تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
مثّل "علي سالم البيض" شخصية مثيرة للجدل في الساحة السياسية اليمنية منذ بروزه في ستينيات القرن المنصرم, وهو الشخصية التي لا تزال تثير جدلا حتى يومنا هذا.
وإذ يمثل ذلك الجدل, فقد كان الحجر الأساس في تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م, والتي مثل حدث إعلانها أبرز حدث عربي في نهاية القرن العشرين.
وفي غضون أربعة أعوام من ذلك التاريخ, ونتيجة للجدال الدائر حوله, تأرجحت شعبية الرجل بين أقصى اليمين وأقصى اليسار؛ على إثر موقفه من الوحدة, والموقف المتمثل بإعلان الانفصال فيما بعد.
لفتة سريعة إلى ما قبل العام 1986م
ولد علي سالم البيض في العام 1939 في محافظة حضرموت شرق اليمن, وهي المحافظة التي كانت تسمى بـ"المحافظة الخامسة" في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى العام 1990, وتعد حاليا أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة.
وفي قرية معبر مديرية الريدة وقصيعر بمحافظة حضرموت، مسقط رأسه, تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط, لكنه لم يلبث أن انتمى مبكراً إلى حركة القوميين العرب, وأصبح من الشخصيات الأساسية في تنظيم الجبهة القومية، فتولى قيادة العمل العسكري في المنطقة الشرقية، "حضرموت – المهرة" ضد الاحتلال البريطاني حينها, والذي كان في أيامه الأخير بعد استعمار لجنوب اليمن دام لأكثر من قرن وربع من الزمن.
وعلى الرغم من أنه أدار عملا مسلحا, إلا أنه لم يكن عسكريا, باستثناء تلقيه عدداً من الدورات العسكرية في القاهرة في الستينيات.
تقول المصادر التاريخية إنه عارض بشدة فكرة الدمج بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، ونتيجة معارضة البيض لذلك أعلن انسحابه من تنظيم الجبهة القومية وتشكيل تنظيم بديل اسمه "الجبهة الشعبية لتحرير حضرموت".
(تأسست الجبهة القومية في مايو 1963 بقيادة قحطان الشعبي, في حين تأسست جبهة التحرير في يناير 1966 بقيادة عبد القوي مكاوي, واحتدم الصراع بين الجبهتين حتى أغسطس 1966, قبل توقيع اتفاقية الإسكندرية حول توحيد الجبهتين في جبهة موحدة، وتلا ذلك خلافات داخلية واسعة، استمرت حتى أكتوبر 1966، ثم اندلع القتال فجأة بين الجبهتين، وكانت النتيجة لصالح جبهة التحرير القومية، بقيادة قحطان الشعبي، وانطلاقاً من ذلك، اعترفت بريطانيا رسمياً بها، ودعتها لإجراء مفاوضات، في جنيف، ابتداء من 20 نوفمبر 1967، وتحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، بعد رحيل القوات البريطانية، وأُعلن عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، جمهورية عربية مستقلة, وعدل الاسم في عهد سالم ربيع علي "سالمين" إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 1971).
وفي الحكومة المؤقتة التي شكلت قبيل الاستقلال, أي قبل عام 1967م, شغل البيض منصب نائب عن شؤون الجيش والأمن.
وكان البيض أول من تولى منصب وزير الدفاع حين تم الإعلان عن استقلال الجنوب, وخروج الاستعمار البريطاني بشكل نهائي, وتشكيل أول حكومة في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (قبل أن تسمى بـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية") حتى عام 1969. ليتقلد بعدها أكثر من منصب حكومي في مرحلة ما بعد حركة 22 يونيو 1969 التي أطاحت بالرئيس قحطان الشعبي- أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال. وقد ظل عضواً للمكتب السياسي للجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي الذي تأسس في أكتوبر 1978.
وبما أنه كان أول من تولى منصب وزير الدفاع, إلا أن البيض لا يكن يملك أي رتبة عسكرية, عوضا عن هذا فإنه من المدنيين القلائل الذين يتولون منصب وزير الدفاع على مستوى العالم.
حين قامت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية, تولى منصب رئيس الدولة قحطان الشعبي, (1923م- 1981م) من محافظة لحج, والذي تولى منصبه منذ الاستقلال الوطني حتى 22 يونيو 1969, ليتولى سالم ربيع علي الشهير بـ"سالمين", (1935 - 1978) من محافظة أبين, منصب الرئيس حتى العام 1978, حين خلفه عبد الفتاح إسماعيل, (1939- 1986) من محافظة تعز, والذي أسس الحزب الاشتراكي اليمني.
وفي هذه المرحلة, أي مرحلة عبد الفتاح إسماعيل, تم تجريد البيض من مناصبه الحزبية والحكومية لعدة مخالفات وتجاوزات قام بها, ومنها زواجه من السيدة "مُلكي عبد الله حسن", فيما كان نظام الحزب الاشتراكي يمانع أن يجمع الرجل بين امرأتين, لكنه سرعان ما عاد إلى الواجهة عندما تمكن على ناصر محمد من إقصاء عبد الفتاح إسماعيل, ونفي الأخير إلى موسكو, أبريل 1980م.
بعد أحداث يناير 1986
بعد نفي عبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو تسلم السلطة من بعده الرئيس علي ناصر محمد (المولود في محافظة أبين عام 1939, والموجود حاليا بسوريا), وكان أول رئيس جنوبي يجمع بين كل من رئاسة الدولة والأمانة العام للحزب الاشتراكي ورئاسة الحكومة.
ولم يكن الرئيس علي ناصر متحمسا سواء لعودة عبد الفتاح إسماعيل الرئيس السابق أو عقد المؤتمر الثالث للحزب في أكتوبر 1985 والاجتماعات التي أعقبته في يناير 86 التي انتخب فيها عبد الفتاح للجنة المركزية للحزب وهو ما أزعج علي ناصر، وأحس الأخير بالتحالف الجديد بين عبد الفتاح وعلي عنتر وعلي شايع وصالح مصلح ومعهم علي سالم البيض الرئيس اللاحق.
وكان من شأن الاجتماع الذي عقد في 13 يناير أن ينتخب عبد الفتاح إسماعيل أمينا عاما للحزب الاشتراكي أو رئاسة الدولة, أي أن أحد المنصبين اللذين كانا تحت سيطرة ناصر سيؤول لـ"فتاح".
لكن ذلك لم يحدث, وعلى إثره شهدت مدينة عدن حربا مشهودة سيئة الصيت. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن يحضر الرجل الأول في الدولة الرئيس علي ناصر محمد للاجتماع في العاشرة من صباح الاثنين 13/1/1986, جاء بدلا منه حارسه الشخصي "حسان" الذي أطلق الرصاصة الأولى التي أشعلت الحرب بين الرفاق, وكان علي أحمد ناصر عنتر الشهير بـ"علي عنتر" أول قتيل فيها.
وفي الغرفة الصغيرة التي كان الرفاق مجتمعون بها في مدينة التواهي بعدن, نجا علي سالم البيض بأعجوبة مذهلة, هو وعبد الفتاح إسماعيل وقلة آخرين, وفيما استمر الأول على قيد الحياة, اختفى الثاني في ظروف لا تزال غامضة.
وقد قتل من قادة الحزب الاشتراكي اليمني حينها, كل من علي عنتر وصالح مصلح وعلي شايع, إضافة إلى عبد الفتاح إسماعيل, فيما كانت قد اندلعت حرب أهلية خلفت وراءها آلاف القتلى, تقول المعلومات إن عدد القتلى فاق الـ10 آلاف قتيل, في حين لا يزال العدد الحقيقي للضحايا غير معلوم.
يوضح البيض, كشاهد عيان, أنهم ظلوا في اللجنة المركزية حتى الساعة السابعة مساء, وفي ذلك اليوم كان المهندس حيدر أبو بكر العطاس- رئيس الوزراء في زيارة إلى كل من الهند والصين.
وتمخضت الأحداث في أن يتبوأ علي سالم البيض منصب الأمين العام للجنة المركزية, والذي قاد البلد إلى تحول في العام 1990.
الحدث الأبرز في تاريخ البيض واليمن
فيما تلا أحداث يناير, وخروج علي ناصر محمد إلى الجمهورية العربية اليمنية ومنه إلى سوريا, كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في آخر أربعة أعوام من تاريخها قبل الدخول في وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية.
حينها كان علي سالم البيض الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني, القائد والموجه, فيما كان المهندس حيدر العطاس بمثابة الرئيس الشرفي للدولة, وشغل الدكتور ياسين سعيد نعمان, الأمين العام للحزب الاشتراكي في الوقت الراهن منذ 2005, منصب رئيس الحكومة وقتها.
وكان نظام الحكم في عدن يعطي الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي صلاحيات أعلى من رئيس الدولة.
وكانت حينها المفاوضات بشأن الوحدة اليمنية قد بلغت تقدما كبيرا, بعد أن كانت قد بدأت في 28 أكتوبر 1972 بالقاهرة.
فبعد اتفاقية القاهرة 1978, وقمة طرابلس 28 نوفمبر 1978, ولقاءات الجزائر, وتعز والحديدة 1973, ولقاء قعطبة في 15/7/1977م, وقمة الكويت 1979م, وغيرها, توج الرئيس علي عبد الله صالح, والأمين العام للحزب الاشتراكي حينها علي سالم البيض كل تلك اللقاءات والقمم بلقاء عدن التاريخي في 30 نوفمبر 1989, والذي تم فيه الاتفاق على "إحالة مشروع الدستور إلى مجلسي الشورى والشعب في شطري الوطن، وذلك للموافقة عليه طبقاً للأنظمة الدستورية لكل منهما خلال مدة زمنية أقصاها ستة أشهر", وأن "يقوم رئيسا الشطرين (صالح والبيض) بتفويض من السلطتين التشريعيتين بتنظيم عمليتي الاستفتاء على مشروع الدستور، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجدية طبقاً للدستور الجديد".
ووقع اتفاق نوفمبر بعدن قبل اتفاق 22 أبريل 1990 في صنعاء والذي تم فيه "إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية", ونصت المادة الأولى من الإعلان على أن "تقوم بتاريخ 26 من مايو عام 1990م الموافق 1 من ذي القعدة 1410هـ بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (وحدة اندماجية كاملة) تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية) ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة".
القرار العاطفي للبيض
ذات يوم, سمعت المهندس أبو بكر العطاس, في حوار متلفز, يصف علي سالم البيض بـ"العاطفي", ولم يأت هذه التوصيف, برأيي, من فراغ, فمما تميز به الأخير في توقيع اتفاق الوحدة أنه لم يكن ليسمع إلا صوت العاطفة, سواء كانت عاطفته أم عاطفة الجماهير, لكنه أبدا لم يحكم العقل في مسألة ما جرى في 22 مايو, وإن كنت هنا أسجل أن طرفي الوحدة بتاتا لم يدخلا إلى الوحدة دون دوافع سياسية بعيدة عن مصلحة الوطن والشعب.
ولعل من أبرز الغرائب في هذا الشأن, أن الرئيس علي عبد الله صالح كان منحازا لخيار الوحدة الفيدرالية لولا إصرار البيض على الاندماج وتماهي الشخصية الاعتبارية للدولتين في دولة واحدة هي الجمهورية اليمنية.
ومما قاله المهندس حيدر أبو بكر العطاس, الذي كان أول رئيس حكومة لدولة الوحدة, أن غير واحد في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي كانوا يؤيدون فكرة البدء بتوحيد برامج تمهيدا للدخول في الوحدة الكاملة بين صنعاء وعدن, إلا أن رأي الأمين العام لم يكن ليتغير, ليقود البلد نحو الاندماج الذي لم يكن مناسبا على الإطلاق بين الطرفين؛ نظرا للفوارق بينها, أكانت أيدلوجيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو حتى من الناحية الديموجرافية والاجتماعية.
ولم أستطع أن أفهم كيف اقتنعت قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أن يكون الرئيس من الجمهورية العربية اليمنية, وتكون عاصمة الدولة هي ذاتها عاصمة العربية اليمنية.
وعوضا عن رفض البيض للوحدة الفيدرالية, قال الدكتور عبد الملك المتوكل نقلا عن البيض إن معلومات حينها تحدثت عن اكتشاف النفط في جنوب اليمن, إلا أن قيادة الدولة حينها أخفت هذا الأمر وسعت جاهدة إلى تحقيق الوحدة (الاندماجية) خوفا من أن يعرف الشعب ويرفض الوحدة نتيجة المورد الاقتصادي الجديد.
ولا يمكن إنكار أن البيض كان هو صاحب الوحدة الحقيقي, إذ أنه من المحتم أن الرئيس صالح سيرفض مسألة القبول بتولي منصب نائب الرئيس, وبقبول البيض وتخليه عن منصب الرجل الأول لا شك أن ذلك يعد ميزة لا يستهان بها, وتظل محل فخر, لكن الفكر السياسي إن لم يراع مصلحة الوطن مقابل مراعاة دخوله التاريخ بهكذا تنازل يظل معاقا عن تحقيق أي مكاسب, وهو ما حدث في حرب صيف 1994 المشئومة التي أفشلت الوحدة السلمية لتأتي بوحدة 7 يوليو التي قادت البلد إلى ما نحن عليه اليوم, إذ أن التغني بتعميد الوحدة بالدم يقود إلى تعميد كل شيء بالدم في حال استحال الحصول عليه سلميا.
ولا يخفى على أحد أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دخلت الوحدة بقيادة علي سالم البيض بعد تركة ثقيلة من الخسائر التي خلفتها حرب يناير 1986.
حجم المأساة
من يستمع إلى كلمات قادة الوحدة قبيل 1990 وبعده يدرك حجم المأساة التي استيقظت عليها العقلية السياسية اليمنية التي كانت تشطح وتفخر بدخول التاريخ فيما هذا كله لم يواكبه بناء متين لمسار هذا التحول, والذي تم, برأيي, قبل ميعاده بزمن كثير.. صحيح أنني مع خيار الوحدة, ولكن من سيقف مع وحدة فاشلة جرى تعميدها بالدم؟.
وما يهمني هنا هو استعراض شخصية علي سالم البيض, نائب رئيس دولة الوحدة حينها, وقياس حجم الانفعال الطاغي الذي كان يتمتع به قبيل إعلان الوحدة.
في صنعاء
خاطب علي سالم البيض "جماهير سبتمبر وأكتوبر" في العاصمة صنعاء, أمام حشد هائل من المواطنين, ليقول بصوت مغمور بالنشوة: "إن احتفالنا في صنعاء مثله مثل احتفالنا في عدن, في كل أرجاء الوطن, نحن هنا في بلادنا, نحن في أرضنا ولسنا ضيوفا فيها, ولكننا أهلها وأبناؤها, لقد تعانقت صنعاء وعدن, إلى الأبد, وأقولها إلى الأبد", انقر هنـــــــا.
وكان البيض بنظر صنعاء أستاذا, ما لبث أن تحول إلى "شخص مريض وعنده انفصام", طبقا لخطاب صالح في 21/5/1994, بعيد إعلان الأول عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مرة أخرى وعاصمتها عدن. انقر هنــــــــا.
ما يمكن أن نسميه ذكاء لصالح "نظام الشمال" وليس لصالح "الوطن"
بعد توقيع الوحدة, وتكوين مجلس رئاسة الدولة الوليدة من (علي عبد الله صالح, علي سالم البيض, عبد الكريم العرشي, سالم صالح محمد, وعبد العزيز عبد الغني) كانت الفترة الانتقالية محددة بـ30 شهراً أكملت عملية الاندماج السياسي والاقتصادي بين النظامين، وتم انتخاب مجلس رئاسي من قبل الـ26 عضواً في المجلس الاستشاري للجمهورية العربية اليمنية والـ17 عضواً في مجلس الرئاسة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وقد عين المجلس الرئاسي حيدر أبو بكر العطاس رئيسا للوزراء, إضافة لمجلس برلمان يضم 301 عضواً يتكون من 159 عضو من الشمال و 111 عضو من الجنوب و 31 عضو مستقل يتم تعيينهم من قبل مجلس الرئاسة, وترأسه الدكتور ياسين سعيد نعمان.
ولقد تم الاستفتاء على دستور موحد في مايو 1991, وكان قد تم الاتفاق بشأنه في مايو 1990.
وفي 27 أبريل 1993 تمت أول انتخابات برلمانية كانت نتائجها كالتالي:
"132 عضواً من حزب المؤتمر الشعبي العام", و"56 عضواً من الحزب الاشتراكي اليمني", و"62 عضواً من التجمع اليمني للإصلاح", و"42 عضواً مستقلون", إضافة لـ"آخرين من أحزاب أخرى", ووفق لـ"132" الذين كونوا كتلة المؤتمر, والـ"62" الذين كونوا كتلة الإصلاح, وهو حزب سياسي إسلامي منبثق من فكر الإخوان المسلمين أنشئ بدعم الرئيس صالح بعد إعلان الوحدة اليمنية في سبتمبر 1990, تم انتخاب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وهو رئيس حزب الإصلاح, رئيسا للبرلمان الجديد خلفا لياسين سعيد نعمان, ولعل العامل الديمجرافي يتضح أكثر هنا في ترجيح كفة الديمقراطية لصالح طرف دون آخر من ناحية مناطقية لا أكثر.
وبعد هذه الانتخابات, دخل الشيخ عبد المجيد الزنداني مجلس الرئاسة بدل عبد الكريم العرشي, وكان من الواضح أن حزب الإصلاح أنشئ أساسا من أجل ترجيح الكفة ضد الحزب الاشتراكي اليمني سياسيا, قبل أن يرجحها عسكريا في حرب صيف 1994.
ولم تمر أربعة أشهر حتى قام نائب الرئيس علي البيض بالاعتكاف في عدن في أغسطس 1993 إثر عمليات اغتيال عديدة طالت قيادات جنوبية, كما كان القادة الجنوبيون يتهمون القادة الشماليين بالعمل على إقصائهم التدريجي والاستيلاء على الحكم.
وفي 20 أبريل 1994 توصل الوحديون, حتى هذا التاريخ, إلى ما سميت بـ"وثيقة العهد والاتفاق" في الأردن بحضور الملك الأردني حسين بن طلال, والرئيس ياسر عرفات, والرئيسين السابقين المشير عبد الله السلال, وعلي ناصر محمد, وحشد هائل من السياسيين اليمنيين والعرب.
اقتطفت هنا بعضا مما قاله صالح والبيض.
ففي حين اكتفى صالح بالقول: "نأمل أن ننتقل بالفعل قيادة وحكومة وشعبا وفي الطليعة أحزاب الائتلاف الثلاثة (المؤتمر والاشتراكي والإصلاح) إلى واقع التنفيذ العملي حسبما تضمنته وثيقة العهد والاتفاق", أسهب البيض وبكلام يستشعر المسئولية بشكل أفضل عن "محطة جديدة في تاريخ اليمن نوقعها هنا ونواصلها في اليمن", لافتا إلى أنه "رغم الجروح لكن جرح الوطن أغلى وأكبر علينا ويهون كل شيء من أجل اليمن".
وقال: "صدقنا وجدنا سيظهره الغد عندما نعود هناك. المهم في هذا الاتفاق أن ننقله إلى التطبيق", مضيفا "لا بأس هذه المرة حصل في اليمن صراع من نوع آخر لكنه حوار بالكلمات واستبعدنا حوار الطلقات وحوار العنف واحتكمنا للإجماع الوطني".
وأسمى وثيقة العهد والاتفاق بـ"وثيقة الوطن.. وثيقة الإجماع الوطني, وليس وثيقة حزب من الأحزاب".
وأضاف "سنعمل على تطبيقها رغم تحفظنا أو إحساسنا بأن هناك صعوبات في التنفيذ من خبرة الماضي, ولكن دعونا نتفاءل ونكون دائما متفائلين".
وقال بكلام أكثر أهمية: "أمامي الآن صورة الشهيد ماجد والشهيد كاظم والشهيد هاشم العطاس, ولكن اليمن أغلى منهم جميعا.. علينا أن نضع بلدنا فوق كل الاعتبارات والذاتيات".
وزاد أيضا: "وراء هذه الأزمة ترشيد الوعي للوحدة في اليمن, والوحدة العربية مستقبلا, علينا أن نعتمد العقل لكي ننتج المعرفة ونعطي العواطف حجمها, ونحن بشر".
ومن خلال ما سبق, يتضح توجسا ملحوظا من قبل البيض لمسألة تطبيق الوثيقة, واستحضاره لدماء قتلى الحزب الاشتراكي, في حين ألمح صالح في كلمته المقتضبة إلى ورقة سياسية لعب بها كثيرا, وهي حزب الإصلاح, ولنا أن نسأل أي ائتلاف؟, بالطبع هو ظاهريا "المؤتمر والاشتراكي والإصلاح" لكن الائتلاف الحقيقي تمثل في "المؤتمر والإصلاح", وأنا أتحدث هنا عن حزب الإصلاح بظروف تلك الفترة.
ويتبين من حديث البيض باستشعار حجم الصعوبات في التنفيذ؛ نتيجة خبرته من الماضي, يدل على أن الطرف الجنوبي وقع الاتفاق وهو موقن ومؤمن أن نظام صنعاء لن يسمح بتطبيق ما جاء في الوثيقة, ما يعني أن الذهاب إلى عمان لم يكن إلا مسألة وقت لتأخير الصدام, فالثقة بين الطرفين منعدمة تماما.
لماذا أصر البيض على الوحدة بتلك السرعة؟
وإذا ما تتبعنا العقلية السياسية التي قادت البيض إلى الوحدة, فلنا أن نسأل: لماذا كان البيض في عجلة من أمره بشأن الوحدة, فما عجز عنه قادة آخرون منذ العام 1972, نجح فيه بظرف مدة بسيطة؟, ولم كان مصرا على الوحدة الاندماجية؟, وما مصلحة البيض من معارضته للفيدرالية؟.
كل الأسئلة السابقة تدل في إجاباتها على أن البيض كان خائفا من أمر ما, قيل إنه كان خائفا من عودة أحداث يناير مجددا, والتي ولو كانت حدثت فلن ينجو منها هذه المرة, وأيا كانت دواعي قلق البيض في جنوب اليمن إلا أن أمرا ما لا شك أنه كان وراء الدفع به - بدون استشعار المسئولية تجاه الشعب والوطن - نحو الوحدة, وهذا ما تحققه فرضيات كثيرة.
وحين أتى صالح طارحا خيار الفيدرالية, لم يكن لتيوقع أن يصر البيض على الاندماجية, في حين أن الاندماجية غير المشترطة لا تعني لـ"علي سالم البيض" ولا لـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" أي شيء غير التهميش والتعويم, وسط دولة كان تعداد سكانها حين ذلك ضعف سكان الجنوب بأكثر من ست مرات.
وحين نتتبع مسار تحقيق الوحدة, لن يتعبنا الزمن في ذلك, فكل ما حدث كان في كنف أربعة أعوام أو أقل, وفيها سرعان ما بدأ البيض بطلا وطنيا وقوميا, وسرعان ما وصف بأقذع الألفاظ.
ولم يأت الرئيس صالح للوحدة اليمنية إلا بعد أن تشققت الأرضية السياسية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, خصوصا بعد أحداث يناير, ومن هذا التشقق كان واضحا أنه يسهل اختراق الجنوبيين والعصف بدولتهم لصالح دولة القبائل الشمالية حينها.
وعوضا عن ذلك, تعرض عدد فاق الـ150 من كوادر الحزب الاشتراكي, ومعظمهم من المناطق الوسطى الشمالية, للتصفيات السياسية حتى العام 1993, وحين أتذكر هذه النقطة لا أريد أن أشير إلى إهمال الحزب الاشتراكي لكوادره من غير المحافظات الجنوبية, فليس لذلك متسعا, لكن حسبنا الإشارة إلى النية التي دخل بها الشمال الوحدة التي أراد البيض لها أن تكون اندماجية, والتي صحت على إسالة نهر من الدماء بدءا من محافظة عمران وانتهاء بدخول عدن في 7 يوليو 1994.
ولا أريد التطرق هنا لدور الأشقاء في دول الجوار في موقفهم مما جرى في عام 1990, أو في عام 1994.
لم فعل البيض كل ذلك؟
وأريد هنا أن أقف أمام عدد من الاستفسارات:
أولا: ما الذي شجع البيض في مسألة توحد دولة أقامت المدنية والفكر اليساري المنفتح في مدينة عدن والجنوب, مع دولة أخرى لا تزال, آنذاك وحتى الآن, ترزح تحت القبيلة والفكر المنغلق, بل والمتخلف في أكثر من ناحية؟
ثانيا: ما الذي شجع في مسألة توحد دولة تعداد سكانها أقل من مليوني نسمة, مع دولة سكانها ضعف هذا العدد أكثر من ست مرات, ومع هذا يتم رفض الخيار الفيدرالي ويتم الإصرار في المقابل على خيار الوحدة الاندماجية, وممن يكون هذا الإصرار, الذي إن كان من الرئيس صالح حينها لتقبله العقل والمنطق؟.
ثالثا: لماذا رفض البيض أصوات كثيرة في المكتب السياسي كانت تنادي بضرورة التروي وعدم الاستعجال في مسألة الاندماج؟, وكما سبق, فقد كان هناك رأي, يبدو أنه كان بقيادة العطاس, يدعو إلى البدء بتوحيد برامج قبل الدخول الكامل في الوحدة.
رابعا: غير بعيد عنا الصراع السياسي الدولي الذي انتهى بتفكك الاتحاد السوفياتي, وانهياره, وبالتالي شعور السلطة في عدن أن سندها القوي تركها فجأة ودون أن يتم حساب هذا التطور المهم, ومن كل ذلك, لمَ لم تستغل قيادة عدن في اعتماد الخيار الفيدارلي الذي سيحقق لها مكاسب أكبر من مسألة تعويم دولتها مع الشمال دون أن يكون هناك وجه واحد للتشابه والتأقلم؟.
خامسا: ما يدل على الاستعجال الذي يوصف بالبراءة والذي تقمص شخصية البيض في مسألة الوحدة الاندماجية, هو عودة البيض من صنعاء ليقول إنه يعامل كمواطن من الدرجة الثانية. وانظروا معي: إذا كان الشخص الأول في الجنوب يعامل ذلك التعامل, فكيف بباقي العوام؟
سادسا: من الواضح أن 13 يناير أوجدت شرخا قويا في الأرضية السياسية والاجتماعية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, خصوصا بين أبين ولحج والضالع, ومن ذلك, ألم يحسب البيض حساب استخدام هذا التشقق لصالح نظام صنعاء الذي كان يأوي معظم قيادات الزمرة المنهزمة بعد 1986, والتي بالفعل كانت كفة راجحة في خرب صيف 1994؟
سابعا: ألم يأخذ البيض درسا من تهوره في اتخاذ قرار الوحدة الاندماجية, حتى يعلن الانفصال في مايو 1994؟
وصحيح أن الإعلان عن الانفصال أتى بعد قرابة شهر أو أكثر من اندلاع المواجهات المسلحة, ولكن ما الذي سيضر لو كان كسب أنصاره في المناطق الوسطى بالصمت, على الأقل, من اتخاذ قرار الانفصال الذي أعطى لنظام صالح الحق في الدفاع عن الوحدة؟, مع أنه من حق البيض أن يعلن الانفصال جراء ما حدث.
ثامنا: وبما أنني لا أريد التطرق إلى مسألة هروب الرئيس صالح إلى الوحدة من تيار الإخوان المسلمين في الشمال, لكنني أنظر بعين الاستغراب إلى العقلية السياسية التي كانت تحكم علي سالم البيض والتي تجاهلت تماما, أو كما يبدو لي ذلك, مسألة التسلح بضمانات تبقي للوحدة بين الدولتين ألقها وبريقها, وكما تداول السخط الشعبي مؤخرا أن البيض قال إن أكبر ضامن وضعه أمام نفسه أن صالح حلف له (يمينا) أنه لن يغدر به.
تاسعا: كان من الواضح أن إنشاء حزب الإصلاح (حركة الإخوان المسلمين) يقصد به الالتفاف السياسي على الشريك الأساسي في الوحدة.. صحيح إنه أتى وفقا للتعددية السياسية التي أتيحت, لكن أن يحصل حزب نشأ قبل أول انتخابات بأقل من ثلاثة أعوام على 62 مقعدا انتخابيا, بينما يحصل الحزب الذي تأسس في العام 1978 بل وقاد دولته إلى وحدة اندماجية على 56 مقعدا, فذلك ما تنظره عين الأعمى وتسمعه أذن الأصم على أنه غير مقبول, وهو ما كان من شأنه أن يُخرج الحزب الاشتراكي, بذكاء, من اللعبة السياسية, وما الذي يستطيع أن يعمله بـ56 مقعدا أمام ما يقارب 200 مقعدا للمؤتمر والإصلاح, حتى وإن أضفنا له مقاعد المستقلين الذي انضموا له؟
ومن ذلك, آلت رئاسة البرلمان لحزب الإصلاح الوليد والمدلل, حينها, فيما زعامة الحزب الاشتراكي آلت إلى الاعتكاف.
ولماذا لم تشترط دولة الجنوب 150 مقعدا على الأقل في مجلس النواب؟ فذلك غير ممكنا طالما الرفيق علي سالم البيض أكد أنه يؤمن بالاندماجية والخيار الديمقراطي في مجتمع لا يزال يعيش خلف سور صنعاء القديمة, وما زال يعيش الولاء المطلق للقبلية والمناطقية في جغرافيا الأكثرية الديمجرافية.
قرارات دون تروي
إن كل ما سبق يدلل على أن شخصية علي سالم البيض قادت كل قراراتها دون تروي, ودون ذكاء سياسي, بل ومع ذلك سعت إلى فرض رأيها على بعض الآراء الحكيمة في المكتب السياسي للجنة المركزية, والتي كانت تقيم الوضع بدقة, ومن منظور عقلاني كان يريد أن يخدم الشعب والوطن جنوبا وشمال.
وبالنظر إلى كثير من المعطيات والمعادلات السياسية, فإن كل النتائج تؤدي إلى إجابة سلبية مفادها أن الوحدة اليمنية أقيمت في غير أوانها, وكل ما في الأمر أن العقلية السياسية اليمنية حينها خيل لها أنها أمام فرصة تاريخية سعت إلا الاستفادة القصوى منها بإعلان الوحدة, على أن ذلك الاتفاق بشأن الوحدة لم يكن يملك أي أرضية قوية ومتينة يستند عليها, وليس أكبر دليل في ذلك انهيار الحلم اليمني في غضون أقل من أربع سنوات.
على أنني لا أغفل هنا الزخم الجماهيري في الشمال وفي الجنوب الذي خرج إلى كل الحارات والشوارع محتفيا بالمنجز العظيم في حينه, والذي كلما عنّ لسياسي أن يبرر ظرف تحقيق الوحدة ذكر توق الشعب لها, ولكن من يستطيع أن يجادل أن الشعب كان على حق؟ ومن يستطيع أن يجادل أن الشعب كان على درجة من الوعي تؤهله لأن يقود نفسه نحو منعطف تاريخي لم يتم الاستعداد الجيد له من قبل قيادته؟, وإذا كانت قيادة هذا الشعب قد تعاملت وفقا لمعطيات سياسية بعيدة عنه, فكيف تراه خرج مباركا؟, وإن امتلك الشعب حينذاك أحقية تصميمه على الوحدة, فإن شعب الجنوب اليوم يمتلك الحق ذاته في مسألة تقرير المصير, إن أجمع عليه.
إنه لمن المؤكد أن القيادات السياسية هنا أو هناك لم تكن تريد من الشعب, آنذاك, إلا أن يبارك خطواتها الفاشلة وغير الجادة في تحقيق الوحدة.
وشخصيا لا أستطيع أن أسلب "علي سالم البيض" من حق الشرف الذي دخل به التاريخ من أجل الوحدة, ولكني أستطيع أن أقول مجاهرا إنه دخلها بعاطفة لم يحسب لها جيدا, ورحم الله البردوني الذي قال حينها:
(يا بنت أم الضمد قولي لنا.. أي علي سوف يخصي علي؟)
وأصبح البيض خارج دائرتي الحكم والوطن
وحين دخلت قوات صنعاء إلى مدينة عدن, واستباحتها عسكريا, ولا تزال حتى اليوم, كان البيض يجد طريقه خارج دائرة الحكم, بل خارج دائرة الوطن, فلجأ إلى عُمان المجاورة.
وفي الوقت الذي أثار جدلا واسعا بصمته المطبق, خرج للملأ بعد خمسة عشر عاما, ومن أوروبا, ليقول مجددا: أنا مع أهلي وناسي حتى أرجعهم إلى عدن.
ولا أستطيع أن أجرد البيض من أحقية المطالبة باستعادة الدولة السابقة؛ نظرا لأسباب موضوعية, لكني أستطيع أن أقول له إن دروس الماضي كتاب لا ينبغي إهماله, وإن في السياسة فن اسمه "فن الممكن" مهما كانت الظروف.
إن علي سالم البيض يمتلك الحق اليوم في الدعوة إلى "فك الارتباط"؛ للتهميش الذي يمارسه نظام صنعاء ضد الجنوبيين, قادة ومواطنين.
كما أنني حين أرى الرئيس علي عبد الله صالح يرفع علم الوحدة, بمفرده, في مدينة عدن مع كل 22 مايو من كل عام, أقول إنه من حق علي سالم البيض المطالبة بالانفصال, فاجتزاء الحقائق, وتزوير التاريخ جرائم كبرى لا تسقط بالتقادم, وعلى الأقل فالأحقاد تتلاشى أمام الضمير والأخلاق والتاريخ.. فتاريخ الرجل في الوحدة, على الرغم من كل السلبيات التي جرها على شعب المحافظات الجنوبية, وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, إلا أنه لا يجب أن يُزور أو يكتب بالصيغة التي تحلو للمنتصر, على الرغم من أن حروب أبناء الوطن لا يوجد فيها منتصر أو مهزوم.
الوحدة القائمة اليوم لا ينبغي لها أن تستمر
ولا أريد أن أقول إنني ضد الوحدة, ولكنني أشدد على أن الوحدة القائمة اليوم لا ينبغي لها أن تستمر بهذه الصيغة والمعادلة المختلة, ومن الواجب أن يستفيد اليمنيون من أخطاء الماضي ودروسه لتصحيح ما يمكن تصحيحه, فالأرضية المتشققة للوطن لن تقود إلا إلى ابتلاع أبنائها في أغوار ليس لها من نهاية.
وعلى الشخص الاعتباري الذي وحد اليمن بمعية الرئيس علي عبد الله صالح, ثم تراجع عن قراره, أن يمارس السياسة بـ"فن الممكن", وليس بالمعادلة القديمة ذاتها, وفن الممكن دائما لا يغفل الظروف المحيطة, إقليميا ودوليا, كما لا يتجاهل تحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل قدر من الخسائر, ولا مكاسب ولا خسائر إلا مكاسب وخسائر هذا الوطن.
وكما قال علي سالم البيض نفسه: "علينا أن نضع بلدنا فوق كل الاعتبارات والذاتيات.. وجرح الوطن أغلى وأكبر علينا ويهون كل شيء من أجل اليمن".. أبريل 1994, عمّان.
ومن الواجب اليوم, والحديث يوجه بدرجة رئيسية لنظام صنعاء, إتاحة الفرصة وترك العناد للبحث في سبل إخراج الوطن من أزمته الراهنة, فالوطن أغلى من أي فرد مهما كان, والوطن هو وطن 25 مليونا يريدون أن ينعموا بوطنهم كما تنعم كل شعوب الأرض بأوطانها.
وإذا كان "عليٌ" قد خصا "علياً", طبقا لنبوءة "البردوني", فالوطن أكبر من أن يمثله "العليان", مع أن المشكلة كبر اتساعها حتى صرنا نخصي بعضنا بعضا.