في الحصبة .. غابت الدولة مرتين
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر
الأحد 26 إبريل-نيسان 2009 08:27 م

حال سماعي لماحدث في منطقة الحصبة تذكرت حادثة كانت قبل 10 سنوات وقعت في منطقة قريبة لقريتي, حينها وأنا أتابع تداعياتها شعرتُ بالألم وأحزنني أكثر الغياب التام للدولة (السابق أو اللاحق), ما يبعث على الخوف والقلق.

و بإختصار فإن الحادثة تمثلت في أن شقيقان (حدثان) تشاجرا وأشتبكا بالسلاح وتدخل آخرين بينهما وأثناء ذلك قُتل أحد المتدخلين (مُفارع), لكن عم القتيل, أحتجز والد القاتل في (دار الشيخ) وجمع الناس في المقبرة وأعطى شقيق القتيل (حدث أيضاً) السلاح وعلمه التصويب على القاتل المُكبل وأمره بالتنفيذ فأرداه قتيلاً, وعاد الناس إلى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن, وحضر قانون الغاب ولم تحضر الدولة مُذاك حتى بالتحقيق.

تختلف التفاصيل لكن حادثة الحصبة بأمانة العاصمة كانت على بعد أمتار من أهم وزارتين في البلاد (الداخلية والإدارة المحلية), وعكست صورة واضحة عن التراجع المستمر لدولة حلمنا بها لعقود وأُجهضت في غمضة عين ولازالت جنيناً يتشكل ولم نلمس منها إلا قمعها وبطشها وجبايتها.

 غابت الدولة عن مسئوليتها مرتين, في الأولى, حينما كان المواطنين ويلجأون إليها للشكوى, ويُفترض في أجهزة الأمن والسلطات المحلية القيام بدورها وواجبها ومسئوليتها وفقاً لنصوص الدستور والقوانين, والتحري والتحقيق وإحالتها للقضاء كمرجعية لحسم النزاعات الشكاوي والإتهامات.

طبعاً, هنا الدولة كالعادة حضرت بإجراءات مملة وبيروقراطية تتيح المجال للبيع والشراء والإبتزاز وتدخل الوساطات وقوى النفوذ والمتواطئين و..و...إلخ. 

في المرة الثانية كانت مسئولية الدولة (وهي هنا سلطات تنفيذية وقضائية) الحضور بديلاً عن (دولة الغاب), فتتلافي تقصيرها في الأولى, ولا تتنازل عن مسئولياتها وواجباتها وإختصاصاتها للمواطنين ليكونوا خصوماً وشاكين وأجهزة ضبط قضائي وتحقيق وتحري وقُضاة يقررون العقوبة وأجهزة لتنفيذ العقوبة.

فديننا الإسلامي الذي حضر قانون الغاب في حادثة الحصبة غيرةً عليه والمستندة على أحكامه نصوص الدستور والقوانين النافذة, لا يخول لأي مسلم القيام بدور الدولة وممارسة صلاحياتها وسلطاتها, ولا يُجيز له أن ينصب نفسه حاكماً على الآخرين ويعاقبهم حتى وإن كان ذلك دفاعاً عن المصحف الشريف أو حماية للآداب العامة والأخلاق, فقد ربط كل شيء بالدولة والقضاء وتشدد في ذلك.

 وفي حال عجز الشاكين أو الغيورون على الدين والأخلاق بعد إتباعهم للطرق القانونية في إنكار المنكر وعدم التجاوب معهم لإنهاء ذلك المنكر وردع مرتكبيه, فبإمكانهم إستخدام حقهم في النهي عنه بالطرق السلمية والقانونية كالمسيرات والإعتصامات واللجوء للإعلام والسلطات التشريعية والقضائية وغيره, لا أن ينصبوا من أنفسهم قُضاة وشرطة قضائية بعد أن مارسوا دور سلطة الضبط القضائي وهم في الأساس خصوم وشاكين.

ليست قضية الحصبة أول قضية, يلجأ فيها المواطنين للأجهزة المختصة يشكون ويستنكرون أعمال مشبوهة وغير قانونية, سواءاً كانت منازل أو فنادق أو غيره, فيجدون مماطلة وتنصل عن القيام بالواجب الدستوري والديني أو قد يجدون صداً أو تواطؤ في بعض الأحيان.

 لكن يجب أن تكون, كحادثة ذُبحت فيها معاني الدولة, رسالة تحذير وإنذار من قادم أسوأ, إذا ما أستمر التعامل بذات الطريقة مع شكاوي المواطنين أو التواطؤ مع من يمارسون الأعمال المشبوهة وأوكار الرذيلة المُجرمة بحسب القانون المستمد من شرعنا الإسلامي. 

•وهدر لدماء موظفيها أيضاً

في الجلسة الأخيرة لمحاكمة الجندي المتهم بقتل الطالب بجامعة صنعاء, أمر القاضي الذي ينظر في القضية بحبس أحد شهود الدفاع بمبرر أنه شاهد زور, وبصورة غير موضوعية تؤكد أن خللاً في إجراءات المحاكمة وتدل على إستمرار حضور القبيلة وضغوطها ونفوذها أكثر من القانون.

وما أقدم عليه القاضي واحدة من الإختلالات المرافقة للقضية منذ بدايتها, فتهديدات وضغوط قبيلة القتيل لم تتوقف عند السيطرة المسلحة على أكبر صرح تعليمي في البلاد وما أعقبه من تقديم الشكر لها, ولم يعانِ من ذلك فقط المتهم وأسرته وزملائه ومحاموه وشهود الدفاع, لكنها طالت حتى صحف وصحفيين لأنهم حاولوا الإشارة للوجه الآخر.

ليس جديداً القول أنه صار من السهل على الدولة أن تجعل موظفاً كان يؤدي واجباً وينفذ توجيهات وتعميمات وتعليمات تلقاها ممن هم أعلى منه رتبة هدرا وتقدمه مع هيبتها قرباناً لرضا القبيلة ونافذيها, ولا يهمها خضوع موظفها لمحاكمة عادلة ولا حتى تعصب عضو النيابة مع إبن منطقته أو ميل قلب القاضي إليه لسبب ما.

لكن على الدولة القيام بمسئوليتها وحماية موظفها (الجندي شكري الصبري)على الأقل بتوفير محاكمة عادلة له وحماية أسرته وزملائه ومحاميه وشهوده من التهديدات والضغوط المحيطة بهم وبشتى الصور, فتنصلها عن أقل الواجب هذا يزعزع لدى موظفيها ومواطنيها ماتبقى لها من ثقة.

 والأخطر أن مضمون شريط زامل (كاسيت) صادر عن قبيلة القتيل –رحمه الله-, بأنهم لن يكتفوا بمليوني (شكري) وما تنبعث منه من روائح لعصبية نتنة سيُضاعف حالة الإحتقان, وسيزيد وطننا أوجاعاً فوق أوجاعه السابقة. 

Rashadali888@gmail.com