفع الظلم والحيف والتسلط الذي فرض على الشعب اليمني، ومنه المحافظات الجنوبية والشرقية، بشكل أخص، إبّان حكم المخلوع صالح، عجّل الله بهلاكه، وما يمكن أن يتكرر في المستقبل، سيما مع الضبابية التي أوصلتنا إليها المبادرة الخليجية، فإلى هذه اللحظة لا يزال النظام السابق يعيث في البلد الفساد عبر أدواته ومراكزه الأمنية والعسكرية، وهو ما يعني بالضرورة إيجاد حل جذري للمسألة الجنوبية، التي أخذت بعداً دولياً وإقليمياً كبيراً.

إضافة إلى ما سبق فإنّه لا مانع شرعاً من تبني نظام الفدرالية، إن لم تتيسر الوحدة الاتحادية الاندماجية الكاملة، فبعض علماء الفقه السياسي الإسلامي في القديم والحديث، لا يرون بأساً أو إشكالاً فقهياً في جواز تعدد الولاة في الإقليم الواحد، كما هو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية والإثنا عشرية، وغيرهم على النحو المبين في كتب الفقه.

بيد أنّ هذه الإيجابيات مع أهميتها وروعتها ووجاهتها عموماً إلا أنّه بالنظر إلى الحالة اليمنية الراهنة، وبالنظر إلى مآلات هذه الدعوة – الدعوة إلى فدررللة اليمن- يجب النظر إلى هذه الإيجابيات من زاوية أخرى، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار إلى عوامل سياسية وأمنية أخرى مؤثرة، في المشهد، من أهم تلكم العوامل:

1) المخططات الدولية الراهنة الرامية إلى تجزئة المجزئ، هذه المخططات لم تعد سراً على أحد، ومن أهم هذه المخططات ما يسمى بخارطة الشرق الأوسط الكبير، حيث يهدف هذا المخطط كما هو معلن عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى تجزئة المجزئ وتشطير البلدان العربية إلى شظايا وقريات تحكمها طوائف ومشيخات وشلاليات معينة، توافق المزاج الاستعماري .

2) أنّ مصدر هذه الدعوة لا يريد الوقوف عند حد نظام الفدرالية، بل إنه ليعلن أن هذه مقدمة نحو الكونفدرالية ومن ثم الانفصال التام، كما وقع في جنوب السودان، وذلك بالمطالبة في المستقبل القريب بما يسمى بحق تقرير المصير 

ولا يخفى على أحد الفارق الهائل بين النموذجين اليمني والسوداني، فالنموذج اليمني فيه من البيْنيّات والاختلافات ما ليس في النموذج اليمني، فاليمن ليس فيه أجناس إثنينة عرقية أو ديانات مختلفة أو سلالات متصارعة، بخلاف ما عليه الوضع السوداني .

وبالتالي فإنّ الفيدرالية إن سلّمنا بجدواها لحل أزمة الجنوب السوداني، فلسنا نسلّم بها في الوضع اليمني، فالفدرالية في الوضع اليمني تعدّ مشكلة أخرى تضاف إلى مشكلات اليمن التي لا تنتهي، سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما عليه الوضع في شمال اليمن، أعني محافظة صعدة، التي هي الأخرى تعيش نظاماً فدراليا غير معلن، إن لم يكن نظاماً كونفدرالياً في واقع الحال، والدولة اليمنية المركزية في بعض الأحوال تطالب بالاستقلال والفكاك من قبضة الحوثيين، وتوفير الحد الأدنى من الأمن ولو في العاصمة صنعاء!!.

3) ثمة مخططاً غربياً قديماً، ينفذه الغرب وحلفاؤه في المنطقة لتقسيم اليمن وتجزئته، ولعلّ هذا الشعار أحد هذه الأدوات لإعادة تقسيم اليمن وتشطيره، ولو مرحلياً، بعد أن أيس أصدقاؤنا الغرب وحلفاؤهم في المنطقة من إمكانية تشطير اليمن بشكل سريع، نظراً لالتفاف الشعب اليمني بكل قواه حول راية الوحدة اليمنية، بما فيهم الحزب الاشتراكي اليمني.

في تقديري: أن نظام الفيدرالية يمكن أن يكون حلاً لمشكلات بعض الدول والبلدان، إلا أنّه في الحالة اليمنية يراد له أن يكون مقدمة نحو الانفصال التام وعودة التشطير البغيض، ولو بعد حين.

وعليه: فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار هذه الحيثيات الواقعية نجد من السهولة بمكان القول بمنع هذه المؤامرة المسماة بالفيدرالية، فهي دعوة ظاهرها فيه الرحمة بالشعب اليمني وباطنها فيها العذاب، وعلى العقلاء والحكماء في اليمن عدم الانجرار إلى هذه الدعوة، والوفاء لدماء الشهداء الأبرار التي سكبت مدراراً وبسخاء منقطع النظير، لترسيخ الوحدة اليمنية، وبناء أركانها، وعلى الجميع أن يدرك أن حل مشكلة الجنوب اليمني وشماله وغربه وشرقه، يكمن في التحرر من ربقة النظام العفاشي الاستبدادي الكهنوتي المتخلف، وبناء الدولة المدنية العادلة التي يشعر فيها كل مواطن يمني بكرامته وحريته، وفق أصول الشريعة الغراء ومحكماتها العامة.

إنه إن تمكن اليمانيون الأحرار من بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة القائمة على مبدأ العدالة والمساواة وعدالة توزيع الثروة التي تضمن الحرية، وتكفل تكافؤ الفرص، فلن يبقى أيما إشكال.

إنّ حل مشكلات اليمن لا يكون بمزيد من التشظي والانشقاقات والتجزئات وإنما بإقامة الدولة المدنية الحديثة، التي تستوعب كل الأقاليم والطوائف والشرائح الاجتماعية والمدن والقرى والعزل، وتوفر أجواء المساواة والحرية والكرامة .

والله تعالى من وراء القصد

Moafa12@hotmail.com