عقوبة حبس الصحفي في الشريعة والقانون
بقلم/ المحامي/ نزيه أحمد يحيى العماد
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 10 أيام
الثلاثاء 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:03 م

أعوام مضت منذ أن وعد رئيس الجمهورية بإلغاء عقوبة الحبس من قانون الصحافة والمطبوعات ، وبرغم ذلك الوعد وتلك الأعوام ما تزال المادة (104) من قانون الصحافة والمطبوعات سيفاً مسلولاً على رقاب الصحفيين والصحافة والحرية في اليمن ، مشاريع قوانين اقترحت من الحكومة وكلها تحتوى على تلك العقوبة العصية- حتى على مشرعها- متحججين بأنها ضرورية لحماية أعراض الناس وأعمالهم وحياتهم الخاصة وكذلك لحماية النظام العام والأمن والاستقرار والسكينة العامة و هيبة الدولة واستقلال القضاء ومع قوة هذه الحجج في الظاهر إلا أنها تكشف عن جهل قانوني لدى الجهات المتمسكة بها ، فكل ما أوكل لتلك المادة حمايته هو أصلاً محمي بمبادئ القانون ومنصوص عليه في مجمل القوانين وما تكرارها في قانون الصحافة إلا انتقاص للمهنة من جهة وترهيب للصحفي من جهة أخرى .

-وحرصاً منا على وقت مشرعنا الموقر نتقدم بهذه الورقة التي قد تسهم ولو بجزء يسير في إطلاع المشرع اليمني بكيفية تعامله مع معضلة المادة (104) من قانون الصحافة والمطبوعات :-

أولاً / إن إلغاء عقوبة حبس الصحفي هو مطلب لم ينشئه الوعد المذكور أعلاه بل هو أمر محتوم يجد أساسه ومرجعه في روح القانون ومبادئ العدالة والحرية و الشريعة .

ثانياً / قانون الجرائم والعقوبات في أغلب دول العالم يعتبر قانوناً نمطياً فالجريمة لا تختلف في تكييفها من بلد إلى أخر وإن اختلفت بعض القوانين في نوعية العقوبة (مثل الإعدام وقطع الأعضاء والجلد)أو في مدد الحبس أما الجريمة تبقى جريمة مهما اختلفت الثقافات ،وقانون الجرائم والعقوبات اليمني كغيرة من القوانين أعتبر بعض الأقوال أو الكتابات جرائم إذا كانت تحمل سباً أو قذفاً للآخرين وكذلك فيما يتعلق بالمساس بالدين أو رئيس الدولة والهيئات النظامية أو القضاء أو الموظف العام وكذلك التحريض على العنف أو على عدم تطبيق القوانين أو التحريض ضد الأمن العام أو ضد طائفة أو مذهب وكذلك نشر أخبار تكدر السلم العام وتثير الفزع بين الناس ورتب القانون عقوبات لمن يرتكب هذه الجرائم بالحبس لمدد تتراوح بين  السنة الواحدة والخمس السنوات (المواد292،291289،298،197،194،193،185،172،136،135،132)كما أعتبر قانون العقوبات نشر الصور والمطبوعات المخلة بالآداب العامة أو التي تسيء إلى سمعة البلد أو صناعتها أو حيازتها بقصد الاتجار أو استيرادها جرائم يعاقب فاعلها بالحبس (200،199) ويكون رؤساء التحرير والناشرون مسئولين كفاعلين أصليين(201). 

ثالثاً / نصت المادة (25)من دستور الجمهورية اليمنية على أن المجتمع اليمني يقوم على أساس التضامن الاجتماعي والعدل والحرية والمساواة وفقا ً للقانون كما نصت المادة (41)من الدستور أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات ،وجاء في المادة (5)من قانون الإجراءات الجزائية أن المواطنين سواء أمام القانون ولا يجوز تعقب الإنسان أو الإضرار به بسبب الجنسية أو العنصر أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو درجة التعليم ،ونستنتج من مضمون هذه المواد أن ما يعتبره قانون الجرائم والعقوبات جريمة ووضع عقوبة لمرتكبها لا يجوز أن يتم التمييز بين شخص وأخر أو مهنة وأخرى في العقوبة ولا يعقل أن يعاقب مواطن قام بسب أو قذف أخر شفاهة بينما لا يطال العقاب من قام بتوجيه السب أو القذف عبر وسائل الإعلام .

رابعاً / ورد في قانون الصحافة والمطبوعات ولائحته التنفيذية العديد من محظورات النشر والتي تتفق في معظمها مع ما جرمه قانون العقوبات إلا أن بعضها محظورات لم تعتبر في قانون العقوبات كجرائم ولم يوضع لها عقوبات وهي في أغلبها أدنى من السب والقذف سواء في حق الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين كالسلطات الدستورية أو الهيئات النظامية أو رؤسائها أو الشركات ،وهذه الأقوال أو المنشورات وإن لم تحتو على ما أعتبر قانوناً كجرائم إلا أنها قد تصيب الآخرين بضرر بالرغم من عدم صحتها فإذا كانت المسئولية الجنائية لم تطل من صدرت عنه هذه الأقوال أو المنشورات فلا يمكن له أن يكون بمنأى عن المسئولية المدنية فيجب عليه وفقاً للشريعة الإسلامية والقانون المدني (305،304 )من تعويض من أصابه الضرر.

خامساً / إن السماح للصحافة للوصول إلى المعلومة وعدم حجب الحقائق عنها هو أهم ضمان لعدم تجنيها أو أسأتها للمسئول أو الموظف أو المواطن البريء والشريف ، فعندما تنبعث روائح الفساد من أي مصلحة حكومية أو خاصة يكون واجب الصحافة أن تتقصى الحقيقة وتقدم نتيجة بحثها للقارئ وهي بذلك تقدم خدمة للحاكم قبل المحكوم فإذا ما منعت من الوصول للمعلومة وحجبت عنها الحقائق مع بقاء روائح الفساد فمن المؤكد أن بعض الصحفيين سيتناولون بأقلامهم فساد تلك المصلحة وقد تصدر عنهم من الآراء والمقالات ما قد يسيء للأشخاص الأبرياء والشرفاء العاملين في هذا المرفق وذلك بسبب عدم تحريهم من جهة وبسبب حجب المعلومة عنهم عمداً من جهة أخرى ، بينما لو استطاع هذا الصحفي من الوصول إلى المعلومة وبشفافية لاختلف رأيه واختلفت مقالاته ، فحجب المعلومات عن الصحافة بقدر حمايتها للفاسدين فهي تسيء لزملائهم الشرفاء عن قصد .

سادساً / من يقوم بالدفاع عن جريمتي السب والقذف ويطالب بعدم عقوبة من يقترفهما إنما هو يطلب بعدم تطبيق أحكام القرآن والسنة قبل أحكام القانون الوضعي ، ولا شك أيضاً أنه بذلك يكشف عن نيته بارتكابهما وهذا أمر مرفوض تماماً ، وكذلك هي الجرائم الأخرى مثل التحريض على القتل وإثارة الفتن أو النزاعات داخل المجتمع .

سابعاً / أن ما يصدر في الوسط الصحفي من إساءات و إهانات للشخصيات أو للأفكار أو للمعتقدات أو الهيئات وأن نسبت للتيارات المعارضة إلا أنها بأغلبها هي صادره عن صحافة (الموالاة) وذلك لأنها تكتب مستندة إلى جهة تحميها من تحمل مسئولية تلك الممارسات ، فالحرية إن لم تكن منظمة بقانون مستمد من الشريعة الإسلامية تصبح همجية وفي حينه يكون صاحب القوة والسلطة هو من له الغلبة ، فنحن من نطالب بحماية أشخاصنا وأعراضنا من همجية صحف السلطة و(الموالاة) ولا نسمح أن يفلت أي متطاول – بغير حق- من المسئولية الجنائية أو المدنية وفقاً لمبادئ القانون وليس وفقاً لقانون مقتصر تطبيقه على الصحافة .

ثامناً / أن نظريه التعسف في استعمال الحق ليست وليدة اليوم بل هي نظريه قديمة عرفها الرومان وانتقلت إلى القانون الفرنسي القديم و أقرتها الشريعة الإسلامية كما نصت عليها أيضاً القوانين الغربية الحديثة وعلى سبيل المثال نصت المادة (236)من القانون الألماني على أنه لا يجوز استعمال الحق لمجر د الإضرار بالغير كما نصت المادة (27)من المشروع الفرنسي الإيطالي على أنه يلتزم أيضاً بالتعويض كل من أوقع ضرراً بالغير بأن جاوز في استعماله لحقه الحدود التي يقيمها حسن النية أو الغرض الذي من أجله أعطي هذا الحق .وتطبيقا ًلهذه النظرية في موضوع دراستنا نجد أن الصحفي وإن كان يستعمل حقه في ممارسة مهنته إلا أنه وعند إضراره بالغير يجب عليه ضمان الضرر مادام قد تجاوز المصداقية وحسن النية في النشر.

تاسعاً / تواجهنا في اليمن مشكله أن القضاة لدينا قد لا يستطيعون تقدير التعويض عن الأضرار وخصوصاً الأضرار المعنوية وهذا لا يرجع لقصور لديهم ولكن لعدم اعتيادهم عليها كما أن المنهج التدريسي في الكليات القانونية وفي معهد القضاء العالي لم يولها الاهتمام الكافي بالرغم من اعترافه بوجودها ، والضرر المعنوي قد يفوق في قيمته الضرر المادي وقد يتعدى في مداه المدعي ويصيب من هم حوله ،كما أنه قد يصيب كرامة الشخص أو عرضه أو يصيبه فيما يكن من عواطف للآخرين أو من عواطف الآخرين تجاهه واحترام الناس له و مكانته لديهم فيجب ألا يغفل القاضي عند تقديره للتعويض عن الضرر بكل جوانبه. 

-التوصيات :-

1-على المشرع اليمني أن يدرك أنه من الصعب حالياً أن يستمر في فرض عقوبة خاصة بالصحفي ، أما بالنسبة للحكم بالتعويض – وفقاً للقانون المدني – فالغاية منه هو تعويض المتضرر وليس عقوبة للصحفي و ستكون أكثر عدالة وبدون أي تدخل من الدولة ممثلة بالنيابة العامة باعتبارها قضية مدنية .

2-طلب محاضرين من (مصر ،فرنسا ،بريطانيا،الولايات المتحدة )متخصصين في التعويض المدني وبغرض عقد دورات لقضاة المحاكم التي يقع في نطاق اختصاصها مقرات الصحف والمطابع لتمكينهم من تقدير الأضرار المادية والمعنوية.

3- توعية المواطنين بمفهوم الضرر وان من حقهم اللجوء للقضاء المدني للمطالبة بتعويضهم عما لحقهم من ضرر.

4-إلغاء المادة (103) من قانون الصحافة والمطبوعات المتعلقة بمحظورات النشر .

5-إلغاء المادة (104) من قانون الصحافة والمطبوعات المتعلقة بالعقوبة .

6-إلغاء نيابة الصحافة لعدم وجود مبرر لها ،فبإلغاء المادتين (104،103) من قانون الصحافة والمطبوعات لن يكون هناك جرائم خاصة بالصحفي وأما إذا خالف قانون العقوبات فتكون المختصة هي النيابة العامة.

7-قصر قانون الصحافة والمطبوعات على الأحكام القانونية الإجرائية والشكلية المتعلقة بالصحيفة والصحفي أما محتويات الصحف والمنشورات محكومة بقواعد قانونية موجودة أصلاً في قوانين أخرى .

8-تكليف أو إنشاء إدارة معينة في كل هيئة بالدولة تكون ناطق إعلامي (رسمي) باسم الهيئة لتسهيل مهمة الصحافة في بحثها عن المعلومة.

- هذا ما رأينا أن نساهم به لمساعدة المشرع على اتخاذ خطوات تحديثية أثناء مناقشته لقانون الصحافة والمطبوعات محاولين فيها التمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية ومبادئ الديمقراطية وحماية الحريات والحقوق مع اعتذارنا عن الإطالة أو القصور في العرض نظراً لمحاولتنا الإيجاز في السرد واقتصرت هذه الورقة على عرض مبسط لمقترحاتنا .