|
يصح وصف ما سُمي بالانتخابات التكميلية لمجلس النواب(المقاعد الشاغرة) التي جرت الأسبوع الفائت بأنه عمل استفزازي ضد أحزاب المشترك أكثر منه عملية انتخابية ديمقراطية، فالحزب الحاكم من حيث المبدأ غير مهموم بالديمقراطية إلى هذا الحد، وهي ليست قضية أساسية ضمن أجندته السياسية إلاّ بالقدر الذي يضغط عليه المانحون ويطالبونه بها حفظاً لماء وجوههم ووجه النظام في إطار ما يُسمى برنامج الإصلاحات السياسية والانتخابية مسبوق الدفع، ومن الناحية الفعلية هو غير مستعد للمضي إلى آخر المطاف في إنجاز شروط الديمقراطية الحقه المتمثلة بحق المشاركة والمساءلة والتداول.
حتى الآن لا نرى سبباً وجيهاً، ولا ندري ما هو المسوغ القانوني والدستوري الذي أعطى الحزب الحاكم حق اتخاذ مثل هذا القرار متجاهلاً اتفاقه المسبق مع المشترك(اتفاق فبراير) الذي على ضوئه تم التوافق على تأجيل الانتخابات النيابية لمدة عامين وجرى التمديد لمجلس النواب الحالي لنفس الفترة؟ من أين استقى المؤتمر شرعية عمل كهذا؟
على كل حال، سيكون من العبث إهدار الوقت في البحث عن تلك المسوغات التي من المؤكد أن المؤتمر نفسه لم يكن ليأبه بها أو يُلقي لها بالاً، فالانتخابات التي جرت كانت مدفوعة بالأساس بأهداف سياسية، ولاشأن لها بالعملية الديمقراطية ذاتها لا من حيث ممارستها ولا من حيث تنميتها.
يمكن اعتبار تلك الانتخابات(غير الشرعية) بمثابة إعلان رسمي من قبل المؤتمر بانتهاء كل اتفاقاته المبرمة مع أحزاب المشترك، وربما اعتقد المؤتمر بأنه يقوم بعملية تصحيح لسياسة الحزب تجاه قضايا اكتشف بأنه تورط في الاتفاق بشأنها مع المشترك، وهذا في الحقيقة عين ما صرح به وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي- لقناة الجزيرة- والذي أكد على أن أحد أخطاء حكومته خلال الفترة الماضية كان عدم المضي في إتمام الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد(27 أبريل 2009م) والاتفاق مع المشترك على تأجيلها، لقد كان ذلك الاتفاق خطأً جسيماً من وجهة نظر المؤتمر، وهو إذ قرر إقامة تلك الانتخابات التكميلية لمقاعد مجلس النواب الشاغرة دون الالتفات لاتفاقه مع المشترك، فإنه سعى في الواقع إلى تصحيح ذلك الخطأ بطريقته الخاصة المعهودة.
الدكتور الإرياني من جهته كان قد ذهب إلى القول بأن المؤتمر لن يظل يُحاور المشترك إلى ما لا نهاية، وسيلجأ في نهاية المطاف إلى خياراته الخاصة، وهو تلويح بأن التوافق السياسي مع المشترك لم يعد شرطاً لإنجاز العملية الانتخابية المؤجلة، وسيكون على المؤتمر أن يقرر بمفرده- كما في مثل هذه الانتخابات- موعد وشروط إجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
ديمقراطية مستلبة
الانتخابات التكميلية-غير الشرعية- عكست رغبة جامحة لدى الحزب الحاكم في الاستحواذ على الساحة ورفض الآخر، بل والخوف من مشاركته كمنافس، في الوقت الذي زادت من رصيد خروقاته وتجاوزاته كحزب حاكم مفترض به أن يتمثل روح الدستور والقانون، وهو بذلك ما برح يقدم نماذج انتخابية غير مسبوقة، وأنماطاً جديدة منها تحاول تكييف العملية الانتخابية عليه وحده، وتقاوم أية تأثيرات محتملة لمنافسيه عبر وضع العراقيل أمامهم ودفعهم خارج المنظومة الانتخابية، تلك التجارب الانتخابية- كانتخابات المحافظين على سبيل المثال، وهذه الانتخابات التكميلية- أفرزت نموذج يمني لديمقراطية مستأنسة منزوعة الأظافر، وليس هذا فحسب، فقد غدت الديمقراطية ذاتها عصا بيد الحاكم لترويض معارضيه، بل وقمعهم!!
وفي المحصلة فإن الحزب الحاكم أنتج شكلاً جديداً من الديمقراطية المستلبة التي لا تخدم معارضيه بقدر ما تقوض من قدرتهم على استخدامها كسلاح فعال في موجهته.
* اختبار القوة وردود الأفعال
على الأرجح أراد المؤتمر (من الانتخابات التكميلية) اختبار جاهزية الحزب وقوته الانتخابية في ظل أوضاع أمنية متفاقمة في العديد من المحافظات التي جرت فيها الانتخابات، وبالأخص محافظات صعده والضالع وحضرموت، وقد مثل ذلك تحدياً حقيقياً بالنسبة له لتأكيد قدرته على تمرير الانتخابات وسيطرته على نتيجتها. الهدف الآخر الذي سعى إليه المؤتمر من خلال إصراره على تمرير تلك الانتخابات بعيداً عن التوافق السياسي وتحت الظروف الأمنية غير المواتية، هو خلق صورة مغايرة، ودحض فكرة عدم استقرار أوضاع البلد وأنه يعيش أزمة خانقة، وطمأنة المجتمع المحلي والدولي على وجه الخصوص أن لا وجود لشيء من ذلك، وان الدولة قادرة على بسط سيطرتها وإنفاذ خططها متى ما أرادات.
البعد الخارجي يبدوا حاضراًً في مثل هذه الانتخابات، ويتمثل في كسب ثقة المانحين الدوليين ومساندتهم، وحثهم على الوقوف إلى جانب النظام باعتباره أحد شركاء العملية الديمقراطية.
على المستوى المحلي، تبدو العملية الانتخابية في مجملها جس نبض لمزاج الشارع، واختبار لحماسته تجاه انتخابات طالما خذلته، ومع تعالي دعوات المقاطعة من قبل المعارضة بدت الرغبة أشد في تحديها من لدن قادة المؤتمر.
الشيء الآخر، أن الانتخابات حملت رغبة كامنة لدى راسمي سياسة الحزب الحاكم لمعرفة رد فعل المعارضة تجاه ما يحدث، ومن المؤكد أن أمر كهذا يتلهف المؤتمر لمعرفته، إذ سيعتبره مقاربة أولية لمعالم الانتخابات المقبلة التي باتت هاجساً ملحاً يضغط على قادة الحزب، وبصرف النظر عن الطريقة التي جرت بها الانتخابات ونسبة الإقبال وحجم المنافسة، فإن إتمام العملية نفسها على هذا النحو دون ادني مبالاة لمدى مطابقتها للأنظمة والقوانين وللاتفاقات الموقعة مع شركاء العملية السياسية، وفي ظل صمت المراقبين الدوليين، كل ذلك قد يغري المؤتمر لإعادة التجربة ذاتها مع الانتخابات النيابية المقبلة، فيشرع باتخاذ قرار مفاجئ يدعوا فيه لانتخابات برلمانية مبكرة!! وسيكون المؤتمر آنذاك قد اعد عدته واستنفر طاقاته وإمكاناته لمواجهة أحزاب المشترك التي ينبغي أن تضع في حسبانها أمر كهذا وتتهيأ للتعامل معه.
تبدو الانتخابات المبكرة نتيجة محتملة فيما لو أمعنا النظر في ما آلت إليه علاقة المؤتمر بأحزاب المشترك في الفترة الراهنة، ونزوع الأول صوب الاستفراد بتقرير مصير الوطن، ورغبته الجامحة في تسوية الملعب الانتخابي بمعزل عن المعارضة، والمرجح أن المؤتمر لم يعد يحرص على تهيئة الأجواء الانتخابية بقدر حرصه على إنجاز الانتخابات ذاتها وبالطريقة التي يريد، وهو لم يعد قادراً على تحمل مجازفة الدخول في منافسة انتخابية نزيهة مع أطراف العملية السياسة، وبالتالي لا نستبعد أن يكون الخيار المفضل لديه إجراء الانتخابات القادمة في أوضاع غير مشجعة وغير مطمأنة لمنافسيه بقصد تشجيعهم على المقاطعة أو جعلهم شريكاً غير مؤثر في العملية الانتخابية، وفي الحالتين فإن خيار الانتخابات المبكرة يلبي طموحاته، لكن خيار إقصاء المعارضة بطريقة أو بأخرى، والبحث عن قوالب شرعية بمعزل عنها ليس بالأمر الهين، وسيكون خياراً مكلفاً جداً بالنسبة للمؤتمر، إذ من تلك النقطة سيبدأ الانحدار الحقيقي نحو الهاوية.
في الخميس 17 ديسمبر-كانون الأول 2009 09:31:05 ص