مسيرة الحياة .. منحة للحياة
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 13 سنة
الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:51 م

(ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)

في الماضي القريب من تاريخنا اليمني كان البطل شهيد الحرية وشاعرها بلا منازع / محمود محمد الزبيري يجول في ميادين الحياة مواجها الاستبداد بقوة كلمته التي وقعت في أذن المستبد كالصاعقة فلم يجد بدا إلا أن يرسل رصاصة الغدر إلى صدر شاعر الحرية الذي خرج من الحياة مدركا أنه وإن مات فقد وضع في هذه التربة الطيبة بذرة الحياة ولا بد أن تنبت يوما من الأيام لتخرج شجرة حياة مثمرة تمتد جذورها في الأعماق وتتوزع فروعها وأغصانها ذات اليمين وذات الشمال ليتفيأ ظلالها جيل قادم ؛ وكذلك كان فقد أنبتت هذه البلدة الطيبة شجرة حياة ذات شموخ وعزة وكبرياء لاتزال تعانق الشمس مقتبسة منها وهج نور يبعث الحياة في الأرض ولاتزال تمتد جذورها إلى الأعماق لتكون وتدا راسخا وثابتا لا يهتز مهما كانت الأعاصير التي تحيط به ، وهانحن أولاء نرى ثمرة تلك البذرة التي ألقاها الأحرار في تربة هذه البلدة الطيبة فأنبتت نباتا حسنا وكانت الثورة السلمية الشبابية التي أرسلت رسالة الحياة للعالم أجمع لتكون هذه الثورة مصدر إلهام لكل من أراد الحياة ،

وأكبر تجليات هذا الإلهام في أيامنا هذه تلكم المسيرة المباركة(مسيرة الحياة ) إنها فكرة ولدت من رحم عبقرية نادرة ، هذه العبقرية التي أدركت معنى الحياة وأدركت سر الوجود ، وآمنت إيمان الغلام المؤمن الذي كان يبسط يده بالحياة وأبى الاستبداد إلا أن يبسط إليه يد القتل ، فكان ذلك كافيا لإيقاظ الشعب من مرقد الذل والهوان إلى ميدان العزة والكرامة .

(مسيرة الحياة ) رسالة واضحة تتجلى فيها معالم الحكمة اليمانية بأبدع صورها وأجملها ، فكأني أرى من وراء هذه المسيرة تاريخا يغوص في اعماق الماضي السحيق مرددا (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) وهو في نفس الوقت يريد أن يعلن للعالم رغبته في صناعة الحياة ، فكيف يكون ذلك ؟ لا بد أن يقدم بين يدي أفكاره هدية لهذا العالم ولابد أن تكون هديته تليق بسموه وعظمته ، كيف لا وهو يستحضر موقف (بلقيس ) : (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) ، فلم تكن هدية الثورة مالا يزول أومادة تفنى ولم تكن مجرد اختبار ولكن كانت الهدية اليوم هي هذه المسيرة المباركة : (مسيرة الحياة ) ......

والسؤال الذي يفرض نفسه : هل سيفهم العالم هذه الرسالة ؟ وكيف سيفهمها ؟

فإنه لاشك أن شباب الثورة قد تمكنوا برسالتهم هذه من فضح الاسبتداد العالمي الذي تتزعمه قوى الحضارة الغربية ومن سار في فلكهم .

فهم – إذا - لم يحرجوا الاستبداد داخل اليمن فقط لكنهم أحرجوا رؤوس الاستبداد الغربي ـ والدليل على ذلك هو ظهور أحد أدعياء الديموقراطية وسفيره السفيه ليصرح بلسان قد ولغ في مستنقع الاستبداد قائلا :

(إن هذه المسيرة هدفها الفوضى ) ثم هو يؤكد على أن المجتمع الدولي سوف يسعى لضمان الحصانة القضائية للرئيس المخلوع وأركان نظامه .

ألا يحق لنا أن نقول – إذا - : إن شباب هذه المسيرة قد كشفوا القناع الذي كان يخفي الوجه القبيح للديموقراطية الغربية .

بل لقد كشفوا الستار القاتم الذي تتخذه الحضارة الغربية ترسا لها رغم أنها تتشدق ليل نهار صباح مساء بالديموقراطية وحقوق الإنسان ،

إن الديموقرايطة الغربية هي أبشع صور الاستبداد ، فأي معنى لحرية لا تقيم وزنا للإنسان إلا إذا كانت المصلحة هي التي تحدد إنسانيته .

وأي معنى للحرية التي تقدم للآخر على أنها مكرمة وليست حقا ، تقدم وهي مكبلة بشروط قاسية وعليها أغلال من التهديدات .

أي معنى لهذه الحرية ....

أليست هي صورة قبيحة أشد قبحا من الاستبداد وأكثر سوءا منه ، فلا تأتي إلا بالشر ، لأنها شجرة خبيثة سقيت بماء الغل والحقد والبغضاء ؟!

نعم إن الديموقراطية الغربية شجرة خبيثة منتنة ظهر خبثها مع طلائع الربيع العربي ، وامتلأت قلوب الغربيين غيظا وكمدا وهم يشاهدون الشباب يعلمونهم دروس التضحية ويلقنونهم أبجديات الحرية ، لكنهم تعاموا عن ذلك وصموا ، فلم يبصروا إلا مصالحهم ولا تتجه أسماعهم إلا تجاه صوت المصلحة وكفى ؛ وإن أردت أن تعرف وجهها القبيح عن قرب فانظر إلى العلمانية الموالية للغرب قلبا وقالبا كيف هاجت وماجت وهي ترى نفسها خارج العملية الديموقراطية ، وعما قريب ستكون خارج التاريخ إن شاء الله .

إن (مسيرة الحياة ) هي رسالة تحمل مستقبلا لليمن والعالم شرقه وغربه ، هذا المستقبل الذي يسقى الآن بدماء الأحرار وتضع لبنات بنائه الشامخ أجساد آمنت بالحرية كما يريدها الله ، لا كما يريدها البشر ؛ حرية واسعة الأفق ، لا تضيق بأحد أيا كان عرقه ومذهبه ، ولا تنصب نفسها وصية على أحد ولا تمد يدها إلى الغرب تتسول منه فتات فكره العفن ، فلا ترجع منه إلا بصديد ثقافته وقيئ أفكاره ..

إن ( مسيرة الحياة ) رسالة تستوعب كل متغيرات الحاضر والمستقبل لأنها قد غرست في عقل كل يمني وأصبحت جزءا من خلايا دماغه ، وجزءا من مكونات دمه ، وأصبحت بمثابة لقاح يمنح جهاز المناعة قوة إلى قوته ، وهذه المسيرة منحته مناعة فكرية ، لكنها المناعة القابلة للمتغيرات في ظلال الحرية والثوابت الإنسانية ؛ إنها المناعة التي بسطت يدها بسطا يعزز معاني الحياة ويقضي على رائحة الموت التي ابنعثت من جسد الاستبداد الذي أصبح جثة هامدة متعفنة إلا أن الذين يعيشون على رائحة هذه الجثة لا يزالون يحومون حولها منتنة أجسادهم تتحرك كلما وجدت فرصة لتنشر في أرجاء هذا المجتمع عفنها ونجسها .

وانظر من يحوم حول جثة الاستبداد هذه لن تجد إلا كل لئيم قد بلغ منه اللؤم كل مبلغ وتطايرت من عينيه شرر الحقد الدفين ، وفاحت منه رائحة الرذيلة ، فكأن جسده كان قبرا لها ، فجاءت هذه الثورة السلمية المباركة ففضحته أمام الملأ .

إن ( مسيرة الحياة ) رسالة للتاريخ كله ترسم في معالمه كلمة الحرية بأحرف من نور ممزوجة بلون دمائها الطاهر ، ليكون التاريخ شاهدا على جرائم الاستبداد وحاميا للحقوق الإنسانية على مبدأ (ولقد كرمنا بين آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) .

إنها رسالة الحرية المتجردة من المصلحة الآنية والأثرة القاتلة.

إنها رسالة تجعل الإنسان - أي إنسان - يتبوؤ المنزلة التي تليق بإنسانيته مستهدية بنور قول الله :

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجلعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )

هذه هي رسالة هذه المسيرة للتاريخ فهل سيحافظ التاريخ على هذه الرسالة؟ أم إن أيادي الاستبداد ستمتد إليه لتعبث بصفحاته كما عبثت به من قبل ، وتقلب الحقائق لتكون متوافقة مع أهوائها!!

وأستميحك - عزيزي القارئ – عذرا في أن استعجل الرد فلست بقادر على الصبر لأقول : كلا وألف ألف كلا ؛ فقد ذهبت عهود التزييف وقطعت أيادي الاستبداد وأصبحت لا تتحرك إلا في الظلام على خوف وهلع ، فلو أرادت أن تمتد لتاريخنا منذ اليوم فسوف تصاب بالشلل ، الشلل الناتج عن شلل فكري نابع من دماغ يضخ إليه دم نجس من قلب ميت ، أماته حقد دفين وبغض عميق ، ولم يعد أمامه إلى أن يدفن غير مأسوف عليه في مزبلة التاريخ .

(مسيرة الحياة ) رسالة لن تتوقف أصداؤها بين جبال اليمن وأوديتها ولكن أصداءها ستتردد في آفاق الكون ليشرق الكون من جديد بنور شمس الحرية ، فينعم الجميع بدفئها لنتذكر يوما سطعت فيه شمس الإسلام على الغرب فاخرجته من وصاية الكنيسة إلى رحاب العلم والمعرفة ، واليوم ستخرجه من حدود الديموقراطية الضيقة إلى آفاق الحرية الواسع ،

اليوم سنعطيهم نحن دروسا في الحرية لم تكن في منهاج ديموقراطيتهم وسنتمم لهم المنهاج الناقص ونكمل لهم النص المفقود .

إن (مسيرة الحياة ) وهي تخطو خطوات ثقة وأمل لترسم مع كل خطوة من خطواتها خطا في خريطة المستقبل تلكم الخريطة التي جعلت مرتكزها وحدودها (الحرية ) لتكون واضحة للأجيال ، يتتبع خطوطها خطا خطا ليكمل هذه المسيرة وقد أصبحت الرؤية له واضحة كل الوضوح ، منطلقا من هذا المركز الأساس .

والأعجب في أمر هذه الخريطة أنها تستوعب الجميع لأن حدودها كما قلت هي (الحرية ) ولا غير الحرية ؛ فإن كان لنا أن نفخر بشيئ فلنفخر بهذه المسيرة المباركة التي سيقرؤها أحرار العالم بكل اعتزاز ، وسيتجهون إليها ليلتمسوا منها غرفة من بحر المعاني الإنسانية أو رشفة من منبع الحرية الذي لن ينضب مهما تعددت المسالك التي يسلها والأودية التي يحييها ...

إن (مسيرة الحرية ) ليست مجرد مسافة جغرافية بين تعز وصنعاء ولكنها مسافة تاريخية واسعة فتحت آفاق المستقبل وارتسمت في ذهنية الإنسان اليمني لتكون هي الذاكرة التاريخية التي تغذي ذاكرته الفكرية بمعاني للحياة تتجدد مهما تقادم الزمن وتوالت الأجيال ، إنها أنفاس حياة تلقفته رئة الطبيعة اليمنية تمدها بروح الحرية التي لا تعرف الموت والفناء.

إنها حياة جديدة لأجيال أخرى تستمد من أنفاس هذه المسيرة وذكرياتها ما يجعلها تختصر الزمان وتتجاوز متغيراته سائرة على هدي هذه المسيرة لا تخاف إلا الله ، لتخرج الأنصار المساندين للحق من جديد ، وليتحرك أحفاد الأوس والخزرج مبايعين على الموت من أجل حياة الأمم والشعوب .

فهل ستتمكن الأنظمة والشعوب من قراءة هذه الرسالة قراءة واعية ينتج عنها فكر يقدس الحياة والحرية لكل بني البشر ..هذا مانرجوه بإذن الله ...

وحينئذ فينبغي أن نعلم أن من قابل مسيرة الحياة برصاص الموت هم قوم قد انتزعت منهم كل معاني الإنسانية فلم يبق منها في قلوبهم مثقال ذرة وأصبحت قلوبهم مستودعا لايتسع إلا للشر والحقد وأنفاسهم لا تملأ الكون إلا نتنا ، ولا تملأ الحياة إلا رجسا ، فكأن أجسادهم نبتت في مستنقع دماء نجسة ، حتى إن الشيطان ليأنس وهو يلعق تلك الأجساد ليكونوا هم مددا للشيطان وملجئا يلجأ إليه كلما شعر بضعف قواه الإبليسية ، فعليه وعلى أوليائه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .