|
على خطى تونس ومن ثم مصر بدا المشهد في اليمن الخميس الماضي كما لو أن اليمنيين يستعدون لثورة شعبية حقيقية تتزامن هذه المرة مع الثورة المصرية، التي مثلما كانت ملهمة الشعوب للتحرر من الاستعمار الخارجي في خمسينات وستينات القرن الماضي هي اليوم تلهم الشعوب للتحرر من الاستعمار الداخلي والدكتاتوريات المحنطة التي أذاقت شعوبها صنوف الذل والهوان والتجويع .
ومن مختلف المحافظات خرج الملايين من أبناء اليمن في تظاهرة هي الأكبر التي تشهدها البد ربما منذ قيامها في العام 90م، يهتفون بسقوط النظام ويعبرون بلغة صريحة وواضحة عن رغباتهم المتعطشة للتغيير والخلاص من عقلية التملك التي استحوذت على اليمن منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود .
حتى خطاب رئيس الجمهورية الذي سبق التظاهرة المليونية بيوم واحد لم يستطع كبح جماح هبة الشعب الغاضب رغم مطالبته بذلك والإعلان عن تقديم ما اسماها تنازلات للتهدئة .
فالشعب اليمني بات يعرف كل شيء عن الحاكم .. أساليبه وألاعيبه، مناوراته، قدرته على التلاعب بمشاعر المواطنين، ووعوده التي تبدأ كبيرة وتتلاشي مع مرور الزمن حتى تنتهي .
الشعب اليمني الذي خبر النظام الحاكم طيلة 33 عاماً لم يعد يثق به اليوم، وكيف له أن يثق به وهو يتعايش منذ عقود جنبا إلى جنب مع الفقر والمرض والتهميش؟ كيف له ذلك وهو يرى وطنه وقد ضاق به ولفضه خارج الحدود للبحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه ومن يعول، ولأنه يمني فهو مهان حتى في غربته وتترصده نيران عسس الجيران وسجونهم .
كيف للشعب اليمني أن يثق بخطاب رئيس الجمهورية حين تحدث عن الشراكة الوطنية وهو الرئيس ذاته الذي كان يتحدث قبل اقل من شهر واحد عن شركاءه في الحياة السياسية بسخرية وتعالي، ويصف شريكه الأول الحزب الاشتراكي بالحزب الذي انتهى في 86م، أما الناصريون فلا يشكلون رقماً صعباً بالنسبة له.. مثلما هو حال المعارضة ككل التي قال أنها عاجزة عن تحريك الشارع .
دلالا التحليق
ربما أدرك الرئيس علي عبدالله صالح الخميس الماضي أن المعارضة هي من كبحت جماح الشارع، وحولت مظاهرته المليونية من يوم أول للثورة إلى مجرد بروفة لانتفاضة قادمة قادرة على التغيير، إن خرجت مرة أخرى فلن تستطع المعارضة أو أي قوة أخرى كبح جماحها ثانية .
الرئيس أدرك ذلك بلا شك وهو يحلق بطائرة هيلوكبتر فوق الحشود الغفيرة التي غطت الشوارع المحيطة بجامعة صنعاء. وان كان هو من حلق فعلاً بطائرة الهيلوكبتر كما نقلت "صحيفة الشارع" عن مصادر عسكرية فمن المؤكد انه صدم لهول ما رأى، وقطعاً فان الأمر كان قاسياً بالنسبة لصالح وهو يسمع ويرى الجماهير وهي تهتف بصوت واحد: إرحل .. إرحل. وهو المشهد الذي تكرر في إب وتعز والحديدة وعدد آخر من محافظات اليمن .
ربما أن رئيس الجمهورية لم يعد يثق هو الآخر بأركان نظامه حتى يستطلع أعداد الرافضين لحكمه أو انه ربما لم يصدق التقارير التي أخبرته الخميس أن مئات الآلاف احتشدوا في أمانة العاصمة وحدها يهتفون بسقوطه بذات الطريقة والهتافات التي سمعها عبر الفضائات ضد صديقيه ابن علي ومبارك .
دلالات تحليق الرئيس صالح تعني الكثير بالنسبة للرجل الذي اشتهر بمقولة " علينا أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون ".
التحرير .. إرادة وليس ميدانا :
تناقض خطاب رئيس الجمهورية الذي ألقاه الأربعاء ليس فقط في تأكيده على حرية المواطنين في التعبير ومن ثم دعوتهم لعدم الخروج للتعبير، وإنما في توجيه معاونيه لحشد الجماهير للتظاهر صباح الخميس واحتلال الساحة التي كان مقررا أن تقام فيها مظاهرة اللقاء المشترك الذي اخذ تصريح بذلك من قبل الجهات المعنية. وما لم يعلمه الرئيس وحزبه الحاكم أن التحرير ليس ميدانا يمكن لقوات الأمن أو بلاطجة السلطة احتلاله قسراً .. التحرير إرادة شعبية و رغبة جامحة في نفوس المواطنين يمكن التعبير عنها والسير فيها في أي ساحة كانت .
في الثلاثاء 08 فبراير-شباط 2011 07:39:05 م