|
منذ بداية إندلاع الثورة اليمنية للتغيير وانتقالها لمرحلة صراع البقاء خصوصا بعد التوقيع على المبادرة الخليجية فبين الحين والأخر نرى بعض الأراء التي يكون بعضها مرتبط بمخططات لقيطة من بقايا عائلة نظام علي صالح في محاولة لضرب جذور ثورة التغيير مستخدمة كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة .
طبعا كان القرار الرئاسي الذي اتخذه الرئيس المصري لتغيير رئيس المجلس العسكري مادة دسمة ومدخلاً في خلق تشويش لدى الكثيرين من أبناء اليمن خصوصاً أن بعض الكتاب اندفعوا نحو الأمر بشكل عاطفي أكثر منه واقعيا لخصوصية الحالة اليمنية وما تستلزمه اليمن من مراحل حتى نصل الى ما وصلت اليه مصر نحو ازاحة الحرس القديم في الجيش المصري .
عندما أقول أن لدى اليمن خصوصية تختلف كليًا عن مصر في كثير من التعريفات التي تستوجب معرفة التفاصيل لا اعني أبدا بقاء أو إبقاء قطبي العسكر (أحمد علي نجل المخلوع و الجنرال علي محسن ) بل السير نحو النقاش بموضوعية دون الدخول في عواطف ثورية لا طائل منها ... فهل حلقات الصراع اليمني تتطابق مع نظيرتها في مصر ؟ وهل تركيبة وتنظيم الجيش المصري عقديا وأيدلوجيا متشابهة مع الجيش اليمني ؟
يمكننا الدخول من هذين السؤالين أن ننطلق نحو معرفة الفرق بين اليمن ومصر... قامت الثورتين في مصر واليمن بعد أن أصبحت ممارسـة الإضطهاد والقهر والعنف وانتشار الإقصاء وصناعة الفساد ذلك الغول القاتل شعاراً يتسابق الأتباع لممارسته ومن يتخلـــف عن اللحاق به يصبح منبـــوذا وبلا هوية .
بالرغم أن الإفرازات التي أنتجها النظامين في مصر واليمن تسببتا في خروج ثورة عارمة تطالب في التغيير لكن مازالت الأيدلوجية للنظامين مختلفة في نشر سمومهما ولذلك طريقة العلاج تختلف .
النظام المصري اعتمد على صناعة مواليين له من المدنيين ومن المقربين له وسيطر على أجهزة الأمن لكن الذراع الأقوى وهو الجيش المصري بقي بعيداً عن أي تفاصيل سياسية في كيفية حكم مصر حيث كانت المؤسسة العسكرية المصرية بعيدة عن أية تفاصيل سياسية وقامت بدورها في الحفاظ على السيادة الوطنية كما تعمل به الجيوش المحترفة في العالم .
لكن الأمر في اليمن يختلف كليا فقد أقحم نظام علي صالح القبيلة والعسكر ودمجهما في أيدلوجية عقدية ألغت العقيدة العسكرية والولاء الوطني المتعارف عليه وهذا الدمج المسخ لم تصب به مصر ولم ينتشر في مفاصل المؤسسة العسكرية المصرية مثلما حدث في اليمن .
فقد أقحمت القوات المسلحة اليمنية والأمن في مهام خارج إطارهما الدستوري وتم استخدامهما في الصراعات السياسية وإلغاء الدور الوطني والمهني لهما وتم مصادرة عقيدة الولاء الوطني لليمن وإحلال معايير القرابة والولاء القبلي و العائلي و الشخصي .
فلا كفاءة مهنية ولا أهمية للأقدمية في الترقيات و تولي المهام القيادية في الجيش اليمني في أمر يكشف الانتهاك الصارخ للدستور اليمني والقانون وإلغاء الحرفية للجيش اليمني الذي أصبح يقوم بدور تفرضه المصلحة الرئاسية للرئيس والحفاظ على الكرسي الذهبي للحكم .
وصل التنافس بين المكونات القبلية التي سيطرت على المؤسسة العسكرية اليمنية إلى مرحلة الصراع الداخلي فيما بينها بعد أن هيمن مشروع التوريث فخرجت صراعات خفية وكان من ثمارها اغتيالات طالت كثير من القيادات المنطوية تحت المؤسسة العسقبلية .
حتى وصل الصراع إلى مرحلة حرجة لم يعد بالإمكان حلها في الخفاء فاندلعت حروب صعده التي دارت رحاها من اجل تصفية الحسابات بين أقطاب المؤسسة العسقبلية .. حاول الكثير من أقطاب نظام صالح بمن فيهم المتصارعين لإخفاء الأمر لكن كما يقال زاد الماء على الطحين .
المعادلة العسكرية القبلية في اليمن لا يمكن تفكيكها إلا بمعادلة مماثلة لها وبنفس الوزن المعياري ولكن بشكل عكسي .. لو لاحظنا أن فكرة الحرس الرئاسي هي أول خطوة في الاتجاه الصحيح لفك هذه المعادلة وهذه القوة هي أشبه بحرس جمهوري للرئيس هادي وستكون ذو اثر فعال إذا أحسن الرئيس هادي اختيار قيادات جديدة تحمل الولاء له .خصوصا أن المرحلة الراهنة تفرض وجود قوة تساعد في تطبيق قرارات الرئيس هادي على الأرض .
إذن نجد ان الرئيس المصري محمد مرسي وجد مؤسسة عسكرية على طبق من ذهب مؤسسة تحمل أساسيات الهيكلة الوطنية خالية من العيوب العقائدية وتحمل ولاء يحدده الدستوري المصري ... بعكس الرئيس اليمني عبدربه منصور الذي يواجه جيشين مختلفين في الولاء والزي العسكري والنفوذ الجغرافي داخل اليمن .
فبعد كل هذا التناقض الجوهري بين المؤسسة العسكرية المصرية واليمنية ليس من المنطقي ان ننزل حكما واحداً نحو حالتين مختلفتين في ظل تصارع الأجنحة العسكرية اليمنية الممتد في التاريخ والجغرافيا اليمنية .
لن أخوض كثير بخصوص التأثيرات الخارجية التي تلعب أيضا دورا واضحا في هيكلة الجيش اليمني لكن الأمر سيكون مؤقت وسيأخذ فترة زمنية ولن يدوم خصوصا أن الأوضاع الإقليمية التي تدور ستفرض نفسها على ضرورية وجود جيش وطني قوي في اليمن .
وعليه يجب النظر إلى الواقع اليمني بعيدا عن المنظار السطحي او المشبوه فمحاولات التفريغ الثقافي للثورة وتفسير مجرياتها تفسير ظاهري وفرض هذه التفسيرات تحت مبررات ثورية قد لا يخدم الثورة اليمنية للتغير ويجعلها تتجه نحو الصراع مع من قاموا بحمايتها ونسيان من قتل ونكل باليمنيين قبل الثورة وأثناءها وبعدها .
أخيرا ..... يجب علينا جميعا إدراك طبيعة التعقيد في الصراع اليمني بتفاصيله من اجل الوصول للتغيير القابل للاستمرار لان الطابور الخامس لا يسعون إلى نصرة التغيير في اليمن بل خلق رؤية ضبابية ليجدوا لأنفسهم طريقا لإكمال مشروعهم التخريبي .
فحتى هذه اللحظة ماتزال الفرقة المدرعة بقائدها هو من يحمي الرئيس هادي حتى هذه اللحظة وهذا ليس مبررا لبقاء علي محسن لكنه مؤشرا يوضح أن الهيكلة يجب أن تبدأ من أسفل الهرم وليس من أعلاه كما يظن البعض
لا ننكر أن الأشهر تمر بسرعة والاستعجال يأخذنا لكي نرى اليمن خالياً من دوائر الاستبداد ... فربما تحمل الأيام القادمة الكثير من القرارات التي قد تكون مدخلا لهيكلة الجيش اليمني . لكن لا ننسى ان عملية الهيكلة ليست بمجرد تغيير أو إزاحة قائد الحرس الجمهوري او الفرقة المدرعة وستنتهي الهيكلة لان المواليين لهما بالمئات من قادة ألوية وكتائب فيجب ان نراعي أن الانتقال لما نطمح له لن يأتي إلا بمراحل متأنية خصوصا ان اليمن مليئ بالكثير من التعقيدات التي ورثها منذ عشرات السنين عن طريق أشخاص مازالوا يحلمون حتى هذه اللحظة برجوع زمن الإخفاقات وعبادة الأصنام.
في الثلاثاء 21 أغسطس-آب 2012 08:27:25 م